قنوات عالمية ، وإعلانات ووسائط نقل مختلفة ، وأسعار لاعبين ومدربين خيالية ، تجعلنا نعيد تفكيرنا بالرياضة وعلى وجه التحديد بكرة القدم . ولذا سننطلق من أرقام كبيرة أشار لها الأستاذ الدكتور محمد السقا في مقاله الرائع والثري " صناعة كرة القدم.. الاقتصاد والمنافسة" في الموقع الإلكتروني لجريدة الاقتصادية ، ومنها : تقدر إيرادات بث مباريات ريال مدريد خلال سبع سنوات تنتهي في 2013/2014 مع محطة Mediapro الإسبانية 1.5 مليار دولار.

أغنى خمسة فرق في العالم هي مانشستر يونايتد الإنجليزي، وتبلغ ثروته 1.84 مليار دولار، وريال مدريد الإسباني وتبلغ ثروته 1.32 مليار دولار، وآرسنال الإنجليزي وتبلغ ثروته 1.18 مليار دولار، وبرشلونة الإسباني وتبلغ ثروته مليار دولار، وبايرن ميونخ الألماني وتبلغ ثروته 990 مليون دولار.

تحمل ملابس مانشستر يونايتد علامة Nike، التي تدفع للنادي 470 مليون دولار (على عقد مدته 13 عاما ينتهي في 2015)، فضلا عن 50 في المائة من أرباحها في مبيعات بعض السلع، وذلك في مقابل تصنيع ملابس النادي.

بلغ صافي أرباح نادي ريال مدريد ، من خلال إستراتيجيته المتمثلة باقتناء أفضل لاعبي العالم ، بلغ في العام الماضي 226 مليون دولار.

ريال مدريد لضم كريستيانو رونالدو دفع 131 مليون دولار وبذا يكون حقق لمانشستر يونايتد أرباحا مباشرة تعادل نحو 550 % ، وبمعنى آخر فإن سعر رونالدو كان يتزايد بنسبة 100 في المائة في المتوسط سنويا خلال الفترة التي قضاها مع مانشستر يونايتد، لا يوجد في عالم اليوم أصل يحقق هذا القدر الهائل من العوائد.

وهو مع ذلك فرصة استثمارية فقد تم في صيف 2010 فقط، بيع 1.2 مليون تي شيرت بالرقم 9 الذي يحمل اسم رونالدو، وبسعر 85 يورو للتي شيرت الواحد، وهو ما يعني أنه في موسم واحد فقط أدخل تي شيرت رونالدو للنادي 102 مليون يورو.

إن الأرقام الفلكية التي أدرجت أعلاه تؤكد أن الاحتراف العالمي هو احتراف يجمع بين الفكر الإداري والتجاري والرياضي هذا الفكر الثلاثي الأبعاد أن صح التعبير هو فكر نوعاً ما غير ناضج لدينا حيث أن الجميع يعلم ، ورغم المحاولات ، أن الاحتراف السعودي هو احتراف قائم بالمقام الأول على دعم أعضاء الشرف الذي يسري معه غالباً فكرهم الإداري رغماً عن أنف وعرف من يملك فقط الفكر الإداري الحقيقي.

دعم أعضاء الشرف قد يسهم في دفعة عجلة الاحتراف لكنه دعم متقطع ولذا نستغرب أن يتم وضع مقدم عقد للاعب بالملايين ولا نستغرب أيضاً عندما يظهر اللاعب ويصرخ بأنه لم يستلم مستحقاته لأشهر !

أن التقييم الحقيقي للاعب كمورد بشري ، غائب عن رياضيتنا ، فالعقود يجري عليها مزايدة لا يقاس معها العائد الحقيقي وبالتالي غياب الاستثمار الحقيقي للموارد البشرية. وعلى الجانب الثاني فإن تأخير رواتب اللاعبين ، مما يجعلهم يعيشون حياة العوز لهم ولأسرهم وفي ظل عدم وجود أنظمة تقاعد لهم ، يجعلنا نجزم بالغياب التام لإنسانية التعامل مع اللاعبين والذي هم المورد البشري والقادرين على تحقيق الميزة التنافسية الحقيقية.

عندما يعلن لاعب خبير شهير وعبر قناة رسمية ، يعلن اعتزاله بسبب عدم وفاءه مع اللاعبين اللذين يتولى قيادتهم، وهو وفاء بني على وعود وهمية ، وعندما تتسرب الأنباء بأن مدير كرة بنادي كبير أعتذر عن تكملة المشوار بسبب أنه ( طق صدره ) للاعبين بأن يتحملون التأخير بالرواتب مع وعد صريح بتسليمهم إياها فهذا دليل على خلل واضح وليس الآخرين عن ذلك ببعيد.

الموارد المالية والموارد البشرية عندما تتوفر وتدار بين ( حب الخشوم ) واقتناص الفائض من الأوقات فهذا إن لم يكن ( شحاذة) فهو الأقرب لكونه عشوائية ، أن نهضت الرياضة معه لفترة ، فهي آيلة للسقوط بأي لحظة والفزعة والمرجلة سلم عربي متأصل لكنه لا يقود إلى ديمومة نجاح.

أن الموارد البشرية من كفاءات إدارية ومن لاعبين من مرتكزات النجاح الرياضي وهذا المورد يجب أن ينتقل انتقالاً جذرياً من صبغته العشوائية التي توافق زمان ( طقه وألحقه ) إلى عهد التخطيط الإستراتيجي وإدارة الموارد البشرية بصبغة علمية مقرونة بالخبرة الكفيلة بمراعاة طبيعة التنافس والواقع الحالي للوضع المزري .

ربما بعض الأندية تضع موازنة تقديرية للعام المقبل وتطلب من المدرب تقرير عن الوضع القائم والاحتياج القادم لكن ذلك يجب أن يأخذ المنهجية العلمية لتخطيط الموارد البشرية فمثلاً ليس من المنطقي أن من يحلل الوضع ويضع الاحتياج لا يضمن بقاءه ولا حتى بقاء رئيسه .

أكاد أجزم أن إدارة مشاريع البرامج الحاسوبية يليها إدارة الأندية هي أصعب أنواع الإدارات واعقد المهام ( وكان الله بعون الذي جمع بين هذين التعقيدين ) وكلهما تعتمدان بشكل كبير على المورد البشري وهذا التعقيد، على افتراض الاتفاق عليه، يتوجب معه ضرورة تفعيل إدارة الموارد البشرية في الأندية الرياضية تفعيلاً يسبغ على الأندية كينونة العمل المؤسسي المنظم القائم على التنظيم وليس على ( فزعة الرجاجيل )

أتأسف على ما كان عليه ذلك الكيان الكبير الذي استقطب أربعة لاعبين في المراكز الهجومية مع أن وحتى عامة المتفرجين يرون أن المناطق الخلفية بذلك الفريق تغري حتى إنصاف اللاعبين بالفرق الأخرى للترحيب بعرينهم . وحتى مستوى المدربين فالاستقطاب قد لا تتجاوز من نتائجه أكثر أربع حتى صار شعار من يتم استقطابهم للعمل بالسعودية وكسب الغالي والنفيس في ظل عمل محدود وطرد وشيك مع المطالبة بتحقيق النتائج وإغفال بناء وتطوير أبناء النادي ، الذي هو جزء من الاستثمار المستقبلي . مع التنبيه التام بأن الأندية تركز على الجانب المهاري مهملة الجانب الفكري والتطوير بالشخصية وهذه لنا عودة عليها إن شاء الله

ولعل من المفيد التنويه لدورة أنشطة الموارد البشرية بشكل عام من تصميم وتحليل الأعمال ثم تخطيط الموارد البشرية ثم الاستقطاب والاختيار مع استمرارية التدريب والتنمية في جميع الجوانب مع وضع التعويضات والعقوبات المناسبة في ظل تقييم أداء مستمر يقود إلى تعديل الانحرافات الأدائية عن المخطط له مع ضرورة واضحة للقدرة على تنظيم ( صيانة ) الموارد البشرية والتي من أهمها استبقاء الكفاءات وهذه الدورة رغم كونها مختصرة إلا أنها ذات أهمية في نجاح المنظمات بشكل عام والأندية بشكل خاص. أخيرا إن كان فنونها بجنونها فأعتذر أن أضعت أوقاتكم الثمينة.

بقلم: واصل عبدالله الواصل