رغم توافر الكوادر وتزايد أعداد البطالة بن السعوديين إلا أن وزارة الصحة تصر على توظيف أجانب رغم وجود مواطنين يبحثون عن عمل.

وما يزيد الاستغراب وجود من يحمل رخصة مزاولة مهنة أو مؤهلين لشغل تلك الوظائف التي يحتلها الأجانب ويبحثون عن عمل، وتزيد حدة التناقض عندما تطلب الصحة من المتقدمين للوظائف من طلاب المعاهد والكليات الصحية الانخراط في برامج دراسية يدفعون رسومها من حسابهم الخاص، وذلك للحصول على وظيفة وفي النهاية لا يتم ذلك ويبقى الأجنبي على رأس العمل والمؤهل للقطاع الصحي الخاص، أو يتجه إلى مجال آخر ليحصل على لقمة عيشه، وفقاً لصحيفة "الوطن" السعودية.

وصنّف حقوقيون واقتصاديون عدم قدرة الجهات المسؤولة عن توظيف خريجي المعاهد والكليات الصحية من الجنسين بالأمر الشاذ في مقاييس التخطيط والإدارة، يعود سببه إلى سوء آليات التعامل مع أزمة البطالة في هذا القطاع من قبل وزارة التخطيط والعمل والصحة والخدمة المدنية، فمشاكل البطالة المستعصية تكمن في خلق الوظائف، والقطاع الصحي لا يعاني من هذه المشكلة، بل يعاني من عدم فتح المجال للسعوديين للعمل به على الرغم من توفر الوظائف.
مؤهلون دون وظائف
ودعا رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في المملكة الدكتور مفلح القحطاني الجهات المسؤولة إلى سرعة توظيف خريجي المعاهد والأكاديميات الصحية، معتبراً ذلك حقا مشروعا لهم ولا بد من تحقيقه على وجه السرعة.

وقال القحطاني إن تقدُّم عدد كبير من الخريجين مؤخرا بشكاوى إلى جمعية حقوق الإنسان، تتعلق بعدم توظيفهم بالرغم من التحاقهم ببرامج دراسية دفعوا رسومها على حسابهم الخاص، وبالرغم من تخرجهم وحصولهم على المؤهلات المطلوبة ورخص مزاولة المهن، والتي وُعدوا عند حصولهم عليها بتوفير الوظائف لهم، إلا أن ذلك لم يحصل.

وقال "إن هذا الأمر فيه ضرر على الخريجين يجب إزالته، ولا بد من تمكينهم من التوظيف وفق مؤهلاتهم، وأضاف "إن خريجي المعاهد والأكاديميات الصحية لم يدرسوا ذلك التخصص، إلا بناء على وعد بتوظيفهم بعد تخرجهم، فالمؤسسات الراعية لتلك الأكاديميات وكذلك وزارة الصحة، لم تف بما وعدت الدارسين به، وذلك نتيجة قصور في آليات توظيف هذه الفئة في القطاعين العام والخاص".

وأضاف "أن تعذّر المستثمرين في القطاع الخاص والمسؤولين في القطاع الحكومي عن توظيف هؤلاء الخريجين، هو بمثابة دفعهم إلى الهاوية، والرؤية في التعامل مع أولئك الشباب غير واضحة، وتشوبها ضبابية، والجمعية تشعر بمأساة هؤلاء الشباب، وتتابع مشكلتهم، ولا شك أنهم يشعرون بالإحباط".
برنامج تأهيلي للخريجين
وأشار رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان إلى وجوب إعادة النظر بصورة عاجلة في آليات التوظيف بالقطاع الصحي الخاص، وإيجاد أفكار خلاقة تمكن المستثمر في هذا القطاع من الربحية التي يطمح إليها، وفي الوقت نفسه توفر الشعور بالأمان الوظيفي للموظف السعودي وطالب العمل بصورة تحقق التساوي النسبي بينه وبين زميله الموظف في القطاع الحكومي، لافتاً إلى أن هذا لن يحدث إلا إذا وجدت أفكار جديدة لتحديث وتطوير آليات الوضع القائم في هذا القطاع، وقال "الوضع القائم حالياً لا يسمح بتحقيق هذا المطلب إلا في المؤسسات الصحية الكبيرة والعملاقة القادرة على إحداث برامج نوعية تستهدف تحقيق استقرار وشعور بالرضا الوظيفي".

وشدد الدكتور مفلح على وجوب توفير برنامج تأهيلي للخريجين الجدد من قبل الجهات الموظفة لهم، يمنحهم الجرعات اللازمة للاندماج في سوق العمل، على أن يكون هذا البرنامج قابلا للقياس والتقويم، ويتحدد في ضوئه صلاحية الموظف وقدرته على العطاء والاستمرار في العمل، مما يمكّن الموظف من تجاوز شرط الخبرة الذي يمثل حجر عثرة في طريق التوظيف.

وأضاف "إن الأمر يحتاج تدخل الدولة لدعم رواتب السعوديين في القطاع الصحي الخاص من خلال عدد من العروض مثل (تحمّل العلاوات، أو التأمينات الاجتماعية، أو التأمين الصحي) وذلك لتمكّن الدولة المستثمر من تحقيق ربح معقول مقابل خلق وظائف حقيقية للشباب والشابات المؤهلين في الخدمات الصحية".
الصحة الأقل "سعودة"
ومن جانبه، يرى المحلل الاقتصادي فضل البوعينين أن القطاع الصحي بالمملكة من أقل القطاعات تطبيقا للسعودة على الرغم من أهميته الاقتصادية والحيوية الموفرة للوظائف.

وقال البوعينين إنه من اللافت للنظر وجود تناقض في القطاع الصحي، حيث يوجد ارتفاع في نسبة العاطلين السعوديين المؤهلين للعمل بهذا القطاع، مقابل وجود موظفين أجانب قد لا يحمل بعضهم مؤهلا وقد يكون لدى بعضهم شهادات مزورة، وهذا يعد أمرا شاذا في مقاييس التخطيط والإدارة، ويعود سببه إلى سوء إدارة التعامل مع أزمة البطالة في هذا القطاع".

وأضاف "وبالتركيز على القطاع الصحي بشكل عام يفترض أن تقوم الحكومة بصناعة الكادر الصحي، طالما أن الوظائف موجودة ومتوفرة، فمشاكل البطالة المستعصية تكمن في خلق الوظائف، بينما القطاع الصحي لا يعاني من عدم توفر الوظائف التي يجب خلقها، بل يعاني من عدم فتح المجال للسعوديين للعمل في الوظائف الكثيرة المتوفرة فيه".

وأشار إلى أنه من المستغرب الذي لا تفسير له أن يعاني خريجو المعاهد والأكاديميات الصحية السعودية من بطالة يمكن أن يتغلب عليها وتحل بسهولة تامة.

وتساءل البوعينين قائلاً "إذا كانت وزارة الصحة ووزارة العمل والخدمة المدنية لا تعترف بخريجي المعاهد والكليات الصحية، ولا تقبل توظيفهم، فمن صرّح لهذه المعاهد والكليات بالعمل في المملكة؟ ولماذا؟".
80 % من الوظائف يشغلها أجانب
وكانت وزارة الصحة، أعلنت عن خطط إحلال السعوديين لشغل حوالي 80% من وظائف الخدمات الصحية بالمملكة التي يعمل بها موظفون غير سعوديين.

وأكد مصدر مسؤول بمكتب العمل أن نظام سعودة القطاع الصحي الأهلي المعمول به حاليا في وزارة العمل يقضي بتخصيص نسبة 10% للمنشآت التي يعمل بها 50 عاملا وأقل، و15% للمنشآت التي يتجاوز عدد العاملين فيها 50 عاملا. وقد عللت الوزارة ذلك بندرة الكوادر الصحية السعودية المدربة، في حين ألزمت الوزارة القطاع الخاص بسعودة الوظائف الإدارية بالكامل.

وتشير دراسات إحصائية في هذا المجال، إلى أن نسبة السعوديين في القطاع الصحي تقل عن 1% في القطاع الخاص، وتؤكد الدراسات حاجة سوق العمل بالقطاع الصحي في المملكة إلى عدد كبير من الكوادر الصحية مثل "ممرض، فني صيدلة وفني أشعة"، وغيرهم، يصل إلى 950 ألف فني صحي خلال العقدين المقبلين.
استراتيجية ملاءمة الأجر
وأعلنت وزارة العمل على موقعها الإلكتروني استراتيجية التوظيف السعودية الحديثة التي ذكرت أنها تستهدف توفير فرص عمل كافية من حيث العدد، وملائمة من حيث الأجر، تؤدي إلى توظيف كامل للكوادر الوطنية، وتحقق ميزة تنافسية للاقتصاد الوطني. ما يؤدي إلى تنمية رأس المال البشري، والارتقاء بالإنتاجية.

وتستهدف الاستراتيجية السيطرة على البطالة خلال سنتين ابتداء من هذا العام من خلال حصر وتصنيف جميع الوظائف المتاحة، مع تحديد أسباب عدم الملاءمة إن وجدت، بالتزامن مع وضع برنامج تأهيلي لطالبي العمل.

كما خصت الاستراتيجية المواطنات بعناية عن طريق (سياسة التوسع في توظيف المواطنات الراغبات في العمل) وإنشاء وحدات توظيف نسائية في مكاتب العمل، وأخرى في صندوق التنمية البشرية.

كما نصت الاستراتيجية على توفير فرص عمل للمواطنين المؤهلين والحد من الاعتماد على العمالة الوافدة، بالتزامن مع وضع خطط لإحلال السعوديين في تلك الوظائف ووضع برنامج لها يعتمد الخفض التدريجي والانتقائي للعمالة الوافدة.

وكذلك تشجيع المؤسسات على زيادة نسبة السعودة. وتوظيف كل الرسوم المفروضة على العمالة الوافدة لتنمية الموارد البشرية، وتشجيع برامج التدريب التعاوني والتدريب على رأس العمل تؤدي إلى إنشاء علاقة عمل بين خريجي المؤسسات التعليمية والقطاع الخاص مبنية على مستوى التدريب والخبرة.
فني أشعة موظف استقبال
مهدي اليامي فني الأشعة الحاصل على رخصة مزاولة المهنة يتألم لحاله وحال زملائه الذين تقدموا للعمل في وظائف وزارة الصحة فلم يجدوا فرصة، وقال "منحني القطاع الخاص أن أكون في المجال الصحي لكن كموظف استقبال، رغم أن تخصصي فني أشعة"، وأضاف "ما هي الأسباب التي تحول دون توظيف خريجي المعاهد والكليات الصحية رغم حصولنا على رخص لمزاولة المهنة وبرامج أخرى كفيلة أن نزاول مهامنا الفنية التي يشغلها أجانب".

في حين ذكرت فنية المختبرات هنوف عبدالمحسن الحمودي أنها لم تصدق ما تراه وما تسمعه من رفض واعتذار عن توظيفها في القطاعين الحكومي والخاص، رغم تأهيلها وحصولها على رخصة مزاولة المهنة من الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، وتقول "مما يزيد الألم والحسرة أن يقدم القطاع الخاص لي عرضا مخجلا براتب لا يصل إلى 2000 ريال مع المطالبة بعمل على فترتين صباحية ومسائية، في حين يتقاضى نفس التخصص بالقطاع الحكومي 8000 راتبا شهريا". وأضافت الحمودي أن القطاع الصحي يتمتع بربحية عالية من شأنها احترام سلم توظيف السعوديين مع ما يتوافق ومؤهلاتهم.

وطالبت الحمودي بأن يشملهم أمر خادم الحرمين بإلزام وزارة الصحة بتوظيف كل الكوادر الوطنية المؤهلة من الجنسين على الفور، وتعطيل التعاقد مع غير السعوديين، فالسوق بحاجة ماسة جدا لكل التخصصات الفنية والصحية والطبية.