بوسعك أن تحول الظروف غير الاعتيادية إلى تجربة تزيدك علما، لا فرق في ذلك بين أن يكون الإنسان طريح الفراش من مرض ألمّ به، أو قائما بنشاطه اليومي وسط ضجيج المدينة، كل شخص يستطيع أن يقتبس الخبرة، العلم من التجارب التي تمر به.

كن مؤمنا بالنشاط، ولا يقصد بالإبداع أن يكون الإنسان متميزا بمهارة خاصة في الفنون أو قادرا على الإبداع ثقافيا، إنما قدرته على التجاوب مع أي وضع في هذه الدنيا.
معناه أن ينظر المرء فيما حوله، يتساءل: كيف أحول هذا الوضع إلى تجربة هائلة؟ ما ينبغي لي أن أقوله أو أظنه أو أشعره لكي أجلب على نفسي الخبرة، المعرفة من هذه التجربة؟
يظن البعض الحياة سلسلة من محطات الوصول والأحداث، التخرج من المدرسة أو الجامعة، الزواج، إنجاب الأطفال، الحصول على فرصة عمل، الترقيات... لذلك يعقد العزم على أن يسير من محطة إلى أخرى. أن تقويم السعادة على أساس مواعيد الوصول إلى المحطات واحدة بعد الأخرى هذا تفكيك، أنظر إلى حياتك بدلا من ذلك على أنها رحلة مستمرة يجب أن تستمتع بها، بكل دقيقة فيها.
لنأخذ الطفل الصغير. انه رغم حداثة سنّه، وقلة خبرته، يعتبر خبيرا في فن تحويل الشدة إلى متعة، فإذا هطلت الثلوج خاصة في المناطق الشمالية من العراق، حال هطولها دون موعد كان ينتظره، حول العارض الجديد إلى مصدر متعة له بدلاً من أن يقضي نهاره متحسرا على ما فاته، إذ أن الطفل يندفع إلى تشييد القلاع الثلجية، التماثيل، ما إلى ذلك من أعمال. كذلك الأطفال في حال وجود الرمل أو الطين بجوارهم فانهم يصنعون منه ألعابهم في مجتمعاتنا المحلية.
لكن عندما يكبر الإنسان فقد يضعف لديه الميل الطبيعي للاستفادة من فرص كهذه إلى أقصى حد ممكن قد يستعيض عنه بشعور التسليم والتخاذل.
هناك عبارتان تعبران عن طريقة في التفكير تمنعان أي إنسان يتفوه بهما من أن يعيش حياة مبدعة تحت أي ظرف من الظروف، هاتان العبارتان هما:
1ـ ليس هناك ما أستطيع عمله.
2ـ هذه طبيعة الأشياء، لا حيلة لي فيها.
فإذا آمن الإنسان بالعبارة الأولى، قالها لنفسه فأنه مقضي عليه بالإخفاق ما برح مؤمنا بها. إذ أن من واجب الإنسان ألا يكف عن محاولة تحسين ظروف حياته وإيجاد البدائل التي تجعله إنسانا نشيطا مبدعا.
أما العبارة الثانية فأنها تقتل في نفس الإنسان المقدرة على تغيير حياته، تحمله على التسليم، الكف عن محاولات الإبداع.
أن فن الحياة بصورة نشطة مبدعة يتطلب أن يتخلى الإنسان عن اكبر قسط ممكن من تصلبه وتحجره. فإذا ظن أن عليه أن يواجه سائر المواقف بنفس طريقة المعالجة كان ذلك دليلا على فقد الروح الإبداعية.
حياة النشاط المبدع تتطلب أن يتخلى الإنسان عن وضع الجمود، قلة الحركة الذي شل حركته زمنا طويلا. العمل هو الدواء الذي يشفي الإنسان من الانقباض، القلق، التوتر، الخوف، الإحساس بالذنب، انعدام القابلية للحركة. أن من المستحيل أن يكون الإنسان نشيطا ومنقبضا في نفس الوقت. يجب أن يدرك أن انعدام النشاط ليس فقط نتيجة من نتائج الانقباض بل يجوز أن يكون سببه. الخمول في أغلب الأحيان هو اختيار لا حقيقة من حقائق الحياة التي لا مهرب منها. النشاط وسيلة مضمونة لتجنب وقوع الإنسان ضحية لنفسه وللآخرين.
ليس للنشاط حدود، بوسعك أن تكتب في أي وقت من الأوقات قائمة بالأمور المفيدة التي تستطيع أن تنفض عن كاهلك الخمول، تجعلك نشيطا مبدعا: المشي، الالتحاق بالمؤسسات الاجتماعية، الثقافية، مؤسسات المجتمع المدني، ممارسة الهوايات الخفيفة، زيارة المراقد الدينية المشرفة، زيارة الأحياء التاريخية، المكتبات القديمة، ممارسة الكتابة...إلى ما هنالك من أمور لا تكلف المرء شيئا من وقته أو ماله، لكنها تخرجه من دائرة الكسل، الجمود، الموت الحي.
السمة الأساسية لنموذج الإنسان أن يكون نشيطا إيجابيا فاعلا..لا بمعنى النشاط الظاهري، أي الانشغال، إنما الاستخدام المثمر للطاقة الإنسانية. أن يستطيع التعبير عن الملكات، القدرات، المواهب، عند كل إنسان قدر منها. أن يكون الإنسان نشيطا يعني أن يجد نفسه، ينمو، يتدفق، يتجاوز سجن ذاته المعزولة بمحبة الآخرين، يكون شغوفا، منصتا، معطاء. الكلمات تظل قاصرة عن التعبيرعن كل هذه التجارب. لابد للناس من أن يشرعوا في استخدام قواهم الذاتية، يسيروا وحدهم حتى بلا عكاز.
كلمة مثمر لا تستخدم هنا لوصف القدرة على خلق شيء جديد أو أصيل بالمعنى الذي نقصده حين نصف فنانا أو عالما بأنه خلاق. لا، ولا يقصد بها كذلك الإشارة الى ناتج نشاطي، إنما كلمة مثمر هي وصف لنوعيته. النشاط المثمر يدل على حالة النشاط الداخلي، لا يلزم أن تكون له علاقة بخلق عمل فني، أو علمي، الإثمار هو عملية توجه للشخصية ، كل الكائنات البشرية قادرة عليها بقدر ما تكون عواطفهم غير مشلولة. الشخصيات المثمرة قادرة على تنشيط مقومات الحياة في كل ما تلمسه أيديهم. إنهم يخلقون ملكاتهم، مواهبهم، قدراتهم، يبعثون الحياة في غيرهم