تتواتر الأنباء بشكل شبه يومي عن المجموعات المغرضة وعلاقاتها بالثورة المضادة حاليا في مصر، ومما لا شك فيه أنه هناك حركة مضادة تحاول النيل من مكتسبات ثورة 25 يناير، وتحاول التأثير على الواقع المصري عن طريق استخدام الفوضى الموجهة لضرب ثورة الشباب وتدمير البلاد، وكما ان هناك اشخاصا وجماعات استطاعت ان تقفز على ثورة يناير وتمكنت من الاستفادة من هذه الثورة الشريفة لأغراض ومصالح شخصية بحتة، فإنه ايضا هناك جماعات وأشخاص يحاولون الآن الاستفادة مما يسمى بالثورة المضادة.
ورغم تعارض هذا مع المنطق العام، إلا انه للأسف اصبح امرا واقعا وملموسا في حياتنا اليومية المصرية، فكل من يريد الآن ان يرتدي لباس الوطنية وان ينال قسطا من الشهرة وان يدرأ عن نفسه هجوما ما يأتيه من الإعلام او من جهات أخرى فإنه ينسب هذا كله الى القلة المغرضة التي تعمل في كنف الثورة المضادة، وقد رأينا جهات وأسماء بعينها اصبحت تنسب اي هجوم موجه لها الى تلك القلة المغرضة التي تعمل لحساب الثورة المضادة.
لقد أصبحت الثورة المضادة فجأة هي الدرع الواقي الذي يحتمي به الفاسدون أنفسهم، وتلك هي الكوميديا السوداء، فالفاسد يحتمي بالفساد ليحمي نفسه، تلك هي المعادلة المصرية الفريدة، فكما كانت مصر دائما هي أرض الإبداع فها هي الآن تنضم الى زمرة أرض البدع، وتلك البدعة الجديدة لا يمكن ان توجد في أي مجتمع أخر غير المجتمع المصري، الذي يحيا ويسير على المتناقضات دوما، حتى بعد الثورة، لم يتحرر الشعب المصري ولا المجتمع المصري من أسر أفكاره البائدة، ولم يستطع ان يفك شفرة العقائد والأفكار المتحجرة.
انها اذا دعوة للمجتمع المصري ان يستيقظ من غفوته التي أوصلها اليه حماسه المفرط خلال ايام الثورة، ويفكر بعقلانية وان يغلب العقل على القلب ولو لمرة، لماذا ظهر مسمى الثورة المضادة؟، وكيف تم تسويقه اعلاميا بحيث اصبح حقيقة مسلم بها؟، وهل بعد ثورة 25 يناير من حركات يمكن ان نطلق عليها ثورات؟، انها اذا سطوة الفزلكة السياسية المعتادة من بعض المشتغلين بالسياسة قبل الثورة والتي لم تستطع أفكارهم ان تنضج بعد الثورة، فصاروا يخترعون أشياءً ويصدقوها بل ويروجوا لها أيضا.
الحق ان هناك من يحاول ان يقاوم التغيير بعد الثورة، والأكيد ان هناك أصابع خفية تحاول النيل من حرية هذا الشعب ولو على سبيل الانتقام، لكن لا هذا ولا ذاك يرقى الى درجة ان نطلق عليه ابدا ثورة مضادة. إن ما يعانيه المجتمع الآن من انعدام استقرار ومن فوضى متعمدة ليست بيد الثورة المضادة كما يروج البعض، وانما بيدنا نحن الشعب، فالمظاهرات الفئوية والتي يخرج اليها الآلاف او المئات لا يحركها إلا أطماعنا نحن في اقتطاع قطعة من تورتة مصر، وتوقف عجلة الانتاج بالمصانع والشركات ليس بيد الأصابع الخفية، وانما بأصابعنا نحن التي جمدنها واستحللنا توقفنا عن العمل بسبب أو بدون سبب، والدعوات التي تروج الآن لمقاطعة الاستفتاء والذي يعد أول حدث ديمقراطي حقيقي في مصر ليست من عمل الثورة المضادة وانما من اعمال من هم محسوبون على ثورة 25 يناير.
إن الثورة المضادة هي بالونة نحن اشتريناها ونحن الذين ننفخ فيها كل يوم، حتى صارت تحول بيننا وبين شمس الحرية، وحتى صار البعض يتحسر على أيام ما قبل 25 يناير من فرط يأسه، لقد آن الآن أوان لتحكيم صوت العقل، وصوت المنطق، وصوت الضمير، وأي صوت ينادي بالعمل وبذل الجهد حتى يمكن لمصر أن تقوم من عثرتها، وحتى نفجر هذا البالون الكبير المسمى بالثورة المضادة.