قبل مناقشة اهم التحديات التي تواجه برامج ومبادرات ومشروعات ادارة المعرفة في البيئة العربية لا بد من القول ان البنيان النظري العلمي والتكنولوجي والتجارب والخبرة الانسانية المرافقة لهذا البنيان قد كان نتاج الجهود الفردية الجماعية والمؤسساتية في الغرب المتقدم. ولا يختلف حال ادارة المعرفة عن حقول العلوم والتكنلوجيا الاخرى من حيث العقل الذي انتجها والارض التي ولدت فيها والبيئة التي احتضنتها والثقافة التي اردفتها بشآبيب الفكر اللماح الى كل ما هو جديد ومبتكر . ولذلك، فإن الحاجة التي تلح علينا بعد نقل هذه الافكار والعلوم هو تكييفها وتطبيعها والنظر في فرص نجاح استزراعها وبالتالي استنباتها في ارضنا.
ان ما تحتاجه ادارة المعرفة هو معرفة بوسائل تبيئة حقول (المعرفة) بشتى الوانها في ارضنا وتحت سمائنا وبدون ذلك ستبقى نماذج جاهزة وتكنولوجيا مستوردة ونظم وهياكل صماء لا روح فيها ولا حياة.
ان برامج ومشروعات ادارة المعرفة يجب ان تجيب عن اسئلة الواقع العربي، واقع إداراته، اقتصادياته، منظماته، وقبل ذلك هموم انسانه. ان الاسئلة الصحيحة التي تستنطق الواقع تتطلب اجابات صحيحة غير جاهزة ذلك لأن اخطر ما يواجه عمليات ادارة المعرفة هو جاهزية الحلول واستيراد النماذج من دون تحليل ومقاربة . ويمكن اجمال اهم تحديات ادارة المعرفة في بيئتنا العربية بما يلي :
• التحديات الثقافية والاجتماعية :
1- التشكل الكاذب للوعي :
يشير افلاطون في تراثه العظيم الذي تركه لنا ان بعض الناس يميلون الى تصور الواقع الموضوعي لا طبقاً لحقيقته وانما وفقاً لما يصور لهم وهم بذلك لا يقرئون واقعهم كما يجب قرائته بل يتلبّسون واقعاً آخر بل قل وهماً آخر .
وبنظر فيلسوفنا افلاطون فان بعض الناس وكانهم يعيشون في قعر غار ملتفتين الى جدرانه قهراً فلا يرون سوى الاشباح المتحركة عليه دون ان يفكروا ان هذه الاشباح ليس الا الاشخاص يأتون ويذهبون وراء ظهورهم، وان ناراً اوقدت بين باب الغار واولئك الاشخاص هي التي تلقي ظلهم في صورة اشباح متحركة على الجدران ودون ان يشعروا خاصة وان الحقيقة ليست في تلك الصورة الوهمية ولا في النار التي تصورها لأبصارهم المسحورة بل هي خارج الغار في ضوء النهار وتحت الشمس الساطعة (7).
اذن المشكلة في توهم الواقع ومقابلة المعرفة الجاهزة بالواقع الذي نتخلية وليس الواقع الذي نعيش فيه ونريد تقديم اجابات لأسئلته التي تلح علينا باستمرار ، وطالما هناك انقطاع ما بين الواقع الغريب عن المعرفة التي جائتنا من بعيد فان الحل الوحيد لهذه الاشكالية المعضلة يكون فقط من خلال تجديد التفكير في المعرفة كخطوة اولية لا بد منها لتبيئة واستزراع واستنبات هذه المعرفة في بيئتنا.
2- الخروج من دائرة البطل الملهم:
ان الخروج من دائرة البطل الملهم يعني بصورة او باخرى الخروج من القداسة المزيفة للمعرفة المشخصنة للأنا العليا التي يمثلها المدير في الادارة العربية ، الحاكم في السياسة العربية، والولي وصاحب الكرامات في المثيولوجيا الشعبية.
وفي كل هذه الاحوال والصور تبقى الأنا العاجزة للأنسان، العامل، الموظف، المثقف والخبير في حالة تلقي من الأنا العليا وتصل الى مستوى تنفي عن هذه الأنا للعليا ما قد يكون فيها من نقائص لأنها تريد ان يكون كل ما تؤده من قدرات ومزايا موجوداً في بطلها (8).
ان المعرفة التي يجسدها البطل، صانع القرار الملهم هي الكمال ومطلق القدرة في تحقيق الاماني والاحلام المكبوتة والمتوارثة وهي بالتالي تعبر عن الحقيقة الملهمة من ناحية كما تمثل بالنسبة للأنا العربية العاجزة او التي تتوهم العجز الاشباع الكامل والمطلق للرغبات المكبوتة في اللاوعي من ناحية اخرى . ولهذا نحن نعتقد ان الوقت قد أزفَ نخرج من دائرة الحلم المستسلم لهمسات العجز انتظاراً للمخلص، المنقذ، للبطل الملهم صاحب المعرفة والحقيقة؟
3- الدخول في دائرة الحداثة:
ان العقل العربي المعاصر لم يساهم في بلورة الحداثة في القرنين التاسع عشر والعشرين وبالتالي فان كل الفتوحات العلمية والانجازات الحضارية والتكنولوجية قد تحققت من دون اي مشاركة فعلية للعقل العربي . نعم كانت مساهمات اجدادنا اصلية وحاسمة ومهمة في بناء وتطوير النهضة الاوروبية والغربية. كان هذا دورهم في الماضي، اما نحن فقد مضى وقت طويل ونحن لم نبذل اي جهد لتشكيل معرفة تاريخية كاملة بل نحن لم نمر حتى بمرحلة الحداثة الكلاسيكية ، ولذلك نحن مضطرين كما يقول محمد أركون الى تأسيس مركز بحث علمي يشبه بيت الحكمة الذي أسسه المامون في القرن الثالث الهجري لنقل الفكر الاوروبي والمعرفة الغربية. ويرى اركون انه لا بد للعرب من المرور بهذه المرحلة من اجل ممارسة العقل المستقل لأول مرة في تاريخهم ، ينبغي ان يخرج العربي من السجن الذاتي للذات ، ينبغي ان ينتهي العصر الايدولوجي العربي يوماً لكي يحل محله العصر الابستيمولوجي المعرفي العميق . لقد مللنا من الضحيج والعجيج الايدولوجي (9).
نعم نحن بحاجة لكي نخرج من السجن الايديولوجي الى فضاء المعرفة لكي نمارس ونستفيد من استقلالية العقل العربي (المتحرر كما قلنا آنفاً من اوهام الواقع واستلاب النماذج الايديولوجية الجاهزة). وعندما يتحرر العقل العربي من عقاله عندئذ يمكن ان يمارس حرية التفكير في انتاج المعرفة ، تحصيل واستقطاب المعرفة ، وتحقيق التراكم التاريخي المطلوب للتحول الى الحداثة بمعانيها العميقة غير المادية.
4- النقد الذاتي للعقل العربي :
لا يكفي مشروع محمد عابد الجابري في نقد العقل العربي ومشروع محمد اركون في نقد العقل الاسلامي من نقل ثقافة النهضة، ثقافة المعرفة بالذات والاخر الى مستوى الفعالية التاريخية المطلوبة للدخول في الحداثة من موقع المشاركة والشراكة الايجابية، فاعمال الجابري واركون وبرهان غليون وهشام شرابي وغيرهم هي ومضات رائعة ولكنها غير كافية لإحداث التغيير بل ما نحتاجه هو العمل العقلي الجماعي و المؤسساتي الذي يتولى اعادة التفكير بقديم وجديد فكرنا ومعارفنا وثقافتنا. ان العقل العربي تحكمه النظرة المعيارية للأشياء ذلك لأنه يتجه في التفكير بالاشياء الموجودة حوله من خلال مقاربتها بنظام القيم فكل شيء يُحاكَم من خلال هذا النظام وبالمقابل توجد النظرة الموضوعية التي تبحث عن الاشياء ومكوناتها في الواقع (10).
وبالاضافة الى النزعة الاختزالية للعقل العربي في تعامله مع الاشياء ومعطيات الفكر وحقول المعرفة فانه لا يتعامل في كثير من الاحيان الا مع الالفاظ ويمضي ورائها اكثر من تعامله مع المفاهيم . كما ان آلية العقل العربي في تحصيل المعرفة هي المقاربة (القياس البياني) والمماثلة (القياس العرفاني ) (11) . ان منهج المقاربة يفيد لفئة العلوم النظرية ولكنه يعجز عن مجاراة اسئلة العلوم التجريبية والطبيعية. اما المماثلة فتقع خارج حقول العلم وبالتالي لا تحكمها قضايا العقل. وطالما بقي العقل العربي خاضعاً لسلطة اللفظ دون المفهوم ، الشكل دون المضمون فانه سيبقى عاجزاً في بناء الخطاب المعرفي النهضوي لأنه خطاب تقوده العاطفة لا العقل والانفعال تارة والتضخيم وبالاخص تضخيم الذات المستلبة تارة اخرى.
ان عمل ادارة المعرفة لا بد ان يستند على وعي اصيل للعقل العربي في رؤيته للحاضر وفي تجاوبه مع الواقع التاريخي المعاش ومع التجربة الفردية لأمتنا ، فنحن لدينا طاقات كبيرة كامنة واصلية، وفي ثقافتنا العربية والاسلامية نزوع انساني قوي نحو المشاركة بالمعرفة من خلال الحوار والانفتاح .
5- الانتقال الى المعرفة والثقافة المدّونة :
ان المكانة المركزية للمعرفة الضمنية غير الصريحة وغير المرمزة لا يعادل قيمتها في تاريخنا سوى اهمية دور المخيال الجماعي للعرب والمسلمين وما يتضمنه من رموز اثرت ولا تزال تمارس تأثيراً عميقاً في الوجدان الديني والقومي. ان مخيالنا الجمعي من رموز امتنا بعد سيد المرسلين والعالمين نبينا ومعلمنا محمد صلى الله عليه وسلم من امثال علي بن ابي طالب، والحسين، وعمر بن الخطاب، وعمار بن ياسر ، وابو ذر الغفاري وغيرهم سيظل يمثل القوة الكامنة والطاقة الروحية التي يمكن استثارتها في ميادين العمل والجهاد. غير ان المعرفة الضمنية والثقافة الشفهية التي تستدعي عند الحاجة هذا المخيال الجماعي لم تعد ملائمة لتلبيةحاجات عصرنا ومشكلات استقطاب المعرفة في جميع ميادينها وحقولها. ان الميل النفسي الشديد نحو المعرفة المضنية والإستقواء بالذاكرة قد أفقد امتنا جزءاً كبيراً من تراثها الفكري والثقافي والعلمي وقد كانت الخسارة فادحة وتاريخية حتى يمكن القول ان عدم الاهتمام بتسجيل وتوقيق المعرفة العربية قد كان احد اسباب تدهور حضارة الامة وانحطاطها. اما اليوم فان مسألة توثيق وترميز المعرفة الضمنية وتحويلها الى معرفة صريحة مدونة قد اصبحت مسالة هوية لأن العقل الشفوي لا يمكن ان يملي مقولاته ولا ييستطيع في هذا العالم المعقد ان يثّبت هويته ويفرض مقولاته على الاخرين. ان الانتقال من المعرفة الضمنية الى الصرحية، اي بمعنى الاهتمام بتوثيق وترميز المعرفة الضمنية يعني ايضاً الانتقال من تأمل الذات التي تستعيد نفسها وتجتر ذكرياتها الى الذات التي تفهم ذاتها وتتامل العالم والطبيعة لارتيادها واستكشافها (12). باختصار، يجب ان تكون الاولوية للكتابة على القول ، وللقراءة على الحكاية، والفهم بدلاً من سرديات اللفظ. ان المعرفة النصية المكتوبة باعتبارها الشرط الموضوعي لضمان التراكم المعرفي هي مقدمة التغيير . فالتغيير في عالم اليوم لا يتم بالكلام وانما من خلال الفهم وممارسة الفعل الانساني الهادف.

6- مغادرة خطاب الهيمنة الى خطاب المعرفة:
الخطاب الايديولوجي الذي يفيض بين ظهرانينا لا يخلو من ارهاب الفكر الاحادي المنغلق الذي يسعى باستمرار الى مصادرة الوعي واستلاب الذات وتثبيت الهيمنة على الآخر. الخطاب الايديولوجي الاحادي لا يثير كعادته الاسئلة وانما يقدم الاجوبة الجاهزة التي يريدها رداً على التساؤلات المسموح بها ولا ينتظر من الآخرين سوى هز الرؤوس بالموافقة او الركون الى الصمت. ويعتمد هذا الخطاب على الكلمة المحكية ، وتوصيف ما يجب أن يكون والتبشير بما يجب ان يكون من دون الافصاح عن وسائل تحقيق المستقبل. هذا الخطاب الاحادي التقليدي والابوي يجب ان يغادر مسرح حياتنا ليحل محله خطاب المعرفة العقلاني الذي يطلب المعرفة للتنوير والمشاركة وليس من أجل تثبيت الهيمنة ، هيمنة المدير او الحاكم او السياسي .
خطاب المعرفة لا يقوم على الموافقة وانما على المخالفة وا ستشارة الرأي الاخر والتساؤل المستمر للتزود بالصدق واليقين وبالتالي لا يفيد هذا الخطاب الا في تعميق ثقافة الحوار وتعزيز عملية المشاركة بالمعرفة بينما يعزز الخطاب الايديولوجي آليات ممارسة السلطة وبناء علاقات التبعية.
7- الانعتاق من النظام البطريركي:
في النظام البطريركي الهرمي لا توجد مشاركة في المعرفة وانما إستلام وقبول بما يقوله البطريك الاب، الشيخ ، المدير ، المعلم أو الحاكم، ويوجد في هذا النظام – البنية نوع من القهر اللاقسري كما يقول غرامشي عندما تنهض ثقافة البطريك لكي تكون ثقافة بالتبعية للاخرين (مثلما تقوم ثقافة المُستعمَرْ على ثقافة المُستَعمِر بالتبني اللاقسري) (13).
هذا النظام كان موجوداً في الماضي بالقبلية وبقي هذا النوع القديم للتشكل الابوي في العائلة والمجتمع العربي وكل التشكليلات الاجتماعية المنبثقة عنه التي اطلق عليها هشام شرابي المجتمع الابوي الحديث. نعم في هذا المجتمع تظهر بوضوح علامات السلطة والهيمنة والتبعية وبالتالي يتّجه الولاء الفردي للعائلة او العشرية او الطائفة ومن هنا تبدأ جذور العصبية بالنمو حين يدعو الرجل الى نصرة عصبيته ومؤازرتهم ظالمين كانوا ام مظلومين ، ويبدو أن هذا الشعور الجمعي الكامن والمتوارث لا يموت حتى وان غاب في لحظة لأن غيابه في الوعي لا يعني عدم وجوده في العقل الباطن او اللاوعي، وبخاصة عندما يتم تغذيته باستمرار بقيم النظام الاجتماعي الابوي الذي لا يسمح بفرص التبادل الحر للمعلومات والمشاركة الايجابية في انشطة تكوين المعرفة ، استقطاب المعرفة، نقل المعرفة ، والمشاركة بالمعرفة .
8- نقد العقل الاخلاقي للمدير العربي :
العقل الاخلاقي للمدير العربي هو تجلي العقل الاخلاقي العربي (15) في الممارسة الادارية وفي العمل الاداري بغض النظر عن طبيعة المنظمة ونوع النشاط الذي تقوم بتنفيذه او البيئة المحلية التي توجد فيها .
ان مرجعية العقل الاخلاقي للمدير العربي هي النظم الاخلاقية الثلاثة :
أ*- نظام القيم الاسلامية (او العقل الاسلامي الخالص) وذلك باعتبار ان الاسلام نظام قيم يوجه سلوك الافراد والجماعات روحياً وعملياً.
ب*- الموروث العربي بمرجعيته البدوية والريفية ويتمثل بقيم البداوة والريف والتي انتقلت الى ثقافة المدير العربي واسلوبه في الادارة والعمل.
ت*- واخيراً قيم الحداثة التي تلتقي في احيان مع النظم القيمية السابقة ولكنها تدخل في صراع مع النظم في بعض الاحيان .
وفي كل الاحوال يقع العقل الاخلاقي للمدير العربي تحت ضغط ازمة الضمير الديني وتحت وطاة الضغوط العائلية والعشائرية والقبلية والطائفية وحتى المناطقية والتي تقوم بمجملها على عنصر القرابة والدم وتاثير اللاشعور الجمعي الطائفي او العرقي.
هذا يعني ان للعقل الاخلاقي العربي قوى دافعية تتصارع السيادة في التأثير المباشر على السلوك. ومن بين هذه القوى قوة الضمير الديني واللاشعور الجمعي ومنه اللاشعور الطائفي الذي يستند على الذكريات ذات القيمة الروحية والوجدانية المشحونة بالحزن والالم. وكان من نتائج تصارع هذه القيم والمنظومات الاخلاقية في العقل العربي تشكل ظاهرة الازدواجية الاخلاقية والسلوكية للمدير العربي الذي يتمظّهرْ بسلوك خارجي يقتضيه العمل وعلاقات السلطة وبين حقيقة السلوك الداخلي والمشاعر والافكار الذاتية التي لا تتنفس غالباً الا في الخفاء وبالتالي فثمة اخلاقية للعلن واخلاقية اخرى للخفاء (16).
ان البنى التقليدية (القبلية، العشائرية، العائلية) تمارس تأثيراً كبيراً على المدير العربي وهي تلعب دوراً قمعياً في علاقتها معه، إنها تمارس القهر اللاقسري في الوقت الذي تحميه عند الضرورة ، بل وتنظر العشيرة والطائفة الى الوظيفة التي يمارسها المدير العربي بأنها امتداد لنفوذها وسطوتها من خلال هذه الوظيفة، وبالمقابل تُظلِّلْ القبيلة والطائفة الفرد بنوع من الحماية ليس كفرد مستقل له حقوق وانما كخلية فيها(17) .
9- التوظيف الايديولوجي للخطاب الاداري لسد النقص المعرفي:
ان المشكلة الجوهرية التي يواجهها المدير العربي بصفة دائمة تتصل بنقص المعرفة بالذات ، نقص المعرفة بالآخر ونقص المعرفة بالواقع. جوانب النقص المعرفي تؤدي الى الكسل الفكري والميل الى تبني الافكار الادارية والنماذج التنظيمية الجاهزة كما تقود الى تغطيةهذا النقص بخطاب اداري يستعرض الانجازات دون الاخفاقات، المزايا دون العيوب، والتهويل من نقاط القوة دون اي ذكر لعناصر الضعف البنيوية والوظيفية في المنظمة العربية .
10- تقديس اللامقدّس:
تقديس الانسان (اللامقدس) لصفته الوظيفية والسلطوية هي محاولة لإضفاء صفات مطلقة ليست من خصائص البشر ومثال ذلك المماثلة بين مدح المدير ومدح الامير وبخاصة عندما نرفع من قدر المدير والمسؤول الى مستوى لا يستحقه. وتعود جذور هذه المماثلة بين المقدّس والمدنس الى الحضارات الشرقية القديمة (السومرية، البابلية، الآشورية والمصرية) كما نجدها بصورة واضحة ومبالغاً فيها في الحضارة الفارسية القديمة، وهذه الحالة تدفع المدير الى الاستبداد حتى تبدو الصورة قريبة جداً من تلك الصورة التي يسميها هيجل او مونتسكيو المستبد الشرقي