الإدارة الحديثة ومتطلبات البيئة.

الثقافة التنظيمية وأخلاقيات العمل
- البيئة الثقافية: تعتبر البيئة الثقافية أرضاً خصبة لأن تترعرع فيها مفاهيم قد لا تكون متوازنة في الأصل بحذافيرها بل هي وليدة ظروف اقتصادية واجتماعية وهناك أكثر من بيئة تثؤثر على مفاهيم العمل داخل المنشأة كما أن هناك البيئة الخاريجة بما تحتويه من مؤثرات وعلوم ومعارف وديناميكيات للتفاعل لم تكن متاحة في الماضي بنفس الزخم والسرعة في الانتشار وبالتالي فإنه أصبح من المعتاد أن تجد في نفس بيئة العمل مفاهيم مختلفة بخصوص كيفية تنفيذ العمل مما يحدو بالمعنيين بالأمر إلى الاجتماع لتوحيد المفاهيم ووكتابة السياسات والإجراءات وتحديد الأولويات فيقال أن هناك ثقافة تنظيمية (Organizational Culture) في منشأة ما تميزها عن غيرها وقد عرّف هوفستد دال الثقافة بأنها " البرمجة الجماعية للعقل والتي تميز مجموعة من البشر عن الأخرى .. وهي بذلك تتضمن القيم وتفرعاتها التي تكون تلك الثقافة".

- مفهوم الثقافة التنظيمية: إن نسبة مفهوم الثقافة إلى التنظيم يعتبر ظاهرة متأخرة نسبياً حيث تم استعارة لفظ الثقافة في منظمات الأعمال من قبل ممارسي وخبراء التطوير التنظيمي، ليعبر عن القيم والمعتقدات السائدة في التنظيم عموماً، وتأثيرها على العملية الإدارية والسلوك التنظيمي للأفراد، وكذلك إلى المفاهيم التي يحملها الأفراد حول الحقائق المتمثلة في نمط القيادة والممارسات الإدارية المتبعة وما إلى ذلك.
وقد أخذ المفهوم مؤخراً مكانه الأكاديمي داخل الأبحاث المختصة بعلوم الإدارة والتنظيم حتى أصبح من المجالات الرئيسية في بحوث المنظمات وخصوصاً بعد النجاح الذي حققته الكتب الأربعة الأولى التي تناولت هذا المفهوم، وقد أجمعت أغلب هذه الدراسات على أن الكثير من ممارسات الإدارة العلمية تستند إلى قواعد ومعايير الثقافة السائدة بالمجتمع، وأن العديد من ظواهر الفشل في إدارة المشاريع يرجع لعجز المديرين في موائمة أو أقلمة سلوك المشروعات لقواعد ومعايير الثقافة السائدة الأمر الذي يحتم فهم المحتوى الثقافي الذي تعمل فيه تلك المشاريع.
ويعتقد البعض أن الاهتمام بمفهوم ثقافة المنظمة جاء بسبب اهتمام الصناعة الأمريكية العميق لدراسة وتفهم أسلو الإدارة اليابانية والقيم الماصحبة للسلوك في قطاع الأعمال الياباني كأحد عوامل النجاح بها من ناحية، ودراسة إمكانية اختلاف الثقافات بين المنظمات داخل ثقافة المجتمع الواحد كإنعكاس مباشر لمختلف البيئات التي تواجهها تلك المنظمات من ناحية أخرى.
وقد ساعتدد تلك الدراسات وغيرها الكثير في ظهور مدرسة الثقافة التنظيمية والمبنية على افتراض أن لكل منظمة خصائص ثقافية تميزها عن غيرها من المنظمات، وهذا الأمر لفت الأنظار إلى ضرورة دراسة وتحليل القيم والمعتقدات السائدة في التنظيمات المزمع دمجها لإتمام عملية الإندماج بنجاح وهذا بدوره لفت النظر إلى أهمية دراسة "ثقافة المنظمات"، وفيما يلي أهم الأسباب التي أدت لظهور هذه الدراسة.
التراث العلمي لإدارة الموارد البشرية: لقد تزامن تطور مدخل "الثقافة التنظيمية" نع تراكم التراث العلمي بإدارة الموارد البشرية وخصوصاً بعد نجاح التجربة اليابانية، ونادى كثير من الكتاب بضرورة وضع استراتيجيات وسياسات خاصة في كل فرع من فروع الشركات المتعددة الجنسيات تتوافق مع ثقافة المجتمعات التي تمارس فيها هذه الفروع أنشطتها، وأن يشتمل دور إدارة الموارد البشرية بناء قوة عمل تحمل قيم ومعتقدات المنظمة.

مفهوم الثقافة التنظيمية: مصطلح الثقافة التنظيمية مصطلح واسع يضم ويجسد جوانب عديدة في المنظمة وحتى يمكن توضيح هذه الجوانب فمن الضروري استعراض بعض من التعاريف التي طورها الباحثون في نظرية التنظيم للثقافة التنظيمية متأثرين في ذلك بالتعاريف التي قدمها علماء "الانثروبولوجيا" علم الإنسان للثقافة:

يُعرّف روجر هاريسون الثقافة التنظيمية بأنها: الأيديولوجيات والمعتقدات والقيم المغروسة في كل المنظمات وأيضاً العادات الراسخة للطرق التي يجب على الأفراد العمل بموجبها في تلك المنظمات.

ويعرّفها ديل وكندي بأنها: مجموعة من الافتراضات والمفاهيم والأنظمة والقوانين الضمنية التي تحكم السلوك اليومي في محيط العمل.

ويعرّفها شوارتز وديفيز بأنها: مجموعة أنماط سلوكية أساسية تم اكتشافها أو تنميتها وتطويرها من قبل جماعة معينة أثناء تعلمهم الطريقة التي يجب التعامل مع مشاكل متعلقة بالتأقلم داخلياً وخارجياً، بحيث يستفاد من هذه الأنماط لأنها صالحة ومفيدة لهذه الجماعة، فلا بد من تعليمها للأعضاء الجدد، بحيث يفهمونها ويدركونها ويمارسونها.

ويعرفها كوسن بأنها: مجموعة القيم التي يجلبها أعضاء التنظيم الواحد (قادة وعاملين) من البيئة الخارجية للبيئة الداخلية لذلك التنظيم.

وبالرغم من هذه الفروقات في التعاريف، إلا أن هناك اتفاقاً يذهب إلى أن الثقافة التنظيمية، كأحد عناصر البيئة الداخلية للتنظيم هي محصلة العلاقات الاجتماعية المتكررة بين العاملين والتي تشكل بالتالي أنماطاً سلوكية للنظام الاجتماعي التنظيمي، وبذلك تساهم بوحدة التنظيم وتكامله من خلال التقاء العاملين حول عناصرها المختلفة المتمثلة في القيم والمعتقدات والأعراف والمعايير والتوقعات وستنتاول هذه العناصر باختصار على النحو الآتي:

القيم التنظيمية: القيم بشكل عام عبارة عن اتفاقات مشتركة بين أعضاء التنظيم الاجتماعي الواحد، حول ماهو مقبول وما هو غير مقبول، أو ما هو مرغوب وما هو غير مرغوب في، أما القيم التنظيمي، فهي القيم التي تعكس القيم في بيئة العمل، بحيث تعمل على توجيه سلوك العاملين ضمن الظروف التنظيمية المختلفة على سبيل المثال المساواة بين العاملين، واحترام العملاء، والاهتمام بإدارة الوقت.

المعتقدات التنظيمية: هي عبارة عن أفكار مشتركة حول طبيعة العمل، والحياة الاجتماعية في بيئة العمل وكيفية إنجاز العمل والمهام التنظيمية، ومن هذه المعتقدات أهمية المشاركة في صنع القرارات والمساهمة في العمل الجماعي وأثر ذلك على تحقيق الأهداف التنظيمية.

المعايير والأعراف التنظيمية: هي عبارة عن معايير يلتزم بها العاملون في التنظيم لاعتقادهم بأنها صحيحة وضرورية لبيئة العمل، بغض النظر عن فاعليتها أو عدم فاعليتها.

- خصائص الثقافة التنظيمية: الثقافة التنظيمية عبارة عن مجموعة من الخصائص التي تميزها، وتشير مراجعة ما هو متاح من تعاريف خاصة بالثقافة إلى تأكيد عدة جوانب فيما يتعلق بتحديد طبيعة هذا المفهوم، وتتمثل فيما يلي:

1. الثقافة التنظيمية تحدد معايير السلوك: توضح المراجعة الدقيقة للتعاريف السابقة أن معظم الباحثين والكتاب ينظرون إلى الثقافة التنظيمية على أنها اتجاه اجتماعي ومعياري يؤدي إلى تماسك وتكامل المنظمة فيما بينها، فهي مجموعة القيم والمعتقدات والتوقعات التي يتقاسمها أعضاء المنظمة والتي تؤدي لخلق معايير (قواعد السلوك) تحدد الأنماط السلوكية المقبولة من الإدارة العليا الفرد حول العامل داخل النظام الاجتماعي التنظيمي.
2. الثقافة حول التنظيمية تعزز الشعور بالهوية المؤسساتية: لأنها ظهرت وتبلورت في إطار تطور نظريات التنظيم، وتحتوي على خطوط إرشادية لأعضاء التنظيم فهي تشكل السلوك وتساعد في تحقيق الرضا الوظيفي والولاء التنظيمي من خلال تعزيز الشعور والإحساس بالهوية، وتعطى شخصية متميزة لعضو التنظيم وتميز المنظمة عن غيرها من المنظمات.
3. الثقافة التنظيمية أنواع: يصف بعض الكتاب ثقافة المنظمة إلى نوعين: الثقافة القوية، والثقافة الضعيفة. تحدد القيم والمعتقدات الأساسية التي تتبناها المنظمة درجة قوة أو ضعف ثقافة المنظمة، حيث الثقافة القوية عندما تكون درجة الاجماع عالية بين الأفراد بالمنظمة على القيم والمعتقدات الأساسية، وتكون درجة شدة تمسك الأفراد بتلك القيم عالية أيضاً، والعكس صحيح، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى نجد أن هناك علاقة تبادلية بين قوة الثقافة وأداء المنظمة، فالثقافة القوية تخلف الأداء القوي والمتميز، كما ان الأداء المتميز يساعد على خلق الثقافة القوية.
4. الثقافة التنطيمية اجتماعية: فالثقافة ذات تأثيرات وأبعاد اجتماعية، لأن ثقافة أي منظمة تتأثر بالثقافة السائدة في المجتمع من قيم ومعتقدات واتجاهات وأعراف وتقاليد وغيرها، لذا نجد معظم المنظمات التي تعمل في نفس البيئة الاجتماعية تتشابه في بعض الخصائص الثقافية.
5. الثقافة متعددة المستويات: تتكون الثقافة التنظيمية من عدة مستويات تختلف في رؤيتها ومقاومتها للتغيير ولعل من الاسهامات التي قدمت لتحديد مستويات الثقافة ما قدمه جون كوتر وجميسن فيسكيت، حيث حددا مستويان للثقافة المستوى الداخلي والمستوى الخارجي، ففي المستوى الداخلي الأعمق والأقل رؤية فإن الثقافة تشير إلى القيم التي يشترك فيها الأفراد بالمجموعة التنظيمية الواحدة والتي تميل للاستمرار بمرور الزمن حتى عندما تتغير عضوية المجموعة، وفي الغالب عند هذا المستوى تكون الثقافة صعبة التغيير لكن غير مستحيلة، وعند المستوى الخارجي الأكثر رؤية، فإن الثقافة تمثل نماذج أو نمط السلوك في المجموعة والتي تلاحظ مباشرة مثل النتاج الصنعي للإنسان.
بينما نجد أن شين يقدم نموذجاً آخر لمستويات الثقافة يتوافق في مضمونه إلى حد ما مع وجهة النظر السابقة، حيث يرى أن للظاهرة الثقافية ثلاث مستويات، فعند المستوى الخارجي "السطحي جداً" نتاج صنع الانسان والإبداعات، والمتمثلة في "المظاهر السلوكية المرئية للمفاهيم الأساسية"، فهي سهلة الرؤيا لكنها صعبة التفسير وحل طلاسمها يأتي في المستوى الثاني والمتمثل في "القيم والمعتقدات" والتي في الغالب يعبر عنها في شكل ايديولوجيات ومجموعة القواعد أو المبادئ الأخلاقية والفلسفات التي توجه صنع القرار والسلوك، إلا أن القيم الثقافية وفقاً لشين ليست الدافع والمحرك للثقافة أو جوهر وأساس الثقافة التنظيمية، غن ما يخلق القيم في الحقيقة هو المستوى الثالث للثقافة والتمثل في "الافتراضات الأساسية" حيث تصبح القيم والمعتقدات مع مرور الوقت مسلم بها ومقبولة على أنها حقائق لا تقبل الجدل. إضافة إلى ذلك فإن كل مستوى من مستويات الثقافة المذكورة لديه قابلية التأثير في المستوى الآخر.
الشكل ص 396 يمثل مستويات الثقافة لاتنظيمية والعوامل التي تعكس كل مستوى
6. الثقافة التنظيمية عملية مكتسبة ومستمرة: كما أن للنجتمع ثقافته الخاصة به والتي تتشكل وتنتقل عبر الأجيال، فللمنظمة أيضاً ثقافتها الخاصة بها والتي تتكون عبر تاريخها، فالأفكار والممارسات المتعلقة بالبيئة الخارجية والداخلية للمنظمة التي عملت بنجاح وبصورة مستقرة ومستمرة للمجموعة التنظيمية تصبح تدريجياً عبارة عن "افتراضات أساسية" أعمق مكونات الثقافة التنظيمية، وتجدر الإشارة إلى أن تلك الأفكار والحلول الناجحة التي تصبح جزء لا يتجزأ من ثقافة المنظمة يمكن أن يكون مصدرها فرداً أو مجموعة على حد سواء لإي أدنى وأعلى هرم المنظمة، لكن في المنظمات ذات الثقافة القوية فإنها عادة ما ترتبط بالمؤسس أو القادة الذين جمعوا هذه القيم والأفكار وقدموها للمنظمة في شكل "رؤية" أو "استراتيجية" أو "فلسفة" أو الثلاثة معاً.
أما فيما يخص المحافظة على الثقافة وضمان بقائها فإن الإدارة تلعب دوراً بارزاً في ترسيخ ثقافة المنظمة وتمكينها من الاستمرار، فالمنظمات تقوم عادة باستقطاب الأفراد ممن يتمتعون بنمط معين من القيم الشخصية ضمن متطلبات الوظيفة، ومن ثم يتم الاختيار والتعيين بناءً على كيفية تناسب قيمهم وسلوكهم مع قيم المنظمة.
ليس عند هذا الحد فقط بل رغبة في جعل أعضاء التنظيم قادرين على تبني القيم التنظيمية المرغوبة لتكون متشركة بين الجميع فإن المنظمة تقوم بعملية التطويع الاجتماعي، والتطبيع وتعليم الأعضاء حديثي الالتحاق بالمنظمة قواعد اللعبة التنظيمية وأسلوب وطرق المجموعة لأداء العمل، وتوصل عناصر ثقافة المنظمة إلى الموظفين بصورة مستمرة من خلال التدريب، وسرد القصص والحكايات وإقامة الاحتفالات ونقل الشعارات والرموز وما إلى ذلك، وأخيراً يتم مكافأة هؤلاء الذين يتبعون ويحققون بنجاح المثاليات الموجودة في مبادئ ثقافة المنظمة باعتبارهم أبطالاً.
7. الثقافة التنظيمية متغيرة ومتطورة: استمرارية ثقافة المنظمة لا تعني ضرورة تناقلها كما هي عليه، بل إنها في تغير مستمر، حيث قد تدخل عليها ملامح جديدة وتفقد ملامح قديمة، هناك عدة عوامل قد تضعف الثقافة أو تؤدي لتغيرها مثل التحديات والأزمات التي قد تضطر مجموعة تنظيمية معينة إلى إعادة تقييم بعض القيم والممارسات لابتكار رق جديدة، وتغير عضوية المجموعة التنظيمية من القادة وغيرهم من المؤثرين، والاستيعاب السريع للعاملين الجدد، والتنويع في النشاط إلى أعمال أخرى مختلفة، والوسع الجغرافي وما إلى ذلك، وعلى النقيض من ذلك نجد أن الثقافة التنظيمية تستطيع أن تنمو وتتطور حتى تصبح قوية جداً إذا توفرت الأسباب لذلك.
8. الثقافة التنظيمية متعددة داخل التنظيم الواحد: بالرغم من أن الكتاب يميلون للتركيز صراحة أو ضمناً على الثقافة التنظيمية باعتبارها ثقافة أحادية يقصد بها الثقافة المهيمنة والتمثلة في مجموعة المعتقدات والممارسات الرئيسية التي تشترك في غالبية أعضاء التنظيم، إلا أن من يرى أن معظم المنظمات تحظى بثقافة فرعية متعددة ترتبط في العادة بمختلف الوحدات الوظيفية داخل المنظمة الواحدة أو المواقع الجغرافية المختلفة نتيجة وجود تفاهم وقيم مشتركة بين أعضاء المجموعة المهنية الواحدة.

- أهمية الثقافة التنظيمية: يؤمن كثير من الباحثين في السلوك التنظيمي أن الثقافة التنظيمية تؤثر في مستوى أداء وإنجاز الجماعات والأفراد، وبالتالي يحدد نجاح المنظمة بشكل كبير، فالمنظمة التي تمتلك ثقافة ضعيفة سيصيبها الفشل على الأمد البعيد، بغض النظر عن نوعية وجاذبية النشاط الذي تعمل به.
وتظهر أهمية الثقافة التنظيمية كما يجمع عليه معظم الكتاب في أننا نجد أن الثقافة تخلق ضغوطاً على الأفراد العاملين بالمنظمة للمضي قدماً للتفكير والتصرف بطريقة تنسجم وتتناسب مع الثقافة السائدة بالمنظمة، فالثقافة توجد شعور وإحساس بالهوية بالنسبة لأعضاء المنظمة، وتساعد في خلق الالتزام بين العاملين كمرشد للسلوك الملائم وتعزز استقرار المنظمة كنظام اجتماعي،

وأخيراً تعمل كإطار مرجعي لاستخدامه لإعطاء معنى لنشاطات المنش

وفيما يتعلق بأثر الثقافة التنظيمية على عمليات المنظمة والأداء، فهناك قسم كبير من الدراسات أكد على وجود علاقة لا يمكن إغفالها بين الثقافة التنظيمية والأداء الاقتصادي طويل الأجل، ففي دراسة أجراها كل من ديل وكنيدي اكتشفت أن الثقافات القوية التي تمتلك خصائص متميزة ظلت دائماً القوة الدافعة التي تقف خلف النجاح المستمر في قطاع الأعمال الأمريكي.

ومن الإسهامات الفعالة التي قدمت تفسيراً للعلاقة بين الثقافة التنظيمية والأداء التنظيمي ما توصل إليه الباحثان بيتر ووترمان من خلال الدراسة التي قاما بها إلى أ، هناك بعض الصفات التي تميز الشركات الرائدة في ميدان الأعمال الأمريكي تمثل بعض الخصائص التي عادة ما تكون أحد المكونات الهامة في رسالة المنظمة، وهي باختصار:
· الميل نحو التصرف والمبادرة وتخفيض الرسمية وزيادة المرونة.
· التركيز على المستهلك أو العميل.
· الاستقلالية والتشجيع على الإبداع.
· جميع عمليات المنظمة تدور حول قيمة مضافة.
· استخدام التنويع الحذر في المنشأة.
· ثبات الهيكل التنظيمي واستخدام عدد محدود من الإداريين.
· الجمع بين الحرية والسيطرة في نفس الوقت.

إضافة للجهود السابقة فقد توصل لينسون في دراسة تجريبية مهمة إلى ما يدعم نفس النتيجة السابقة التي وصل لها بيتر ووترمان، حيث أظهرت البيانات الخاصة بأربع وثلاثين منشأة شملتها دراسته أن عائد الاستثمار وعائد المبيعات مرتبطان إيجابياً ببعض القيم الثقافية والمتثلة في اللا مركزية وعملية المشاركة في صناعة القرار، وأن المنظمات التي تتمتع بتلك القيم الثقافية تتميز ليس فقط بأداء أفضل بل اختلاف أدائها يتسع مع مضي الوقت.

ولعل من الباحثين الذين ساهموا في تحديد أثر الثقافة التنظيمية على الأداء "جون كوتر" و "جيمس هيسكين" من خلال كتابهما الذي اشتمل على أربع دراسات تجريبية متعمقة تم إعدادها بين عام 1987م و 1992م تناولت حوالي 207 شركة تضم أكبر تسع منشآت في 22 صناعة من الصناعات الأمريكية المختلفة، ومن بين أهم النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسات أن ثقافات المنظمات لها تأثير هام في دعم الأداء التنظيمي على المدى الطويل.

وبناءً على هذه النتائج قام كل من ديل وكنيدي مؤخراً بمقارنة أداء بعض الشركات التي شملتها الدراسة السابقة وتوصلا إلى أن الشركات التي تتمتع بثقافة قوية سجلت أداء من حيث العائد على المبيعات والاستثمار أعلى من وصيفاتها الأقل أو الأضعف ثقافياً.

وتتفق وجهة النظر السابقة مع تلك الخاصة بكل من جيري بوراس وجيمس كولتر حيث أسفرت دراستهما لتاريخ وسجل 36 شركة منذ 1926 وعبوراً بنهاية عام 1990 وهي فترة زمنية أكبر من أي من تلك الدراسات المذكورة سابقاً، إلا أن هناك علاقة سببية بين قوة الثقافة والأداء حيث أن كل دولار أمريكي في الشركات ذات الثقافة القوية عام 1926 يعادل 60356 دولار بنهاية عام 1990م، بينما نفس الدولار المستثمر في أي من الشركات الأخرى ذات الثقافة الضعيفة نسبياً يعادل 955 دولار أمريكي للفترة ذاتها.

إن المفهوم الضمني للدراسات السابقة وغيرها الكثير يؤكد أن الثقافة التنظيمية تتخلل في جميع أوجه حياة المنظمة ويمكن استخدامها في التأثير على الكثير من جوانب هذه الحياة. فالثقافة يمكن أن تعمل كوسيلة لإقامة نظم القيم والمعتقدات ذات المنفعة الجوهرية التي تخدم مصالح المنظمة، منها على سبيل المثال وليس الحصر خلق قوة عمل راضية مستقرة لديها ولاء للمنظمة وهذا يقود إلى رقابة ذاتية ونظام رقابة غير رسمي مما يساعد في خفض التكاليف وبناء الجودة في الأداء، وتحقيق مزايا عديدة تساعد بدورها في تحقيق فاعلية التنظيم ودفع عجلة نمو الأداء الوظيفي.
- أبعاد الثقافة التنظيمية: ليس هناك تحديد دقيق للأبعاد الأساسية المكونة للثقافة التنظيمية حيث أن الموضوع لا يزال حديثاً إلى حد ما بالنسبة لمجالات التنظيم الأخرى وما تزال الجهود في هذا الجانب استكشافية في أغلب عناصرها، ويعتقد الباحث أن الخلافات حول تحديد العناصر الأساسية المكونة للثقافة ناتجة عن اختلاف طبيعة البيئات التي تمت دراستها من قبل الباحثين، أو ربما إلى تباين المقاييس المستخدمة للتوصيل لطبيعة الثقافة التنظيمية ومحتواها، ولكن يمكن القول أنه رغم كل هذه الصعوبات لا زالت هناك بعض المحاولات الجادة بشأن التوصل إلى أبعاد عامة ومقبولة للثقافة وخير دليل على ذلك الأبحاث والكتب والمقالات التي تناولت هذا الموضوع بالآونة الأخيرة.

وفي هذا السياق يرى شين أن الثقافة التنظيمية مبنية على اعتقادات متوجهة للبيئة الداخلية ومتعلقة بكيفية الإدارة والإشراف، ومعتقدات متووجهة للبيئة الخارجية تتعلق بكيفية المنافسة والبقاء والازدهار، تعلمتها المجموعة من خلال تاريخها.

وبناءً على وجهة النظر هذه فإن الباحثين حددوا عدة أبعاد كموجه لتقييم الثقافة في المنظمات، فقد قام قوردن بتحديد ثمانية أبعاد تكوّن الثقافة التنظيمية وهي: الوضوح في الاتجاه والرؤية، الترابط التنظيمي والتكامل وتواصل الإدارة العليا، تشجيع المبادرة والابتكار، حل النزاع والخلافات، وضوح وقياس الأداء، توجيه العمل أو الأفعال، التعوض والحوافز المناسبة، وتطوير العنصر البشري.

وفي رأي آخر قام روبتر بتقديم تقسيم يشتمل على سبع خصائصص تغطي جوهر الثقافة التنظيمية هي: الاستقلالية، الهيكل التنظيمي، الدعم الذي يقدمه المدراء لمرؤوسيهم، تحديد وتعريف المنظمة ورسالتها، علاقة الأداء والعائد "الحوافز والتعويض"، تحمل الصراع والمشاكل، وتحمل المخاطرة.

بلإضافة للجهود السابقة، فقد قام رينولد بتحديد أربعة عشر بُعداً للثقافة التنظيمية هي: التركيز الداخلي أو الخارجي، المهمة والتركيز الإجمالي، السلامة، التحفظ والمخاطر، الانسجام والفردية، المكافآت والتعويض الفردي أو الجماعي، صناعة القرار الفردي أو الجماعي، صناعة القرار مركزياً أو لا مركزياً، الإنشاء للأغراض الخاصة والتخطيط، الاستقرار على الوضع الراهن والتجديد والابتكار، التعاون بين الأفراد أو المنافسة، التنظيم البسيط أو المعقد، الإجراءات الرسمية أو غير الرسمية، الولاء الشديد والولاء البسيط، الجهل، معرفة التوقعات التنظيمية.


بينما نجد أن تشالز هاندي يقدم نموذجاً أكبر واقعية يعكس الأبعاد المتغيرة الأكثر شيوعاً في المنظمات، وهي تمتد عبر الأسئلة التالية:
ماهي درجة الرسمية المطلوبة؟ وإلى أي حد يطبق التخطيط وما مداه الزمني؟ ما هي تركيبة المرؤوسين وكيف ينظر إليهم من حيث الامتثال والطاعة وحثهم على المبادرة والابتكار؟ كيفية مكافأة العاملين؟ كيفية مراقبة أداء العاملين وهل تتم الرقابة بشكل فردي ؟ هل توجد قواعد وإجراءات أم يكتفى بالنتائج فقط؟
ولعل من الباحثين الذين ساهموا في إرساء قواعد تحديد أبعاد الثقافة التنظيمية توم بيتر، روبرت، وتومان، حيث حددوا سبعة متغيرات لوصف المحتوى الثقافي في محورها القيم المشتركة بالمنظمة التي بدورها تحدد وتؤثر في طبيعة الأبعاد الأخرى، وهي ما يعرف بإطار الـ 7S لماكنزي الاستشارية.

Structure
البنية




تراتيجيات



فعندما تصبح قيم ثقافة الجودة الشاملة هي القيم المشتركة، فإن كل المتغيرات الأخرى تتبع ذلك من حيث الأنظمة، والاستراتيجية، والبناء التنظيمي، وأسلوب الإدارة، والمهارات، وأخيراً العاملين، لتكوين مطابقة منسجمة.

وتتفق وجهة نظر قوردن قاتيس مع وجهة النظر السابقة إلى حد ما حيث يرى أن هناك ثمانية أبعاد تحدد نوعية الثقافة في التنظيم وهي:
· أسلوب صنع القرارات هل هو ديكتاتوري أو ديموقراطي أو مشترك؟
· الأهداف والغايات: هل توجد أهداف؟ وهل هي مكتوبة؟ وهل هي مشتركة؟
· البناء التنظيمي: هل يعلم أفراد المنظمة الميزة التنافسية التي تنفرد بها المنظمة؟
· البناء التنظيمي: هل هو هرمي أم تركيب منبسط وبسيط؟ وهول مركز على العملاء؟
· النظام الإداري: هل يوجد نظام إداري؟ وهل هو نظام مفتوح أو مغلق؟
· إدارة الأفراد: هل هي ديموقراطية وتميل للمشاركة؟ وهل يوجد تقدير فعال؟ وهل يوجد نظام تعويض فعال؟ وهل يشعر العاملين بأهميتهم في المنظمة؟
· الاستراتيجيات والسياسات الوظيفية، هل هي موجودة؟ وهل تم إيصالها للعاملين؟ وهل متفق عليها ومشتركة؟
· نظام المعلومات: هل هو مفتوح ويشترك فيه الجميع؟ هل هناك فرص للسؤال؟
· هل المعلومات تتوفر في الوقت المناسب؟ وهل تضيف قيمة إلى العملاء، المنتج؟
ونلاحظ من كل ما سبق أن هناك تداخلاً بين عناصر الثقافة وأبعادها، حيث أن الاجتهادات السابقة الخاصة بتحديد الأبعاد الأساسية للثقافة التنظيمية قد انعكست أيضاً على المتغيرات أو العناصر أو العوامل الأساسية التي لها علاقة مباشرة بالثقافة التنظيمية قد انعكست أيضاً على المتغيرات أو العناصر أو العوامل الأساسية التي لها علاقة مباشرة باثقافة التنظيمية ويلاحظ أيضاً التباين بشأن تحديد أبعاد الثقافة التنظيمية فبعض الدراسات والبحوث السابقة تناولت تلك الأبعاد بالإتساع والبعض تناولها باقتضاب.

- أخلاقيات العمل Work Ethics: لقد حث الدين الإسلامي على أخلاقيات العمل مثل الأمانة كأساس لأداء العمل وهي جزء من أخلاقيات صلاح العمل وقبوله عند الله قبل العباد، ومن أجل تكوين القواعد في أخلاقيات العمل كان في المقدمة الآتي:
· الإيمان بالله تعالى والاستقامة تنبع من قوة الإيمان.
· علو المنزلة: فإذا ترفع المدير المؤمن عن الفساد والرشاوى وصغائر الأمور صلح حاله وحال إدارته ومن حوله.
· تسوية الخُلق: صفة مطلوبة في جميع التعاملات وفي جميع الأعمال حيث أن صلاح الموظف أساس لصلاح العمل.
· الطاعة: وهي صورة من أخلاقيات العمل والتغيير بالمعروف والنهي عن المنكر.
· الأمانة: وقد شملت أموراً عديدة قد لا تخطر على بال إنسان لأول وهلة وقد ورد ذكرها بالقرآن الكريم في عدة مواضع حيث قال تعالي (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها)، أي ان ذلك ينطبق على الموظف العادي وكذل الذي بأعلى السلم الإداري فالعمل أمانة وتأديته على أكمل وجه أمانة وإعطاء الحقوق لأهلها أمانة.
ومما لا شك فيه أن لكل مجتمع قيمه ومفاهيمه بالنسبة لأخلاقيات العمل وأصول التعامل وقد ير البعض من زاويته أن قيمه هي الأفضل وأن الآخرين لا يمكن الوثوق بهم أو أن المجتمعات الأخرى ليست لديها أي قيم وها فضل واضح بالنسبة لمن ينعمون بالتدين بدين الإسلام حيث أن هدي النبي يرشدنا بأن "الاثم ما حاك في النفس وكرهت أن يطلع عليه الناس"، وقد حث الله تعالى على التقوى والصلاح حيث قال (وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين)، وحيث أن رجال الأعمال يعملون في مجتمعات مختلفة ومع استمرار ظاهرة العولمة فإنهم كثيراً ما يجدون أنفسهم مضطرين للتفاعل على أكثر من صعيد يحكمهم في ذلك القيم Ethos التي تشير إلى كامل المدى الذي يحوي أنواع مختلفة من القيم الدينية والأدبية والإقتصادية والاجتماعية والثقافية.
يقودنا ما تمت الإشارة إليه أعلا إلى ضرورة الإصلاح الإداري بالمتابعة المستمرة والتذكير بضورة التقوى وزرعها بالنفوس ولذلك يجب أن يواكب الإصلاح القبلي أو المعالجة قبل حدوث الفساد وذلك بإيضاح الأنظمة والقوانين وإجراءات تنفيذها بل وتحديد العقوبات المترتبة على مخالفة تلك الأنظمة والتعليمات كما أن هناك تناول بعدي أي بعد حدوث ظاهرة الفساد حيث تقوم الإدارات المعنية بتشخيص الظاهرة عند حدوثها أو قبل ذلك إن أمكن ثم يتم وصف العلاج والتخلص من ذلك الفساد وهو ما يسمى بالإصلاح الإداري وسواء تم ذلك بمعالجة الموارد البشرية أو العناصر الإنتاجية الأخرى، فالمهم هو النتائج ويمكن لتخيص غرض الإصلاح ليُرى في الأبعاد التالية:
1. سوء المعرفة والجهل بأهمية الأساليب الأفضل في التناول لعمل ما وعدم مواكبة الأساليب والطرق التنظيمية الحديثة لتحقيق الحودة الشاملة والأداء المميز وفق المستجدات البيئية لرفع الكفاءة الإنتاجية.
2. عدم وجود التوجه الذهني الملائم لإنجاز المهام مما يؤدي لحدوث خلل يؤدي بدوره لإنحراف في السلوك.

- نماذج من عدم الالتزام بأخلاقيات العمل:
1. عدم وجود روح الإنتماء للعمل والذي قد يكون من أسبابه الاغتراب النفسي حيث تكون روح الانماء ضعيفة أو معدومة الأمر الذي يجعل المعالجة ضرورية جداً.
2. الرشوة وهي أخذ مال لتقديم خدمة أو تغيير حقيقة بالإضافة إلى ما يحصل عليه الموظف من أجر مخصص له.
3. التسيب الوظيفي ويمكن أن يتم بإهمال الإجراءات وضعف الإنتاج والخروج من العمل بدون إذن أو بأعذار واهية.
4. التزوير وهو التلاعب بالحقائق وتغييرها بغرض التأثير على الحقوق ويأتي هذا في كثير من الأحيان تحت إطار الغش التجاري في النظام المدني.
5. السرقة ويمكن أن تكون للمال العيني أو المعنوي مثل الوقت والإنجاز.
6. الاستخدام للسلطة بغير وجه حق وذلك بالتقيد بالوظيفة للحصول على مكاسب لم تكن لتحدث لولا وجود ذلك الشخص في تلك الوظيفة.
7. الكذب والتصنع والمداهنة وخاصة مع الرؤساء بغرض الحصول على أهداف "بالمجاملة" الوظيفية.
8. إضاعة الوقت فيما ليس له صلة بالعمل الأمر الذي يؤدي لإنخفاض الإنتاجية.
9. حب الذات والأنانية وخصوصاً على حساب العمل أو الزملاء.
10. المحسوبية المتمثلة في تعيين الأقارب حتى لو كانوا أقل كفاءة أو استحقاقاً للوظيفة.
11. التفرقة وإذا كانت الضغينة بغرض السيادة على الموقف على طريقة "فرّق تسد".
12. عدم وضع الرجل المناسب بالمكان المناسب وقد حثنا الدين الإسلامي على تجنب وتفادي هذه التصرفات لكي يصلح حالنا ونرتقي بين الأمم.

- الأنظمة السعودية ومساهمتها في دعم أخلاقيات العمل: حيث أن الأنظمة السعودية مستنبطة من أحكام الشريعة فقد تم سن الإجراءات العديدة لمكافاة أخلاقيات العمل السلبية المذكورة أعلاه ولكن الطبيعة البشرية قد تنحو يمرتكبي مظاهر الفساد إلى إيجاد السبل للإلتفاف حول تلك الأنظمة ومع ذلك فوجود أجهزة بالدولة تُعنى بالمتابعة والتغلب على تلك الظواهر تساعد على عملية الإصلاح فديوان المراقبة العامة ومجالس التأديب وغيرها وحل المنازعات ما هي إلا آليات لتحقيق ذلك ويبقى بعد ذلك مراقبة المسلم في كل أموره وضميره الذي يقوده لفعل الخير وتجنب الشر.
(الخلاصة وأسئلة الفصل ص 411)