كيف تخطط لحياتك ؟ (7) .. كيف تضع خطة (2 )







اضغط هنا لاغلاق النافذة
أدخل بريدك الإليكتروني



















تعرفنا في المقال السابق على أول الطريق من أجل وضع خطة فعالة، ونتعرف في هذا المقال على ضوابط وضع تلك الخطة.
ضوابط وضع الخطة.
هناك أمور يمكنك القيام بها عند بداية كل يوم تساعدك على وضع الأمور الهامة أولًا:
<!--[if !supportLists]-->1. <!--[endif]-->ميزان النجاح.
ربما كانت المعاناة الشائعة والعميقة التي نواجهها دائما في إدارة الحياة هي المعاناة الصادرة من عدم التوازن؛ فأدوار الحياة متداخلة إلى حد كبير، حيث يؤثر كل دور في الآخر تلقائيًا؛ لأنها معًا تشكل حياتنا، فالحياة كلٌّ لا يمكن تجزئته، ولنا الأسوة في سيدنا سلمان الفارسي رضي الله عنه حين قال لأخيه أبي الدرداء رضي الله عنه: (إن لنفسك عليك حقًا، ولربك عليك حقًا، ولضيفك عليك حقًا، وإن لأهلك عليك حقًا، فأعط كل ذي حق حقه)، ولما بلغ ذلك القول رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((صدق سلمان)) [رواه البخاري].
ولكن تكمن المشكلة في كثير من الإرساءات السلبية الناتجة عن التربية في بيوتنا ومدارسنا، والتي أورثت عقلية تنظر لهذه الأدوار كلها كأجزاء منفصلة عن بعضها البعض، ففي المدرسة مثلاً ندرس موضوعات منفصلة تتناولها كتب منفصلة، فيحصل أحدنا على تقدير ممتاز في الرياضيات، وجيد في الفيزياء، ولا نرى أن هناك أي علاقة بين المادتين، وبنفس العقلية نرى دورنا في العمل منفصلاً عن دورنا في المنزل، ولا نرى أي صلة بينهما وبين أدوارنا في المجتمع أو في تطوير الذات.
فالمشكلة إذًا في الطريقة التي ننظر بها إلى المشكلة، فلابد أن ندرك أولاً أن مهمتنا ليست الجري ما بين الأدوار في تنازع بينها على ما نملك من وقت وطاقة، وإنما التوازن أن تعمل كل الأدوار متداخلة متزامنة في تناغم يحقق الكل.
ولنأخذ مثالا على ذلك من السنة النبوية، فبينما كان النبي صلى الله عليه وسلم عائدا من إحدى غزواته، ومعه السيدة عائشة رضي الله عنها أراد أن يروح عنها فسابقها فسبقته، فلما أثقلت عائشة اللحم سابقها فسبقها فقال لها: 'هذه بتلك يا عائشة'.
ونستطيع من هذا الموقف البسيط أن نخرج بعدد من الأدوار قام بها النبي صلى الله عليه وسلم في آن واحد:
1. دوره كزوج: يرفه عن زوجته ويتسابق معها.
<!--[if !supportLists]-->2. <!--[endif]-->دوره في الترويح عن النفس: فلا شك أن مثل هذا السباق فيه ترفيه عن النفس.
<!--[if !supportLists]-->3. <!--[endif]-->دوره في الاعتناء بصحته: فالسباق والجري والعدو تقوي صحة الإنسان وتنشط الدورة الدموية.
<!--[if !supportLists]-->4. <!--[endif]-->دوره كمجاهد في سبيل الله ينصر الإسلام: فلا ننسى أن هذا الموقف كله بينما النبي صلى الله عليه وسلم عائد من الغزوة أي في أثناء سيره مجاهدا في سبيل الله.
<!--[if !supportLists]-->5. <!--[endif]-->دوره كمعلم: حيث أن في هذا الموقف إرشادا وتعليما للناس في أشياء كثيرة مثل استحباب الترفيه عن الزوجات وشرعية التسابق.
<!--[if !supportLists]-->6. <!--[endif]-->دوره كنبي مرسل: ومع كل هذه الأدوار التي ذكرناها يؤدي أيضًا النبي صلى الله عليه وسلم دوره الأعظم وهو دوره كخاتم النبيين، وسيد المرسلين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولا ينسى هذا الدور وهو يتسابق مع زوجته بل يسجلها التاريخ في سيرة خاتم النبيين أنه تسابق مع زوجته ليكون قدوة للعالمين في هذا الأمر ولتقتدي به البشرية إلى آخر الزمان.
فانظر في هذا الموقف البسيط الذي لم يأخذ إلا قدرا يسيرا من الوقت كم هي الأدوار التي قام بها النبي صلى الله عليه وسلم ، وحجم الفوائد العائدة من هذا الموقف البسيط، فأنت إذا فقهت هذا الموقف وتأملت فيه، أدركت الفارق الكبير بين رجل له رسالة ورؤية يعيش متوازنًا متكاملًا جامعًا بين أدواره في الحياة، وبين غيره ممن يعتقد الفصل بين الأدوار، وأداء كل دور في وقته المحدد، مما يحرمه الكثير من الاستفادة بوقته الثمين، ويجعله في النهاية يشعر بضيق الوقت.
<!--[if !supportLists]-->2. <!--[endif]-->ذروة التحكم.
يحكى عن أحد صيادي السمك الذي كان يصطاد، وكلما خرجت له سمكة صغيرة احتفظ بها، وفي كل مرة خرجت سمكة كبيرة، ألقى بها في البحر مرة أخرى، فاقترب منه أحد الأشخاص، وسأله وقد غلب عليه الفضول: (هل يمكن أن تشرح لي السر في أنك تلقي بالسمك الكبير مرة أخرى في البحر، وتتحفظ فقط بالسمك الصغير؟)، فرد عليه الصياد قائلا: (أنا حزين جدا على هذا الفعل، ولكني مضطر إلى ذلك، ولا توجد أمامي أية طريقة أخرى، حيث أن القدر الذي أطهي في السمك صغير جدا، ولا أستطيع طهي السمك الكبير فيه لذلك ألقي به إلى الماء مرة أخرى!).
لماذا انقرضت؟
قد يمتلك الواحد منا مهارات عديدة، ويحوز أمكانات مديدة، وقد يكون ذا رغبة مشتعلة، وهمة متقدة، ولكن سرعان ما يقف في وجه العقبات، وحتما ستقف، وحينها لا يصبح للمهارة معنى، ولا للرغبة مكان، إذا لم يتحل هذا الإنسان بالمرونة الكافية، والتي تجعله يجتاز العقبات، ويقفز فوق الحواجز، وهناك وهم خاطئ عند الكثير من الناس، الذين يرون أن المرونة ما هي إلا رضوخ للظروف، وأن التصلب والجمود على القرارات أو الآراء حتى لو كانت خاطئة هو قمة الفضيلة، وذروة القوة، وهذا ليس بالصحيح، فكما يقول الدكتور إبراهيم الفقي: (إن المرونة هي التحكم؛ فالشخص الأكثر مرونة في أسلوبه يكون تحكمه في الأشياء أكبر)، ولذا فإن الديناصورات العملاقة التي تفوق الخرتيت في حجمها ووزنها وطولها وقوة جسمها، لم تنفعها كل تلك الإمكانات، ولم يشفع لها تصلبها وفقدانها للمرونة وقوة التكييف مع الواقع، فلم تستطع أن تتأقلم مع التغيرات التي تطرأ على بيئتها، فانقرض الديناصور غير المرن، وبقي الخرتيت المرن.
هبوط غير مفاجئ.
وهذا مثال آخر نسوقه لك في خضم حديثنا عن المرونة وأثرها الفعال في التخطيط الناجح، مثاله يحكيه الدكتور إبراهيم الفقي في إحدى دوراته فيقول: (في الستينات كانت الساعات السويسرية منتشرة في العالم، وكان نصيبها أكثبر من 90% من السوق العالمي، أما الآن فالساعات اليابانية صارت تحتل أكثر من 35% من السوق العالمية، بينما الساعات السويسرية أصبح نصيبها 10% فقط)، وربما يرى البعض أن ثمة مفاجئة كبيرة في هذا الهبوط، ولكن إذا عرف السبب بطل العجب، (والسبب في ذلك هو عدم مرونة الإدارة السويسرية، وعدم التعديل السريع في خطط عملهم؛ لكي تتماشى مع احتياجات المستهلك).
ولنا في رسولنا صلى الله عليه وسلم القدوة.
وحينما تنظر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، تجد أنه كان يتمتع بقدر كبير من المرونة، وتجد أثر هذه المرونة واضحا حين قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهولة تغيير خطة المعركة في غزوة بدر، حينما أشار عليه الحباب بن المنذر رضي الله عنه بذلك، وكذلك حينما قبل بفكرة حفر الخندق من سلمان على الرغم أنها كانت خطة جديدة لا تألفها العرب.
بل تأمل في موقف النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية، فحينما بعث المشركون سهيلا بن عمرو لمفاوضة النبي صلى الله عليه وسلم ، اقترح علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن تفتتح المعاهدة بكلمة: بسم الله الرحمن الرحيم، (وهنا اعترض رئيس الوفد القرشي سهيل بن عمرو قائلا: (لا أعرف الرحمن، اكتب باسمك اللهم)، فضج الصحابة على هذا الاعتراض، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم تمشيا مع سياسة الحكمة والمرونة والحلم، قال للكاتب: (اكتب باسمك اللهم)، واستمر في إملاء صيغة المعاهدة هذه)، ولم يتوقف مبعوث قريش عند هذا الحد، إنما رفض أن يكتب محمد رسول الله وأصر أن يكتب محمد بن عبد الله، فوافق النبي صلى الله عليه وسلم.
ولذا فحتى تتمتع بقدر من المرونة، يجب أن يحوي جدول أعمال اليومية مساحة احتياطية للأمور المفاجئة والغير المتوقعة؛ فقد تسنح لك فرص عديدة خلال اليوم ما كنت لتستطيع استغلالها بدون المرونة.
ونخلص من ذلك كله أن عملية التخطيط يجب أن تكون طوع بنانك، وليست آمرة لك، ولما كانت خطتك مؤتمرة بأمرك، كان لزاما أن تكون مفصلة وفق أسلوبك، وحسب احتياجاتك، وطبقا لطرقك الخاصة، ولذلك احرص دائما على أن تشكل خطتك عليك، وليس أن تتشكل أنت عليها.
أهم المراجع:
<!--[if !supportLists]-->1. <!--[endif]-->المفاتيح العشرة للنجاح، د.إبراهيم الفقي
<!--[if !supportLists]-->2. <!--[endif]-->كيف تضع خطة، د.صلاح الراشد.
<!--[if !supportLists]-->3. <!--[endif]-->دورة البرمجة اللغوية العصبية، الدكتور إبراهيم الفقي
<!--[if !supportLists]-->4. <!--[endif]-->السيرة النبوية دورس وعبر، الدكتور علي محمد الصلابي