إن الحمد لله؛ نحمده، ونشكره، ونثني عليه، ونستغفره، ونشهد أن لا إله إلا الله، وهو ربنا عليه توكلنا، وإليه ننيب، ونحمده سبحانه أن هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله أما بعد،،،

فإننا نشاهد اليوم هذا الإقبال الكبير من شبابنا على دين الله، وعلينا أن نتفاءل بهذا الإقبال، فهناك الإقبال على طلب العلم، والإقبال على تطبيق السنة النبوية، والإقبال على تطبيق الشريعة في كل شئون الحياة. لقد حصل من هذا الالتزام أثر بليغ؛ ألا وهو هذه الصحوة الإسلامية التي انتشرت في جميع أرجاء المعمورة، وسوف نتحدث عن الالتزام، وحقيقته، وأدلته من الكتاب والسنة، ثم الحديث عن أحوال الملتزم وصفاته.

تعريف الإلتزام

الالتزام كلمة عامة تَصدُق على الالتزام بالشرع، والالتزام بغيره؛ واصطلح في هذا الزمان أن تطلق كلمة ملتزم على المستقيم على الشرع، والمتمسك بالدين، ولكن الأولى أن نسمي المتدين: بالمستقيم، والمتمسك بالشريعة، والمطيع لله، وعاملاً بالشريعة، ومتبعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الأولى والأرجح.

حقيقة الالتزام

ذكرنا أن الملتزم هو ذلك الشاب المستقيم على الشرع والعامل به، والمتبع لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهذه هي حقيقة الالتزام، والأعمال التي يقوم بها الملتزم: إما ان تكون من الواجبات، وإما أن تكون من السنن، وإما أن تكون من نوافل العبادة والطاعات، وإما أن تكون من فروض الكفايات. والملتزم الذي كمل التزامه؛ مطلوب منه القيام بهذه الأعمال حتى يصْدُق عليه قول: ملتزم .

الالتزام هو الاعتصام

قال تعالى:}وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا (103){سورة آل عمران . والاعتصام: هو لزوم الشيء والتمسك به. وحبل الله تعالى:هو السبب الذي يوصل إلى رضاه، و إلى ثوابه، وإلى جنته ودار كرامته... وسماه الله تعالى حبلاً في هذه الآية؛ لأن من تمسك به نجى، ومن تركه اختل تمسكه، واختل سيرهُ.

الالتزام هو التمسك

قال تعالى:}فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا... (256){سورة البقرة. والتمسك: هو القبض على الشيء قبضاً محكماً بكل ما يستطيع. وهذا أمر من الله تعالى أن نتمسك بشرعه بكل ما نستطيع، كما قال تعالى:}فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(43){ سورة الزخرف . ثم بين الله أن الاستمساك بالعروة الوثقى لا يكون إلا بأمرين وهما: الكفر بالطاغوت ... والإيمان بالله تعالى .

الالتزام هو الاستقامة

قال تعالى: } إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(13){ سورة الأحقاف. وقال تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا (30){ سورة فصلت . وعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا غَيْرَكَ قَالَ:[ قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ ] رواه مسلم والترمذي وابن ماجه والدارمي وأحمد . أمره الرسول صلى الله عليه وسلم بالاستقامة وهي أن يسير سيراً سوياً ليس فيه أية انحراف أو مخالفة، وهذا هو حقيقة الالتزام ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنهحقيقة الالتزام الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي ولا تروغ روغان الثعالب). وقال ابن القيم: سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول:" استقاموا على محبته وعبوديته، فلم يلتفتوا عنه يمنة ولا يسرة" . والْعِرْبَاضِ بْنَ سَارِيَةَ قَاَلَ:قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَظْتَنَا مَوْعِظَةَ مُوَدِّعٍ فَاعْهَدْ إِلَيْنَا بِعَهْدٍ فَقَالَ:[ عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا وَسَتَرَوْنَ مِنْ بَعْدِي اخْتِلَافًا شَدِيدًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَالْأُمُورَ الْمُحْدَثَاتِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ]رواه ابن ماجه والترمذي وأبوداود والدارمي وأحمد. وهكذا يأمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بالتمسك بالسنة، والعض عليها بالنواجذ، ذلك أن القبضَ باليدين فيه عرضة للتفلت، فلأجل ذلك من شدة حرصه صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالعض عليها بالنواجذ. والنواجذ: هي أقاصي الأسنان وهذا كناية على شدة التمسك بالسنة مخافة أن تتفلت. والشاب الملتزم حقاً: هو الذي يتمسك بالسنة، ويقبض عليها قبضاً محكماً، فيقبض عليها بيديه وعضديه؛ مخافة أن تتفلت منه، ولو أدى ذلك إلى العض عليها بأقاصي أسنانه.

وقفات مع الحديث:

1- لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم ما أوصى بالتمسك بالسنة بهذه الشدة، إلا لأنه يعرف أن هناك معوقات، وضلالات، وشبهات، ودوافع. وهذه الشبهات والضلالات قد ترخي تمسك الإنسان بهذه السنة، ولكن إذا عرف الشاب الملتزم أن تمسكه بالسنة وسيلةً لنجاته، وأن إخلاله بها وسيلة إلى هلاكه ودمار لحياته، فإنه بلا شك يتمسك بها أشد ما يكون التمسك.

2- كذلك: الملتزم الذي يعمل بالسنة كما أُمرَ لا شك أنه يلاقي من أعدائه ومن أضداده تسفيهاً وتَضليلاً واستهزاءً وتنفيراً وكيداً وتنقصاً لحالته، واستضعافاً لرأيه، ورمياً له بالعيون، وهذا ليس بخاف على أحد.

3- لقد رأينا كثيراً من شبابنا الذين رجعوا إلى الله تعالى، وأقبلوا على الطاعة وصحبوا أهل الخير، ثم بعد فترة قليلة ارتدّوا على أعقابهم ، وغيروا ما كانوا عليه من الالتزام والتمسك، وعادوا إلى لهوهم وسهوهم، لماذا؟!! لأن التزامهم لم يكن محكماً، وتمسكهم لم يكن قوياً، إضافة إلى ضعف إيمانهم مما جعلهم متدينين برهة من الزمان، ثم رجعوا إلى الضلال وإلى الانحراف. إذاً فعلى المسلم أن يكون قابضاً على السنة، وسائراً على النهج السوي والمنهج المستقيم، الذي هو صراط الله الذي أمرنا بأن نسلكه وأن نسير عليه، والذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه طريق واحد مستقيم ليس فيه أي انحراف، أو ميل كما في قوله تعالى: }اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ(6){ سورة الفاتحة . وقوله تعالى: }وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(153){ سورة الأنعام. والمستقيم الذي ليس فيه اعوجاج، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا ثُمَّ قَالَ هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ:[ هَذِهِ سُبُلٌ قَالَ يَزِيدُ مُتَفَرِّقَةٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ ثُمَّ قَرَأَ: }وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ... (153){ سورة الأنعام ] رواه أحمد والدارمي . وهذه السبل التي كل منها عليه شيطان يدعو إليها ليس بالضرورة أن يكون شيطان جن؛ بل قد يكون من شياطين الإنس، وما أكثرهم في هذا الزمان وكل زمان، فهم يدعون إلى مخالفة صراط الله والابتعاد عنه... إنهم يدعون إلى الطرق المنحرفة وإلى الطرق الملتوية: فهذا يدعو إلى الغناء واللهو! وذاك يدعو إلى الكسل! وآخر يدعو إلى الزنا! وآخر يدعو إلى التبرج! وما أكثر من يستجيب لهم من ضعاف الإيمان! ولكن المستقيم يستطيع أن يتفلت من هؤلاء إذا دعوه إلى أهوائهم وشهواتهم، وذلك لأن سير المسلم على هذا الصراط سير سريع لا يتمكن دعاة الضلال من إيقافه.

أعمال الملتزم والمستقيم

الملتزم حقا يجب عليه أن يقوم بأعمال معينة حتى يصدق عليه قول "ملتزم" فمن هذه الأعمال نذكر ما يلي:

أولاً:التمسك بالسنة:إن الشاب الملتزم هو الذي تمسك بالسنة تمسكاً محكماً، وبذلك يكون من أهل السنة ومن أهل الشريعة، ويكون هو الجماعة، وإن قل من يقوم بها. والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن أهل النجاة؛ هم الذين ساروا على ما كان عليه هو وأصحابه عندما ذكر حديث افتراق الأمة، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:[ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلَانِيَةً لَكَانَ فِي أُمَّتِي مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً] قَالُوا وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ:[ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي]رواه الترمذي. فمن هذا الحديث: يتبين أن الفرقة الناجية هي التي سارت على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتمسكت بها واتبعته صلى الله عليه وسلم في كل شئون الحياة.

ثانياً:طلب العلم: إن الشاب الملتزم يجب عليه أن يكون داعية إلى الله تعالى، فيدعو الناس إلى الاستقامة والالتزام وتطبيق شرع الله في حياته. وحتى يكون الشاب الملتزم داعية إلى الله على بصيرة يجب عليه أن يطلب العلم الشرعي... كما يجب على الشاب الملتزم والمستقيم أن يطلب العلم حتى يعبد الله على نور وبرهان، وليس على جهل وضلال.

ثالثاً:ترك البدع والمعاصي والملاهي: إن الشاب الملتزم حريص كل الحرص على البعد عما يدنس عرضه، وعما يقدح في عدالته، وعما ينقص من قدره وذلك بترك البدع والمعاصي والملاهي... فيا أخي الملتزم إن ابتعادك عن مثل هذا هو حقيقة من حقائق التزامك، وضرورة من ضرورياته. وقد مدح الله المؤمنين بقوله: }قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ(1)الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ(2)وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ(3){ سورة المؤمنون فجعل من صفات المؤمنين البعد عن اللغو، وهي الصفة الثانية بعد الصلاة، وهذه حقيقة الملتزم .

رابعاً:الدعوة إلى الله:وبعد أن يمنَّ الله عليك ويكمل التزامك ، وتكمل نفسك، فتطهرها من المعاصي وتهذبها على الطاعة ، وتستقيم على السنة ؛ يجب عليك أمر مهم من أهم أعمال الملتزم ، و هو: الدعوة إلى الله، فابذل ما تستطيعه من الأسباب، لتأخذ بأيدي إخوانك ،وتحرضهم على أن يلتزموا ، ولا تيأسوا بسبب كثرة المنكرات؛ بل عليكم أن تبذلوا قصارى جهدكم في دعوة إخوانكم، ولو كانوا بعيدين عن الاستقامة؛ بل ولو لم يستجيبوا من أول مرة، ولعلك أن تجد بعد زمن: أن منهم من يستجيب لدعوتك .

لقد سرنا والحمد لله كثرة الدعاة الذين يدعون إلى الله، ولكن وجدنا منهم من يستنكف عن الدعوة إلى الله، ويعلل هذا التقاعس بأن أهل الشر أكثر ، وأن أهل الاستقامة وأهل الالتزام أقل من غيرهم؛ بل ونجدهم يقتصرون علىأنفسهم ولا يقومون بدعوة غيرهم، ولا شك أن هذا خلل ونقص في حقيقة الالتزام...أيها الأخ الداعية اقرأ قول الله تعالى: } وَالْعَصْرِ(1)إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2)إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3){ سورة العصر . فقد بين سبحانه أن أهل النجاة هم الذي آمنوا، ثم بعد ذلك عملوا الصالحات، ولم يقتصروا على هذا فقط؛ بل قاموا بدعوة غيرهم، فتواصوا بالحق، وتواصوا بالصبر. فعلينا أن نتواصى فيما بيننا، فإنا بحاجة إلى ذلك، حتى الملتزم والمستقيم منّا . وفي استطاعة كل من قرأ القرآن على المشايخ، وحضر دروس العلماء في المساجد، وتفقه في دين الله، أن يبين ويعلّم ويدعو إلى ما يعلمه، فإنه يصدق عليه أن يُقَالَ: هذا طالب علم، أو يُقَالَ: هذا عالم، وإن كان علماً نسبياً، فعليه أن يحرص على تعدي هذا العلم إلى غيره بأي وسيلة ممكنة له، فإن استطاع أن ينتظم في سلك الدعاة إلى الله؛ سواء كان رسمياً أو معاوناً، فإن ذلك خير، وهو وسيلة من وسائل نشر العلم والدين... إنني أنصح إخواني بالانضمام إلى إخوانهم الدعاة بأي وسيلة لديهم، ولو لم يحفظ إلا آيةً أو حديثاً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:[ بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً] رواه البخاري والترمذي وأحمد والدارمي .

مجالات الدعوة إلى الله

أما عن مجالات الدعوة إلى الله، فهي كثيرة، وكل إنسان يختلف عن غيره، وكل يعرف قدراته وإمكاناته، ولكن نذكر على سبيل المثال:

1-الخطبة : فعلى الأخ الداعي الذي تعلم العلم الصحيح، واستقام على دين الله، أن ينتهز الفرصة، ويكون خطيباً في مسجد، ويوجّه هؤلاء المصلين الذين لا يسمعون موعظة دينية إلا في كل أسبوع مرة واحدة... وعليه أن يختار لهم الخطب النافعة التي تعالج مشاكلهم، وتنبههم على ما هم غافلون عنه، فلعل الله أن يهدي به بعض الحاضرين؛ فيتأثر بما يسمع، فيرجع عن غيِّه، وفي الحديث عنه عليه السلام قال لعلي:[ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ ] رواه البخاري ومسلم وأبوداود وأحمد .

2-الإمامة : مجال آخر من مجالات الدعوة إلى الله وهو تولي الإمامة، وما أكثر المساجد التي هي بحاجة إلى أئمة صادقين ومجتهدين، وحريصين على نفع غيرهم من إخوانهم المصلين، والذي يتولى إمامة مسجد وقصده الصلاح ونفع إخوانه فإنه:

أولاً : تكون الصلاة خلفه مقبولة بإذن الله تعالى، وذلك أنه يحرص على إكمال شروط الصلاة وواجباتها وأركانها وسننها.

ثانياً : أنه ينفع المصلين، فإما أن يقرأ عليهم في كتاب مثلاً، أو يقرأ عليهم نصيحة، أو يفسر لهم آية، أو يشرح لهم حديثاً، أو نحو ذلك، فهو بذلك ينفع نفسه، وينفع إخوانه المصلين... إذاً فما الذي يعوقك يا أخي أن تتولى هذا المنصب، فتكون بذلك من الذين نفعوا أنفسهم ونفعوا الأمة، وأسقطوا الواجب عن غيرهم .

3- المساعدة : بشتى أنواعها: المادية والمعنوية.

صفات الملتزم والمستقيم

إن الصفات التي يجب أن يتحلى بها كل شاب ملتزم ومستقيم كثيرةٌ جداً، وعلى سبيل المثال نذكر بعض هذه الصفات المهمة، وذلك للاختصار:

أولاً:المعاملة الحسنة:قال تعالى} فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِك(159)َ{آل عمران. وفي الحديث: عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:[ اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ] رواه الترمذي والدارمي وأحمد فالمعاملة الحسنة صفة من صفات كل مسلم، وكل ملتزم، فلا تكن فظّاً غليظاً، بل كن لين الجانب، و الق أخاك بوجه مبتسم، إعجاباً به ومحبة له، فهذه كلها من صفات الملتزمين التي جاء الشرع بها وحث عليها.

ثانياً:التأدب مع الغير وحسن الجوار، وأداء الأمانة: فمن الآداب تأدب المسلم الملتزم مع الآخرين، ومثال ذلك: تأدبه مع أبويه، وذلك ببرهما وطاعتهما في غير معصية، وهذا أمر واجب. وكذلك يكون واصلاً لأرحامه، ومتأدباً معهم ومؤدياً حقوقهم التي عليه، وكذلك حسن الجوار وتأدبه مع جيرانه، وعدم إيذائهم ومعرفة حق الجار، وصدق الحديث معهم ومع غيرهم، وهكذا أداء الأمانة وغيرها من الصفات الحميدة التي يجب عليك أيها المسلم الملتزم أن تتحلى بها.

ثالثاً:غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر: فعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:[ إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ ] فَقَالُوا مَا لَنَا بُدٌّ إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا قَالَ:[ فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجَالِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا] قَالُوا وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ قَالَ:[غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الْأَذَى وَرَدُّ السَّلَامِ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ] رواه البخاري ومسلم وأبوداود وأحمد . وإن التهاون بهذه الأمور يضعف من تمسك الإنسان والتزامه واستقامته!

وصية وخاتمة

وفي الختام فهذه وصية خاصة لإخواني الدعاة إلى الله، وإلى كل مسلم ملتزم ومستقيم على أمر الله، فأقول لهم: إذا رأينا كثرة الهالكين الذين هم على شفا جرف من الهلاك، ألسنا مسؤولين عنهم؟!! أليس لهؤلاء حق علينا ؟!! فما دمنا قد منّ الله علينا بالالتزام والاستقامة، فإن علينا أن لا نتركهم على ضلالهم وعلى غيهم؛ بل نحرص على جذبهم إلى التمسك بدين الله والاستقامة عليه: فإن كانوا ممن يدين بالإسلام، ولكن لا يعرف من دينه إلا مجرد التسمية، فإننا ننصحه ونوجهه ونبين له الدين الصحيح والإسلام الحق، لعل الله أن يهديه ويصبح من المستقيمين على دين الله، ومن المتمسكين بالسنة والشريعة... وإن كان ممن لا يدين بدين الإسلام، فإننا ندعوه إلى الإسلام، ونبين له محاسنه، فالإسلام هو الدين الواجب اتباعه وأما غيره من الأديان فهي باطلة، وهكذا فلعل الله أن يهديه إلى الإسلام.



وهذه دعوة لإخواني الملتزمين فلو أن كل واحد منَّا خصَّص يوماً في الأسبوع، ومشى إلى هذه الورش وأماكن تجمّع العمال وغيرهم، ودعا إلى الله تعالى، أو مشى إلى أماكن تجمعهم للصلاة، وألقى عليهم كلمة قصيرة، فإنه سيحصل بذلك خيرٌ كثيرٌ إن شاء الله... ولو ذهب كل واحد أو مجموعة إلى تلك المجالس والمخيمات ونحوها، وألقى نصيحة وكلمة خفيفة، أو وزع منشوراً أو شريطاً من الأشرطة المفيدة النافعة، فلا شك أن الخير سينتشر بإذن الله تعالى، ويكثر أهل الخير، والمتمسكون بدين الله، وهذا ما نتمناه ونرجوه إن شاء الله، وضعوا نصب أعينكم وصية النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب حين بعثه للجهاد، فقال له:[ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ ] رواه البخاري ومسلم وأبوداود وأحمد .

نسأل الله أن يمن علينا بطاعته، ونسأله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، ونسأله أن يجعلنا من المتمسكين بشريعته، والذابين عن دينه، والمجاهدين في سبيله، والمبلغين لأمره وشرعه، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، والداعين إلى الله على بصيرة، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

من رسالة: حقيقة الالتزام للشيخ/ ابن جبرين حفظه الله