يمر وطننا هذه الأيام بحالة مفاجئة من غلاء غير طبيعي في أسعار السلع الأساسية والضرورية ، ولقد تسببت تلك الزيادة في المزيد والمزيد من الاحباطات والتي تضاف الى رصيد المواطن من الأحزان والأشجان المليء أصلا ، وقد لمست ان هذه الظاهرة أصبحت ظاهرة جنونية ملفتة للإنتباه ، ففي فترة قصيرة جدا زادت اسعار السلع الأساسية لأكثر من 300% مرة واحدة في المتوسط وتعتبر تلك الزيادة من أكبر الزيادات التي حدثت في تاريخ البلاد المعاصر ، ولكن هنا يستعريني شيء في غاية الأهمية هو البحث عن السبب وراء هذا الغلاء العجيب .. وفي خلال بحثي هذا وجدت أن البعض عزا هذا الغلاء الى ارتفاع الاسعار العالمية وأن المسألة ليست شأنا داخليا فقط وانما هي أيضا شأنا عالميا، ومن هنا زاد العجب ؛ فبعد تفكير عميق وجدت أن العالم يمر بطفرة كبيرة من التطور التكنولوجي ورغم ذلك فإننا في هذا الشأن استثناءً ، فلم نغمس من هذا التطور كما أغرق العالم ، أيضا العالم يعيش حالة فريدة من الديمقراطية الحقيقية ، فوجدت أيضا أننا كنا في هذا الشأن استثناءً ، فلم نرى اي ديمقراطية سواء حقيقية او وهمية لنعيش فيها فكل ما نحيا فيه من حراك سياسي ما هو إلا مسلسلات وأفلام معدة مسبقا وهي فقط عملية اعادة عرض لها ، وبالتأكيد جميعنا نرى مدى اهتمام دول العالم بالعلم والعلماء وبالطبع فنحن في هذا الشأن اكبر استثناءً فإننا نتقن فن إذلال العلماء ونرمي بالعلم وراء ظهورنا ، وعلى هذا فقد زاد عجبي فاذا كنا استثناءً في كل ما سبق وغيره الكثير .. فاذا زار الغلاء العالم فلما لم نكن استثناءً فيه هو الآخر..؟!!
الغريب ان بعض السلع والتي زادت سعرها بشكل مفاجئ هي أساسا محاصيل زراعية ولا تستورد من الخارج بل نحن الذين نصدرها ويتم زراعتها في أرض مصرية وبأيدي مصرية ويستخدم فيها الأسمدة والمواد المحلية فلم الغلاء الغير مبرر ، فهي صناعات محلية 100% ولكننا نجد سعرها تضاعف ثلاث مرات دون أي مبرر ودون حتى ابداء أسباب ، اذا فهو ليس غلاءً بقدر ما هو استغلاء ، ان جشع بعض – ان لم يكن كل – التجار هو المحرك الرئيسي لهذا الغلاء الغريب ، لقد تناسى هؤلاء التجار انهم يتعاملون مع اخوانهم ان لم يكن في الدين فقط وانما في الأرض والوطن ورغم عن ذلك لقد تسابقوا في رفع الأسعار وكأنها لعبة يتحدون فيها بعضهم البعض ان لم يخططوا لتحدي أنفسهم في الأساس وللأسف فإن الخاسر الوحيد فيها هو المواطن البسيط ذو الراتب الزهيد.
ان امنيتي الوحيدة – المستحيلة التحقيق – ان يراجع هؤلاء التجار انفسهم وان يدركوا ان الحياة الدنيا قصيرة بل وأقصر مما يتخيلون وان الدار الآخرة لهي المقام ، فليعملوا لأرصدة الأخرة الخالدة عوضا عن أرصدة الدنيا الفانية ، وليعلموا انه من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ، أتمنى أن تدعوا معي جميعا أن يهدي الله هؤلاء القوم ويردهم الى طريق الصواب ، أما نحن وحتى هذا الحين فليس لنا سوى الله نلجأ إليه ، فهو ولي ذلك وهو القادر عليه.