نشأة علم إدارة الأعمال وتطوره وأهميته
يعد علم إدارة الأعمال من العلوم الحديثة النشأة في مجال الإدارة والاقتصاد. ولكن مفهوم الإدارة قديم تاريخياً، فهو يستند أساساً إلى سلطة الرؤساء وخضوع المرؤوسين لهم. وقد طَبَّقت مؤسسات ضخمة عريقة الأصول مفهوم الإدارة في تنظيماتها من أجل تنسيق العمل في دوائرها. ويأتي تنظيم الدولة والقوات المسلحة والتنظيم الكنسي في مقدمة هذه المؤسسات. وكان النظام الإقطاعي منذ العصور القديمة يقوم على التنظيم المتسلسل (الخطي)، ويمكن القول إن تنظيم أكثر المشاريع الصناعية التي قامت قبل القرن العشرين كان من هذا القبيل.

فمالك العمل هو مديره ومدبره،وقد تبلغ سلطاته مبلغ حق الملوك المقدس، وهو صاحب الأمر والنهي في مشروعه، وقد يتخطى بأوامره مراتب جميع موظفيه سواء كانت أوامره صحيحة أم غير صحيحة. وقد يستعين هذا المالك ببعض أفراد أسرته أو أقاربه في إدارة منشآته إذا تجاوزت في حجمها حدود طاقته.
وكانت كل القرارات الإدارية وتنظيمات العمل تقوم على أساس الخبرة الشخصية والتجربة والحدس. وقد أدت الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر إلى نمو حجم الاستثمارات الصناعية الفردية والشركات الصغيرة وإلى مضاعفة رأس المال الضروري لتمويلها، وفرضت مكننة الصناعة ازدياد الطلب على الأموال إلى درجة لم يعد في وسع المصادر المالية للأفراد والأسر توفيرها بالغاً ما بلغ ثراؤها فكان أن عمدت المؤسسات الصناعية إلى بيع أنصبة من مشروعاتها إلى الجمهور في صورة أسهم. وأقرب الأمثلة إلى الذهن في هذا المجال تلك الإمبراطوريات الصناعية التي أقامها رجال من مثل هنري فورد أو أندرو كارنيجي أو جون روكفلر. إلا أنه في سياق التطور التاريخي للنظام الرأسمالي، ومع اتساع الملكية العامة للمؤسسات والمشاريع الصناعية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين تحولت هذه المؤسسات من الملكية الفردية إلى ملكية جماعية يستحيل - عملياً - إدارتها من مالكيها، وصار التقليد المتبع هو إدارتها عن طريق مجلس إدارة ينتخبه أصحاب الأسهم.

وهكذا غدت الإدارة مهنة مستقلة، وصارت الحاجة ماسة إلى وجود مديرين متفرغين يسيّرون العمل ويوجهونه، كما ظهرت الحاجة إلى وجود بنية هيكلية يعتمد عليها المديرون في عملهم الإداري. ويؤلف المديرون التنفيذيون والموظفون الكبار في المؤسسات الضخمة ما يعرف اليوم باسم «الإدارة العليا» ويليهم في المرتبة جماعة الموظفين والإداريين التنفيذيين التي تؤلف ما يمكن أن يطلق عليها مهمة تنفيذ سياسة الإدارة العليا وقراراتها وتوجيهاتها، ويأتي في المرتبة الثالثة فئة هي أقرب إلى الإنتاج الفعلي من سابقتيها، وتضم المشرفين supervisers، ورؤساء المشاغل (الورشات) foremen ورؤساء وحدات العمل،وثم الذين يتولون الإشراف المباشر على سير العمل وتنفيذ جدول الأعمال اليومي المقرر.

ولما كانت الإدارة في المؤسسات الكبيرة تضم أفراداً كثيرين ومن مستويات مسؤولية مختلفة فقد وجب على المدير أن يثبت جدارته وكفايته في عمله، وكان ذلك من دواعي الاهتمام بالطرائق العملية التي يمكن أن تبيّن مدى نجاح المدير أو إخفاقه. وقد تمخضت جهود الكثير من المديرين المبدعين ورواد حركة الإدارة العلمية عن ولادة علم جديد هو علم إدارة الأعمال وتعود بدايات هذا العلم إلى أواخر القرن التاسع عشر، وهو يعد علماً أمريكي النشأة، لأن أكثر مدارسه ومذاهبه وبحوثه التطبيقية ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية، وطورت على يد علماء ورجال أعمال أمريكيين.ولم يكن فريدريك وينسلو تايلور [ر] FredericWinslow Taylor أول من دعا إلى تطبيق الطرائق العلمية في الإدارة، إلا أنه، لا شك، ترك أعظم الأثر في هذا الميدان


المصدر
محمد وليد الجلاد