النظام......  علامة الشخصية الناجحة1




[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ][مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]





ا





















في بيعة العقبة الثانية، بعد أن اتفق النبي صلى الله عليه وسلم مع بضع وسبعين نفسًا من المسلمين من أهل يثرب، وعقد معهم البيعة على السمع والطاعة في مقابل الجنة، طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يختاروا اثني عشر زعيمًا؛ ليكونوا نقباء على قومهم، يكفلون المسئولية عنهم في تنفيذ بنود هذه البيعة، فقال صلى الله عليه وسلم للقوم: (أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيبًا ليكونوا على قومهم بما فيهم) [مسند أحمد]، فتمَّ اختيارهم في الحال، وكانوا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس.
وهكذا يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أهمية ترتيب حياتنا وتنظيمها من أجل السير بالنجاح وفق الأهداف المرجو تحقيقها، أو حتى حينما يتعامل المرء مع نفسه فلابد للمرء من تنظيم ذاته، لأن ذلك هو علامة الشحصية الناجحة.
الله قدَّر فهدى:
ما من شيء خلقه الله جل وعلا في هذا الكون إلا وخلقه بقدر، فإن نظرة متفحصة مدققة في هذا الكون، يدرك بها المرء مدى تنظيم الله جل وعلا لهذا الكون، فالله جل وعلا يقول: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 2]، أي أن كل شيء؛ خلقه الله بقدر، قدر يحدد حقيقته، ويحدد صفته ومقداره، وزمانه ومكانه، وهذا كله من بديع صنع الله تعالى{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [السجدة: 7].
فالله جل وعلا يدعو كلًّا منا لينظم حياته ويخطط لها، فلو تأمل كلٌّ منا حوله لرأينا كيف أن الله جل وعلا نظَّم هذا الكون وأبدعه، فكل ما في الكون يسير وفق ما قدَّره الله جل وعلا: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40].
توقف قليلًا:
والآن أيها القارئ توقف قليلًا لتسأل نفسك هذا السؤال: هل أنا شخصية منظمة، أم لا؟ ولكي تستطيع أن تجيب على هذا السؤال، لابد أن تتعرف على معايير الشخصية المنظمة:
أولًا ـ يقتطع يوميًّا جزءًا من وقته؛ ليتفكر في وظائفه ويخطط لها، وذلك في الأوقات الهادئة التي يكون الذهن فيها حاضرًا، خاصة في أول ساعات اليوم، بدلًا من الأوقات المزدحمة بالعمل.
ثانيًا ـ يحدد أهدافًا واضحة مكتوبة ومحددة، ويحدد مواعيد الإنتهاء من هذا الأعمال.
ثالثًا ـ يعد قائمة أعمال يوميًّا، ويرتب الأعمال على حسب أهميتها، ويعطي أولوية لأداء الأعمال الهامة أولًا، وينجز خطته اليومية في الوقت المحدد.
رابعًا ـ يحتفظ بجدول زمني فيه وقت احتياطي، يسمح بمواجهة أي أزمات أو مواقف غير متوقعة.
خامسًا ـ يفوِّض كل شيء يستطيع تفويضه.
سادسًا ـ لديه القدرة على أن يقول "لا" لطلبات الآخرين، التي تمنعه من أداء الأعمال الهامة، لاسيما إن كانت هذه الطلبات غير مخططة.
سابعًا ـ يبحث عن كل الحقائق والمعلومات قبل اتخاذ القرار.
ثامنًا ـ يتحرك دائمًا بجدول أعمال، فلا يترك نفسه للأحداث تسيِّره.
تاسعًا ـ يؤدي أعماله المطلوبة على أكمل وجه، ويحضر في مواعيده ولا يتخلف إلا بعذر.
عاشرًا ـ لا يطغى لديه عمل على عمل، وهو يقوم بكل شيء بناء على ترتيب مسبق يُلزم نفسه به، فهو شخصية متوازنة بين العمل أو الدراسة من جهة وبين صلة الأرحام من جهة ثانية، والترفيه عن النفس من جهة ثالثة ...إلخ.
قيود على الطريق:
وهناك بعض القيود التي تعترض المرء وهو يسير في طريقه لتنظيم ذاته، فكن على حذرٍ منها أيها القارئ:
أولًا ـ التهاون في استغلال الوقت، وتضييعه في التوافه من الأمور:
وما أصيب عاقلٍ بمثل مصيبة ضياع الأوقات؛ لأن اللحظة التي تمر لن تعود أبدًا، وكما قال الحسن البصري رحمه الله: (يا ابن آدم إنما أنت أيام فكلما ذهب يوم ذهب بعضك) [شعب الإيمان، البيهقي].
فالعاقل يدرك أن الزمن هو أنفاسه التي تتردد، وأن وقت الفراغ هو أعظم ما يمتلكه كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ) [رواه البخاري، (6049)].
فالنفس إذا تعودت الحرص على الأوقات واستغلالها فيما ينفع ويفيد دفعها ذلك إلى تنظيم جميع أمور الحياة، ولذا فلتكن حكمتك (الوقت هو الحياة فلا تُضيعه، وساعد غيرك على الاستفادة منه).
ثانيًا ـ عدم التفريق بين الأهم والأقل أهمية:
إذ أن بعض الناس ينشغل بالكماليات والثانويات، ويستفنذ وقته فيها، ويُهدر ويُفرِّط في الضروريات والكليات والفرائض والواجبات، فهو كمن بذل جهده واستفرغ وسعه وبذل ماله في اختيار ألوان منزله، وقصَّر تقصيرًا كبيرًا في قواعد وأعمدة وجدران ذلك المنزل، فآل به الأمر إلى أن انهدم المنزل على من فيه ولم ينفعه ما اختاره من جميل الألوان، لذا لابد على المرء أن يفرق بين الأهم والأقل أهمية، فيبدأ بالأهم قبل المهم، فليس هناك من الأعمال اليومية ما لا يحتاج إلى تخطيط.
ثالثًا ـ سوء التوقيت في إنجاز العمل؛ إما بتقديمه عن وقته المناسب أو تأخيره عنه:
ولذا؛ فقد أوصى الصدِّيق رضي الله عنه خليله للفاروق رضي الله عنه فقال: (واعلم أن لله عملًا في الليل لا يقبله في النهار، وأن لله عملًا في النهار لا يقبله في الليل).
والمتأمل في هذا الكون يتبين له أن الله جل وعلا قد جعل لكل شيء وقتًا محددًا، لا يتقدم ولا يتأخر عنه كتقلب الليل والنهار، وطلوع الشمس وغروبها، واختلاف الفصول وإثمار الأشجار وتكاثر الحيوان، وغير ذلك.
وعلى هذه السنن الإلهية كان شرع الله المنزَّل كأوقات الصلوات والصيام والحج والزكاة وغيرها من الأعمال، وبالتالي فيجب أن ينسجم الإنسان مع هذا الكون؛ فينظم حياته ويجعل كل شيء في موضعه المناسب، ومخالفة ذلك ليست إلا أعمالًا لا فائدة منها كمن يرجو الثمرة قبل وقتها، فتصير أعمالًا قد مضى وقتها وانتهت فائدتها، ورُبما تعب الإنسان وكدح وعمل ولكن الفوضى في عدم ضبط الأعمال بأوقاتها أفقدته ثمرة عمله.
رابعًا ـ عدم اكتمال العمل:
فكثير من الناس تمضي حياتهم في أعمال ومشاريع يخطون خطواتها الأولى ثم يتركونها إلى غيرها قبل اكتمالها، وهكذا إلى غيرها، وتنقضي أيامهم في بَذر لا يُرى حصاده ولا تُجنى ثماره، وتتراكم الأعمال وتكثر الأعباء, والحياة محدودة والإمكانات مثل ذلك، وإذا بالأيام تولَّت والإنسان يجري وراء سراب.
خامسًا ـ تكرار العمل الواحد أكثر من مرة ظنًا منه أنه لم ينفذه قبل ذلك:
كأن تبدأ في قراءة فصل من كتاب، ثم تنشغل بغيره من الأعمال، وتعود مرة أخرى لقراءة نفس الفصل مرة أخرى، وهكذا، تكرر العمل الواحد دون جدوى.
فالتعود على تكرار العمل بعد الفراغ منه دون حاجة لذلك يقلل إنتاج الإنسان في الحياة، ويُضيِّع عليه كثيرًا من الفرص التي كان من الممكن أن يستغلها في الشيء الكثير لدنياه وآخرته.
سادسًا ـ عدم ترتيب العمل عند تنفيذه وإنجازه ترتيبًا منطقيًا منظمًا:
فينطلق بعض الناس إلى إنجاز أعمالهم بلا ترتيب أو تنظيم، فلا يبالي أحدهم إذا بدأ بالمقدمة أو بالخاتمة، كمن يبني منزلًا فيبدأ بإعداد مستلزمات السقف قبل أن يبدأ في إعداد القواعد والأساسات، أو من يبدأ الإعداد لقطف الثمار قبل بذر البذور وزرع الأشجار.
وهذا الإعداد والترتيب والتنظيم مطلوب، وإلاّ فرُبَّما قضى الإنسان كثيرًا من الأوقات، وبذل كثيرًا من الجهود والإمكانات في أعمال رُبَّما لا ينتفع بها لعدم مجئيها في وقتها ومكانها، ويضطر لتكرارها مرة أخرى، ولو تريَّث قليلًا ونظَّم عمله ورتَّب جهده لما خسر كل هذا من حياته وجهده وإمكاناته، والسبب في ذلك كله الفوضى والعشوائية، وصلى الله وسلم على من قال: (إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه) [رواه البيهقي في شعب الإيمان، (5081)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، (2761)].
وبعد هذا الكلام:
بعد أن تعرَّف الإنسان على أهم العوائق التي تعوقه في طريقه لتنظيم ذاته، يستطيع أن يعلم السبيل لتنظيم ذاته؛ إذ أن تشخيص المرض هو أول الطريق لعلاج ذلك المرض، ولكن كيف ينظم المرء ذاته؟ وماذا سيجني إذا تمكن من السيطرة على ذاته وتنظيمها؟
أهم المراجع:
1. رؤية إدارية وتربوية في تنظيم الذات، محمد أحمد عبد الجواد.
2. حتى لا تكون كلًّا، عوض بن محمد القرني.