قال هنري فورد: ''إن التاريخ هراء''. وحين يتعلق الأمر بالشركات، فإن التاريخ يفيد بأن فورد كان على حق، حيث إن حياة طويلة لشركة ما لا تقدم حماية ضد أزمة، أو إدارة ضعيفة. وإنها تعمل على تشويش الاستراتيجية، وتشجع وجود حالة الرضا عن الذات لدى الموظفين. وكما قال أحد الرؤساء التنفيذيين الذين جيء بهم لإدارة شركة دولية عمرها قرن من الزمن، خلال الفترة الأخيرة: ''طاردت الأبوية الراعية هذه الشركة، فدفعت الثمن''.

لو لم يقل فورد ''إن التاريخ هراء''، فقد قال أمرا أكثر أهمية ''إن التاريخ، بطريقة أو بأخرى، هراء، وإنه تقليد، ونحن لا نريد التقليد، بل نريد أن نعيش في الزمن الحاضر، وإن التاريخ الوحيد الذي يساوي شيئا عديم القيمة هو التاريخ الذي نصنعه اليوم''.

يمكن أن يكون الماضي صديقا خائنا لمالكي ومديري شركات التاريخ الطويل. لكن بينما يعتبر من الأمور التي تعمل ضد أهدافها التمسك المطلق بتاريخ إحدى الشركات، فإن من الممكن أن يكون التخلص منه بعيدا أمرا مدمرا.

حين جاء ليو جيرستنر إلى شركة آي بي إم، عام 1993، وجد أن الموظفين مسلوبو الفعالية بالطريقة التي فسروا بها ''المعتقدات الرئيسة'' للشركة التي وضعها توم واطسون الأصغر، ابن مؤسسها، قبل ثلاثة عقود من الزمن. واعتقد جيرستنر في البداية، أن ''آي بي إم'' عانت من ثقافة تفويض - وظائف مدى الحياة، ومزايا كبرى، وفقدان مساءلة. غير أنه كتب فيما بعد أن مشكلات ''آي بي إم'' ''كانت متداخلة على نحو عميق للغاية مع كل ما كان جيدا، وذكيا، وخلاقا في الشركة والعاملين فيها - وهي كل الأمور التي كان من الجنون تدميرها، أو حتى العبث بها''.

إن كيفية حل الشركات لهذه العقدة غالبا ما يقرر ما إذا كانت تستطيع البقاء على قيد الحياة. وهو يقرر، على نحو مؤكد، ما إذا كانت تزدهر خلال هذه العملية.

إن قادة الأعمال في حاجة إلى تكييف الاستراتيجية وفقا لمتطلبات الحاضر، والمستقبل، وليس وضعها في اليد الميتة للماضي.

إن قول ذلك أسهل من فعله. ونجد أنه حتى المحللين المحليين انتقدوا مجموعة هيونداي، وشركة صناعة سيارات هيونداي، بسبب التلكؤ في العام الماضي، بخصوص شراء الشركة الأساسية لهذا التجمع، أي ''هيونداي'' للهندسة والإنشاءات. وتقول ''هيونداي'' لصناعة السيارات التي كسبت المعركة إنها لم تراهن من أجل الحنين إلى الماضي، لكن هنالك صلة نسب صناعية صغيرة بينهما. ومن جانب آخر، فإن مديري شركة كرافت واجهوا، مرة أخرى، أسئلة من جانب السياسيين في المملكة المتحدة في الأسبوع الماضي بخصوص إدارتهم لشركة كادبوري. وقد تعرضوا إلى قصف مستمر منذ أن اشتروا شركة صناعة الحلويات هذه بينما يحاولون التوفيق بين تقاليدها الأبوية الراعية، ومطالب الشركة المشترية الدولية القائمة في الولايات المتحدة، لصنع التاريخ الحديث كما رآه فورد.

الحقيقة هي أن الوسيلة التي يمكن من خلالها للمديرين أن يستخدموا إرثا طويلا للشركة لاجتذاب الموظفين، والاحتفاظ بهم، تتغير بصورة مستمرة، كما هي حال الشركة.

يكتب آري دو جوس في كتابه، ''الشركة الحية The Living Company''، تحليله لكيفية بقاء الشركات طويلة العمر على قيد الحياة، ويقول إن العمال الهولنديين الشباب اختاروا الانضمام إلى الشركات الكبرى بعد الحرب العالمية الثانية. وعاد ذلك جزئيا إلى أن شركات مثل ''شل''، و''يونيليفر''، و''فيليبس''، قدمت الاستقرار لهم.

غير أن معظم العاملين الشباب الطموحين في أيامنا هذه، لا يريدون، ولا يتوقعون الاستمرار في العمل في الشركة التي بدأوا العمل بها قبل ثلاثين سنة. وحتى لو بقيت الوظائف مدى الحياة متاحة، فإنهم في حاجة إلى الحصول على أسباب أخرى، للانضمام والاستمرار.

لا يعني ذلك أن على قادة الأعمال جرف التاريخ، بل إن الأمر يعني العكس في بعض الأحيان. وكانت شركة دوسان إحدى أوائل الشركات المجمعة الكبرى الكورية التي باعت نشاطها الرئيس، بما في ذلك عمليات التخمير الخاصة بها. لكنها رفضت أن تترك خلفها بيت مؤسسها، وعادت إلى شرائه بعد ذلك، وفصلته عن مركز التخمير، وضمته إلى مكان مدافن الأسرة. ويبدو الأمر غريبا - إلى أن تتأمل في صفة المعبد التي تحيط به شركة هيوليت باكارد، المرآب الذي طور فيه بيل هيوليت، وديف باكارد منتجاتها الأولى.

الأمر الرئيس هو أن تنقّب عن القيم الماضية المناسبة للحاضر. وقد بلغت ''آي بي إم'' مائة عام من عمرها. ويشير رئيسها التنفيذي، سام بالمسانو، في محاضرة بمناسبة عيد الشركة المئوي إلى أنه ''بالنسبة إلى معظم الشركات، فإن ثقافتها امتداد لمؤسس المنظمة - معتقداته أو معتقداتها، والتصرفات، والقرارات، والشخصية... ولكن ما الذي يحدث حين يصبح المؤسس غير موجود؟''.

إحدى النتائج هي أنه لا بد من إعادة تشكيل القيم القائمة منذ فترة طويلة. ونجد أن أكثر من نصف عدد الموظفين الحاليين في ''آي بي إم'' يعملون في الشركة منذ فترة تقل عن خمس سنوات، بل إنه حتى معتقدات توم واطسون الأصغر حول الإدارة من أعلى إلى أسفل تم تدعيمها، قبل نحو عقد من الزمن، بقائمة جديدة من المعتقدات التي تصورها العاملون في ''آي بي إم''. ولذلك قرر بالمسانو، عدم إقامة حفل، أو التمرغ في التاريخ. وبدلا من ذلك، فقد جعل خدمة المجتمع في صلب الحملة المئوية، وركز على المعتقدات التي تدعم رحلة ''آي بي إم'' الطويلة عبر عالم متغير.

إنها طريقة ذكية من اشتقاق الهدف من الماضي، لكن من غير المفاجئ أن يتزعم بالمسانو هذا الجهد، حيث إنه، بعد كل شيء، يحمل درجة جامعية في التاريخ.