العامل - والأجير عموما- هو كل من يعمل لدى الغير وتحت إشرافه وسلطته نظير أجر، بصرف النظر عن طبيعة هذا الأجر شهريا كان أو يوميا أو أسبوعيا أو نظير مكافأة شاملة، وبصرف النظر عن طبيعة صاحب العمل حكومة أو فرد أو شركة أو جمعية أو أي منشاة. فجميعهم ينطبق عليهم صفة "صاحب العمل". وكان من الطبيعي أن يكون القانون الحاكم لهذه العلاقة وينظمها قانون واحد، لان الطرفين فى مراكز متشابهة فهذا "عامل" يبيع قوة عمله نظير اجر، وهذا "صاحب عمل" يشترى هذه القوة لتنتج له سلعة أو خدمة، وبالطبع يحقق صاحب العمل أو الرأسمالي ربحاً من الفرق بين قيمة ما ينتجه العامل وبين الأجر المدفوع له، حيث يكون الربح جزء من قيمة إنتاج قوة عمل العامل يقدمه بلا مقابل للرأسمالي.
إلا أن النظم القانونية ونظم الأجور التي يخضع لها الإجراء فى مصر متعددة:
ا- اختلاف القانون المطبق باختلاف صفة صاحب العمل:
فإذا كان صاحب العمل هو الحكومة بوزاراتها ودواوينها ومصالحها ووحداتها المحلية فالقانون المطبق هو القانون 47 لسنة 1978.
وإذا كان صاحب العمل هيئة عامة ذات طبيعة خاصة فالقانون المطبق هو قانون الهيئات العامة رقم 197 لسنة 1983.
وإذا كان صاحب العمل شركة قطاع عام أو شركة قابضة في قطاع الأعمال العام فالقانون المطبق هو القانون 48 لسنة 1978.
وإذا كان صاحب العمل شركة من الشركات التابعة للقانون 203 لسنة 1991 فالعمال يخضعون لقواعد اللوائح التي يضعها مجلس إدارة الشركة التابعة للشركة القابضة بالاشتراك مع النقابة العامة العمالية المختصة ثم تعتمد من وزير قطاع الأعمال العام (وزير الاستثمار الحالي) فيما عدا التأديب فيخضع العاملون بشأنه لأحكام قانون العمل الفردي. وبالطبع يمكن تصور قوة نفوذ مجالس إدارات الشركات بالنسبة لنفوذ النقابات العمالية وهى جميعا تضم حاليا العناصر المتبرجزة من الطبقة العاملة والتي دائما ما تطمع فى رضاء أعضاء مجالس إدارة الشركات ليضعوهم فى دائرة المنح والمزايا النقدية، فيحدث فى الواقع أن تنفرد الشركات بوضع اللوائح المنظمة للعلاقة العمالية مع عمالها دون أي قيد.
أما العاملون فى الشركات التي يخضع نشاطها لقانون الاستثمار والمناطق الخاصة فيخضعون للائحة المنشأة، ويعتبر هؤلاء العمال غير خاضعين لآي قانون إلا القواعد العامة الواردة فى القانون المدني.
وإذا كان صاحب العمل قطاع خاص أو منشأة فردية فينطبق على العاملين قانون عقد العمل الفردي رقم12 لسنة 2003.
ب- عمال خارج الحماية القانونية
فى مصر حوالي خمسة ملايين عامل يمثلون ربع قوة العمل تقريبا أحوالهم أكثر بؤسا من أبطال رواية فيكتور هوجو" البؤساء "، يعيشون فى ظروف قاسية اقرب إلى ظروف العمل فى القرون الوسطى. أعمالهم تحتاج إلى مجهود شاق، أما دخولهم فغير مستقرة حيث العمل مواسم أو يعملون يوما ويبطلون ثلاثة، حتى بدا أمرهم وكأنهم متسولين وليسوا عمالا. إذا أصيبوا بمرض فلا يجدون الدواء وإذا وهن العظم منهم وأصبحوا غير قادرين على تحمل مشقة العمل الشاق فلا يجدون من يطعم أولادهم، أما إذا انتقلوا إلى رحمة الله فلا سند ولا معين لذويهم. هؤلاء البؤساء يشملون عمال التراحيل وعمال الزراعة وعمال البناء والتشييد والباعة الجائلين وعمال النظافة وخدم المنازل وموزعي الصحف وماسحي الأحذية ومنادى السيارات والأعمال الهامشية على حواف المهن والصنايع المختلفة.
ومن العجيب أنه بالنسبة لعمال البناء والمقاولات مثلا فان صاحب العمل يؤمن لدى هيئة التأمينات الاجتماعية على العمال بنسبة من قيمة المقاولة وليس على عمال بالاسم والصفة المهنية، وهو نوع من "الإتاوة". ورغم أن هناك نقابة عامة عمالية لعمال البناء والأخشاب إلا أنها لم تستطع أن تؤمن لهم عملا منتظما أو تقنن عملهم وتؤمن عليهم تأمينا اجتماعيا وصحيا. والقليل منهم يؤمنون على أنفسهم من مالهم الخاص نظير اشتراك شهري ضئيل ليحصل على معاش 80 جنيها شهريا عندما يصل إلى سن الخامسة والستين إذا امتد به العمر إلى هذه السن وهو افتراض غير واقعي، فمتوسط أعمار هذه الطائفة من العمال اقل من ذلك بكثير. إن الرأسمالية المتوحشة الحاكمة تبطش بالطبقة العاملة المصرية وكل الأجراء بطشا قاسيا، واتحاد العمال والنقابات العمالية متحالفة معها ليس بالتواطؤ فقط ولكن بالتهليل لسياساتها والادعاء بأنها فى صالح العمال. وما زالت العقلية التشريعية التي تحكم قوانين العمل فى مصر هى نفس العقلية التي ألحقت مكاتب العمل التي قررت حكومة إسماعيل باشا صدقي إنشائها عام1930 بوزارة الداخلية، باعتبار أن مكاتب العمل تخدم صنفاً من الناس خطر على النظام وخطر على آليات الاستغلال الرأسمالي، وبالتالي ووفقا لهذا المفهوم كان إلحاقها بالداخلية لتراقب وتبطش بأي تحرك عمالي يسعى لتحسين شروط وظروف العمل ناهيك عن سعيه للعمل السياسي ووعيه لذاته.
جـ- تعدد أنظمة الأجور:
أدى كفاح الحركة العمالية والنقابية فى دول رأسمالية المراكز إلى أن أجر العامل يزداد مع زيادة أرباح الرأسمالي وزيادة الإنتاجية. وفى أطراف النظام الرأسمالي العالمي- وبلادنا جزء منها- لا يطبق هذا النظام رغم أن نسبة أرباح رأس المال فى الأطراف أعلى منها فى المراكز.
وإذا كنا قد ذكرنا ستة أنظمة قانونية تخضع لها الطبقة العاملة المصرية، والأجراء فإنه ليس هناك أيضا نظام موحد للأجور، حد أدنى وحد أقصى، ومساواة بين من يعملون فى أعمال متشابهة ومتساوية فى متطلبات التوظف بها كالمؤهل الدراسي والجهد المبذول فيها.
فالعاملون بالحكومة لهم أجورهم (وداخل الحكومة هناك أنظمة متعددة للأجور سنتناولها حالا)، والعاملون بالقطاع الخاص لهم أجورهم، وكذلك العاملون بشركات الأعمال، والعاملون بالشركات الاستثمارية والعاملون بالهيئات العامة لهم نظام أجورهم.
و من الغريب ان داخل الحكومة هناك تفاوت شديد فى أنظمة الأجور.
انظر مثلا للفئات الآتية:
1- القضاة: رغم احترامنا لمرفق القضاء إلا أن تصور أن العدل لن يتحقق وأن النزاهة لن تتوفر إلا بجعل القضاة يعيشون فى ترف فى مجتمع فقير ومدين هو تصور معيب وغير "عادل".
وقد تم الإغداق على القضاة حتى إفسادهم بدءا من سياسة أنور السادات الذي ألحق كبار المسئولين بالجهاز القضائي بالجهاز السياسي والإداري والاستشاري الحاكم، ومنح ستة رؤساء هيئات قضائية لقب وزير، وسارت فى نفس الركب حكومات حسنى مبارك، وتم تقنين الفساد بمنشور رسمي صادر من وزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى بموجبه أصبح من حق من فى درجة مستشار تعيين ابنه فى النيابة العامة وابنته فى النيابة الإدارية، وهيئة قضايا الدولة، وتعيين إخوتهم فى أعمال حكومية اقل مرتبة. ناهيك عن العلاج المجاني للقاضي وأسرته فى أرقى المستشفيات الخاصة. وقد استند وزير العدل السابق فاروق سيف النصر وسار على سنته الوزير الحالي النشر اليومي تقريبا فى الأهرام للعزاء فى رجال القضاء وأقاربهم حتى الدرجة الثانية، بما يؤكد تحالف وتوافق السلطة التنفيذية مع السلطة القضائية (ضد من؟). ولو أنه تم توفير نصف مخصصات الأجور والبدلات والمزايا للقضاة لتم تعيين عدد مماثل لعدد القضاة ووكلاء النيابة الحالي وإحداث انفراجه فى ازدحام المحاكم بالقضايا والمتقاضين وتحقيق قدر من العدل. ومع هذه المزايا التفصيلية فإننا نقرأ كثيرا عن قضايا رشوة فى هذا المرفق الهام وتتراكم القضايا ولا يفصل فيها إلا بعد سنوات من العذاب.
2- الشرطة والجيش: قد نفهم أن ضابط الجيش يعيش بعيدا عن أسرته أغلب مدة خدمته وما يتطلبه ذلك من أعباء مالية تستدعى مرتبا مناسباً. ولكن لو نظرت للقيادات من رتبة لواء وهم كثيرون، فستجد أن "دخل" هذه الفئة يفوق أي توقع. فهناك مثلا"علاوة ولاء" تدفع للواء شهريا بمعرفة المخابرات الحربية وهو مبلغ لا يقل عن عشرة آلاف جنيه هذا خلاف السكن والسيارات والمزايا الأخرى.(أي ولاء؟ والولاء لمن؟). أما ضباط الشرطة فقد تنافس وزيرهم مع وزير الدفاع وكسب الجولة، فصار دخل ضابط الشرطة الصغير فى رتبة رائد مثلا ثلاثة آلاف جنيه شهريا غير المزايا الرسمية وغير الرسمية الأخرى. والسلطة الحاكمة تثمن حاليا جهاز الشرطة وتمنحه الكثير لقمع الطبقة العاملة والطبقات الشعبية الأخرى والحفاظ على إبقائها على هامش الفعل السياسي والاجتماعي.
3- العاملون بالإذاعة والتليفزيون: اجر (دخل) المذيع أو مقدم البرامج يفوق فى بعض الأحيان الخمسين آلف جنيها شهريا تحت مسميات مختلفة (مشرف – معد - منتج منفذ.....).
4- العاملون بالضرائب العامة وضرائب المبيعات.
5- العاملون بالأجهزة المركزية مثل الجهاز المركزي للمحاسبات ورئاسة مجلس الوزراء والرقابة الإدارية والصندوق الاجتماعي للتنمية ومركز معلومات مجلس الوزراء ورئاسة مجلس الشعب ومجلس الشورى والبورصة.
6- العاملون ببنوك القطاع العام.
7- أعضاء مجالس إدارة الشركات فالعضو يحصل على ما لا يقل عن ثلاثين ألف جنيه شهريا، بالإضافة إلى نسبة من الأرباح لا تقل عن 300 آلف جنيه سنويا فإن كان عضو مجلس إدارة بنك فحصته فى الأرباح تبلغ ملايين.
8- لواءات الشرطة والجيش المعينون بالحكم المحلى الذين يجمعون بين الأجر الكبير والمعاش الكبير.
وانظر بعد ذلك إلى باقي فئات العاملين بالحكومة مثل العاملين بدواوين الوزارات المختلفة ومديرياتها بالمحافظات والعاملين بالحكم المحلى (الزراعة - الشئون الاجتماعية – الثقافة – التموين – التعليم – الصحة – الإسكان والمرافق - الري - الأوقاف - الأزهر- الشباب والرياضة - العاملون بالجامعات - دواوين المحافظات ومجالس المدن والأحياء والوحدات المحلية....) كل هؤلاء " قعر" القفة الحكومية وأجورهم تمثل الحد الأدنى للأجور والمزايا.
أسس ومعايير منشودة لتشريعات العمل والأجور:
يعانى نظام الرواتب والأجور الأساسية والإضافية فى مصر من انعدام الواقعية، ومن اختلالات مذهلة تجعله أساسا للفساد بدلا من أن يكون حافزا للإنتاج والابتكار، فضلا عن أن هذا النظام سرى تماما ولا يتسم بآي درجة من الشفافية فيما يتعلق بالدخول الإضافية التي هى الأساس فى خلق الفروق الهائلة بين دخول العاملين فى مرافق الدولة المختلفة. من المفترض أن يقوم نظام الرواتب والأجور على قاعدة الدفع مقابل العمل، وأن يكون الراتب الأساسي هو الدخل الرئيسي للموظف أو العامل وألا تجاوزه كل الدخول الإضافية، وذلك لتدعيم استقلالية الموظف أو العامل وجعل ولائه لعمله ولمؤسسته وليس لرئيسه الذي يتحكم فى الدخول الإضافية من مكافآت وبدلات. وهذا النظام من المفترض أن تكون المكافآت فيه مرتبطة بالابتكار وزيادة الإنتاج، وان يكون اجر عمل واحد كافيا لحياة كريمة. وان يكون الأجر أو الراتب عن عمل معين موحدا أو متقاربا إذا تساوت المؤهلات العلمية وسنوات الخبرة بحيث يكون سوق العمل موحدا، وان يكون الراتب الشامل للموظف القائد أعلى من الراتب الشامل للموظف المقود حتى يكون نظام الرواتب والأجور منسقا. لكن نظام الأجور والرواتب فى مصر فى الواقع العملي يخالف هذه الأسس إجمالا ويعتبر بالفعل أحد العوامل الرئيسية وراء انتشار الفساد. وأحد أدوات البرجوازية الحاكمة فى تفضيل وتقريب بعض الفئات على حساب الآخرين. وهو تبديد للفائض الاقتصادي الذي تشارك فيه كافة طبقات الشعب وخاصة الطبقات العاملة التي هى أساس أي إنتاج اجتماعي. وقد نتج عن هذا النظام مفارقات صارخة حيث نجد أن الصرف على جهازي الشرطة والجيش فى بند الأجور يوازى ثلث ميزانية الأجور، ثم يأخذ القضاء والأعلام والأجهزة الحكومية المميزة والهيئات العامة والصناديق الثلث، والباقي للمنبوذين من العاملين بالوزارات الخدمية وهم أغلبية العاملين منهم الأطباء والمهندسون والمعلمون والمحاسبون والقانونيون والعمال الفنيون والكتبة ويمثلون أكثر من 70% من موظفي وعمال الحكومة. وهذه الفروق تجعل الوظائف فى الجهات المميزة محجوزة لمن لديهم الوساطة، بينما تكون الوظائف المحدودة الراتب من نصيب المتعلمين من أبناء الطبقات الفقيرة أو الوسطى.
والحقيقة أن هذه التمايزات تخلق أحقادا اجتماعية وتبرر للموظفين والعمال الذين يحصلون على أجور ورواتب منخفضة أن يقوموا بالتحايل فى أعمالهم بحيث لا يعملون بجدية لتوفير جهدهم للعمل فى وظائف إضافية لزيادة دخولهم. ولإصلاح هذا الأمر لابد أن يكون للوظيفة الواحدة أجر واحد أو متقارب على الأقل فى إطار الوظائف العامة فى الجهاز الحكومي والقطاع العام والهيئات العامة والهيئات الاقتصادية والمؤسسات المصرفية والتأمينية وغيرها. ويمكن أن تتم مضاعفة الرواتب للأغلبية دون تكلفة إضافية أى مع الإبقاء على الرقم الإجمالي المخصص للأجور بالميزانية من خلال العدالة فى توزيع مخصصات الرواتب والأجور والبدلات والحوافز والمكافآت بدلا من الوضع الراهن حيث يمكن لحفنة أفراد فى الإدارة العليا وفى الأجهزة المميزة أن يحصلوا على أضعاف ما يحصل عليه آلاف العاملين فى مؤسساتهم. كذلك فإنه من الضروري أن يوضع سقف لكل أشكال الحوافز والمكافآت والأرباح والبدلات بحيث لا تتجاوز فى مجموعها وعلى مدار العام قيمة الراتب الأساسي خلال العام. وهذا الأمر ضروري حتى تكون هناك شفافية فى نظام الرواتب والأجور فى مصر بدلا من النظام السري القائم حاليا. وفى كل الأحوال فإن هناك ضرورة لمراقبة صرف كل ما يزيد عن الراتب الأساسي من خلال الأجهزة الرقابية الرسمية ومن خلال العاملين أنفسهم عن طريق نقابتهم وجمعيتهم المستقلة، وبحيث أن يكون توزيع مخصصات الرواتب والأجور فى مؤسساتهم واضحا أمامهم. ولكي يتحقق كل ذلك فأن العاملين بالجهاز الحكومي مدعوون إلى تشكيل نقابتهم أو تنشيطها أن كانت قائمة وأن تكوّن جمعيات أو لجان خاصة فى كل موقع عمالي للمطالبة بإعلان مخصصات الأجور وملحقاتها بكل وظيفة وتحقيق المساواة بين العاملين لدى صاحب عمل واحد وهو"الحكومة"، أيا كان مسمى جهة العمل(وزارة-هيئة عامة-مصلحة-صندوق- جهاز......) وألا يزيد الحد الأقصى لآي أجر أو دخل الوظيفة على5 أمثال الحد الأدنى.
أما عن الأجور بالقطاع الخاص فمنذ ارتفعت شعارات التحرير فى العشرين عاما الأخيرة فى كل اتجاه، من حرية التجارة إلى حرية الاستثمار ومن تحرير الزراعة إلي تحرير الصناعة إلى تحرير سوق الصرف إلى تحرير سوق العمل فقد تضمن هذا التحرير وقوع علاقات العمل تحت سطوة رأس المال، فالتحرير كان لرأس المال والإفقار والحرمان كان نصيب العامل والفلاح. والتحرير المزعوم صار فى اتجاهين: فتح مسام الاقتصاد المصري لهيمنة رأس المال عابر القوميات ووكلائه المحليين، ومنح الملاك ضمانات اكبر لحرية الاستثمار لتحرير علاقات العمل من كل ما يصون حقوق العمال. ولو تابعنا محطات قطار الخصخصة منذ إعلان سياسة الانفتاح الاقتصادي لاستخلصنا كل هذه الميول واضحة بغير رتوش. وتم إعادة صياغة علاقات العمل بإزالة العقبات القانونية والفعلية التي تحول دون تكثيف استغلال الطبقة العاملة المصرية من قبل رأس المال المحلى والأجنبي مع الاستمرار فى حرمان الطبقة العاملة من حق الدفاع عن مصالحها بمصادرة حرياتها الأساسية النقابية والسياسية. وفى هذا السياق جرى تغيير قوانين العمل لإطلاق يد الرأسماليين فى تخفيض الأجر والإجازات وتغيير الوظيفة إلى الأدنى وإغلاق المنشأة كما تم إلغاء عقد العمل الدائم. وترك لصاحب العمل تحديد الأجر وترك له صرفه كما هو بالعقد أو صرف ما هو أقل منه.
ففي سوق عمل مضطرب وضيق- لضيق الاستثمارات الفعلية فى الصناعة خاصة كثيفة العمالة- ما أن يجد العامل فرصة عمل حتى يقبل عليها بكل شروطها وظلمها ويصبح فى موقع"المذعن" واصبح عقد العمل ليس عقدا رضائيا من متعاقدين أحرار بل عقد اذعان فيه أيجاب وبدل القبول "الخضوع". ويخضع عمال القطاع الخاص لكافة أنواع العسف بالعمل الشاق فى ظروف غير إنسانية ناهيك عن أنها غير صحية، ويخضع لإرهاب صاحب العمل وزبانيته وملاحظيه وجواسيسه. وبعد تصفية القطاع العام صاحب الشركات الألفية انتقل مركز ثقل الطبقة العاملة إلى مصانع الرأسماليين بالمدن الجديدة، والمنشآت بها جزر منعزلة عن بعضها فى قلب الصحارى، ولا يعرف عمال أي مصنع عمال أي مصنع آخر، حيث يخرج العامل من عنبره إلى سيارة الشركة تنقله منهكا مهدودا إلى بيته بعد12 ساعة عمل وساعتين مواصلات وغياب كامل للمنظمات النقابية.
خلاصة:
فى غياب التخطيط الاقتصادي والحريات السياسية سادت العشوائية الاقتصادية كما سادت العشوائية القانونية وتعددت الأنظمة القانونية التي يخضع لها العاملون بكافة قطاعات العمل حكومة- قطاع عام - قطاع خاص- قطاع استثماري مصري وأجنبي..... بل أنه داخل القطاع الحكومي فأن الحكومة التي تمثل رجال الأعمال الرأسماليين خصصت مؤسسات لتعيين أبناء الطبقات المحظوظة وأغدقت عليهم من مخصصات الأجور الإجمالية التي تستحقها الغالبية العظمى ممن يعملون فى جهات غير مميزة. كما شرحنا من قبل.
لذلك يعد تغيير قوانين العمل وأنظمة الأجور من القضايا الأساسية والملحة في بلادنا. ويتطلب وضع تشريع عمل ونظام للرواتب والأجور، يحققان حداً أدنى ملائماً من العدالة والمساواة والمعيشة لجماهير الأجراء ويدفعان في ذات الوقت للرشد والنمو الاقتصادي، ما يلي:
1- إصدار قانون عمل موحد بمعنى الكلمة يحكم التشغيل فى مصر.
2- وضع حداً آدني للأجور على المستوى الوطني كله يكفل حياة كريمة يشمل كافة القطاعات حكومية وخاصة، وحد أقصى لا يتجاوز 5 أمثال الحد الأدنى على أن يفهم الأجر بمعنى الراتب الأساسي وكافة ما يحصل عليه الموظف أو العامل من الوظيفة تحت أي مسمى.
3- المساواة بين العاملين بالحكومة وعدم تفضيل جهة عن أخرى أو مرفق على آخر.
4- زيادة الراتب أو الأجر الأساسي ليصبح الدخل الرئيسي للأجراء وليكفل لهم حياة كريمة وليرفع عن كاهلهم سوط التمييز والتعسف والتفرقة.
5- كسب الطبقة العاملة المصرية لحرياتها النقابية والسياسية.
فيا عمال مصر وأجرائها بالحكومة والقطاع العام والخاص وكافة مجالات العمل حطموا الأغلال وارفعوا شعار الحرية والمساواة