أغراض ووسائل الضبط الإداري
نتناول فيما يلي أغراض الضبط الإداري ثم نبين الوسائل أو الأساليب التي يستعين بها لتحقيق هذه الأغراض.
أولا : أغراض الضبط الإداري : بينا أن الهدف من الضبط الإداري هو حماية النظام العام ومنع انتهاكه والإخلال به . وتمارس الإدارة سلطة الضبط الإداري متى وجدت ذلك ضرورياً ولو لم ينص القانون على إجراء معين لمواجهه هذا الانتهاك أو الإخلال ، و النظام العام فكرة مرنة تختلف باختلاف الزمان والمكان فيما يعتبر مخالفاً للنظام العام في زمان أو مكان معينين قد لا يعد كذلك في زمان أو مكان آخرين ، كما يختلف باختلاف الفلسفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة في الدولة، لذلك يجمع الفقه على ضرورة ربط فكرة النظام العام بالمصلحة العامة العليا المجتمع في كل دولة على حده ، غير أن معظم الفقهاء يتفقون على أن النظام العام يهدف إلى تحقيق ثلاثة أغراض رئيسية هي: الأمن العام والصحة العامة والسكنية العامة .
- الأمن العام : يقصد بالأمن العام تحقيق كل ما من شأنه اطمئنان الإنسان على نفسه وماله من خطر الاعتداءات والانتهاكات واتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع وقوع الكوارث الطبيعية كالكوارث والأخطار العامة كالحرائق والفيضانات والسيول ، و الانتهاكات التي قد تسبب بها الإنسان كجرائم القتل والسرقة والمظاهرات وأحداث الشغب وحوادث المرور.
- الصحة العامة : يقصد بها حماية صحة الأفراد من كل ما من شانه أن يضر بها من أمراض أو أوبئة إذ تعمد الإدارة إلى تطعيم الأفراد من الأمراض المعدية و تتخذ الإجراءات التي تمنع انتشارها ، كما تشرف على توفير المياه الصالحة للشرب وتراقب صلاحية الأغذية للاستهلاك البشرى و مدى تقيد المحال العامة بالشروط الصحية.
- السكنية العامة : ويقصد بها توفير الهدوء في الطرق والأماكن العامة ومنع كل ما من شأنه أن يقلق راحة الأفراد أو يزعجهم كالأصوات والضوضاء المنبعثة من مكبرات الصوت والباعة المتجولين ومحلات التسجيل ومنبهات المركبات. ومن الجدير بالذكر أن مفهوم النظام العام قد اتسع ليشمل النظام العام الأدبي والأخلاق العامة، و أمكن بالتالي استعمال سلطة الضبط الإداري للمحافظة على الآداب والأخلاق العامة، فتجاوز بذلك العناصر الثلاثة السابقة ، و في هذه الاتجاه تملك الإدارة منع عرض المطبوعات المخلة بالآداب العامة ، وكذلك حماية المظهر العام للمدن و حماية الفن و الثقافة.
ثانيا : لضبط الإداري : في سبيل تحقيق أهداف الضبط الإداري لابد للإدارة أن تستخدم وسائل أو أساليب معينة وهى لوائح الضبط وأوامر الضبط الفرية وأخيرا التنفيذ الجبري.
- لوائح الضبط الإداري : تتضمن لوائح الضبط الإداري قواعد عامة مجردة تهدف إلى المحافظة على النظام العام بعناصره الثلاثة ، وتتضمن تقييد حريات الأفراد ، لذلك نشأ خلاف شديد حول مدى مشروعيتها ، على اعتبار أن تقييد الحريات لا
يجوز إلا بقانون و وظيفة الإدارة تنحصر بوضع هذه القوانين موضوع التنفيذ.
غير أن الاتجاه السليم في القضاء و الفقه يعترف للإدارة بتنفيذ هذه القوانين وتحميلها، وقد تقضى هذه التكملة كما يذهب الدكتور " سامي جمال الدين " إلى تقييد بعض الحريات ، كما قد تقتصر مهمة هذا الضبط الإداري على تطبيق النظم العامة الضبطية التي نصت عليها القوانين ، من ثم تعد لوائح الضبط أهم أساليب الضبط الإداري وأقدرها في حماية النظام العام، ومنها لوائح تنظيم المرور وتنظيم العمل في المحال العامة ، وتتخذ عدة مظاهر في تقييدها النشاط الأفراد منها الحظر ، والآذن المسبق والأخطار والتنظيم.
1- الحظر : يقصد بالحظر أن تتضمن لوائح الضبط منع مزاولة نشاط معين منعاً كاملاً أو جزئياً ، الأصل أن لا يتم الحظر المطلق لنشاط ما لان ذلك يعنى انتهاك للحرية ومصادرة للنشاط . ولكن أجاز القضاء استثناءً الحظر الكامل للنشاط عندما يشكل إخلالا بالنظام العام كمنع إنشاء مساكن للبغاء أو للعب الميسر.
2- الإذن المسبق : قد تظهر لوائح الضبط في ضرورة الحصول على إذن مسبق من جهة الإدارة قبل مزاولة النشاط ، ومن الضروري أن يشترط القانون المنظم للحرية الحصول على هذا الإذن ، إذا أن القانون وحدة الذي يملك تقييد النشاط الفردي بإذن سابق وعكس هذا يسمح بالتمييز بين الأفراد.
3- الأخطار عن النشاط : يحصل بان تشترط اللائحة ضرورة أخطار السلطة المختصة بمزاولة نشاط معين حتى تتمكن من اتخاذ ما يلزم من إجراءات تكفل حماية النظام العام . مثال ذلك الأخطار عن تنظيم اجتماع عام . ففي هذه الحالة لا يكون الاجتماع محظوراً وليس من الضروري الحصول على إذن مسبق.
4- تنظيم النشاط : قد لا تتضمن لوائح الضبط على حظر نشاط معين أو اشتراط الحصول على أذن مسبق أو الأخطار عنه . وإنما قد تكتفي بتنظيم النشاط الفردي وكيفية ممارسته ، كما لو تم تحديد سرعة المركبات في الطرق العامة أو تحديد أماكن وقوفها.
- أوامر الضبط الإداري الفردية : قد تلجأ سلطات الضبط إلى إصدار قرارات إدارية أو أوامر فردية لتطبق على فرد أو أفراد معينين بذواتهم ، و قد تتضمن هذه القرارات أوامر بالقيام بأعمال معينه أو نواهي بالامتناع عن أعمال أخرى . مثال ذلك الأوامر الصادرة بمنع عقد اجتماع عام أو الأمر الصادر بهدم منزل آيل للسقوط أو القرار الصادر بمصادرة كتاب أو صحيفة معينة، و الأصل انه يجب أن تستند هذه القرارات إلى القوانين و اللوائح فتكون تنفيذاً لها، إلا انه استثناء من ذلك قد تصدر القرارات الإدارية دون أن تكون مستندة إلى قانون أو لائحة تنظيميه عامة . فاللائحة أو التشريع لا يمكن أن ينصا على جميع التوقعات أو التنبؤات التي قد تحث ، كما أن مفهوم النظام العام متغير ، فإذا ظهر تهديداً أو إخلال لم يكن التشريع أو اللائحة قد توقعاه فان طلب أن يكون القرار الفردي مستنداً إلى قاعدة تنظيميه يؤدى إلى تجريد سلطة الضبط من فاعليتها .
- التنفيذ الجبري : قد تستخدم الإدارة القوة المادية لإجبار الأفراد على تنفيذ القوانين واللوائح والقرارات الإدارية لمنع الإخلال بالنظام العام . وتعد هذه الوسيلة اكثر وسائل الضبط شدة وعنفاً باعتبارها تستخدم القوة الجبرية ولا يخفى ما لذلك من خطورة على حقوق الأفراد وحرياتهم ، و يعد التنفيذ الجبري لقرارات الضبط الإداري أحد تطبيقات نظرية التنفيذ المباشر للقرارات الإدارية ، واستناداً لذلك لا يتم الحصول على أذن سابق من السلطات القضائية لتنفيذه . إلا انه يجب أن تتوافر فيه ذات شروط التنفيذ المباشر، و من الحالات التي يمكن فيها اللجوء إلى التنفيذ الجبري أن يبيح القانون أو اللوائح استعمال هذا الحق ، أو يرفض الأفراد تنفيذ القوانين واللوائح ولا يوجد أسلوب أخر لحمل الأفراد على احترام القوانين واللوائح غير التنفيذ الجبري ، كما يتم اللجوء إلى هذا الأسلوب في حالة الضرورة ، و يشترط في جميع الحالات أن يكون استخدام القوة المادية متناسباً مع جسامة الخطر الذي من الممكن أن يتعرض له النظام العام .
و يجب الإشارة أخيرا بان استخدام القوة المادية لا يعنى حتماً مجازاة الأفراد عن أفعال جرمية ارتكبوها ، و إنما يقصد بالقوة المادية تلك القوة المستخدمة لمنع وقوع أي إخلال بالنظام العام بعناصره الثلاثة.

المبحث الثالث
حدود سلطات الضبط الإداري.
من الضروري وضع حدود لاختصاصات الإدارة في ممارستها لسلطات الضبط الإداري يتم من خلالها الموازنة بين تحقيق متطلبات النظام العام وضمان حقوق وحريات الأفراد، وقد درجت أحكام القضاء الإداري على منح الإدارة حرية واسعة في ممارسة سلطات الضبط الإداري ، غير أنها أخضعتها في ذلك لرقابة القضاء الإداري من نواح عدة وفى هذا المجال نبين حدود سلطات الضبط الإداري في الأوقات العادية ثم نعرض لحدود هذه السلطة في الظروف الاستثنائية.
أولا : حدود سلطات الضبط الإداري في الظروف العادية : تخضع سلطة الضبط الإداري في الظروف العادية لمبدأ المشروعية الذي يستدعى أن تكون الإدارة خاضعة في جميع تصرفاتها للقانون ، وإلا كانت تصرفاتها وما تتخذه من قرارات باطلاً وغير مشروعاً . وتتمثل رقابة القضاء على سلطات الإدارة في هذه الظروف فيما يلي:

- أهداف الضبط الإداري : يجب أن تتقيد الإدارة بالهدف الذي من اجله قرر المشرع منح هيئات الضبط هذه السلطات ، فليس للإدارة تخطى هذا الهدف سواء كان عاماً أم خاصاً ، فإذا استخدمت سلطتها في تحقيق أغراض بعيدة عن حماية النظام العام . أوسعت إلى تحقيق مصلح عامة لكي لا تدخل ضمن أغراض الضبط التي قصدها المشرع فان ذلك يعد انحرافاً بالسلطة ويخضع قرار الإدارة لرقابة القضاء المختص.
- أسباب الضبط الإداري : يقصد بسب الضبط الإداري الظروف الخارجية التي دفعت الإدارة إلى التدخل وإصدار قرارها، ولا يعد تدخل الإدارة مشروعاً إلا إذا كان مبنياً على أسباب صحيحة وجدية من شأنها أن تخل بالنظام العام بعناصره الثلاثة الأمن العام والصحة العامة والسكنية العامة.
- وسائل الضبط الإداري : يجب أن تكون الوسائل التي استخدمتها سلطات وهيئات الضبط الإداري مشروعة ، وفى القيود التي استقر القضاء على ضرورة اتباعها واستخدام الإدارة لوسائل الضبط الإداري لا يجوز أن يترتب على استعمال هذه الوسائل تعطيل التحريات العامة بشكل مطلق لان ذلك يعد إلغاء لهذه الحريات ، والحفاظ على النظام العام لا يلتزم غالباً هذا الإلغاء وإنما يكتف بتقيدها ، و من ثم يجب أن يكون الحظر نسبياً ، إي إن يكون قاصراً على زمان أو مكان معينين ، و على ذلك تكون القرارات الإدارية التي تصدرها سلطة الضبط الإداري بمنع ممارسة نشاط عام منعاً عاماً ومطلقاً غير مشروعة .
- ملائمة قرارات الضبط الإداري : لا يكفى أن يكون قرار الضبط الإداري جائزا قانوناً أو انه قد صدر بناءً على أسباب جدية ، إنما تتسع رقابة القضاء لبحث مدى اختيار الإدارة الوسيلة الملائمة للتدخل ، فيجب أن لا تلجأ إلى استخدام وسائل قاسية أو لا تتلائم مع خطورة الظروف التي صدر فيها ، و هنا من الضروري أن نبين أن سلطة القضاء في الرقابة على الملائمة هي استثناء على القاعدة العامة في الرقابة على أعمال الإدارة فالأصل هو استقلال الإدارة في تقدير ملائمة قراراتها ، لكن بالنظر لخطورة قرارات الضبط على الحقوق والحريات فان القضاء يبسط رقابته على الملائمة ، و في هذا المجال لا يجوز مثلاً لرجال الأمن أن يستخدموا إطلاق النار لتفريق تظاهره في الوقت الذي كان استخدام الغاز المسيل للدموع أو خراطيم المياه كافياً لتحقيق هذا الغرض.
ثانيا : حدود سلطات الضبط الإداري في الظروف الاستثنائية : قد تطرأ ظروف استثنائية تهدد سلامة الدولة كالحروب والكوارث الطبيعية ، وتجعلها عاجزة عن توفير وحماية النظام العام باستخدام القواعد والإجراءات السابق بيانها ، و في هذه الحالة لابد أن تتسع سلطات هيئات الضبط لمواجهة هذه الظروف من خلال تمكينها من اتخاذ إجراءات سريعة وحازمة لمواجهة الظرف الاستثنائي ، على أن الظرف الاستثنائي أيا كانت صورته حرباً أو كوارث طبيعية لا يجعل الإدارة في منأى من رقابة القضاء بشكل مطلق ، فلا يعدو أن يكون الأمر توسعاً لقواعد المشروعية ، فالإدارة تبقى مسئولة في ظل الظروف الاستثنائية على أساس الخطأ الذي وقع منها، غير أن الخطأ في حالة الظروف الاستثنائية يقاس يميزان آخر غير أن ذلك الذي يقاس به الخطأ في الظروف العادية.
- التنظيم القانوني لسلطة الضبط في الظروف الاستثنائية : حيث أن نظام الظروف الاستثنائية من شأنه المساس المباشر بحقوق وحريات الأفراد التي يكفلها الدستور ، فلابد أن يتدخل المشرع لتحديد ما إذا كان الظرف استثنائياً أو لا, ويتم ذلك بإتباع أسلوبين : الأول أن تصدر قوانين تنظيم سلطات الإدارة في الظروف الاستثنائية بعد وقوعها ، ويتسم هذا الأسلوب بحماية حقوق الأفراد وحرياتهم لأنه يحرم السلطة التنفيذية من اللجوء إلى سلطات الظروف الاستثنائية إلا بعد موافقة السلطة التشريعية ، ويعيبه أن هناك من الظروف الاستثنائية ما يقع بشكل مفاجئ لا يحتمل استصدار تلك التشريعات بالإجراءات الطويلة المعتادة , بينما يتمخض الأسلوب الثاني عن وجود قوانين منظمة سلفاً لمعالجة الظروف الاستثنائية قبل قيامها ويرخص الدستور للسلطة التنفيذية بإعلان حالة الظروف الاستثنائية و العمل بمقتضى هذه القوانين .

الفصل الثاني
المرفق العام
يعد المرفق العام المظهر الإيجابي لنشاط الإدارة وتتولاه الإدارة بنفسها أو بالاشتراك مع الأفراد , تسعى من خلاله إلى إشباع الحاجات العامة .

المبحث الأول
ماهية المرفق العام
البحث في ماهية المرفق العام يستدعي منا أن نبين تعريفه و عناصره ، ثم نستعرض أنواع المرافق العامة و نوضح أخيراً إنشاء و إلغاء هذه المرافق.
أولا : تعريف و عناصر المرفق العام : يركز بعض الفقهاء في تعريفهم للمرفق العام على النشاط الذي يقوم به هذا المرفق أي يأخذون بالمعيار الموضوعي، على هذا الأساس يعرفون المرافق العامة بأنها نشاط تنشئه هيئة عامة بقصد تحقيق النفع العام.
بينما يركز فريق آخر على المنظمة التي تتولى النشاط أي يأخذون بالمعيار العضوي فيعرفون المرافق العامة على أنها منظمة عامة تنشئها السلطة الحاكمة تخضع في إدارتها لإدارة هذه السلطة بقصد تحقيق حاجات الجمهور العامة بطريقة منظمة و مستمرة مع مراعاة مبدأ المساواة بين المنتفعين .
و هناك تعريف يحمل معنى المنظمة و النشاط معا ، مضمونه كالآتي : المرافق العامة هي مشروعات تنشئها الدولة بقصد تحقيق غرض من أغراض النفع العام و يكون الرأي الأعلى في إدارتها للسلطة العامة .
و المرافق العامة على هذا الأساس قد تكون نشاطا معينا كالتعليم و النقل ... ، و قد تكون منظمة كالجامعات و غيرها من المؤسسات .
و إذا سلمنا أن المرفق العام هو مشروع فليس معنى هذا أن كل مشروع يعتبر مرفقا عاما و إنما يعتبر منها كذلك فقط المشروعات التي تتوافر شروط و عناصر معينة و هو سر تميز المرافق العامة على المشروعات الخاصة و هذه الشروط و العناصر تظهر كما يلي :
1- المرفق العام تنشئه الدولة :و يقصد بذلك أن الدولة هي التي تقرر اعتبار نشاط ما مرفقا عاما أي تقرر إخضاع هذا النشاط لأحكام المرافق العامة بموجب قانون ، و ليس من اللازم أن يكون كل مشروع تنشئه الدولة مرفقا عاما لأن الدولة تملك إنشاء المرافق العامة ، لهذا ينبغي البحث عن إرادة المشرع و التي قد تكون معلنة بصورة صريحة أما إذا لم يصرح المشرع عن قصده بنصوص صريحة فإنه يمكن استنتاج ذلك من خلال القوانين المختلفة .
2- ينشأ المرفق العام بقصد تحقيق غرض من أغراض النفع العام :و معنى هذا أنه لايمكن إعتبار أي مشروع مرفقا عاما إلا إذا كان يستهدف تحقيق النفع العام و يقصد بالنفع العام في صورته العامة إشباع حاجات عامة أو تقديم خدمات عامة للجمهور و هذه الخدمات قد تكون مادية كإيصال المياه و الكهرباء أو توفير وسائل المواصلات ، و قد تكون حاجات معنوية كالتنظيم الإداري ، غير أن غالبية فقهاء القانون العام يرون أن شرط النفع العام الذي يترتب عليه اعتبار المشروع مرفقا عاما لا يتحقق إلا إذا كان نوع النفع العام من النوع الذي يعجز الأفراد و الهيئات الخاصة عن تحقيقه أو لا يرغبون في تحقيقه أو لا يستطعون تحقيقه على الوجه الأكمل و لهذا فإن المشروعات الصناعية و التجارية التي تنشئها الدولة لا تعتبر مرافق عامة إذا كانت تستهدف مجرد تحقيق الربح عن طريق منافسة المشروعات الخاصة.
3- خضوع المرافق العامة للسلطة العامة :أي خضوع المرافق العامة للسلطة العامة في الدولة أو غيرها من الأشخاص الإدارية سواء من حيث الرأي الأعلى أو إنشاء هذا المرفق العام تنظيمه و إلغائه .
4- خضوع الرفق العام لنظام قانوني يختلف عن النظام القانوني الخاص :و يقصد من ذلك خضوع المرافق العامة لأحكام و مبادئ القانون الإداري و أن تتبع في إدارة هذه المرافق وسائل القانون العام .
5- عنصر الهدف : يعد تحقيق النفع العام من أهم العناصر المميزة للمرفق العام عن غيره في المشروعات التي تستهدف تحقيق النفع الخاص أو تجمع بين هذا الهدف وهدف إشباع حاجة عامة أو نفع عام ، و مع ذلك فإن تحقيق بعض المرافق العامة للربح لا يعني حتماً فقدها صفة المرفق العام، طالما أن هدفها الرئيس ليس تحقيق الربح، وإنما تحقيق النفع العام كما أن تحصيل بعض المرافق لعوائد مالية لقاء تقديمها الخدمات إلى المواطنين كما هو الحال بالنسبة لمرفق الكهرباء والقضاء لا يسعى لكسب عوائد مالية بقدر ما بعد وسيلة لتوزيع الأعباء العامة على كل المواطنين .
6- و جود امتيازات السلطة العامة :يلزم لقيام المرافق العامة أن تتمتع الجهة المكلفة بإدارة المرفق العام بامتيازات غير مألوفة في القانون الخاص تلائم الطبيعة الخاصة للنظام القانوني الذي يحكم المرافق العامة.
ثانيا : أنـواع المرافق العامة : لا تأخذ المرافق العامة صورة واحدة بل تتعدد أنواعها تباعاً للزاوية التي ينظر منها إليها ، فمن حيث طبيعة النشاط الذي تمارسه تنقسم إلى مرافق إدارية و مرافق اقتصادية، و مرافق مهنية، و من حيث استقلالها تنقسم إلى مرافق ذات شخصية معنوية مستقلة و مرافق لا تتمتع بالشخصية المعنوية، و من حيث نطاق نشاطها إلى مرافق قومية و أخرى محلية ، و من حيث مدى الالتزام بإنشائها إلى مرافق اختيارية و مرافق إجبارية.
- المرافق العامة من حيث طبيعة نشاطها : تنقسم المرافق العامة من حيث موضوع نشاطها أو طبيعة هذا النشاط إلى ثلاثة أنـواع :
1. المرافق العامة الإدارية : يقصد بالمرافق العامة الإدارية تلك المرافق التي تتناول نشاطاً لا يزاوله الأفراد عادة إما بسبب عجزهم عن ذلك أو لقلة أو انعدام مصلحتهم فيه، ومثالها مرافق الدفاع والأمن والقضاء ، و تخضع المرافق الإدارية من حيث الأصل لأحكام القانون الإداري، فعمالها يعتبرون موظفين عموميين و أموالها أموالاً عامة، و تصرفاتها أعمالاً إدارية، و قراراتها تعد قرارات إدارية و عقودها عقوداً إدارية ، بمعنى أخر تتمتع المرافق العامة الإدارية باستخدام امتيازات السلطة العامة لتحقيق أهدافها .
2. المرافق الاقتصادية :بفعل الأزمات الاقتصادية وتطور وظيفة الدولة ظهر نوع أخر من المرافق العامة يزاول نشاطاً تجارياً أو صناعياً مماثلاً لنشاط الأفراد و تعمل في ظروف مماثلة لظروف عمل المشروعات الخاصة، وبسبب طبيعة النشاط الذي تؤديه هذه المرافق دعا الفقه والقضاء إلى ضرورة تحرير هذه المرافق من الخضوع لقواعد القانون العام، و الأمثلة على هذه المرافق كثيرة منها مرفق النقل و المواصلات و مرفق توليد المياه و الغاز و مرفق البريد.
و قد اختلف الفقه حول معيار تمييز المرافق العامة الاقتصادية عن المرافق العامة الإدارية و على النحو التالي:
أ- المعيار الشكلي :يعتمد هذا المعيار على أساس شكل المشروع أو مظهره الخارجي فإذا اتخذ المشروع شكل المشروعات الخاصة كما لو تمت إدارته بواسطة شركة فأنه مرفق اقتصادي , وبعكس ذلك لو تمت إدارته بواسطة الإدارة أو تحت رقابتها و إشرافها و باستخدام أساليب السلطة العامة فهو مرفق عام إداري.
ب- معيار الهدف : اتجه هذا المعيار إلى التمييز بين المرافق الإدارية والمرافق الاقتصادية على أساس الغرض الذي يستهدفه المرفق، فالمرافق الاقتصادية تقوم بنشاط صناعي أو تجاري يهدف إلى تحقيق الربح مثلما هو الحال في المشروعات الخاصة.
في حين لا تسعى المرافق الإدارية إلى تحقيق الربح بل تحقيق المنفعة العامة وإشباع حاجات الأفراد .

غير أن هذا المعيار يتسم بالقصور من حيث أن الربح الذي تحققه المرافق الاقتصادية ليس الغرض الأساسي من إنشائها بل هو أثر من آثار الطبيعة الصناعية أو التجارية التي تمارسها فهي تستهدف أساساً تحقيق المنفعة العامة ،كما أن المرافق الإدارية يمكن أن تحقق ربحاً من جراء ما تتقاضاه من رسوم تقوم بتحصيلها مقابل الخدمات التي تقدمها.
ج- معيار القانون المطبق : ذهب جانب من الفقه إلى التمييز بين المرافق العامة الاقتصادية والمرافق العامة الإدارية على أساس النظام القانوني الذي يخضع له المرفق، فإذا كان يخضع لأحكام القانون الخاص اعتبر المرفق اقتصادياً وعلى العكس من ذلك إذا كان يخضع لأحكام القانون العام فهو مرفق عام إداري .
غير أن هذا المعيار غير سليم ولا يتفق مع المنطق لأن المطلوب هو تحديد نوع المرفق العام قبل إخضاعه لنظام قانوني معين، و ليس العكس أي أن خضوع المرفق الاقتصادي لقواعد القانون الخاص هو نتيجة لثبوت الصفة الاقتصادية للمرفق ،كما أن خضوع المرفق العام للقانون الخاص مجرد قرينة على أن هذا المرفق ذو صفة اقتصادية ولكن لا يمكن الاعتماد عليها بثبوت هذه الصفة قطعاً
د – معيار طبيعة النشاط :ذهب رأي أخر من الفقه وهو الرأي الراجح إلى أن المرفق يكون اقتصادياً إذا كان النشاط الذي يقوم به يعد نشاطاً تجارياً بطبيعته طبقاً لموضوعات القانون التجاري، ويعتبر المرفق مرفقاً عاماً إدارياً إذا كان النشاط الذي يمارسه نشاطاً إدارياً ومما يدخل في نطاق القانون الإداري.
و قد أخذ بهذا الرأي جانب كبير من الفقهاء، و مع أن القضاء الإداري في فرنسا لم يعتمد معياراً واحداً منها و إنما أخذ بمعيار يقوم على فكرتين أو عنصرين :
العنصر الأول : يعتمد على موضوع وطبيعة النشاط الذي يمارسه المرفق الاقتصادي الذي يتماثل مع النشاط الخاص.
العنصر الثاني : يتعلق بالأساليب و طرق تنظيم و تسيير المرفق في ظل ظروف مماثلة لظروف عمل المشروعات الصناعية.
أما بخصوص القانون الذي تخضع له المرافق الاقتصادية فقد استقر القضاء الإداري على أن تخضع لقواعد القانون الخاص في نشاطها ووسائل إدارتها، مع خضوعها لبعض قواعد القانون العام من قبيل انتظام سير المرافق العامة والمساواة بين المنتفعين بخدماتها وقابليتها للتغيير بما يتلائم مع المستجدات وتمتعها ببعض امتيازات السلطة العامة اللازمة لحسن أدائها لنشاطها مثل نزع الملكية للمنفعة العامة، والاستيلاء المؤقت، وينعقد الاختصاص في هذا الجانب من نشاطها لاختصاص القضاء الإداري ، و بهذا المعنى فهي تخضع لنظام قانوني مختلط يجمع بين أحكام القانون الخاص والقانون العام معاً، إلا أن العمل قد جرى في القضاء الليبي على استثناء المرافق العامة الاقتصادية التي تدار من قبل الشركات والمنشآت العامة من تطبيق أحكام القانون الإداري فلم يعتبر العاملين فيها موظفين عامين كما أن الأعمال الصادرة منها لا ترقى إلى مرتبة القرارات الإدارية ويخضع نظامها المالي لحكام القانون الخاصة، وتعتبر العقود التي تبرمها عقوداً خاصة .

3- المرافق المهنية :هي المرافق التي تنشأ بقصد توجيه النشاط المهني ورعاية المصالح الخاصة بمهنة معينة، وتتم إدارة هذه المرافق بواسطة هيئات أعضائها ممن يمارسون هذه المهنة ويخولهم القانون بعض امتيازات السلطة العامة .مثل نقابات المحامين والأطباء و غيرها من النقابات المهنية الأخرى ، و قد ظهر هذا النوع من المرافق عقب الحرب العالمية الثانية لمواجهة المشاكل التي كان يتعرض لها أصحاب هذه المهن والدفاع عنهم وحماية مصالحهم، لا سيما في فرنسا التي ظهرت فيها لجان تنظيم الإنتاج الصناعي عام1940 .
تخضع هذه المرافق لنظام قانوني مختلط فهي تخضع لنظام القانون العام واختصاص القضاء الإداري في بعض المنازعات المتعلقة بنشاطها غير أن الجانب الرئيس من نشاطها يخضع لأحكام القانون الخاص ، فالمنازعات المتعلقة بنظامها الداخلي وعلاقة أعضائها بعضهم ببعض وشؤونها المالية تخضع للقانون الخاص ولاختصاص المحاكم العادية، أما المنازعات المتصلة بمظاهر نشاطها كمرفق عام وممارستها لامتيازات السلطة العامة فتخضع لأحكام القانون العام واختصاص القضاء الإداري ، و من ثم فإن المرافق المهنية تتفق مع المرافق العامة الاقتصادية من حيث خضوعها لنظام قانوني مختلط، غير أن نظام القانون العام يطبق بشكل أوسع في نطاق المرافق المهنية ويظهر ذلك في امتيازات القانون العام التي يمارسها المرفق، في حين ينحصر تطبيقه في مجال تنظيم المرفق في المرافق الاقتصادية .
- المرافق من حيث استقلالها :تنقسم المرافق العامة من حيث استقلالها إلى مرافق تتمتع بالشخصية المعنوية أو الاعتبارية ومرافق لا تتمتع بالشخصية المعنوية.
1- المرافق العامة التي تتمتع بالشخصية المعنوية : هي المرافق التي يعترف لها قرار إنشائها بالشخصية المعنوية ويكون لها كيان مستقل كمؤسسة عامة مع خضوعها لقدر من الرقابة أو الوصاية الإدارية.
2- المرافق العامة التي لا تتمتع بالشخصية المعنوية : هي المرافق التي لا يعترف لها قرار إنشائها بالشخصية المعنوية ويتم إلحاقها بأحد أشخاص القانون العام وتكون تابعة لها، كالدولة أو الوزارات أو المحافظات، وهي الغالبية العظمى من المرافق العامة ، تبدو أهمية هذا التقسيم في مجال الاستقلال المالي و الإداري وفي مجال المسؤولية ، إذ تملك المرافق العامة المتمتعة بالشخصية المعنوية قدراً كبيراً من الاستقلال الإداري و المالي و الفني في علاقتها بالسلطة المركزية مع وجود قدر من الرقابة كما أوضحنا ، غير أن هذه الرقابة لا يمكن مقارنتها بما تخضع له المرافق غير المتمتعة بالشخصية المعنوية من توجيه وإشراف مباشرين من السلطات المركزية ،أما من حيث المسؤولية فيكون المرفق المتمتع بالشخصية المعنوية مستقلاً و مسئولا عن الأخطاء التي يتسبب في إحداثها للغير في حين تقع هذه المسؤولية على الشخص الإداري الذي يتبعه المرفق العام في حالة عدم تمتعه بالشخصية المعنوية.
- المرافق العامة من حيث نطاق نشاطها : تنقسم المرافق العامة من حيث نطاق أو مجال عملها إلى مرافق وطنية و مرافق محلية أو إقليمية .
1- المرافق الوطنية : يقصد بالمرافق الوطنية تلك المرافق التي يتسع نشاطها ليشمل كل إقليم الدولة، كمرفق الدفاع و مرفق القضاء و مرفق الصحة، ونظراً لعمومية و أهمية النشاط الذي تقدمه هذه المرافق فأنها تخضع لإشراف الإدارة المركزية في الدولة من خلال الوزارات أو ممثليها أو فروعها في المدن، ضماناً لحسن أداء هذه المرافق لنشاطها و تحقيقاً للمساواة في توزيع خدماتهاو تتحمل الدولة المسؤولية الناتجة عن الأضرار التي تتسبب فيها المرافق الوطنية بحكم إدارتها لها والإشراف على شؤونها.
2- المرافق المحلية :و يقصد بها المرافق التي يتعلق نشاطها بتقديم خدمات لمنطقة محددة أو إقليم معين من أقاليم الدولة ،
ويعهد بإدارتها إلى الوحدات المحلية، كمرفق النقل،أو مرفق توزيع المياه أو الكهرباء وغيرها من المرافق التي تشبع حاجات محلية، و تتميز المرافق المحلية بالاختلاف والتنوع في أساليب إدارتها بحكم اختلاف وتنوع حاجات كل وحدة محلية أو إقليم تمارس نشاطها فيه كما أن المسؤولية الناتجة عن الأضرار التي تتسبب بإحداثها المرافق المحلية أو موظفيها ويتحملها الشخص المعنوي المحلي أو الإقليمي.
- المرافق العامة من حيث مدى الالتزام بإنشائها : تنقسم المرافق العامة من حيث حرية الإدارة في إنشائها إلى مرافق اختيارية وأخرى إجبارية :
1- المرافق الاختيارية : الأصل في المرافق العامة أن يتم إنشائها بشكل اختياري من جانب الدولة . وتملك الإدارة سلطة تقديرية واسعة في اختيار وقت و مكان إنشاء المرفق ونوع الخدمة أو النشاط الذي يمارسه و طريقة إدارته، و من ثم لا يملك الأفراد إجبار الإدارة على إنشاء مرفق عام معين ولا يملكون الوسائل القانونية التي يمكنهم حملها على إنشاء هذا المرفق أو مقاضاتها لعدم إنشائها له. ويطلق الفقه على المرافق العامة التي تنشئها الإدارة بسلطتها التقديرية اسم المرافق العامة لاختيارية.
2- المرافق العامة الإجبارية : إذا كان الأصل أن يتم إنشاء المرافق العامة اختيارياً فأن الإدارة استثناء تكون ملزمة بإنشاء بعض المرافق العامة عندما يلزمها القانون أو جهة إدارية أعلى بإنشائها ومثال ذلك إنشاء الإدارة لمرفق الأمن والصحة فهي مرافق إجبارية بطبيعتها وتهدف لحماية الأمن والصحة العامة وغالباً ما تصدر القوانين بإنشائها.
ثالثا : إنشاء و إلغاء المرافق العامة : نعرض في هذا المطلب المبادئ المتعلقة بإنشاء وإلغاء المرافق العامة .
- إنشاء المرافق العامة : عندما تجد السلطة المختصة أن حاجة الجمهور تقتضي إنشاء مرفقاً عاماً لإشباعها ويعجز الأفراد عن ذلك، فإنها تتدخل مستخدمة وسائل السلطة العامة وتنشئ المرفق العام ، و حيث إن إنشاء المرافق العامة يتضمن غالباً المساس بحقوق الأفراد وحرياتهم لاعتمادها أحياناً على نظام الاحتكار الذي يمنع الأفراد من مزاولة النشاط الذي يؤديه المرفق وفي أحيان أخرى يقيدهم بممارسة نشاطات معينة بحكم تمتع المرافق العامة بوسائل السلطة العامة وامتيازاتها التي تجعل الأفراد في وضع لا يسمح لهم بمنافسة نشاطات هذه المرافق ولأن إنشاء المرافق العامة يتطلب اعتمادات مالية كبيرة في الميزانية لمواجهة نفقات إنشاء هذه المرافق وإدارتها.
فقد درج الفقه والقضاء على ضرورة أن يكون إنشاء المرافق العامة بقانون أو بناء على قانون صادر من السلطة التشريعية أي أن تتدخل السلطة التشريعية مباشرة فتصدر قانوناً بإنشاء المرفق أو أن تعهد بسلطة إنشاء المرفق إلى سلطة أو هيئة تنفيذية ، و كان هذا الأسلوب سائداً في فرنسا حتى عام 1958 عندما صدر الدستور الفرنسي دون أن يذكر أن إنشاء المرافق العامة ضمن الموضوعات المحجوزة للقانون، و أصبح إنشاء هذه المرافق في اختصاص السلطة التنفيذية دون تدخل من جانب البرلمان إلا في حدود الموافقة على الاعتمادات المالية اللازمة لإنشاء المرفق،مع ضرورة التنبيه إلى أن إنشاء المرافق العامة يتم بأسلوبين: الأول أن تقوم السلطة المختصة بإنشاء المرفق ابتداءً و الثاني أن تعمد السلطة إلى نقل ملكية بعض المشروعات الخاصة إلى الملكية العامة، كتأميمها لاعتبارات المصلحة
العامة مقابل تعويض عادل .
- إلغاء المرافق العامة : بينا أن الأفراد لا يملكون إجبار الإدارة على إنشاء المرافق العامة ولا يستطيعون إجبارها على الاستمرار في تأدية خدماتها إذا ما قدرت السلطة العامة إن إشباع الحاجات التي يقدمها المرفق يمكن أن يتم بغير وسيلة المرفق العام أو لاعتبارات أخرى تقدرها هي وفقاً لمتطلبات المصلحة العامة ، القاعدة أن يتم الإلغاء بنفس الأداة التي تقرر بها الإنشاء ، فالمرفق الذي تم إنشاؤه بقانون لا يتم إلغاؤه إلا بنفس الطريقة وإذا كان إنشاء المرفق بقرار من السلطة التنفيذية فيجوز أن يلغى بقرار إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك، عندما يتم إلغاء المرفق العام فإن أمواله تضاف إلى الجهة التي نص عليها القانون الصادر بإلغائه، فإن لم ينص على ذلك , فإن أموال المرفق تضاف إلى أموال الشخص الإداري الذي كان
يتبعه هذا المرفق .
أما بالنسبة للمرافق العامة التي يديرها أشخاص معنوية عامة مستقلة فإن مصير أموالها يتم تحديده من خلال معرفة مصدر هذه الأموال كأن تكون الدولة أو أحد أشخاص القانون العام الإقليمية الأخرى فيتم منحها لها ، أما إذا كان مصدرها تبرعات الأفراد والهيئات الخاصة فإن هذه الأموال تأول إلى أحد المرافق العامة التي تستهدف نفس غرض المرفق الذي تم إلغاؤه أو غرضاً مقارباً له، احتراماً لإرادة المتبرعين .

المبحث الثاني
لمبادئ التي تحكم المرافق العامة
تخضع المرافق العامة لمجموعة من المبادئ العامة التي استقر عليها القضاء والفقه والتي تضمن استمرار عمل هذه المرافق و أدائها لوظيفتها في إشباع حاجات الأفراد ، وأهم هذه المبادئ مبدأ استمرار سير المرفق العام ومبدأ قابلية المرفق للتغيير ومبدأ المساواة بين المنتفعين.
- مبدأ استمرار سير المرفق العام : تتولى المرافق العامة تقديم الخدمات للأفراد وإشباع حاجات عامة وجوهرية في حياتهم ويترتب على انقطاع هذه الخدمات حصول خلل واضطراب في حياتهم اليومية، لذلك كان من الضروري أن لا تكتفي الدولة بإنشاء المرافق العامة بل تسعى إلى ضمان استمرارها وتقديمها للخدمات، لذلك حرص القضاء على تأكيد هذا المبدأ واعتباره من المبادئ الأساسية التي يقوم عليها القانون الإداري و مع أن المشرع يتدخل في كثير من الأحيان لإرساء هذا المبدأ في العديد من مجالات النشاط الإداري، فإن تقريره لا يتطلب نص تشريعي لأن طبيعة نشاط المرافق العامة تستدعي الاستمرار والانتظام، و يترتب على تطبيق هذا المبدأ عدة نتائج منها: تحريم الإضراب، وتنظيم استقالة الموظفين العموميين ونظرية الموظف الفعلي ونظرية الظروف الطارئة , وعدم جواز الحجز على أموال المرفق .
أولاً : تحريم الإضراب
ثانياً : تنظيم استقالة الموظفين .
ثالثاً : عدم جواز الحجز على أموال المرفق العام .
رابعاً : تطبيق نظرية الظروف الطارئة على العقود الإدارية بوجه عام و في عقود الامتياز بوجه خاص .
- مبدأ قبلية المرفق للتغيير : إذا كانت المرافق العامة تهدف إلى إشباع الحاجات العامة للأفراد و كانت هذه الحاجات متطورة و متغيرة باستمرار فإن الإدارة المنوط بها إدارة و تنظيم المرافق العامة تملك دائماً تطوير و تغيير المرفق من حيث أسلوب إدارته و تنظيمه و طبيعة النشاط الذي يؤديه بما يتلاءم مع الظروف و المتغيرات التي تطرأ على المجتمع و مسايرة لحاجات الأفراد المتغيرة باستمرار و من تطبيقات هذا المبدأ أن من حق الجهات الإدارية القائمة على إدارة المرفق كلما دعت الحاجة أن تتدخل لتعديل بإدارتها المنفردة لتعديل النظم و اللوائح الخاصة بالمرفق أو تغييرها بما يتلاءم والمستجدات دون أن يكون لأحد المنتفعين الحق في الاعتراض على ذلك و المطالبة باستمرار عمل المرافق بأسلوب و طريقة معينة و لو أثر التغيير في مركزهم الشخصي ، و قد استقر القضاء و الفقه على أن هذا المبدأ يسري بالنسبة لكافة المرافق العامة أياً كان أسلوب إدارتها بطريق الإدارة المباشرة أم بطريق الالتزام .
- مبدأ المساواة بين المنتفعين : يقوم هذا المبدأ على أساس التزام الجهات القائمة على إدارة المرافق بأن تؤدي خدماتها لكل من يطلبها من الجمهور ممن تتوافر فيهم شروط الاستفادة منها دون تمييز بينهم بسبب الجنس أو اللون أو اللغة أو الدين أو المركز الاجتماعي أو الاقتصادي ، و يستمد هذا المبدأ أساسه من الدساتير و المواثيق و إعلانات الحقوق التي تقتضي بمساواة الجميع أمام القانون ولا تمييز بين أحد منهم ، غير أن المساواة أمام المرافق العامة مساواة نسبية وليست مطلقة، ومن مقتضياتها أن تتوافر شروط الانتفاع بخدمات المرفق فيمن يطلبها، و أن يتواجد الأفراد في المركز الذي يتطلبه القانون والقواعد الخاصة يتنظيم الانتفاع بخدمات المرفق ثم يكون لهم الحق بالمعاملة المتساوية سواء في الانتفاع بالخدمات أو في تحمل أعباء هذا الانتفاع.

المبحث الثالث
طرق إدارة المرافق العامة
تختلف طرق إدارة المرافق العامة تبعاً لاختلاف وتنوع المرافق وطبيعة النشاط الذي تؤديه، وأهم هذه الطرق هي الاستغلال المباشر أو الإدارة المباشرة وأسلوب المؤسسة أو الهيئة العامة وأسلوب الالتزام وأخيراً الإدارة أو الاستغلال المختلط .
أولا : الإدارة المباشرة : يقصد بهذا الأسلوب أن تقوم الإدارة مباشرة بإدارة المرفق بنفسها سواء أكانت سلطة مركزية أم محلية مستخدمة في ذلك أموالها وموظفيها ووسائل القانون العام ولا يتمتع المرفق الذي يدار بهذه الطريقة بشخصية معنوية مستقلة . يترتب على ذلك أن يعتبر موظفي المرافق التي تدار بهذا الأسلوب موظفين عموميين وتعد أموال المرفق أموالاً عامة تتمتع بالحماية القانونية المقررة للمال العام ، تتبع هذه الطريقة في إدارة المرافق العامة الإدارية القومية بصفة أساسية ويرجع ذلك إلى أهمية هذه المرافق واتصالها بسيادة الدولة كمرفق الأمن والدفاع والقضاء , وفي الوقت الحاضر أصبحت الكثير من المرافق الإدارية تدار بهذه الطريقة وكذلك بعض المرافق الصناعية والتجارية متى وجدت الإدارة أن من المناسب عدم ترك إدارتها لأشخاص القانون الخاص ، و لا شك أن هذا الأسلوب يسمح للإدارة بالإدارة المباشرة لنشاط المرفق ويوفر المقدرة المالية والفنية والحماية القانونية و استخدام أساليب السلطة العامة مما لا يتوفر لدى الأفراد. لكن الإدارة المباشرة منتقدة من حيث أن الإدارة عندما تقوم بالإدارة المباشرة للمرفق تتقيد بالنظم واللوائح والإجراءات الحكومية التي تعيق هذه المرافق عن تحقيق أهدافها في أداء الخدمات وإشباع الحاجات العامة.
ثانيا : أسلوب المؤسسة أو الهيئة العامة : قد يلجأ المشرع إلى أسلوب أخر لإدارة المرافق العامة ، فيمنح إدارتها إلى أشخاص عامة تتمتع بالشخصية المعنوية المستقلة ويسمح لها باستخدام وسائل القانون العام ويكون موظفيها موظفين عموميين وأموالها أموالاً عامة وأعمالها أعمالاً إدارية ، و يطلق على هذه الأشخاص الإدارية الهيئات العامة إذا كان نشاط المرفق الذي تديره تقديم خدمات عامة و يطلق عليها المؤسسات العامة إذا كان الموضوع نشاط المرفق تجارياً أو صناعياً أو زراعياً أو مالياً،كما تتميز الهيئات العامة عن المؤسسات العامة من حيث أن المؤسسات العامة لها ميزانية مستقلة لا تلحق في الغالب بالميزانية العامة للدولة وتوضع ميزانيتها على نمط المشاريع الاقتصادية والتجارية وتكون أموالها مملوكة للدولة ملكية خاصة ، في حين تعد أموال الهيئات العامة أموالاً عامة وتلحق ميزانيتها بميزانية الدولة ، كذلك تتميز رقابة الدولة على الهيئات العامة بأنها أكثر اتساعاً من رقابتها على المؤسسات العامة نظراً لطبيعة نشاط الهيئات العامة وتعلقه بتقديم الخدمات العامة .
ثالثا : التزام أو امتيازات المرافق العامة : بمقتضى هذه الطريقة تتعاقد الإدارة مع فرد أو شركة لإدارة واستغلال مرفق من المرافق العامة الاقتصادية لمدة محددة بأمواله وعمالة وأدواته وعلى مسئوليته مقابل التصريح له بالحصول على الرسوم من المنتفعين بخدمات المرفق وفق ما يسمى بعقد التزام المرافق العامة أو عقد الامتياز ، و قد استقر القضاء والفقه على اعتبار عقد الالتزام عملاً قانونياً مركباً يشمل على نوعين من النصوص ، الأول منه يتعلق بتنظيم المرفق العام وبسيره وتملك الإدارة تعديل هذه النصوص وفقاً لحاجة المرفق أما النوع الثاني من النصوص فيسمى بالنصوص أو الشروط التعاقدية التي تحكمها قاعدة " العقد شريعة المتعاقدين" , ومنها ما يتعلق بتحديد مدة الالتزام و الالتزامات المالية بين المتعاقدين ولا تتعدى ذلك لتشمل أسلوب تقديم الخدمات للمنتفعين ، و على أي حال فإن المرفق العام الذي يدار بهذا الأسلوب يتمتع بذات امتيازات المرافق العامة الأخرى كونه يهدف إلى تحقيق النفع العام , فهو يخضع لنفس المبادئ الأساسية الضابطة لسير المرافق العامة وهي مبدأ إقرار سير المرافق بانتظام واطراد ومبدأ قابلية المرفق للتعديل ومبدأ المساواة في الانتفاع بخدمات المرفق، كما يتمتع الملتزم بحق شغل الدومين العام أو طلب نزع الملكية للمنفعة العامة.
غير أن من يعمل في المرفق الذي يدار بهذا الأسلوب لا يعد موظفاً عاماً بل يخضع في علاقته بالملتزم لأحكام القانون الخاص، وتمارس الإدارة في مواجهة الملتزم سلطة الرقابة والإشراف على ممارسة عمله وفقاً لشروط العقد والقواعد الأساسية لسير المرافق العامة، على أن لا تصل سلطة الإدارة في الرقابة حداً يغير من طبيعة الالتزام , وتعديل جوهرة أو أن تحل محل الملتزم في إدارة المرفق وإلا خرج عقد الالتزام عن مضمونه وتغير استغلال المرفق إلى الإدارة المباشرة .
غير أن الإدارة تملك إنهاء عقد الالتزام قبل مدته بقرار إداري ولو لم يصدر أي خطأ من الملتزم كما قد يصدر الاسترداد بموجب قانون حيث تلجأ الإدارة إلى المشرع لإصدار قانون باسترداد المرفق وإنهاء الالتزام وهو ما يحصل غالباً عند التأميم . وفي الحالتين للملتزم الحق في المطالبة بالتعويض .
في مقابل إدارة الملتزم للمرفق العام وتسييره يكون له الحق بالحصول على المقابل المالي المتمثل بالرسوم التي يتقاضاها نظير الخدمات التي يقدمها للمنتفعين كما يكون له الحق في طلب الإعفاء من الرسوم الجمركية ومنع الأفراد من مزاولة النشاط الذي يؤديه المرفق.
رابعا : الاستغلال المختلط : يقوم هذا الأسلوب على أساس اشتراك الدولة أو أحد الأشخاص العامة مع الأفراد في إدارة مرفق عام ، ويتخذ هذا الاشتراك صورة شركة مساهمة تكتتب الدولة في جانب من أسهمها على أن يساهم الأفراد في الاكتتاب بالجزء الأخر ، و تخضع هذه الشركة إلى أحكام القانون التجاري مع احتفاظ السلطة العامة بوصفها ممثلة للمصلحة العامة بالحق في تعيين بعض أعضاء مجلس الإدارة وأن يكون الرأي الأعلى لها في هذا المجلس ويأتي هذا من خلال الرقابة الفعالة التي تمارسها الدولة أو الشخص العام المشارك في هذه الشركة على أعمالها وحساباتها ، و تتم إدارة المرفق إدارة مختلطة من ممثلي الإدارة و توفر هذه الطريقة نوع من التعاون بين الأفراد والسلطة العامة في سبيل الوصول إلى إدارة ناضجة وربح معقول .
فقد انتشرت شركات الاقتصاد المختلط في كثير من الدول الأوربية كوسيلة لإدارة المرافق العامة ذات الطابع الاقتصادي لا سيما فرنسا في إدارة مرافق النقل والطاقة لما يحققه هذا الأسلوب في فائدة تتمثل في تخليص المرافق العامة من التعقيدات والإجراءات الإدارية التي تظهر في أسلوب الإدارة المباشرة، كما أنه يخفف العبء عن السلطة العامة ويتيح لها التفرغ لإدارة المرافق العامة القومية، ويساهم في توظيف رأس المال الخاص لما يخدم التنمية الاقتصادية .