تربية النظر
الهدوء يقود إلى الثبات والمناعة, فإذا استطعت أن تطبق المبادئ, والقواعد التي تؤول إلى سكينة النفس, أمكنك حينئذ, أن تخلص من الخجل, أي أن تكون ثابت الموقف, واثقاً بنفسك, لا تبالي حركات الآخرين, ولا تكترث بآرائهم وتصرفاتهم تجاهك, كما يذوب في داخلك كل تأثير لما قد ُتمنى به من خيبة أو إخفاق, في كثير من الأحوال والظروف.
وهكذا...تخلص أيضاً من قابليتك للانفعال السريع التي تُخضع صحوك النفسي لموقف الآخرين منك ، وتفتح استقلالك بيدك إذ يسود الفكر الواعي اليقظ جميع غرائزك، وأخيلتك ، وتصبح إرادتك هي العليا شأن من شؤونك الشخصية.

تأثير النظرة
للنظرة تأثير قوي في الآخرين !
هذا هو الشائع المعروف. ولكن الأصح أن نقول :
"للنظرة تأثير قيم، في بعض الأحوال والظروف و المواقف"
والواقع أن العين لا تؤثر بنفسها، ولا تملك خصائص مؤثرة، نافذة، إلا بمقدار ما للمصباح الكهربائي من خاصة الإنارة، أي أن العيون تستقي المصباح نوره من القوة المولدة للكهرباء، فهناك وراء الآلة البصرية (العين) ينابيع الطاقة التي تمدها بالسحر والفتنة: الفكرة و العاطفة، و الحرارة العاطفية ، وما في كل واحد من قوة ، تتجمع وتتفاعل، ويولد من تجمعها وتفاعلها ، قوى مغناطيسية شخصية.

التسمر أولاً
الأثر الذي تحدثه نظرة شخص في آخر، هو قبل كل شيء دليل على درجة قابلية الانفعال عند المتأثر.
قد تنظر شزراً لولد تريد توبيخه وتوفق معه إلى بغيتك من النظر الشزر وحده ، ولكن هذه النظرة نفسها تبدو مضحكة مع غيره، كما أنها إذا تكررت مع ولد آخر، تعودها ووقف أثرها فيه. وقد رأيت من الأولاد من يسمرون أنفسهم، ويديرون رؤوسهم عندما يشعرون بثقل النظرة، فيقاومون تأثرهم، وينخطفون بمهارة ....
إذا رأيت امرءاً يحاول أن يؤثر فيك بما يصوب إليك من نظرات، فقلد الولد: تسمر في مكانك ولا تدر رأسك عنه، ووجه نظرتك فوق مخاطبك، أو تحته، أو يمينه، أو شماله، مسافة ثلاث سنتيمترات لتتمكن بعد ذلك من وزن عباراته، وتأمل ما يقوله دون ذهول، إذ يمتنع في هذه الحالة، كل انحراف أو اضطراب يعتري حاسة النقد لديك، ويظل تمييزك محتفظاً بصفائه الطبيعي، فإذا اصبح ذلك عادة فيك، بدأت بتطبيق أول مبدأ من مبادئ تربة النظر.
هذا في المنزلة الأولى. والثانية تكون في أن تصوب نظرك، عندما يأتي دورك في التكلم، نحو النقطة المتوسطة الواقعة بين عيني من تخاطب، واضعاً في ذهنك انك لا تريد التأثير فيه، بمعنى انك لا ترغب في السيطرة عليه، وإنما تريد اجتذاب انتباهه وحصر ذهنه عند نقطة معينة.

ألوان العيون
ها أنا أضع أمامك معاني الألوان التي تظهر في مختلف العيون, كي تعمل على استظهارها وملاحظة الانطباعات التي تولدها فيك وفي غيرك من الناس, ثم لتلمس تأثير النظرة بما حول العينين من الجفون وأهداب وما فيهما من حور ودعج واتساع, بعد ذلك.
العيون السود العميقة السواد, تخفي وراءها حرارة نفسية فائقة غير عادية, وهذه الحرارة تنشأ من هوى ملح ـ بالمعنى الأخلاقي ـ وعنف في الإحساس يتمالك ولا يتهالك, فكن واثقاً أما هذه العيون إن صاحبتها (أو صاحبها) لا تستطيع أن تحب أو تكره إلا بشكل حار شديد أعمى, فهي ذات طبع كامل, غامض, حساس, نزاع إلى رفض وصايته على كل من يحيط به من الناس, فمن الأفضل ألا تثيرها وتزيد من حدتها, على الأخص.
والعيون الزرقاء الفولاذية تنبئ عن رجل حازم, ذي عزم متين, صارم شديد.
أما العيون الزرقاء, الباهتة في زرقتها, فهي للحالمين العاطفيين السابحين في الخيال, اللامبالين بالدنيا وهمومها, فهم ابداً سادرون. ابداً سطحيون, لا يُعترف لهم بفضل, ولا يقدمون على المغامرة.
وأما العيون التي تتراوح بين السمرة والكستناوية في عديد من الألوان, فهذه لذوي الاستعدادات المثالية. وأكثر أهل الفكر يدخلون في الافاريق اللونية من ألوان العيون.
والعيون الخضراء تعني غرابة الميول العقلية والعاطفية والشهوانية, فهي طوراً عبقرية, وطوراً هوائية هبائية. وطوراً غير اعتيادية. ومثلها العيون التي تضرب حدقاتها الخضر إلى اصفرار.
والعيون الرمادية تشير أكثر ما تشير إلى استعدادات موضوعية, دقيقة, تجريبية, واعتدال في الطباع, واتزان نادر المثال.
العين: أداة لمعان
كل سطح لماع يسترعي الانتباه، ويجنح بمن يراه نحو الانكساف الذهني، وتشوه رهافة الوجدان النفسي، و انطفاء ملكة التمييز، فإذا بلغ هذا التأثير منتهاه في بعض النفوس، وقع ما يعبر عنه الناس عادة بقولهم: "افتتن" أو "خلب لبه" .وحالة الافتتان هذه ليست، في تحليلها الأخير، غير "خمود المناطق العليا من الحياة النفسية". وإذعان الإرادة والذكاء لما يمليه اللاشعور (المنطقة السفلى من الحياة النفسية).
وهذه هي صورة المناطق النفسية، كما يمكن تمثيلها:
مناطق النفسية العليا
الوجدان النفسي: التمييز، المعيار المنطقي، التحليل الذاتي.
الفكر الواعي: العقل، الانتباه الإرادي، المقررات و الامتناعات المدروسة
مناطق النفسية السفلى
ما تحت الوجدان: الحركات الآلية، التصرفات اللامسؤولة، الخيال.
الفكر العفوي: الميول، قابيلة الانعفال، قابلية التأثر، الحساسية، الذكريات.

وحدة العين سطح لماع تمده الحياة النفسية الحارة بلمعانه، فكلما اشتدت حرارة العواطف، وقوة الأفكار، ومتانة العزم، ازداد لمعان الحدقة.
عليك، إذا أرادت أن تكون ذا عينين ساحرتين، أن تتجنب في الدرجة الأولى، كل ما يؤول إلى التسمم من الأغذية، (الكحول خاصة).
وعليك، في الدرجة الثانية، أن تكحلهما يومياً بكحل خاص، من شأنه أن يستخرج طبقة الغبار التي تتكاثف حول مدار العين، ويريح أعصاب الأجفان، ويسهل فتحها وإغلاقها.
وعليك أخيرا، أن تقوم بتمارين وتدريبات تؤدي إلى الإقلال من الرمش، وتحسين الأهداب، فإذا أخذت في الكتابة أو القراءة، حاول دقيقة أو دقيقتين، ثم طوال خمس دقائق، ثم عشر، ثم خمس عشر، وتابع المحاولة إلى أن تصل إلى الساعة ولا يطرف لك أثناءها جفن. ويساعد على هذا التمرين أن ترفع بملء اختيارك الجفن الأعلى، إلى فوق. وفي أوقات فراغك، حاول أن تصوب نظرك إلي نقطة معينة، ولا ترفعه عنها، وأنت محتفظ بصلابة جفنيك مدة طويلة.

استعمال النظرة
إذا توصلت إلى وضع عينيك, وحركات محجريك, وتعبيرات وجهك, رهن مراقبتك الفكرية اليقظة, فأبدأ إذن, من هذه النقطة التي بلغتها, باتباع المسلك الآتي:
احتفظ ببرودة مطلقة وأنت تعمل, وأنت تخاطب هؤلاء وأولئك من الناس, وأنت تصغي لما يقوله الآخرون. ولتكن عيناك مسمرتين, مفتوحتين فتحة طبيعية, عادية, لا ترمشان أبدا, ولتكن أفكارك وردود أفعالك ـ مهما عظمت وقويت ـ هادئة, سادرة, معماة.
هذا لا يعني, طبعاً, أن تستقر جامدة, عبوساً, صامتاً, فإذا كان ثمة ما يدعوا إلى تدخلك أو مشاركتك في الحديث, فاجتهد أن تعطي وجهك, عن سابق تصور وتصميم, العبارة اللائقة, دون أن يغيب عن بالك أن ما تقوله, والطريقة التي تقول بها, أمران مهمان أكثر من النظرة وعبارة الوجه.
إياك أن يخونك القلق الذي يساورك, أو الحزن الذي يخالجك, أو الاستياء الذي يفعم سريرتك, أو الاستهجان الذي تبطنه في قراراتك. سيطر على نفسك في كل لحظة أياً كان الظرف, ومهما كانت الأجواء, تعط بذلك صورة قوية مرتاحة, ونظرتك تستولي على نظرات الذين تخاطبهم, وهم يصغون إليك بانتباه مطمئن بليغ.
وإذا خوطبت بلوم أو تأنيب فاستمع ولا تتململ, واظهر كمن يسجل ملاحظات قيمة. فإذا كان ما يوجه إليك عارياً عن الصحة, أو في غير محله, أو لا أساس له, يتضح ذلك فوراً بمجرد موقفك الهادئ, ورصانتك في الرد عليه.
وإذا كنت, على العكس, موضع تكريم, فتقبل ما يلقى إليك دون أن تبدي به سروراً زائداً, وأذكر دوماً, في مثل هذه المواقف, المبدأ العام وهو أن رأيك الشخصي المعلل, في نفسك واعمالك, أهم بكثير من آراء الآخرين فيك.
والأفضل دوماً أن تتبع القاعدة الكبرى وهي أن لا تبدي "انهماكاً" في أي موقف من المواقف, فلا احترا مات زائدة, ولا تملق, ولا إعجاب, ولا تعاطف مصطنع, فتكسب بذلك رغبة الآخرين في التقرب منك, والتودد إليك. وهنا أيضاً, ينبغي لك أن تتصون وتعتصم بالهدوء وعدم الاكتراث.
والقاعدة العامة هي: كلما منعت عواطفك وميولك ومضلاتك التي تحركك وتهزك, من الظهور والتمثل, وكلما بقيت آراؤك ومقاصدك ومعارفك "أسراراً" محجوبة, ترتفع درجة قوتك الجاذبية, وتتأكد مغناطيسية ذاتك.

المغناطيس الجسمي
كلنا نبث, من قريب, إشاعات محض حيوية, وهي المغناطيس الحيواني الذي لا يتجاوز ميدان نشاطه مدى مترين أو ثلاثة, كما تفيض,أو تتدفق, حول كل منا, موجات مغناطيسية في دوائر ضيقة, تنبعت من أطراف الجسم الدقيقة (الشعرـ الأهداب ـ الجفون ـ أطراف الأصابع). وكل قرار أو نية حازمة صارمة بتوجيه هذه الإشاعات نحو نقطة معينة من جسم شخص آخر, تمكن الموجة من التأثير فيه. فإذا صوبت نظرك بلطف ونعومة على جبين مريض بالصداع مثلاً, وكان المريض مضطرباً, متهيجاً, لا يلبث أن تؤثر فيه تأثير ناعماً, يرده إلى حالة من النعاس الهادئ, قد ينتهي إلى غفوة لذيذة.
ويمكنك أن تفيد من المغناطيس الجسمي فوائد جمة إذا أحسنت استعماله لما فيه من تهدئة الآخرين, وإيقاظ عواطفهم الرقيقة, ومقاومة انفعالاتهم الهائجة, وحالاتهم العصبية.

الصور الذهنية
لابد أن تزيد كمية الانتباه إذا أريد التقاط صورة ذهنية, عما هو الأمر في نقطة مرئية. انتخب شخصاً تعرفه جيداً, في مظهره وفي نفسيته, بحيث يكون تمثلك الذهني له بالغاً منتهى الضبط والدقة, ثم اجلس في مكان هادئ مظلم (أو في ضوء أزرق وراء وجهك) بعد أن تكون واثقاً من أحداً لن يأتي ويزعجك, وامضِ, خلال عشرين دقيقة إلى ثلاثين, في النظر إلى الصورة الذهنية التي انتخبتها, وأعد هذا التمرين عشرين مرة إلى ثلاثين, تجد أن لقاء هذا الشخص, بعد هذا التمثل, يؤدي بك إلى النتائج التي تريدها معه, شرط لأن يكون الشخص المعني يجهل كل شيء من أمرك.
ذلك يزيد من صلابتك أمام كل من تهاب من الناس, ويجعل نظرتك إليه أثبت من قبل...