البطيخة .. بقلم أحمد نبيل فرحات
نحن ثلاثة أصدقاء منذ سنوات طوال، وبفضل الله وحده لازلنا نحتفظ بصداقتنا كاملة الدسم بعيدة عن أي شوائب او اضافات أو تحبيشات من تلك التي يضيفها الزمن لكل العلاقات الانسانية مع مرور الوقت، وقد كان أحدنا لازال يتمتع بكامل حريته وكامل عقله ولم يتزوج، ولهذا كان مثار حقدنا وحسدنا في أي جلسة تجمع ثلاثتنا، ولم يسلم من الدعاء عليه بالزواج حتى يكمل نصف دينه ويخسر نصف عقله.
لا أنسى كيف انه كلما اتت سيرة الزواج في اي جمع لثلاثتنا، كنا على الفور نتذكر البطيخ، وكيف أن الزواج تماما مثل البطيخة مغلفة وخضراء وذات شكل مبهج ويشرح القلب، وما ان تذهب بها الى البيت حتى تزول فرحتك ويقطب جبينك وتنكسر نفسك، بعدما تكتشف انها قرعة، وان طعمها ماسخ، ولونها يسد النفس، وساعات بيكون ريحتها لامؤخذة تقرف، طبعا انا مؤمن انها ليست هكذا في كل الحالات، فأحيانا تكون حمراء وذات مذاق حلو ولون يفرح القلب الحزين، ولكن مؤخرا يبدوا أن محصول البطيخ قد تعرض لهجمات الديدان الخارجية القادمة من الغرب ومن تركيا تحديدا ليصيب البطيخ كله بحالة العفن الآنفة الذكر.
ومن بين حواراتنا عن الزواج كنا لا ننسى أبدا ان نتحدث عن الشر الذي لابد منه ونقصد هنا الزواج طبعا، وكيف انه لا يستطيع أحد ان يهرب من المقدر والمكتوب، وان هروب صاحبنا هو هروب مؤقت حتى يأتي النصيب فيحين موعد صدور الحكم بالحبس المؤبد مع الشغل والنفاذ، وكيف أن هذا الشر يكون خيرا لمدة شهر واحد فقط وفي اليوم الواحد وثلاثين يبدأ الشغل وتسلس الأيادي استعدادا للنفاذ.
ونحن كنا ولازلنا مقتنعين تماما بأن أفضل تشبيه للزواج كان تشبيهه بالبطيخة، ولم لا وانت قبل الزواج تكون غارقا ومنغمسا في الأحلام الوردية عن أرض المتع المقبل انت عليها وتسد اذنيك عن أي كلام يحاول ان يعيدك الى أرض الواقع، وترفض كل الأيادي الممدودة لك والتي تحاول ان تجذبك إليها لتعيش الحقيقة بعيدا عن الأحلام، كل الرجال يتخيلون الزواج هو الفتح المنتظر للحياة البائسة، وهو الحدث الذي يستحق ان يضحي بكل شيء لتحقيقه، ويرفض او يهرب من كل آراء من حوله عن الزواج، ويعتبرهم مجموعة من الفشلة الذين لم يستطيعوا ان يحافظوا على شهر عسلهم ليمتد الى ما لا نهاية، جميعنا نحن معشر الرجال وقعنا في هذا الفخ بلا استثناء وسنظل نقع فيه أبد الآبدين، فهذه هي سنة الحياة، وهكذا أراد الله للحياة ان تستقيم على جثثنا نحن معشر الرجال.
بعد اتمام مراسم الزواج يعيش الزوج اجمل ايام حياته، ويعتبر نفسه نجح فيما فشل فيه الأخرون، فها هو يشعر وكأنه في الجنة، لا يزاحمه فيها أحد، وهاهي السعادة تطرق كل الأبواب، وها هي المتع التي لم يذقها في حياته وأصبحت متاحة له وحده، وما اجملها من أيام، فلا تلبث ان تمر عدة أشهر إلا وقد أدرك الحقيقة التي أعمى نفسه عن ادراكها، ان هذا كله كان العسل فعلا، ولكنه أدرك متأخرا أنه عسلا ولكنه لا يخلو من السم، فإذا ما دخلت الزوجة شهور الحمل الأولى ظهرت عليها كل أمارات الدلع والدلال، وتبدأ مراحل الإهمال الأولى وهي مرحلة يعرفها كل زوج ويحفظها عن ظهر قلب، فيصبح على الزوج ان يهتم بملابسه وكيها وغسلها احيانا، وأما الطعام فحدث ولا حرج، فالزوجة اصبحت لا تتطيق بعض الأكلات نتيجة للحمل طبعا، ويالصدفة العجيبة حينما تكون تلك الأكلات هي ما تشتهيه انت من الطعام، وتجد نفسك محروما من الأطعمة التي تحبها وتعشقها، لماذا؟ لأن المدام حامل، كما عليك ان تساعدها في تنظيف المنزل فهي لن تستطيع ان تحرك الأثاث وان تنظف المنزل بمفردها فتكون يا ولداه بين مفترق طرق، فإما ان تستعين بخادمة تأتي لتنظف لها المنزل وتنظف لك جيوبك، او ان تستعين بنفسك وتساعدها، وتستمر هذه الدوامة حتى مرحلة الوضع وبعدها يضاف الى ألقابك لقب جديد وهو أب، وياله من لقب، فهذه نقطة فارقة جديدة في تاريخ حياتك الشخصية التي تتحول الى حياتك الغير شخصية في لحظة، فلا تستطيع ان تهتم بنفسك من الآن ولا تستطيع ان تشتري شيئا لنفسك فهناك أولويات، وكلمني عن النوم في ظل بكاء هستيري من الضيف الجديد، وقلة حيلة معهودة من الزوجة، لتجد نفسك وقد أيقنت انك لم تكن استثنائيا وانك لم تنجح فيما فشل فيه الأخرون لتنضم الى حزب المعذبون في الأرض وبدون اي اشتراكات.
أما لو لم تحمل زوجتك خلال شهور الزواج الأولى، فهذه الطامة الكبرى فستعيش حياة موزعة بين العمل والبيت وعيادات الأطباء، وياليت الأمر يسلم عند هذا الحد، فأنت لن تسلم من نظرات العائلة والاصدقاء والجيران، والتي احيانا تحمل الشفقة واحيانا تحمل الشماتة واحيانا تحمل الاشمئزاز كما انك لن تسلم من الهمز واللمز، والنصائح المستفزة من كل ذباب الأرض، وبين كل هذه النظرات وتلك، تجد زوجتك تدفعك دفعا لأن تبيع حياتك مقابل طفل، فلا مانع من الاقتراض وبيع الغالي والرخيص للحصول على طفل انبوبة، كل هذا والأطباء يكادوا يقسمون على المصحف انها مسألة وقت، ولكن هات لي طبيبا يستطيع ان يقنع زوجة بان تصبر وتنتظر، وإلا سيكون مصيره مقبرة ظريفة ومكيفة في طريق مصر اسكندرية الصحراوي.
وهكذا سواء حملت زوجتك ام لم تحمل، ستعرف قيمة البطيخة في حياة كل زوج معاصر، والسؤال الذي يحيرني منذ فترة طويلة، اذا كان بائع البطيخ ومن خبطتين على البطيخة يستطيع ان يعرف ان كانت البطيخة حمراء أم لا، فهل نستطيع نحن معشر الرجل بإعطاء الزوجة (باعتبار ما سيكون) خبطتين (دون تحديد مكانهما) لنعرف هل ستصبح الجوازة حمرة ولا .... .
بقلم أحمد نبيل فرحات

لمتابعة المقال على الفيس بوك .. اتبع الرابط التالي:
https://www.facebook.com/note.php?note_id=106866839385608