مقدمة :
إن عالم اليوم يحمل الكثير من المفاجآت والتحولات والتحديات للمجتمعات، وذلك لما يشهده العالم من تطور مضطرد في التكنولوجيات والتقنيات الحديثة، مما جعل الدول النامية والأقل نمواً تعاني ويلات التخلف التقني والعطالة.
هذا بالضرورة يجعل هذه الدول تسعي لردم الفجوة التقنية (Technological Gap) بينها وبين الدول المتقدمة.
وبما أن بلداننا العربية معنية بهذا الأمر، فقد تبنت الدول العربية خطط وبرامج طموحة في مجال التعليم الفني والتدريب المهني وتنمية الموارد البشرية لغرض تأهيل وتحسين الأداء وزيادة الدخل القومي ورفع مستوي معيشة المواطنين من خلال إعداد المواطن العربي وتعليمه وتدريبه علي أحدث تكنولوجيا العصر.

واقع التعليم الفني والتدريب المهني في الدول العربية:-
تولي معظم الدول العربية التعليم العام اهتماماً كبيراً يفوق بكثير اهتمامها بالتعليم الفني والتدريب المهني، كما توجد نظرة سلبية للتعليم الفني والتدريب المهني ومؤسساته ويلتحق معظم من لم يستطيع الاستمرار في التعليم العام بالمدارس الفنية ومراكز التدريب المهني علي الرغم من الجهود المبذولة من معظم الدول العربية في مجال تطوير أنظمة التعليم الفني والتدريب المهني من حيث السياسات والأهداف والبنية المؤسسية والبرامج وطرق وأساليب التعليم والتدريب وغيرها وذلك لسد الفجوة بين متطلبات أسواق العمل ومخرجات المدارس الفنية ومراكز التدريب المهني، إلا أنه لا تزال معظم الدول العربية تحتاج إلي بذل مزيد من الجهد لتحسين نوعية مخرجات التعليم الفني والتدريب المهني ومستويات المهارة المهنية حتى تواكب المستويات العالمية وتلبي احتياجات سوق العمل من المهن والتخصصات الجديدة وتساهم في زيادة قابلية التشغيل لخريجي المعاهد والمدارس الفنية ومراكز التدريب المهني بما يؤدي إلي خفض نسبة البطالة بين هذه الفئة ويزيد من دورها في تلبية الاحتياجات المطلوبة لتنفيذ خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول العربية وكذا المنافسة في سوق العمل الخارجي.
يقصد بالتعليم الفني والتدريب المهني في الدول العربية هو جميع أشكال ومستويات العملية التعليمية التي تتضمن بالإضافة إلي المعارف العامة دراسة التكنولوجيا والعلوم المتصلة بها واكتساب المهارات العملية.

(1) التعليم التقني:-
وهو نظام مدته من 2-3 سنوات ويهدف إلي إعداد الفني والتقني، ففي جمهورية مصر العربية يحصل خريجي هذا النظام علي شهادة دبلوم إعداد الفنيين أما في الجزائر فيحصل الخريج علي شهادة دبلوم التعليم التقني السامي، وفي العراق دبلوم التعليم التقني وتسمي المعاهد التي تقوم بإعداد هذا النوع من التعليم" معاهد تقنية أو معاهد فنية أو كليات مجتمع أو كليات تقنية أو معاهد التكوين التكنولوجي".

(2) التعليم الفني:-
هذا النوع من التعليم تتضمن خطته الدراسية مواد نظرية عامة ومواد فنية ومهنية نظرية وتطبيقات وتدريب عملي ومدة التعليم 3 سنوات بعد إنتهاء فترة التعليم الأساسي ويحصل الطالب علي شهادة دبلوم الثانوية الفنية أو دبلوم الثانوية المهنية أو دبلوم الثانوية التقنية وهذه الشهادة تتيح للخريج الالتحاق بسوق العمل أو مواصلة التعليم العالي بعد اجتياز اختبارات معينة.
ففي جمهورية مصر العربية يمنح خريج التعليم الفني شهادة دبلوم الثانوية الفنية بينما في الجزائر دبلوم تقني ودبلوم تقني سامي وفي العراق دبلوم ثانوي مهني.

(3) التدريب المهني:-
وهذا النظام غير مرتبط بمرحلة تعليمية محددة أو بفئة محددة ويتم في مراكز التدريب المهني ومواقع العمل والإنتاج أو مشاركة بين مراكز التدريب ومواقع العمل والإنتاج، ويسمي التدريب في بعض الدول العربية " بالتعليم المهني" كما يطلق عليه كلمة " التكوين المهني" في الجزائر والمغرب.
وتقوم الحكومات في الدول العربية بإنشاء وتشغيل المؤسسات التعليمية والتدريبية كما توجد جهود للقطاع الخاص في مجال التدريب
المهني حيث تقوم الشركات بإنشاء مراكز تدريب لتنفيذ البرامج التدريبية سواء لإعداد العمالة اللازمة لها أو تدريب بسوق العمل.
وتوجد وزارات متخصصة في بعض الدول العربية للتعليم الفني والتدريب المهني والتقني، كما توجد هيئات تتمتع باستقلال إداري ومالي في بعض الدول الأخرى، كما توجد مجالس التعليم والتدريب المهني علي المستويين الوطني والمحلي تضم في عضويتها ممثلين للحكومة ومنظمات أصحاب الأعمال والمنظمات العمالية وتقوم هذه المجالس برسم السياسات ومتابعة تنفيذها في مجال التدريب المهني.

واقع التعليم الفني والمهني في السودان:-
بدأ التعليم الفني والتقني في السودان في عام 1902 فتحت أول ورشة بكلية غردون القديمة كمدرسة فنية لتدريب الطلاب علي تخصصات النجارة- النحت- البناء- السمكرة –الحدادة ثم تلتها مدرسة الحجر (الفخار) بأم درمان لتدريب الطلاب علي فنون النجارة والنحت والبناء وفي عام 1924 فتح بمدرسة أمدرمان الصناعية قسم المعمار الذي شمل ورشة كلية (غردون) وفي عام 1932 تم فتح مدرسة جبيت الصناعية التي احتوت أقسام الميكانيكا والبرادة والسمكرة التي كانت بكلية غردون تابعة لمصلحة السكة حديد. كما .
افتتحت مدرسة الصنايع بعطبرة وفي عام 1954 فتحت مدرسة الأبيض الصناعية المتوسطة. كما فتحت ثانوية صناعية بمعهد الخرطوم الفني وفي عام 1960 تم إنشاء الكلية المهنية العليا لتستوعب خريجي المدارس المهنية .
في عام 1971 تم إعلان فتح المدارس الفنية بمساقاتها المختلفة صناعي- زراعي –حرفي من النظام المصري ولكنه لم يطبق السلم التعليمي المعمول به بجمهورية مصر العربية.
التعليم التقني:-
في سنة 1950م تم إنشاء معهد الخرطوم الفني وفق النظام تحت إشراف وزارة الأشغال آنذاك لتوفير تقنيين في مجال البناء- الميكانيكا- المحاسبة- السكرتارية . وفي عام 1956م أصبح المعهد تحت إشراف وزارة المعارف ( آنذاك) وارتفعت سنوات الدراسة فيه إلي ثلاث سنوات ثم ارتفعت إلي أربع سنوات في عام 1960م حيث تم استقلال المعهد الفني وأصبح تحت إشراف هيئة مستقلة. وفي هذه الأثناء كونت لجنة لتقويم المعهد حيث قررت اللجنة تقليص الدراسة إلي ثلاث سنوات بعد مراجعة المنهج.
مع بداية تنفيذ قرارات السودنة ظهرت الحاجة الماسة لدعم الخدمة المدنية من الكوادر المدربة لمقابلة احتياجات فترة ما بعد الاستقلال ولهذا الغرض قامت الوزارات المختلفة بإنشاء معاهد في مجال تخصصاتها وحسب حاجتها إلي تقنيين فأنشأت المعاهد التالية:-
معهد التمريض- معهد الأشعة التشخيصية والعلاجية- معهد البصريات- معهد المختبرات الطبية –الهندسة الميكانيكية وعلوم الأرض- معهد الغابات . وأصبحت كل المعاهد تحت إشراف وزارة التعليم العالي.