خالف مؤلف أميركي مناهض للحركات النسائية، رأي المنظمات الحقوقية في بلاده،بخصوص المطالبة بتوسيع مشاركة المرأة السعودية في كل المجالات، لافتاً إلى أنالمجتمع الأميركي لم يجن من مشاركة المرأة سوى «تآكل القيم الأخلاقيةوالاجتماعية».
وبدا غاري نيلر الذي ألف كتاب «لعنة العام 1920»، معجباً بثقافةالسعوديين تجاه المرأة، واصفاً الرجل السعودي في حوار مع «الحياة» بـ «آخر الرجالوقوفاً في العالم». وأضاف: «في الحالة السعودية الأنظمة الدينية والاجتماعية، إضافةإلى الحقوق المدنية، تبدو أكثر انسجاماً من تلك الموجودة في أوروبا وأميركا،فالصفات الأخلاقية والدينية للسعوديين أكثر اتساقاً وأفضل من حال مؤسسي الولاياتالمتحدة».
وطالب نيلر في رسالة وجهها إلى من سماهم «إخوانه في السعودية» برفض كلالأصوات المطالبة بفتح المجال أمام المرأة للتصويت والمشاركة السياسية، محذراً من «لعنة مقبلة تشبه تلك التي أصابت الولايات المتحدة، حينما أتيحت الفرصة للمرأةالأميركية لإسماع صوتها والمشاركة في التصويت».
ويبرر نيلر رأيه المخالف للعقليةالغربية بشكل عام بـ «النتائج المدمرة التي طاولت المجتمع الأميركي بعد عام 1920،وهو العام الذي نالت فيه المرأة الأميركية حقها الوطني في التصويت». واستطرد معدداًالآثار المترتبة على توسيع المشاركة النسائية، «اقتصادياً، ارتفعت التكاليفالحكومية بشكل متسارع، بشكل صار يهدد الاقتصاد الأميركي»، مستدلاً بدراسة أجراهاقسم القانون في جامعة شيكاغو في هذا الجانب بعنوان «كيف أثر انتخاب المرأة بشكلمتسارع في حجم ونطاق الحكومة؟».
ويضيف «أما اجتماعياً، فإن ثلاثة أرباع حالاتالطلاق المنظورة في المحاكم الأميركية، تقدمها نساء بشكل يهدد الأمن الماليوالتماسك الاجتماعي للأسر».
وإن بدا غاري نيلر معجباً بالثقافة السعودية فهو لميزورها «على رغم اتصاله بالسفارة السعودية في واشنطن، ومحاولته الحصول على شرفاستضافة زيارته لها»، مضيفاً أنه لم يتعامل بشكل مباشر مع المجتمع السعودي، غير أنهيرى أن «من السذاجة أن يتم التفكير في وجود ثقافة كاملة في كل الجوانب». وتابع: «لقد جربت الثقافة الأخلاقية والممارسات التي يؤديها السعوديون من خلال تربيتيلخمسة أطفال على العادات واللباس ذاتها، أعتقد أن لها قيمة كبيرة». ويتساءل نيلرمتعجباً عن «شكل الفضيلة والأخلاق وضبط النفس والأمومة لدى النساء بعد حصولهن علىحق المشاركة السياسية والمساواة في التعليم والتوظيف، بدلاً من الاهتمام بالمظهروالملابس؟».
وحول خوفه من تبعات دعواته لسحب الحقوق من المرأة بعد إصدار كتاب «لعنة العام 1920»، قال: «لسوء الحظ، زوجتي وأسرتي رفضوني، ولم يعد لي أن أدعيانتمائي إلى الديانة المسيحية في ظل المسيحية التقليدية، كما أن عائلتي تخلت عنالثوابت التي نشأت عليها، التي كانت في غاية الأهمية لنا، وانتقلت إلى العالم الآخرالمليء بالمتعة».
وحول ما إذا كانت رسالته للسعوديين تتعارض مع قضية تزايدالبطالة بين النساء في السعودية بسبب وجود عدد من الموانع المسيطرة على عمل المرأة،فضلاً عن وجود عدد من القصص الناجحة لنساء سعوديات ناجحات على المستويين العمليوالأسري، قال: «لا يوجد تشابه بين المجتمعين السعودي والأميركي... لكن هل أنتممستعدون للتعامل مع الإحصاءات الأميركية، إذ إن نسبة الطلاق تصل إلى 53 في المئة،وعدد البيوت الزوجية التقليدية نحو 50 في المئة!».
ويواصل نيلر هجومه على الوضعالذي وصلت إليه حال المجتمع الأميركي بعد إعطاء المرأة حقها في التصويت، مشيراً إلىقضية الإجهاض التي بلغت أرقامها نحو 3500 حالة إجهاض يومياً في أميركا وحدها،مرجعاً ذلك أيضاً إلى الحقوق «أو اللعنة» التي أعطيت للمرأة. واختار أن يصف الحريةللمرأة الأميركية بـ «المدمرة، إذ دمرت الأسرة الأميركية والأخلاق وعدداً لا يحصىمن الأرواح (في إشارة إلى موضوع الإجهاض)، فضلاً عن زعزعة الاستقرار المالي وغياباحترام القيم وقدسية الزواج، والخلط بين الحقوق الشرعية السياسية للرجلوالمرأة».
ويؤكد أن «الأمهات من النساء لسن أبداً عاطلات»، وأن المشكلة تكمن في «عدم رؤية ما يؤدي إليه هذا الطريق وتبعات إعطاء المرأة حقها وحريتها في مشاركةالرجل».
يذكر أن غاري نيلر حاصل على درجة البكالوريوس في العلوم من جامعة تكساسللتقنية، وبدأ تناوله لقضايا الحركة النسائية في عام 1994، مصدراً كتابه الأول «لعنة العام 1920»، الذي يعد الأول من نوعه في مجال درس الحركات النسائية، مبيناًأن سبب توجهه لهذا المجال هو: «تدمير هذه الحركة للأرواح والعائلات والمجتمعاتوالدين».
رسالةغاري نيلر إلى خادم الحرمين الشريفين
لم يكتف المؤلف الأميركي بإبداء إعجابه بالثقافة السعودية وانتقاد وضع المرأةالأميركية، بل اختار أن يوجّه رسالة إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بنعبدالعزيز عبر «الحياة»، قائلاً: «لقد درست الإسلام الذي بدأ في بلادكم، وقرأت عنالتزام ملوك السعودية الثابت نحو الدين الإسلامي، ونحن هنا في الولايات المتحدةلدينا تراث ديني غني، ولكننا - بخلافكم - لم نلتزم بهذا التراث وتناسيناه، ما أدىإلى التدهور والخراب».
واستشهد نيلر بمقولة الرئيس الأميركي الأول جورج واشنطن: «من بين كل العادات والتصرفات التي تؤدي إلى الازدهار السياسي، فإن الدين والأخلاقلا غنى عنهما».
وأضاف: «أحيي فيك وفي شعبك المحافظة على الدين والأخلاق أولاًوقبل كل شيء، إضافة إلى احترام الخط الحيوي للتمييز بين الرجل والمرأة، والتي هيسبب سقوطنا في أميركا أخلاقياً ومدنياً واجتماعياً». وقال: «لاحظت في الآونةالأخيرة إدانة الإعلام الأميركي لأخلاقياتكم، خصوصاً في ما يتعلق بموقع المرأةالسعودية، إنني كأميركي أدرك كيف تخلينا عن حكمة أجدادنا، أعتذر عن حماقتنا، طالباًمعذرتكم وداعياً لكم للمحافظة على مثابرتكم في الحفاظ على المعايير العادلة التيتملكونها». وأضاف نيلر في خطابه إلى الملك عبدالله: «أمتنا تجاهلت حكمة الرئيستوماس جيفرسون القائلة بأنه متى ما سُمح للمرأة بالمشاركة والتصويت فإن هذا سيؤديإلى الفساد الأخلاقي، وأنه لا يمكن للمرأة الاشتراك علنياً في الاجتماعات معالرجال، والشيء المخجل أن هذا ما نمارسه الآن».
وتطرق نيلر - في رسالته إلىالعاهل السعودي - إلى الأخلاقيات التي دعا إليها «الآباء المؤسسون» للأمةالأميركية، في ما يتعلق بمشاركة المرأة ودورها في المجتمع الأميركي وحثهم علىالمحافظة على الأخلاق كمعيار أساسي لنجاح الأمة الأميركية.
مشيراً إلى التبعاتالتي أعقبت إعطاء المرأة حقوقها السياسية في العام 1920، إذ ضرب الفساد الأخلاقيالمجتمع الأميركي، والتخلي عن القيم الأخلاقية والمدنية، وانتشار الإباحية والطلاقوالإجهاض، حتى أصبحت أميركا - بحسب وصف نيلر -: «الشيطان الأكبر»، الذي لا يمكنهالعودة إلى أخلاق الآباء المؤسسين والتوبة قبل إدراك هذه الحقيقة، مبدياً قلقه حولالوضع الحالي للمجتمع الأميركي، ومعيداً تقديره وامتنانه للالتزام السعودي الراسخوالثابت بالثوابت الدينية والأخلاقية، وراجياً ألا يؤثر «الغباء والحماقة والعمىالأميركي» على هذا الالتزام»، ومختتماً بقوله: «سامحنا، لأننا لا نعرف ما نقوم به،وندين الذين هم أكثر صلاحاً منا».