بقلم : حميد الهاشمى
التعليم ثورة اجتماعية ومن اجل التغيير من واقع إلى آخر أفضل منه سواء علىمستوى الفرد أو الجماعة أو المجتمع. وهو هدف إنساني نبيل تشترك فيه جميع الأديانوالمذاهب والحركات الاجتماعية والإصلاحية. ويعد أهم منجز من منجزات البشرية خاصة فيالوقت الحاضر، وذلك لما بلغه من مستوى رفيع لذا لا ضير من أن نراه يطبق إلزامياخاصة في مراحله الابتدائية، وفي معظم دول العالم.

ومع مهام ووظائف التعليم المعروفة فإنه يهيئ فرصا عظيمة للعمل والنفاذ من شرك البطالة، وذلك لما يقدمه من حصيلة علمية ومشروعية تمنح المتعلم حق العمل واعتلاء المناصب المناسبة. وقد أوجد التعليم فرص عمل عديدة وفتح مجاله ومجال القنوات التي تخدمه لهذا الغرض من خلال تخريج المتخصصين فيها. كما إن للتعليم المهني والتقني دور كبير في زرعوتنمية مهارات حرفية ومهنية لدىالمتعلمين في هذا السلك، حيث يوفر فرصا جيدة للتلقين والتدريب والممارسة مضافة إلى المعرفة النظرية التي يتلقاها الطلبة. وهذه بالنتيجة تدفع بأفواج من المتعلمين والمدربين ليس بالضرورة إلى أن يلتحقوا بالمعامل والمصانع والورش التابعة للدولة ، حيث بإمكانهم العمل في مجالات القطاع الخاص. ومع أهمية التعليم هذه وفوائده وأدوارهالتي يلعبها فإنه من الممكن أن نواجه مشكلة اجتماعية واقتصادية تكون ناجمة عنه أو متعلقة به أحيانا، وتلك هي البطالة المرتبطة بالتعليم أو بطالة المتعلمين. ونعني بها هنا الإشارة ألي أعداد من المتعلمين والخريجين عاطلين أو بعيدين عن سوق العمل ، وذلك لأسباب مرتبطة بتعليمهم وتحصيلهم العلمي. ومنها عدم توفر فرص العمل في اختصاصاتهمأو لقلة أو عدم تيسر عمل يتلاءم ومركزهم الاجتماعي كونهم حاملي شهادات او لقلة الأجور أو غير ذلك مما سنأتي عليه في هذا البحث. الهدف من هذه الدراسة: تهدف هذه الدراسة إلى الإجابة عن السؤالين التاليين: - كيف يكون التعليم سببا في البطالة؟ - ما هي النتائج المترتبة على بطالة المتعلمين؟- بالإضافة إلى عرض نماذج لإشكالية بطالة المتعلمين في الوطن العربي.بعض المفاهيم الرئيسية الواردة: لغرض الاطلاع وتوضيح المسار الذي نسعى به في البحث ، نستعرض هنا بعض المفاهيم والمصطلحات الرئيسية الواردة في ورقة العمل هذه:
التربية والتعليم(Education)
هناك تقارب ودمج كبيرين بين مفهومي التربية والتعليم، فيشار إليهما غالبا أو لكل منهما بمصطلح (Education)، مع إن مصطلح (Learning) يترجم إلى " طلب المعرفة أو المهارة بالدرس والتجربة يكاد يقتصر على مفهوم التعليم مجردا، إلا أن الإدراك بان لا تربية بدون تعليم ، ولا تعليم بدون تربية اظهر الحاجة لإعمال كل منهما للآخر فظهر من ثم التوحيد في تعريفهما وهذا التعريف يضعهما بالشكل التالي: "التربية – التعليم: أن المقصود بذلك تلك المؤسسات التعليمية التي تقوم بإعداد الأفراد وتزويدهم بالمعارف والمعلومات الأساسية من قراءة وكتابة وعمليات حسابية وتمدهم بأصول المواطنة والانتماء. إلا انه يلاحظ على هذا التعريف انه يحصرها بالمؤسسات التعليمية ، في حين انه من المعروف إن المؤسسات تكاد تقتصر على مؤسسات من تلك التي تكون تابعة للدولة أو شبه الرسمية من المدارس والمعاهد وغيرها، بينما يذهب (Gerard O`Donnell) إلى ابعد من ذلك فيذكر : "إن الناس يبدءون التعليم منذ اللحظة التي يولدون فيها، ويأخذون معظم هذا التعليم من البيت، ثم تأخذ مؤسسات أخرى دورها مثل الجيرة والمؤسسة الدينية ووسائل الإعلام والصحبة. على إن ما نتوخاه هنا هو إن التربية والتعليم عملية تهدف إلى توجيه الفرد توجيها صحيحا يتطابق وما يتطلبه الامتثال إلى ثقافة المجتمع السائدة وثم ما يطمح إليه المجتمع من التطور من خلال إكساب أفراده مهارات القراءة والكتابة والحساب واللغة والاطلاع على أسرار الظواهر الطبيعية وأسرار الطبيعة البشرية حسب ما تقدمه العلوم المختصة، ومن ثم محاولات الإبداع والابتكار لأجل خدمة المجتمع، وكل هذه حسب اعتقادنا تشمل حدود وأبعاد التربية والتعليم.
التخطيط للتعليم (Planning For Education)
يعرف هذا المصطلح بأنه: "العملية المتصلة المنتظمة التي تتضمن أساليب البحث الاجتماعي ومبادئ وطرق التربية وعلوم الإدارة والاقتصاد والمالية وغايتها أن يحصل التلاميذ على تعليم كاف ذي أهداف واضحة وعلى مراحل محددة تحديدا تاما. وان يمكن كل فرد من الحصول على فرصة ينمي بها قدراته وان يسهم إسهاما فعالا بكل ما يستطيع في تقدم البلاد في النواحي الاجتماعي والثقافية والاقتصاديةهذا التعريف الذي وضعته منظمة أل (UNESCO) التابعة لمنظمة الأمم المتحدة عام 1963. والملاحظ على هذا التعريف انه (مبتسر) ومقتصر على الإشارة إلى استخدام الأساليب العملية من اجل تهيئة فرص أفضل لأجل الحصول على التعليم. في حين أهمل الإشارة إلى تخطيط حاجة المجتمع من التخصصات العلمية والتقنية التي تكون مبنية بلا شك على أساس دراسات علمية ليتم على ضوئها دراسة وتوزيع التلاميذ او الطلبة على قنوات التعليم الأكاديمية والمهنية مع عدم إهمال مهاراتهم ورغباتهم.
البطالة (Unemployment)
يشار إلى البطالة بأنها : "حالة عدم الاستخدامالتي تشير إلى الأشخاص القادرين على العمل والذين ليس لديهم فرص عمل سانحة. كما تعرف بأنها "ظاهرة اجتماعية تعبر عن العمالة الناقصة ، وتتجسد في التفاوت بين العمل وسوق الإنتاج. تقوم هذه الظاهرة على كون شريحة من السكان القادرين على العمل ولا تجد عملا لها.ويتطابق هذان التعريفان مع ما نشير إليه في عملنا هذا بالبحث في إعداد المتخرجين والحاصلين على فرص التعليم ولا يعملون. أسباب بطالة المتعلمين: إن للبطالة كظاهرةاقتصادية واجتماعية بصورة عامة أسبابا عدة، ولكن ما يهمنا هنا أن نذكر مسببات البطالة المرتبطة بالتعليم ويمكن أن نذكر التالي:
أولا: التوجه العام بسلك طريق التعليم المعتاد (الكلاسيكي آو الأكاديمي) والعزوف عن التوجه نحو التعليم المهني، حيث يظهر التضخم والترهل في أعداد من يخوضون في التعليم الأكاديمي والكليات الإنسانية خاصة كليات التربية والأدب والاقتصاد والعلوم السياسية.
ثانيا: التوجه العام للناس والمتعلق باهتماماتهم وميولهم وتوجهاتهم القيمية، مثال ذلك - إن التدريس مهنة محترمة بصورة عامة وللمرأة بصورة خاصة - . ولهذا تجد أعدادا كبيرة من الفتيات مثلا يقبلن على الكليات المعنية وخاصة في البلدان العربية وعلى مثال بلدان الخليج والعراق وليبيا (8) ومن اتجاهات الناس الأخرى أيضا أن بعض الكليات (الإنسانية) غالبا وتخصصاتها لا تحتاج لسنوات دراسة أكثر من أربع سنوات أو لا تحتاج إلى تكاليف مادية كبيرة إن لا ترافقالدراسة فيها حصص تدريبية أو مختبريه وغير ذلك الأمر الذي يعني أيضا تقليل التكاليف المادية المترتبة على ذلك.
ثالثا: فشل أو سوء سياسة التخطيط والبرمجة المركزية (التنسيق) في توزيع إعداد الطلبة، حيث يتم ذلك خلافا لمؤهلاتهم ورغبات الكثير منهم مما يؤدي إلى الفشل إن التأخر الدراسي، أو إن يتخرجوا كفاءات ضعيفة أو غير مؤهلين وغير راغبين بالعمل. وهكذا ينشأ نوع من البطالة، كما إن التأثير يمتد نتيجة فشل سياسة التنسيق هذه إلى أزمة تلحق التخصصات الأخرى، أو طلبة آخرين راغبين بهذه التخصصات، حيث يشغل زملاؤهم هؤلاء الكراسي المخصصة لهم. ونستشهد بمثال من الجماهيرية الليبية: " حيث يلاحظ ان بعض التخصصات الطبية وخاصة الصيدلة قد وصل مرحلة الاكتفاء الذاتي من العناصر البشرية النسائية، في حين أن العديد من المجالات الطبية الأخرى لا تزال في حاجة إلى الطاقة البشرية النسائية. وهذا يحتم ضرورة المزيد من التنسيق بين احتياجات قطاع الصحة من العناصر البشرية وطرق إعداد الآباء في كليات الطب وتوزيع الطاقات البشرية على التخصصات التي يحتاجها القطاع.
رابعا: الأمية المهنية أو الميدانية التي يعاني منها معظم الخريجين والتي بسببها يواجه هؤلاء صعوبات تطبيق ما تعلموه، والخوف والقلق من مواجهة المهنة. ويأتي ذلك لعدة أسباب منها
1- إهمال أو كسل الطالب معظم سنوات الدراسة.
2- عدم قناعة الطالب باختصاصه أو بنتيجة و جدوى تعليمه.
3- عدم هضم المناهج التعليمية لأمور عدة.
4- قصور السياسة التعليمية لأسباب منها: عدم ملائمة برامج التعليم ومناهجه او قلة كفاءة الكوادر التدريسية والتدريبية. وتعد هذه مشكلة كبيرة متداخلة مع مشاكل أهم منها. والى ذلك يشير الدكتور متعب السامرائي فيقول: "إن الصعوبات الحقيقية التي يعاني منها العديد من الجامعات في البلدان النامية يمكن حصرها بوجود الأساتذة من ذوي الإعداد الضعيف مع وجود طلبة لم يعدوا بشكل يتناسب ومتطلبات التعليم العالي
خامسا: عدم توفر فرص العمل في نفس اختصاص الخريجين بسبب التضخم في أعدادهم وتركزهم في اختصاصات معينه تفوق الحاجة لهم بعد التخرج.
سادسا: رفض الخريجين العمل في مهن وإعمال لاعتقادهم إنها لا تلائمهم وإنها أدنى منهم مستوى.
سابعا: ارتفاع أعداد المشتغلين بقطاع الخدمات بسبب تغير اتجاهات معظمالناس ودعمهم لمبدأ التوجه المادي أو العمل الحر وجمع المال إن العمل بالتجارة.
ثامنا:سوء توزيع الخريجين أحيانا، أو توزيعهم عشوائيا على قنوات ليست لها علاقة بتخصصاتهم أو بما درسوه. وهذا خلاف ما يدعى بسياسة (وضع الشخص المناسب في المكان المناسب) كما يقال، وهو ناتج عن سوء فهم أو سوء تخطيط أو عدم توافر أجهزة العمل المساعدة أو عدم توفر المشاريع التي يعملون بها.
النتائج المترتبة على بطلة المتعلمين
تترتب على البطالة المرتبطة بالتعليم نتائج سلبية كبيرة، وتبلغ من الخطورة أنها من الممكن أن تعرقل أو تهدد مسيرة التنمية، ومن هذه النتائج:
أولا: زيادة عدد الأيدي العاملة أو المتخصصة في مجال ما ، ونقصها في مجال آخر وهو ما يؤدي إلى اختلال ميزان قوة العمل البشرية ومن ثم تأثيره في السياسة التنموية.
ثانيا: هدر الأموال الكبيرة نتيجة عدم استفادة الخريجين مما تلقوه وانفق عليهم فترة الدراسة أو نتيجة تأخرهم الدراسي.
ثالثا: هجرة الكثير من الكفاءات بسبب عدم توفر فرص العمل لهم، إن لقلة أجورهم أو عدم وضعهم في الأماكن التي تناسب مؤهلاتهم العلمية.
رابعا: إن بطالة الخريجين تعطي ولا شك انطباعا سيئا لدى العامة من الناس ومن الخريجين أنفسهم أحيانا، ويشعر الكثير منهم بالإحباط وبعدم جدوى التعليم أو جدوى بعض التخصصات، فيقل اعتبار التعليم والشهادات وأصحابها.
خامسا: بسبب هذا النوع من البطالة يتسرب الوهن إلى مسيرة العلم والتعليم بسبب تعطل كفاءات كثيرة عن العمل وهدر أموال كبيرة.
سادسا: حدوث الكثير من الانحرافات والأمراض الاجتماعية نتيجة لوجود أعداد كبيرة من مثل هؤلاء وعدم مسايرتهم لمسيرة المجتمع وشعورهم بالإحباط والفشل وعجزهم عن تلبية متطلبات الحياة أو تحقيق ما كانوا يخططون أو يطمحون إليه.
سابعا: وأيضا من الممكن أن تضعف روح المواطنة لدى البعض من هؤلاء نتيجة للأسباب السالفة الذكر ، وكونه يشكل صدمة لهم ، أو لعدم تقديرهم الصحيح لمسببات ذلك.
وعليه فإننا أمام مشكلة اقتصادية واجتماعية حقيقة جديرة بالاهتمام والمتابعة، وتتطلب بذل جهود مضاعفة ، متكافلة ومتكاتفة من قبل جهات عدة لا تقتصر على عاتق الجهات الحكومية فحسب بل يتوجب ان تسهم فيها منظمات المجتمع المدني.