تقييم ومتابعة التدريب في معهد التنمية الادارية بدولة قطر
مقدم الورقة:
ثامر محمد محارمه
أخصائي تدريب ومسؤول الجودة
معهد التنمية الادارية دولة قطر
المركز الثقافي الملكي
عمان - الأردن
1-3/ جمادى الآخرة / 1427 هـ
27 – 29 حزيران 2006 م


مقدمة
تعد عملية التقييم والمتابعة بشكل عام من العمليات الأساسية اللازمة لكافة الأنشطة الإدارية وذلك بغية تحديد مدى تحقق الأهداف والالتزام بالخطط والبرامج والموازنات ، بالإضافة إلى التعرف على جوانب القوة والضعف بهدف تعزيز النواحي الإيجابية والتغلب على المشكلات والمعوقات . وتكتسب عملية التقييم والمتابعة أهمية خاصة في مجال التدريب ، فمن الأهمية بمكانة التعرف على مدى نجاح البرامج التدريبية وتحقيقها لأهدافها ، فعملية التدريب تحتاج إلى جهد كبير وبالتالي لا بد لنا من معرفة نتائج وثمار تلك الجهود وهل هي بالاتجاه الصحيح أم أنها تحتاج إلى تعديل ومراجعة ، ولعل هذا يفسر لنا الاهتمام المتزايد بعملية تقييم ومتابعة التدريب وعلى المستويين العلمي والعملي . ونود أن نؤكد هنا أن عمية تقييم ومتابعة التدريب ليست غاية بحد ذاتها ، وهي لا تهدف الى تصيد الأخطاء ، وإنما هي عملية شاملة ومستمرة تبدأ قبل انطلاقة فعاليات البرامج التدريبية وتواكبها أثناء تنفيذها وتستمر حتى ما بعد التنفيذ . كما أنها عملية هدفها التغلب على الصعوبات والمعوقات التي تبرز والتي تحول دون نجاح البرامج التدريبية وتحقيقها لأهدافها بالشكل المطلوب .
يتناول هذا البحث تجربة معهد التنمية الإدارية في دولة قطر في مجال تقييم ومتابعة البرامج التدريبية ، حيث أنه رغم حداثة نشأة المعهد نسبيا ، إلا أنه ومنذ انطلاقته أولى رعاية خاصة للمتابعة والتقييم وذلك إيماناً بأهمية هذه العملية وعلاقتها الوثيقة بباقي عناصر العملية التدريبية. يتضمن البحث أربعة أجزاء رئيسة ، تناول الجزء الأول البناء المنهجي للبحث من خلال تحديد مشكلة وأهداف وأهمية ومنهجية البحث . أما الجزء الثاني فتناول المفاهيم العلمية المتعلقة بعملية التقييم والمتابعة من خلال التعريف بمفهومها وأهميتها وعناصرها ومراحلها ومستوياتها ، ولم يتم التوسع كثيراً في هذا الجزء لأن الهدف إلقاء الضوء على عملية المتابعة والتقييم بشكل عام دون إغراق في التفاصيل التي محلها المراجع والدراسات العلمية . أما الجزء الثالث فتناول تجربة معهد التنمية الإدارية في مجال تقييم ومتابعة التدريب من خلال استعراض واقع ممارسات التقييم والمتابعة ، وإبراز المعوقات التي تواجه تلك العملية . وأخيرا تم ابراز النتائج والتوصيات الخاصة بالبحث من خلال الجزء الرابع والأخير .
أولا: البناء المنهجي للبحث
1. مشكلة البحث :
تعد عملية تقييم ومتابعة التدريب آخر العمليات الفرعية التي تتكون منها العملية التدريبية ، وتمثل الأساس الذي تتمكن ادارة التدريب من خلاله تشكيل تصور شامل وموضوعي عن الكيفية التي سارت بها عملية التدريب وما هي النجاحات أو الاخفاقات ، وما هي نقاط القوة أو الضعف ، وكيف يمكن العمل على تعزيز نقاط القوة وأسباب النجاح ، وتعديل أو تغيير العوامل التي تؤدي الى الضعف أو الفشل . وحتى تحقق عملية التقييم أهدافها بهذه الصورة فانه يفترض ان تتركز على جميع الأركان الأساسية التي تتكون منها عملية التدريب ، وأهمها البرنامج التدريبي وادارته والمدربين والمتدربين (1) . ومما لا شك فيه أن عملية التقييم ضرورية ومهمة لكافة الجهات المعنية بعملية التدريب ، ومن هنا فان كافة معاهد ومراكز التدريب تعنى بتطوير الوسائل والأساليب الملائمة للتقييم .
تتعلق مشكلة البحث بواقع تقييم ومتابعة التدريب في معهد التنمية الادارية بدولة قطر وذلك من خلال تحديد أهداف وأنواع وأساليب ونماذج التقييم والمتابعة والمشكلات التي تواجهها ، وبالتالي اصدار أحكام عن جوانب القوة والضعف في تجربة المعهد في مجال تقييم ومتابعة التدريب .
2. أهداف البحث :
يهدف البحث الى :
1) تكوين اطار نظري علمي مناسب حول مفهوم وأهمية ومراحل وأساليب تقييم ومتابعة التدريب بشكل عام .
2) استعراض وتحليل تجربة معهد التنمية الإدارية بدولة قطر في تقييم ومتابعة التدريب من خلال توضيح أهداف وأساليب ونماذج وأنواع التقييم والمتابعة المستخدمة في المعهد .
3) ابراز النواحي الايجابية والسلبية في تجربة معهد التنمية الادارية في تقييم ومتابعة التدريب وذلك للاستفادة من النواحي الايجابية وتقديم توصيات لمواجهة النواحي السلبية والحد منها .
3. أهمية البحث :
تبرز أهمية البحث من أهمية الموضوع الذي يعالجه والأهداف التي يسعى لتحقيقها . وبشكل عام يمكن ابراز أهمية البحث من خلال ما يلي :
1) يتناول البحث موضوعا هاما من الموضوعات ذات الصلة المباشرة بالتدريب وهو التقييم والمتابعة . ونلاحظ زيادة أهمية هذا الموضوع في الآونة الأخيرة وعلى المستويين العلمي والعملي وذلك بهدف قياس عائد التدريب ومعرفة مدى الاستفادة من البرامج التدريبية ومدى تحقيقها لأهدافها ، وتبرير الجهود المبذولة والاموال التي يتم انفاقها على التدريب .
2) يحاول البحث بناء صورة واضحة حول تجربة معهد التنمية الادارية بدولة قطر في مجال تقييم ومتابعة التدريب وذلك من خلال التعريف بأهداف وأنواع وأساليب التقييم المستخدمة في المعهد وتقييم وتحليل تلك التجربة وبالتالي الاستفادة منها في هذا المجال .
3) ومما يزيد من أهمية البحث أنه – وفي حدود علم الباحث – من أوائل البحوث التي تتناول تقييم ومتابعة التدريب في معهد التنمية الادارية بدولة قطر . علما أن المعهد حديث النشأة نسبيا حيث باشر نشاطاته منذ عام 1997م ، وبالتالي فان حداثة نشأة المعهد وعدم وجود دراسات سابقة حول نفس الموضوع تزيد من أهمية البحث .
4. منهجية البحث :
تم استخدام المنهج المكتبي في هذا البحث ، وقد تم الحصول على المعلومات اللازمة للبحث من خلال :
1) المراجع العلمية التي تناولت موضوع تقييم ومتابعة التدريب وذلك لتغطية الاطار النظري للبحث .
2) التقارير والسجلات والنماذج الصادرة عن معهد التنمية الادارية وذلك لتغطية الجوانب المتعلقة بتجربة المعهد فيما يتعلق بتقييم ومتابعة التدريب .
ثانيا : الاطار النظري للبحث
1. مفهوم تقييم ومتابعة التدريب :
يتوقف نجاح التدريب وتحقيقه لأهدافه على مدى التكامل والترابط بين أجزائه وعناصره المختلفة ، فالتدريب عملية مستمرة ومتكاملة تتضمن أجزاء وعناصر مختلفة يقوم كل منها بدور متميز وتشمل تلك العناصر : تحديد الاحتياجات التدريبية ، تحديد أنواع التدريب ، تصميم البرامج التدريبية ، تحديد أساليب التدريب ، وتقييم ومتابعة التدريب (2) . وبالتالي فتقييم ومتابعة التدريب عنصر أساسي من عناصر التدريب ، وهذا العنصر يتكامل ويرتبط بشكل وثيق مع باقي العناصر ، والهدف الأساسي للتقييم والمتابعة هو الارتقاء بالتدريب وتطويره ومعالجة الثغرات التي قد تنكشف أثناء عملية التنفيذ والتغلب على ما يصادفه من عقبات ومشكلات .
إذا حاولنا البحث عن تعريف محدّد وموّحد لتقييم التدريب فإننا نجد أنفسنا أمام عدد كبير من التعريفات التي مهما ضاقت أو اتسعت فإنها تتفق حول المحتوى والعناصر الأساسية للمتابعة والتقييم . فهناك من يعرف تقييم ومتابعة التدريب على أنه عملية تهدف الى مراقبة تنفيذ الخطة للتاكد من انها تسير وفق المنهج المرسوم لها والجدول الزمني لانجاز مراحلها والميزانية المقدرة لها من اجل تحقيق اهدافها المقررة (3) . وهناك من يعرفه على انه عملية تحديد ما تم تحقيقه من التدريب من تقدم نحوالاهداف الموضوعية ضمن معدل او نسبة وتكاليف معقولة (4) . ويعرفه آخرون على انه عملية هادفة لقياس فاعلية وكفاءة الخطة التدريبية ومقدار تحقيقها للاهداف المقررة وابراز نواحي الضعف والقوة فيها (5) .
من خلال هذه المحاولات وغيرها نلاحظ ان تقييم ومتابعة التدريب عملية متكاملة ومستمرة تستهدف قياس فاعلية وكفاءة الخطة التدريبية ، ومقدار تحقيقها للأهداف المقررة ، ومراقبة تنفيذها للتأكد من أنها تسير وفق المنهج المرسوم ، والبرنامج الزمني المحدد لإنجاز مراحلها ، والميزانية المقدرة لها ، بالإضافة إلى التعرف على المعوقات والمشكلات التي تحول دون انتظام نشاطات الخطة التدريبية وتحقيقها لأهدافها . فتقييم ومتابعة التدريب عملية تحاول الإجابة على التساؤلات الآتية (6) :
1) هل استطاع التدريب تلبية احتياجات المتدربين ؟
2) هل يلبي التدريب احتياجات المؤسسات والمنظمات المختلفة ؟
3) ما هي نقاط الضعف في التدريب وكيف يمكن التغلب عليها ؟
4) هل كانت طرق التدريب ووسائله مناسبة وبأي مستوى ؟
5) ما هو التدريب اللازم في المستقبل ؟
2. أهمية تقييم ومتابعة التدريب :
تولي الأجهزة والمؤسسات والمعاهد المعنية بعملية التدريب أهمية خاصة لتقييم ومتابعة التدريب وذلك نظراً لأهمية تلك العملية والتي يمكن إبرازها فيما يلي (7) :
1) التعرف على مقدار ما تم إنجازه من الخطة التدريبية وما تم تحقيقه من أهدافها .
2) التعرف على مدى النجاح في تطبيق مبادئ وأسس التدريب الصحيحة في البرامج التدريبية التي تم تنفيذها .
3) التعرف على الفوائد المباشرة وغير المباشرة التي تعود على الأجهزة والمؤسسات نتيجة لاشتراكها في البرامج التدريبية والتأكد من أن نتائج التدريب قد حققت أغراضها .
4) تحديد المعوقات التي تواجه تنفيذ البرامج التدريبية والعمل على تذليلها والتغلب عليها.
5) التعرف على التغيرات التي طرأت في معدلات وسلوك واتجاهات المتدربين بعد إتمام تدريبهم ودور التدريب في تنمية وتطوير معارفهم ومهاراتهم .
6) بيان نواحي القوة ونواحي الضعف في البرامج التدريبية حتى يمكن التغلب على نقاط الضعف ودعم نواحي القوة وجعلها مفيدة في المستقبل قدر الإمكان وعدم الاكتفاء بمجرد الحكم عليها بالفشل أو النجاح .
7) تحديد درجة كفاءة المدربين ومدى نجاحهم في تنفيذ البرامج التدريبية وقدرتهم على استخدام الوسائل والأساليب التدريبية بشكل مناسب وفعّال .
8) تحديد مدى فاعلية وملائمة الأساليب التدريبية المعتمدة وهل كانت تلك الأساليب مناسبة وهل تم فعلاً استخدامها .
9) بناء قاعدة معلومات أساسية يمكننا استخدامها لمساعدة الإدارة في اتخاذ قرارات مستقبلية .
يتضح لنا من النقاط السابقة مدى أهمية تقييم التدريب ودوره في نجاح عملية التدريب وتحقيقها لأهدافها .
3. مراحل تقييم ومتابعة التدريب :
تعد عملية التقييم والمتابعة عملية مستمرة تبدأ قبل تنفيذ البرامج التدريبية وتستمر حتى ما بعد تنفيذها ، وهذا يعني أن هذه العملية تشمل المراحل الآتية (8) :
1) مرحلة ما قبل تنفيذ التدريب : يتم في هذا المرحلة تقييم ومتابعة الاحتياجات التدريبية والخطة التدريبية وذلك قبل البدء بتنفيذ البرامج التدريبية . ويتم أيضاً مراجعة الساعات المخصصة لكل مادة من مواد التدريب ، وأساليب ووسائل التدريب التي سيتم استخدامها والترتيبات الإدارية اللازمة للبرامج التدريبية ، وكذلك يتم فحص ومراجعة طلبات المرشحين للبرامج التدريبية لتحديد مدى انطباق الشروط عليهم ومدى ملائمة البرامج التدريبية لهم .
2) مرحلة التقييم أثناء التنفيذ : يتم هنا التأكد من أن عملية التدريب تسير وفقاً للخطة التي سبق إعدادها ، وبشكل عام يتم متابعة مدى تحقيق أهداف البرامج التدريبية كما تم تحديدها مسبقاً ، والالتزام بالوقت المخصص لكل موضوع من موضوعات التدريب ، وتوافر وصلاحية وسائل الإيضاح ، وكذلك يتم متابعة مدى الالتزام بالمواد العلمية المتعلقة بالبرامج التدريبية ، وكفاءة المدربين ، و تغطية كافة موضوعات البرنامج التدريبي .
3) مرحلة التقييم بعد التدريب مباشرة : بعد انتهاء البرنامج التدريبي مباشرة يتم عقد لقاء أو توزيع استمارات على المشاركين في البرنامج وذلك لمعرفة مدى استفادتهم من البرنامج وتحقيقه لأهدافه ، وكذلك أثر البرنامج على معارف ومهارات واتجاهات المتدربين .
4) مرحلة التقييم بعد انتهاء التدريب بفترة زمنية : وهنا يتم متابعة المتدربين بعد انتهاء البرنامج التدريبي بفترة زمنية كافية وذلك لتحديد أثر التدريب على تطوير مهاراتهم وتحسين سلوكهم وآرائهم . ولا شك أن مثل هذه المتابعة رغم أهميتها إلا إنها تواجه عدة صعوبات أهمها عدم تعاون المتدربين ورؤسائهم أو تغيير مواقع عمل المتدربين، بالإضافة إلى أن هذا العمل يحتاج إلى وقت وجهد.
4. مستويات تقييم ومتابعة التدريب :
عند الحديث عن مستويات التقييم والمتابعة نجد أن الباحثين في هذا المجال قدموا لنا العديد من النماذج التي تتضمن مستويات متعددة ، ولعل أشهر تلك النماذج وأكثرها قبولاً نموذج كيرك باتريك Kirk Patrick والذي تضمن أربعة مستويات للتقييم هي (9) :
1) مستوى ردود الفعل Reaction: يتم في ظل المستوى التعرف على ردود فعل المتدربين مباشرة بعد انتهاء البرنامج التدريبي ، حيث يتم التعرف على آرائهم بخصوص البرنامج التدريبي ككل ، وبخصوص المادة التدريبية والمدربين والوسائل والأساليب التدريبية ، وغيرها . ويعد هذا المستوى من أسهل المستويات وأكثرها شيوعاً حيث تشير الدراسات إلى أن 95% من المؤسسات والمعاهد التدريبية تستخدم هذا المستوى . وفي هذا المستوى يتم إجراء مقابلات شخصية أو لقاءات أو توزيع استمارات على المتدربين بعد انتهاء البرنامج التدريبي .
2) مستوى التعلم Learning : في ظل هذا المستوى يتم التعرف على كمية المعلومات التي اكتسبها المتدرب نتيجة التحاقه بالبرنامج التدريبي، وكذلك يتم التعرف على المعارف والمبادئ والأساليب والمهارات والاتجاهات التي اكتسبها المتدربون بعد التدريب ، ويتم في ظل هذا المستوى اللجوء إلى الامتحانات والاختبارات التطبيقية والمقاييس العلمية . ولا شك أن هذا المستوى أصعب من المستوى الأول وذلك لصعوبة تحديد دور وأثر التدريب في تغيير مهارات واتجاهات ومعارف المتدربين .
3) مستوى السلوك Behavior : يتم هنا التعرف على أثر التدريب في تغيير وتعديل أنماط سلوك المتدربين ، وهذا المستوى أصعب بكثير من المستويين الأول والثاني وذلك لأنه يحتاج إلى معرفة وقياس سلوك المتدربين قبل التدريب وبعد التدريب ولا شك أن مثل هذه العملية ليست سهلة وذلك لعدم وجود معايير محددة تحكم السلوك .
4) مستوى النتائج Results: يهدف التقييم على هذا المستوى إلى معرفة أثر التدريب على أداء الموظفين وهم في مواقع العمل الحقيقية في المنظمات التي يعملون بها وبالتالي تحديد أثر التدريب في تلك المنظمات. والمشكلة الرئيسية هنا هي تحديد مدى التحسن والتطور الذي يمكن أن ينسب مباشرة للتدريب . رغم هذا ، فان بعض المؤسسات والمعاهد تعمد إلى قياس هذا المستوى من خلال ملاحظة معدلات دوران العمل ومستويات الروح المعنوية للموظفين ، ومدى التحسن في أداء وإنتاجية الموظفين ، ومعدلات الغياب والتأخير والخطأ، وغيرها من المؤشرات .