عسكرة الاقتصاد بين الانفاق العسكري
والانفاق التنموي
عبد الرحمن تيشوري
شهادة عليا بالادارة
شهادة عليا بالعلاقات الدولية
باحث في موقع الحوار المتمدن
ان تطور دولة ما يقاس بقدار ما تحققه من تنمية لمواردها بمختلف فروعها لكن اهم تنمية تقوم بها الدولة هي تنمية الموارد البشرية باعتبار البشرهم المقوم الاساسي للدولة وعليهم تقع مسؤولية تطوير وتنمية باقي الموارد
كما ان الدول التي تدخل في دوائر الصراع وسباق التسلح والازمات الداخلية غالبا ما تعاني من تراجع في مقدرتها على تحقيق تنمية جيدة لموارها المختلقة وخاصة البشرية منها حيث تتراجع فيها نسبة التعليم ومستواه وكذلك الصحة
وحيث ان الدول المشكلة لخارطة الشرق الاوسط تعاني من ازمات مع الجوار وهذه المعاناة دفعتها لزيادة انفاقها العسكري الذي ادى بدوره الي تشكيل عبء اقتصادي على تلك الدول وفي ظل الموارد المحدودة لها نجد ان انفاقها العسكري يكون على حساب القطاعات الاخرى كالتعليم والصحة وهذا بدوره مع مرور الزمن يعمل على عرقلة التنمية في هذه الدول مما يجعلها عرضة لابتزاز الدول الاكثر تطورا ايا كان شكل هذا الابتزاز عسكري سياسي تكنولوجي اقتصادي
في هذا البحث المقتضب السريع ساحاول ان اسلط الضوء على بعض جوانب الانفاق المتعلق بالتنمية البشرية مقارنة بالانفاق العسكري لمجموعتين من الدول هي:
· دول الخليج وايران
· سوريا, مصر, لبنان , اسرائيل , تركيا
الانفاق العسكري والتنمية البشرية

- دول الخليج وايران
تحتل دول الخليج المرتبة الاولى في الانفاق العسكري ورغم ترتيب بعض هذه الدول ( الكويت – قطر- البحرين – الامارات ) في مصاف الدول ذات التنمية البشرية العالية حسب تقاريرالتنمية البشرية الصادرة عن البرنامج الانمائي للامم المتحدة فان نسبة الانفاق العسكري فيها تتجاوز نسبة انفاقها على التعليم والصحة
· السعودية:
تعتبر السعودية ذات تنمية بشرية متوسطة فهي تحتل المرتبة 75 بين دول العالم حسب دليل التنمية البشرية
وصل انفاقها العسكري الي نسبة 13% من ناتجها المحلي بينم تنفق للتعليم 8% وللصحة 7%
ان الانفاق العسكري السعودي المرتفع الذي يساوي تقريبا ما يتم انفاقه على قطاعي التعليم والصحة معا لابد وان يكون سببا في الحد من امكانية تحقيق التنمية الكاملة في السعوديةولابد ان يكون اي انخفاض في هذا الانفاق على الدفاع لصالح التنمية
· الكويت
انخفضت نسبة الانفاق العسكري الكويتي من الناتج المحلي الاجمالي من 48% عام 990 الي 10% عام 998 ومع ذلك لم يؤثر هذا الانخفاض على نسبة الانفاق الكويتي على كل من التعليم والصحة
فقد ارتفعت بالنسبة للتعليم من 3% عام 990 الي 5% عام 998
لكنها انخفضت بالنسبة للصحة من 4% عام 990 الي 3% عام 998 ويعود ذلك الي حرب الخليج الثانية التي اثقلت هيكل موارد الكويت لصالح العسكرة
يلاحظ من البيانات ان انفاق الكويت العسكري يفوق انفاقها على كل من التعليم والصحة معا ورغم ذلك فهي تحتل المرتبة 36 حسب دليل التنمية البشرية بعد ان كانت في المرتبة 53 عام 994 ويعود هذا الي ارتفاع معدل العمر والتحصيل العلمي ومستوى المعيشة فيها
· الامارات
تاتي بعد البحرين وقطر في ترتيبها حسب دليل التنمية البشرية في المرتبة 43 الا انها الدولة الاولى في الوطن العربي التي تتجاوز فيها نسبة الانفاق على الصحة نسبة انفاقها على الدفاع 4% على الصحة 5%
· عمان :
تنفق عمان على العسكرة اكبر نسبة من ناتجها المحلي مقارنة بدول الخليج الاخرى فقد وصل الانفاق عام 2000 الى 12% على العسكرة امام 4% للتعليم و3% للصحة وتعتبر من الدول ذات التنمية البشرية المتوسطة ( 80)
· العراق:
يمكن القول ان حربي الخليج الاولى والثانية قد دمرت البنى التحتية للعراق ودرمت الانسان اساس كل تنمية
وقد ورث العراق ديون اكثر من 150 مليار دولار
الملاحظ من خلال تحليل هذه البيانات والارقام انه يوجد انفاق عسكري كبير في دول الخليج لكن معظمها تعتبر من الدول ذات التنمية البشرية العالية باستثناء السعودية وعمان والعراق
· ايران
فاق الناتج المحلي الايراني الناتج الاجمالي لدول الخليج باستثناء السعودية 0( 120 مليار دولار)
تعتبر ايران من الدول ذات التنمية البشرية المتوسطة (95 ) تنفق 5% على الدفاع
ولكي تتمكن ايران من بناء قدرتها العسكرية المتطورة قامت بالاتي:
· زيادة حجم قواتها بما يمكنها من ان تصبح ثالث اورابع قوة مسلحة في العالم في نهاية هذا العقد
· زيادة قدراتها من الاسلحةفوق التقليدية والنووية حتى يمكنها امتلاك سلاح ردع لردع اي قوى تحاول ان تنال من ايران او تقف في سبيل تنفيذ استراتيجيتها
· التعاون مع الغرب في مجال الحصول على التكنولوجيا في القطاعين المدني والعسكري
· تطوير القاعدة الصناعية الايرانية وتنمية صادراتها التجارية والحصول على المزيد من الدخل من العملات الاجنبية بزيادة صادراتها من البترول وايجاد مكان لها في السوق الاسيوية
( سورية – مصر – لبنان – الاردن ) تركيا – اسرائيل
· سوريا:
تعتبر سوريا من الدول ذات التنمية المتوسطة يصل ناتجها المحلي الي 20 مليار دولارتنفق منه 7% للدفاع مقابل 3% للتعليم اي نصف الانفاق العسكري تقريبا
ان حالة الصراع الموجودة في المنطقة هي السبب الاساسي في ارتفاع الانفاق العسكري السوري وغالبا ما يكون هذا الارتفاع على حساب القطاع التعليمي والصحي
كما انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي حمل سورية اعباء اقتصادية جديدة فرضتها الديون الخارجية لصالح الاتحاد السوفيتي سابقا وفرضت البحث عن مصدر جديد لبيع السلاح ولكن هذه المرة نقدا
تصل الخدمة الالزامية في سورية الي 24 شهرا وتشكل عبئا لامفر منه امام اعتبارات المصلحة الوطنية سواء على قطاع الجيش او القطاع الذي سيعمل فيه اولئك البشر
تحاول سوريا الاستفادة من ارتفاع انفاقها في تحقيق عائد على القطاعات المدنية والعسكرية من خلال افرع مؤسسة الاسكان العسكرية التي تقوم باعمال انشائية كا نشاء المباني والضواحي السكنية والبيوت مسبقة الصنع والجامعات والمنشات السياحية ومشاريع الري والمدن الرياضية
واعمال صناعية معدنية حجرية كيميائية خشبية نسيجية واعمال زراعية ايضا كا لمنتزهات زالحدائق والمشاتل وتربية الدواجن والاغنام
كما تقوم مؤسسة معامل الدفاع بصنع الذخيرة كما تقوم الدولة بتمويل البحث العلمي
· مصر:
تعتبر مصر من الدول ذات التنمية المتوسطة ولايتجاوز انفاقها العسكري2% من الناتج المحلي لاسيما بعد توقيعها اتفاقية سلام مع العدو الصهيوني
انفاقها على التعليم لايتعدى 4% من الناتج تعاني ايضا من اعباء التجنيد تصل فيها مدة الخدمة الالزامية الي 30 شهرا
· الاردن :
يبلغ الانفاق العسكري في الاردن حوالي 9% والانفاق على التعليم 8% والنفاق على الصحة 4%
وتتلقى الاردن معونات من امريكا
· لبنان:
ينفق لبنان 3% على الدفاع و3% على التعليم و3% على الصحة وتصل مدة الخدمة الالزامية فيه الي 12 شهرا
· تركية:
تنفق تركية على الدفاع حوالي 9% من ناتجها الاجمالي البالغ حوالي 200مليار دولار وتنفق على التعليم 5% وعلى الصحة 4% وتصل فيها الخدمة الالزامية الي 18 شهرا وتعتبر تركيا من الدول ذات التنمية المتوسطة
لاتستطيع تركية مقاومة اغراء ان تكون دولة عظمى على المستوى الاقليمي وتمل دائما على تطوير الصناعة الحربية الوطنية وتحديث القوات المسلحة وزيادة الميزانية العسكرية ورغم ذلك لازالت تركية تستورد السلاح وهذا يشكل عبئا على الاقتصاد الوطني
اسرائيل:
تحتل اسرائيل المرتبة 22 بين دول العالم حسب دليل التنمية البشرية وهي بهذا تعتبر ذات تعنمية عالية جدا ورغم انفاقها المرتفع على الدفاع فان نسبة انفاقها على التعليم والصحة لاتقل عن نسبة انفاقها على الدفاع
وتمتد الخدمة الالزامية في اسرائيل لفترة تفوق المدة الموجودة لاي من جيرانها فهي تتراوح بين 21- 48 شهر
تتلقى اسرائيل معونات كبيرة جدا من امريكا والصهيونية العالمية تصل سنويا الي اكثرمن 4 مليار دولار
تتبنى اسرائيل من تاسيسها استرتيجيا ابقاء الجيش الاسرائيلي اقوى قوة ضاربة في الشرق الاوسط وقادرا على التصدي لاي قوة عربية اوتجمع قوى عربية وعلى شن هجوم خاطف على اكثر من جبهةواحدة وعلى منع اي جيش عربي من الحصول على اسلحة متطورة تؤهله لان يصبح مصدر خطر حقيقي على اسرائيل
وتتطلب هذه الاستراتيجية بالضرورة ان يحصل الجيش الاسرائيلي على ارقة انواع الاسلحة وهذا يتطلي زيادة التسلح وزيادة الانفاق باستمرار
تصنع اسرائيل الان مقتلات حربية وصواريخ ودبابات وذخيرة ومتفجرات وتوجد في اسرائيل 180 شركة تعمل في قطاع الصناعات الحربية يعمل فيها 120 الف عامل نصف هؤلاء علماء ومهندسين
ولقد ساهم نمو الصناعات الحربية الاسرائيلة في تطوير الاقتصاد الاسرائيلي وخاصة صناعات الالكترونيات والتكنولوجيا العالية والكهربائيات
وتعتمد الصناعة العسكرية الاسرائيلية على التصدير اعتمادا كبيرا وتبلغ الصادرات الاسرائيلية من السلاح حوالي 15 مليار دولار
ان الانفاق العسكري في اسرائيل لا يشكل عبا على حكومتها قدر مل يحقق من عائد يدعم الاقتصاد الاسرائيلي من مختلف جوانبه
الانفاق العسكري والاستثمار

يتفاوت نسب الاستثمار من دولة الي اخر وهو اعلى نسبة في سورية حيث وصل عام 98 الي 29 % من الناتج وهو يزيد الانفاق العسكري السوري 23 %
يصل حجم الاستثمار في ايران الي 16% من الناتج المحلي وهو يزيد الانفاق العسكري 13%
يصل حجم الاستثمارفي تركيا الي 25 من الناتج ويزيد على الانفاق العسكري 20%
اما الاستثمار الاسرائيلي يبلغ 21%ويزيد على الانفاق العسكري 10%
الديون الخارجية
· يمول الانفاق العسكري من خلال عدة طرق كالضرائب وعجز الموازنة وعن طريق الديون الخارجية والداخلية
· تتضمن الديون تكاليف الاجيال المقبلة اذ يجب زيادة الضرائب التي يدفعونها
· لقد ادى ارتفاع الانفاق العسكري العربي الي تردي الاوضاع في مجمل الدول العربية لان المرفق العسكري العربي مستهلك ومبزر ورغم شراء الاسلحة بهذه المبالغ الكبيرة لم نحررشبر واحد
· ان الانفاق العسكري تم على حساب الانفاق العام حيث يتم تخفيض الانفاق على الصحة والتعليم وتقليص الاعانات الاجتماعية وكان الانفاق العسكري سببا رئيسيا للاقتراب من الخارج فتفاقمت الديون ووقعت الدول العربية في فخ خدمة الديون
مايشبه الخاتمة
لقد شكل الانفاق العسكري تكلفة اقتصادية كبيرة لمعظم الدول العربية وكانت معدلات نمو الانفاق العسكري تفوق معدلات نمو الناتج المحلي والتكوين الراسمالي الثابت 0
لكن السؤال المطروح اليوم من اين نمول الانفاق العسكري ونحن بامس الحاجة للانفاق التعليمي والانفاق الاجتماعي والانفاق الصحي ويبقى السؤال الذي يقلقنا متى يستطيع العرب ان ينفقوا مواردهم في الاتجاه الصحيح ؟
ولماذا يفضل العرب الانفاق اكثر على العسكر والامن ويفضلون تخفيض الانفاق على اعمال البنية التحتية والانفاق الاستثماري والاستثمار في الموارد البشرية الا يريدون الخير لمجتمعاتهم ومواطنيهم ؟!