من متابعاتي لما يضعه أفراد شعبنا الكريم على الفيس بوك هذا الموقع الذي كان شرارة الإنطلاق لثورة الغضب ، وجدت بالأمس واحدة من الكلمات التي حركت موضوعي الجديد الذي أكتبه لكم اليوم وهو ما كتبه الأديب الشاب والكاتب المتميز شادي عبد السلام ، الذي وضع صفحة تعبر عما يمر به ، وأكد أنها أخر مرة يكتب فيها باللغة العامية ، عبر خلالها شادي عن ضيقه وإختناقه مما يُكتب على الفيس بوك ، أو ما نُعرفه بتوابع الأزمات ، وحين رددت عليه قال (إحجزيلي يا دكتورة مكان مع مرضاكي للعلاج عندك بعد الثورة) وطبعا هي دعابة من شادي ، لكني توقفت عندها وعند غيرها ، ثم جئت لأكتب لكم عما قد يعتري البعض ويجب التنويه عنه رغم أنني كتبت أمر قريب منه حينما تحدثت عن أن الإكتئاب رفاهية لكني أتحدث هنا عن فكرة أعم وأشمل وتتناسب مع ما نمر به من ظروف خاصة وإستثنائية.
ما حدث لنا في الأيام الماضية هو موقف ضاغط بكل المقاييس وعلى كل المستويات، أو هو حالة تشتمل على كل أنواع المواقف الصدمية ، فقد عشنا في عدد من الأيام ما تعيشه بلد في ظل حرب حقيقية ، فقد دخلت صورة (الجيش) إلى صور حياتنا اليومية المعتادة، ودخلت أصوات (طلقات الرصاص) ضمن الأصوات التي ربما ألفها البعض منا، ودخلنا في حالة إنتظار (البيانات) التي يلقيها المسؤلين كمن ينتظر يوم (وقف إطلاق النار) ، وأصبحنا ننتظر إعلاناً (بأعداد الشهداء والجرحي يومياً من تصريح وزارة الصحة) ، وأصبحت(الدول حولنا تصدر بيانات بشأننا)، وأصبحنا ننتظر أن ينخفض (حظر التجول) ، وأصبحنا وأصبحنا وأصبحنا .. وكل ما أصبحنا فيه هو علامة من علامات الحرب كما يعرفونها في الكتب والمواثيق والعلوم الإنسانية على الأقل من حيث الظروف ، ضف على ذلك وجود فصيلين إنقسم الشعب بينهما كل منهما ينظر للأخر بإعتباره العدو لتكتمل القصة ونكون بصدد معالم حرب حقيقية على المستوى النفسي على أقل تقدير.
ولما كانت للحرب بأي معنى لها آثار نفسية أعرفها وشاهدتها وتعاملت معها أثناء عملي ، فقد بدأت ألاحظ أن عدداً ممن حولنا بدأوا يدخلوا في الآثار التالية على الصدمة ، والتي تشتمل على بعض الأعراض النفسية ، من قبيل الإحباط ، والقلق المرضي ، والإكتئاب بدرجةٍ ما، والمخاوف ، والفزع ، وغيرها من الأعراض ..
وعلى الرغم من أنها ربما تكون بدرجات ليست كبيرة ، أو إنها ظهرت لدى شرائح بعينها بدرجةٍ أكبر ، لكن وجب التنويه إلى عدم الإستسلام لها .
فنحن الأن على أعتاب مرحلة إنتقالية بكل المقاييس ، وبالتالي فعذراً سيدي المواطن ، ليس لديك وقت لتكتئب ، ليس لديك وقت لتمرض نفسياً وتصبح في حاجة لمن يساعدك ، ليس لديك وقت لتشعر بأنك ضحية تنتظر من يمد يده إليك ، ليس لديك وقت لتشعر بأن ألمك يحتاج من يداويه ببساطة ليس لديك وقت لكل هذا للأسباب التالية :
1- أن الجرح عام وواحد وكلنا في نفس الألم فليس الموضوع وفاة عزيز عندك أو رسوب أو إنفاصل.
2- أنك لو إستسلمت لهذه الحالة فسوف تُكَوِن فكرة عن نفسك بأنك لا تتحمل الضغط وهذا ما يضر تعاملك مع ذاتك لاحقاً.
3- إن بلادنا جميعاً التي أصيبت لن يأتي أخر ليعمرها لنا فإن أنت إخترت المرض النفسي ، فسوف تُعالج منه في وقت ما لتجد أن ما لم تُصلحه لازال كما هو وسوف تبدأ من جديد ربما في ظروف أصعب.
4- أن تغيبك الأن حتى بالمرض أمر سيبب لك مشاعر لن ترضى عنها لأنك تعلم أن دورك في العمل .
5- أنك إذا لم تساعد في صناعة النهضة التي يسعى أخرين لها الأن ويقومون عليها فعلى الأقل تسعى في مساعدتهم لترتيب البيت من الداخل بعد أن يرسموا معالمه.
6- إن الله لا يحب المستضعفين في الأرض.
7- أن المرض النفسي باقي ولا ينتهي ، وبالتالي يمكنك بعد عام مثلاً وبعد أن تقوم بدورك أن تمرض نفسياً وقتها سنكون جميعاً بدأنا في إصلاح ما فسد خلال المرحلة الإنتقالية ، ونستطيع جميعاً أن نشعرك بإهتمامنا ، ونشعرك بشفقتنا عليك ، لأننا وقتها لن نكون مهتمين بالمحافظة على الحياة .
8- أن الشعوب التي (دهستها)إسرائيل لو كانت مرضت نفسياً منذ أول أو ثاني أو ثالث مرة ، لما كان في العالم سوى إسرائيل فهي لم تترك بلد دون حرب ، سواء عسكرية أو نفسية ، ولكن أهالي هذه البلاد قرروا ألا يتركوها لها!!
لهذه الأسباب لا يجب أن تمرض ، لهذه الأسباب يجب أن تطور كل إمكاناتك الداخلية وتُخرج طاقتك الإحتياطية للتعامل مع المواقف المختلفة ، لهذه الأسباب يجب أن تتمسك بالحياة الصحية السليمة وتحافظ على أمانة الله عندك.
وهل معنى ذلك أن المرض النفسي إختيار؟؟
سبق وأجبت عن هذا السؤال وأجيب عنه مرةً أخرى ، نعم .. نعم .. نعم .. المرض النفسي إختيار ، يختاره المريض كنوع من (حل) الصراع الذي يعيشه ، ليتحول من شخص عليه أن يعطي لشخص يستحق أن يأخذ ، فيدخل الفرد في المرض بدرجة كبيرة من الطواعية – لا أقصد هنا أصحاب الإضطرابات العصبية أو المشكلات الدماغية أو الفسيولوجية عفاهم الله وخفف عنهم – لكني أقصد السواد الأعظم ومنها ما يلي :
*الذي يدخل في حالة هستيرية ليخيف من حوله عليه فيتوقف عن مواجهته بتقصيره.
*الذي يدخل في حالة إكتئاب فلا نطلب منه شئ لأنه منعزل ولا يتحمل الصدمات.
*الذي يدخل في حالة قلق ومخاوف فنظل طوال الوقت بجواره لنطمئنه.
ولماذا يدخل الشخص في المرض النفسي ؟
شرحت في عرضي لكل حالة وجود مقصد معين للفرد من المرض النفسي الذي يدخل فيه، وهو ما يعرف لدينا بالمكاسب الثانوية من المرض ، وفي هذه الحالة يتحول المريض النفسي إلى من قرر أن يأخذ (مخدرات) ليُرفع من عليه التكليف ، فهل يسأل أحد مريضاً فعل أي شئ أو الحصول منه على أي دور فاعل إيجابي؟؟
لذلك أتحدث إلى كل أم وأب .. ليس من حقك المرض النفسي الأن فعليكِ أولاً تأمين أطفالك والعمل على تحسين حالتهم والإهتمام بترتيب عقولهم بعد ما تعرضوا له وقد يستغرق الأمر منك عام حتى تمضي أثار هذا الأمر.
لكل شاب وشابة .. ليس من حقكم المرض النفسي فمن ضحوا لأجلكم بحياتهم وغيرهم ممن تركوا منازلهم لم يصرخوا ألماً ولم يفكروا فيما سيخسرونه ، وبالتالي فعليكم تعمير ما سيردونه إليكم .
إلى كل شخص على أرض هذا الوطن .. إعتبر نفسك حين ترى في المرض النفسي حلاً أنك تطلب رقم (مرفوع من الخدمة) لمدة عام على الأقل ، يحتاجنا وطننا فيه ، لتعود السياحة التي تآثرت ، ويعود الأمن الذي إهتز ، وتعود المباني التي دُمرت ، وتعود البورصة التي تأخرت ، وتعود ضحكة أولادنا التي غابت ..
أرجوكم .. لا تكتبوا على أنفسكم غياباً من المعركة ، لم يكتبه الله عليكم بمرض حقيقي بأن (تختاروا) أن تمرضوا ..
وتذكروا أعزائي أن : الحياة توهب لنا مرة واحدة حينما نولد دون تدخل منا ، ثم يبقى التمسك بها عملك الذي تأخذ منها على قدره
وكرروا جميعاً .. حي على الصلاة .. حي على الفلاح .. حي على صالح العمل .. وتختاروا القعود خاصةً لو كان (مُختار)!!!

المصدر:
https://www.3ain3alabokra.com/article-584.html