سقط مبارك ونجحت المصالحة

فهمي هويدي



هل هناك علاقة بين سقوط نظام مبارك وبين الاتفاق على إنهاء الانقسام الفلسطيني بين حركة فتح وحماس؟



هذا السؤال تثيره المفاجأة التي تحققت في الأسبوع الماضي، حين التقى في القاهرة بغير ترتيب معلن وفدان يمثلان الحركتين الأكبر في الساحة الفلسطينية، لمناقشة موضوع المصالحة المعلق والمتعثر منذ نحو ثلاث سنوات.



وخلال اجتماع استمر ساعتين فقط تم التفاهم بين الجانبين حول النقاط الخلافية. واتفق على دعوة ممثلي الفصائل الفلسطينية، بمن فيهم محمود عباس وخالد مشعل لتوقيع الاتفاق في القاهرة يوم الأربعاء المقبل. بما ينهي الانقسام ويفتح الأبواب لبدء صفحة جديدة في المسيرة الفلسطينية.


السؤال الكبير الذي يستدعيه هذا الموقف هو:

ما الذي حدث حتى تم الاتفاق بهذه السرعة على التفاهمات التي ظلت محل جدل وأخذ ورد طوال السنوات الثلاث السابقة؟



في حدود معلوماتي فإن تغيير النظام المصري كان أحد العوامل التي أسهمت في تحقيق التفاهم بين الطرفين لكنه لم يكن العامل الوحيد.



إذ ليس صحيحا ما عبر عنه الخطاب السياسي والإعلامي المصري طوال السنوات التي خلت من أن القاهرة كانت تقف على مسافة واحدة بين حركة فتح وحماس.



وليس سرا أن الرئيس السابق كان منحازا بالكامل إلى جانب أبو مازن، ودائم الاستياء والامتعاض من حركة حماس.



وأن السيد عمر سليمان الذي عهد إليه بملف المصالحة كان متبنيا لموقف رئيسه بالكامل. وللرجل دوره المشهود في إحكام حصار غزة.



أما وزير الخارجية السابق السيد أحمد أبو الغيط فإن تصريحاته المستفزة تجاه الوضع في غزة بل تجاه الفلسطينيين عموما، كانت عاكسة لذلك التوجه.


أما لماذا ظل مبارك رافضا لحماس ومتحاملا عليها طوال الوقت؟



فهناك عدة أسباب تفسر ذلك.

منها موقفه الرافض والمتشكك في كل حركة إسلامية، وهو ما كان واضحا في موقفه من الإخوان في مصر. وكان لديه اقتناع بأن حماس والإخوان يمثلون خطرا أمنيا على نظامه.

وبالتالي فقد كان حريصا على ألا يكون لمصر أية جسور مع الأولى (حتى هذه اللحظة لا يزال أعضاء حركة حماس ممنوعين من الدخول عبر معبر رفح). وكل من وقع منهم في أيدي الأجهزة الأمنية في مصر تم اعتقاله وتعرض لصنوف من التعذيب، يقول الذين أفرج عنهم أخيرا إنها أقسى بكثير مما عرفوه في السجون الإسرائيلية.


وإلى جانب موقفه الشخصي فإن الرئيس السابق الذي صنف على رأس معسكر «الاعتدال» كان أكثر تجاوبا مع الضغوط الأمريكية والإسرائيلية الرافضة لحركة حماس والمتوجسة من المصالحة بينها وبين حركة فتح.



وسمعت من أحد الصحفيين الذين رافقوا مبارك في بعض سفراته أنه قال أكثر من مرة إن استمرار الاشتباك بين حماس وفتح يشغلها عن الساحة المصرية ويسهم في استقرار البلد.



ولأن الأمر كذلك فإن نظام الرئيس السابق ظل طوال الوقت ضاغطا على حركة المقاومة التي تمثلها «حماس» مع الجهاد الإسلامي لصالح الرئيس أبو مازن «ومتجاوبا» مع الضغوط الأمريكية والإسرائيلية، وهو ما تغير بالكلية أخيرا.


وبسقوط نظام مبارك فقد أبو مازن حليفه وسنده الأكبر (ليس الأوحد بطبيعة الحال) في ذات الوقت أدرك الرجل أن الولايات المتحدة لم تعد مشغولة به ولا مستعدة لمساعدته، سواء بسبب دخول الرئيس أوباما في طور الإعداد لولايته الثانية وحرصه على كسب «اللوبي» الإسرائيلي، أو بسبب انصراف اهتمام الإدارة الأمريكية بالحاصل في العالم العربي.



وظلت إسرائيل هي الرابح الأكبر، لأنها انتهزت الفرصة وواصلت التوسع في استيطانها وتضييق الخناق على الفلسطينيين داخل أراضيها، كما أنها لم تتوقف عن قمع الفلسطينيين في الضفة والإغارة على غزة.



وإذا أضفت إلى ذلك الشقوق والتمزقات التي ظهرت في صفوف حركة فتح، وأن إنهاء الانقسام أصبح مطلبا شعبيا ملحا. فستجد أن السيد عباس لم يكن لديه خيار سوى التصالح مع حركة حماس، والقبول بالتحفظات التي سبق إبداؤها على ورقة المصالحة المصرية..

وكان ذلك سببا كافيا لنجاح اجتماع الطرفين يوم الأربعاء الماضي، وتمهيد الطريق لتوقيع الاتفاق يوم الأربعاء المقبل



ــ شكرا لثورة 25 يناير