اتخاذ القرارات مهمة ليست سهلة فهي تعني القيادة، وهي جوهر الادارة. وتكمن الصعوبة في اختيار البديل المناسب من البدائل المتاحة ولكل بديل ايجابياته وسلبياته، ولكل بديل من يؤيده ويعارضه، ولهذا يلجأ البعض إلى المشاركة والاستفتاء قبل اتخاذ القرار.
في أدبيات الادارة يقال ان عملية اتخاذ القرار لابد أن تبدأ بتشخيص المشكلة فهل يعني هذا ان كل القرارات هي لعلاج مشكلات قائمة أم أن هناك قرارات من نوع آخر تفتح آفاقاً جديدة وتستشرف المستقبل فهي في هذه الحالة عبارة عن مبادرات، وخطوات ريادية قد تنفذ أو لا تنفذ بحسب ما يتطلبه تنفيذها من إمكانات مادية وبشرية ومؤازرة اجتماعية، وآلية تنفيذ واضحة. ولكن سواء كانت قرارات أو مبادرات فإن عدم توفر مقومات التنفيذ يجعل من الحكمة تأجيل تنفيذها ومن خطوات اتخاذ القرارات خطوة تحديد الأهداف، فإذا كانت الأهداف واضحة، فما الذي يحول دون التنفيذ ويقود إلى مقاومة التغيير؟ هل الأهداف واضحة للبعض وغير واضحة للبعض الآخر، أم ان الأهداف واضحة ولكن القناعة فيها غير متوفرة! وقد أشرت في مقال سابق بعنوان «قرارات التغيير» إلى ان التطوير يتضمن إحداث تغييرات في الأنظمة والتنظيمات واللوائح، وتستدعي أهمية قرارات التغيير ضرورة استعانة أصحاب القرار بالمتخصصين وبالدراسات، والبحوث، والاستشاريين المؤهلين، من أجل النظر إلى القرار من كافة الزوايا، ودراسة نتائجه المتوقعة وايجابياته وسلبياته مع المقارنة بالبدائل الأخرى وما يترتب عليه من احتياجات ومتطلبات لتنفيذه إن قرارات التغيير تعنى وجود مقاومة وهذه نتيجة طبيعية وصحية، ويمكن التعامل معها عن طريق المشاركة، والوضوح في الأهداف والآليات، وبعض القرارات تتعطل أو تؤجل بسبب عدم الوضوح، أو بسبب عدم التمهيد لها عبر الندوات والوسائل الإعلامية وورش العمل.
نحن الآن ننظّر، وما أسهل التنظير وعندما يطلع المسؤول على مثل هذا التنظير قد يتنهد ويقول «ايه يقوله اللي بالأرض» وهذه عبارة يقال ان رجلاً كان يركب جملاً هائجاً ويحاول السيطرة عليه، بينما رفيقه المتفرج يملي عليه التعليمات والتوجيهات، فما كان من الراكب إلا الرد عليه بتلك المقولة وراكب الجمل معه حق فالتنظير غير الممارسة والتطبيق هو محك النجاح، وهذا المبدأ لا يلغي أهمية النظرية ولو كان الأمر كذلك لألغينا كل الأدبيات والنظريات من حياتنا.
إن المسؤولين عن اتخاذ قرارات التغيير أو القرارات الاستراتيجية يعلمون ان هذه القرارات لا يمكن ان تحقق رضا الجميع ومن الصعب التوصل إلى قرار يوافق عليه الجميع، أو قرار ليس له سلبيات ولكن عندما يكون هناك قلق بأن السلبيات المتوقعة من القرارات هي الأكثر فإن من الحكمة إعادة النظر في هذه القرارات ولا بأس من مواصلة التنظير لتوضيح الفرق بين صناعة القرار، واتخاذ القرار، فصناعة القرار هي المراحل التي يتم فيها التشخيص، وتحديد المشكلة، وتحديد البدائل وتقييمها، أما اتخاذ القرار فهو يمثل المرحلة الأخيرة أي بعد أن تكون كافة المعلومات ذات العلاقة أمام المسؤول الذي يتعين عليه اتخاذ القرار.
ما يحصل أحياناً هو القفز إلى مرحلة اتخاذ القرار دون أن يكون هذا القرار جاهزاً بمعطياته وحيثياته وايجابياته وسلبياته وآليات تنفيذه بل ايضاً دون وجود خطوات وقائية تساعد في عملية التنفيذ فإذا اتضح لنا ان قراراتنا لم تصنع بشكل جيد وأنها وصلت إلى مرحلة (اتخاذ القرار) وهي ناقصة فإن من الحكمة تأجيلها وأخيراً قد نتفق على بعض القرارات ونختلف حول آلية تنفيذها، وفي هذه الحالة يجب أن نركز الجهود على آلية التنفيذ وليس على أهداف القرار فالاتفاق حول منطلقات القرار هو أساس جيد للتوصل إلى آلية التنفيذ، وأظن ان الاختلاف حول الأساليب أسهل من الاختلاف حول الأهداف والمنطلقات، وفي حالة كهذه لا يلغى ولا يؤجل القرار ولكن تناقش آليات تنفيذه.