بين الصفر المصري والانجاز القطري .. بقلم أحمد نبيل فرحات
طالعتنا وكالات الأنباء العالمية أمس بفوز دولة قطر الشقيقة بتنظيم نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2022 القادمة بإذن الله، وما بين سعادتي الجمة والكبيرة بانتقال هذا الحدث الكبير الى الشرق الأوسط واستقراره بين أحضان العروبة للمرة الأولى في التاريخ، تظهر عليّ ملامح الحسرة والأسى على الفشل المصري الذي يزداد ألما كلما صفعتنا احدى الدول العربية باحدى انجازاتها، أنا لا أريد ان اظهر بمظهر الحاقد على اشقائنا العرب، فهم في النهاية اخواننا في الدم والدين واللغة كما أنهم يستحقون ما وصلوا اليه وإلا ما كانوا قد وصلوا، وقد أثبتت الأيام أن المسألة ليست بترول وغاز فقط، ولكنها مسألة ايمان عميق منهم بأن الجانب الذي لا يستطيعون ان يديروه بشكل مميز فكان لزاما عليهم ان يستعينون فيه بمن يستطيع أن يقوم به خير قيام، المهم هو ان ينجحوا، وهذه السياسة هي التي اثبتت في النهاية نجاحها المطلق. بينما ظللنا نحن المصريين نندب حظوظنا ونلعن الأرض التي لم تخرج لنا زيتا وغازا وبترولا.
إن اي مقارنة بين الملف المصري في 2010 والملف القطري في 2022، ستكون بكل أسف ظالمة للطرف المصري الذي لم يقدم أي شيء يستحق عليه ما هو أكثر من الصفر الذي حصلنا عليه فعلا، ولا أجد عجبا عندما كتب بعض الصحفيون الكبار حول الصفر ونادوا بأن هذا الصفر هو مؤشر ومعيار وليس فشلا عابرا، انه يعكس فشل ذريع في كل قطاعات الدولة من ادارة وبنية تحتية وفكر وابداع وعقل ورغبة وطموح، وقدرما عبر الصفر هذا عن فشلنا على قدر ما عبر انجاز قطر عن فشلنا الأكبر، لقد تباهينا مرارا وتكرارا بأننا من علمنا العرب وبأن مدرسينا ومهندسينا واطبائنا هم من عمروا الدول العربية، ولولا فضل مصر ولولا ولولا وتمادينا في الولولة وتعالينا حتى جاء الوقت الذي أخذنا فيه على طأطأة رؤسنا لنأخذ الضربة تلو الأخرى.
لقد عبرت الدول الخليجية مسافات طويلة، وأصبحت تملك العقول والمال والفكر وهو ما هيأ لها أسباب النجاح ولازال يهيئ لها تلك الأسباب، فلا اعتقد انها ستتوقف، وأنا أحيي هذه الدول التي حافظت على نظامها السياسي من حيث الملكية ولكنها طورت في منظوماتها الإدارية من حيث توزيع المهام والاستعانة بالخبرات الاجنبية، وتعلمت كيفية استثمار الأفكار في خدمة الدولة وليست في خدمة الأشخاص، ويأتي تحركهم هذا في اطار ايمانهم العميق بمقولة "رحم الله إمرء عرف قدر نفسه"، لقد عرفوا قدر أنفسهم وتحركوا من هذا المنطلق، وحققوا نجاحات قصيرة الأمد بما مهد لهم الطريق في ان يتعلموا ويكتسبوا الخبرات التي تؤهلهم فيما بعد للنجاح طويل الأمد ولكن بالاستعانة بأيديهم، فما قوانين السعودة والتكويت والتقطير إلا منافذ تسعى من خلالها هذه الدول الى اعطاء الثقة لأبناء الوطن الذي تعلموا وتخرجوا من أفضل جامعات العالم ليحملوا راية العمل والانتاج، لتبدأ تلك الدول في التخلص من العمالة الاجنبية رويدا رويدا حتى أني لن اندهش انه في المستقبل القريب سيكون وجود العمالة الاجنبية في الدول الخليجية إلا في الوظائف ما دون التعليم كالخدم والسائقين وعمال النظافة.
حينما حدثت الأزمة المالية العالمية منذ وقت قريب، وقع الاقتصاد ووقعت معه دول اوروبية عتيدة كاليونان والسويد وفنلندة، حينها أثبتت الدول الخليجية قوة اقتصادها المبني على انظمة لا تعرف المحاباه وأثبتت ان تكريس جهد الجماعة يكون في خدمة الدولة وليس في خدمة الفرد، وهو ما جعلها تعبر هذه المحن ثابتة راسخة، لم تتأثر إلا في نطاق محدود وهامش مقبول، وانجاز قطر هو انعكاس لنجاح الخليج كله، فالمنظومة واحدة والفكر واحد، لقد توحد الخيجيون في مجلس التعاون الخليجي، وما قبولهم بهامش العروبة وجامعة الدول العربية والصداع الناجم عنهما إلا من منطلق تحمل المسئولية، وليس من واقع ايمانها بها، وانا كمصري اؤيد واشجع الدول الخليجية على هذا النهج، فماذا فعلت لهم العروبة، وماذا أخذنا نحن من العروبة إلا نفق العروبة في منطقة مصر الجديدة.
ما بين صفر مصر وانجاز قطر مسافة كبيرة لا يمكن قياسها، كما لا يمكن السكوت عليها، فالمشكلة هي ان الأمر قد زاد عن حده المقبول، فما بين نجاح الجميع وبين فشلنا تقع مشاعر كثيرة متناقضة ولكنها مبنية على رفض أكيد للوضع المصري الحالي، والذي يزداد تأزما، في ظل تسليم القيادة لمجموعة من المغامرين الذي ليتهم يعملون لمصلحتهم الشخصية وانما يعملون لمصلحة امم اخرى ليس من بينها قطعا مصر او حتى العروبة، وانا لا أحمّـل هذه المجموعة من المغامرين أي مسؤولية فمن سمح لهم بالوجود إلا صمتنا وتنازلنا الدائم والمستمر، فإذا كان الساكت عن الحق شيطان أخرس، فنحن سكتنا عن الحق وعن الباطل وعن كل شيء، لقد أصابنا جميعا الخرس، وتأقلمنا على أنه اذا كان الكلام من فضة فالسكوت يكون من ذهب، فلنفرح نحن بهذا الذهب، وليحتفلوا هم بنجاحهم.
بقلم أحمد نبيل فرحات

لمتابعة المقال على الفيس بوك .. استخدم الرابط التالي:
https://www.facebook.com/note.php?no...10794108261151