قال الدكتور ناصر بن ابراهيم آل تويم استاذ الادارة والتنمية الأخلاقية بجامعة الملك سعود ورئيس مجلس ادارة الجمعية السعودية للادارة بأن القطاع العام بحاجة الى الانتصار على واقعه من خلال تفعيل الضوابط والمعايير والممارسات الأخلاقية، مشيرا الى أنه لن يتم ذلك الا بترسيخ أخلاقيات العمل والتعامل مع الواقع.
واضاف ال تويم بان المدراء في القطاع العام هم سبب المشاكل الادارية كما انهم في نفس الوقت هم الحل لهذه المشاكل، مشيرا الى أن بعض المدراء يميلون الى الاستسلام للترسبات البيئية والبيروقراطية.

كما بين ال تويم بانه من ابرز المشاكل التي تواجه المدراء في القطاع الخاص عدم جديتهم في كسب ولاء العاملين مشيرا الى أنهم يعتبرون العاملين على أنهم مجرد أدوات انتاج ينبغي استغلالها لزيادة المصالح الذاتية.
وفي حوار الرياض معه مزيد من التفاصيل..

"الرياض": هل الهيكل التنظيمي للقطاع العام بحاجة الى تطوير؟
- نعم فهو من المشاكل والعقبات التي تواجه هذا القطاع فغياب التطور المستمر للأنظمة واللوائح الادارية والإجراءات لتواكب ديناميكية المتغيرات والمستجدات الحياتية الارتقائية وغير المسبوقة كماً ونوعاً، فهذا الارتداد الزمني الراهن المتصف بالتقنيات العالمية والثورة المعلوماتية، ووسائطها المتعددة والحاجات الإنسانية المتزايدة تبعا لذلك يحتاج الى خطوات تفاعلية وشجاعة في مجال الإصلاح الإداري والتنظيمي بحيث تمسح هذه الثورة الاصلاحية الصورة النمطية للبيروقراطية الحكومية، فكما هو معروف فان الأنظمة واللوائح والإجراءات ما هي الا احتواءات ظرفية زمانية وليدة اوضاع ومعطيات معينة ما تلبث الا ان تكون غير قابلة للتطبيق الفاعل مع كل ما يجد من ظروف خصوصا مع زيادة توالد وتكاثر احتياجات المواطنين ومطالبهم، وعلى هذا الأساس فالتجديد والتطوير المستمر لهذه المنظمات للعملية الادارية يصبح ضروريا في ظل هذه التحولات المطردة في كل مناحي الحياة، ثانيا غياب النظام الاجتماعي الاداري الاستنادي (البناء الثقافي القيمي والأخلاقي للنظام) القادر على تعلية الممارسات الادارية الانجازية من ناحية والانحيازات الادارية في بنية العلاقات القابلية الداخلية الخارجية من ناحية أخرى، فثقافة المنظمة الادارية ينبغي ان تربط وتقيد بثوابت وقيم مرجعيتنا الدينية لأن هذا الدين الخالد يوفر الشروط الضرورية ليس فقط لاداء المطلوب او الحد الأدنى وانما القابلية الذاتية للنماء والارتقاء الأدائي والتعاملي، ان القطاع العام بحكم كونه الفاعل والمحفز للتنمية الشاملة في بلادنا بحاجة الى ثورة على نفسه وبنفسه من خلال الوعي بواقعه، والكشف عن سبل الهدف بدوره الريادي الشمولي، ان القطاع العام وباختصار شديد بحاجة الى الانتصار على واقعه وذلك من خلال تفعيل الضوابط والمعايير والممارسات الأخلاقية والعمل في نفس الوقت على ايقاف التآكل الأخلاقي في بنياته الوظائفية والعلائقية ضمن وعبر وحداته الادارية المختلفة، وهذا لن يتم الا بترسيخ أخلاقيات العمل والتعامل في الواقع.
"الرياض": هل هناك عقبات او مشاكل أخرى تواجه القطاع الحكومي؟
- نعم.. يوجد عقبات قد نسميها بالجانب السلوايكلوجي فيمكن محورة ذلك في المشاكل النابعة من المدراء انفسهم بفعل ذواتهم وبايحاء وضغوط من بيئاتهم، فالمدراء هم سبب المشاكل الادارية وفي نفس الوقت هم مناط الحل ومربط الفرس، لأنهم هم العناصر الحركية التي تقود المنظمات اما الى الأمام او الى الخلف، والملاحظ على كثير من المدراء الميل نحو النزعة الاستسلامية للبيئة التي يعملون بها بحيث انها تفرض محدداتها ومتغيراتها على حل سكناتهم وحركاتهم ودلالات ذلك واضحة في كثير من الأمور الادارية وخاصة في ممارسة جوهر العملية الادارية وقلبها النابض الا وهو عملية اتخاذ القرارات فنجد ان ممارسة كل العملية يتم في بيئة موبوءة بكثير من القيم المتآكلة والضوابط الجائرة اي ان المدير وبحكم نشأته الاجتماعية وتربيته الادارية - ان صح التعبير - يمارس دوره القراراتي في ظل سطوتين وبانقياد تام لا يحد عليه، فهناك اولا سطوة قيود الأنظمة وهناك ثانيا سطوة تهديدات الاغتراب الاجتماعي يضاف الى ذلك سطوة ذاتية، وهي سطوة احتكار اتخاذ القرارات او اللجوء الى اللاقرار، فبسبب هذه الضغوط المزدوجة صنعت الأزمة الادارية في القطاع العام، وبالتالي فان المدير العمومي اصبح يتصرف لا ليقود الانجاز والتغيير وانما ليدير العمل الروتيني الرتيب المقيد الذي لا ينفك فيه الا بدوافع الفزعة، وحتى في الأمور ذات الفراغ النظامي نجد ان هناك ضيق أفق وخوفاً من التصرف، الأمر الذي يزرع في المنظمات الحكومية اهم عناصر الركود والتقدم الى الخلف بدلا من النمو والتقدم الى القرن القادم، وعلى هذا الأساس يمكن القول بان غياب المدير القائد الأخلاقي هو مشكلة منظمات القطاع العام، وعندما نجعل مدراء القطاع العام كذلك فان الحل لمشاكل القطاع العام ستتحقق كذلك لأننا نكون قد وضعنا الحصان المناسب قبل العربة الملائمة.
"الرياض": بالنسبة للمدراء في القطاع الخاص برأيكم.. ماهي ابرز المشاكل والمعوقات التي تواجههم؟
- يمكن حصر ابرز المشاكل والمعوقات التي تجابه المدير ورجل الأعمال والمنشآت في القطاع الخاص في حقيقة واحدة وهي تعولم وقساوة التنافسية، اي ان المشكلة تتعلق بجدية وحدة التنافس الى الحد ان الأمر يصبح يتعلق بالكينونة والوجود، فلقد اصبح هاجساً ان نكون او لا نكون هو الشغل الشاغل لذلك القطاع او ينبغي هكذا، ففي عالم العولمة والاقتصاد الكوني لم يعد للمنافسة الهادئة (win - win) مكان وانما المجال سيصبح مهيأ أكثر من قبل ل (win -lose) أو ما يعرف بالمباريات ذات المجموع الصفرى (zero - sun game) اذ ان كثير من الأعمال سيكسب
والبعض الآخر سيخسر وقد يصل الأمر إلى دمار الخاسر وبالتالي خروجه إلى اللعبة.
إن تعولم المنافسة وازدياد حدتها وشراستها سيسهم في تصاعد بروز وحضور المشاكل والمعوقات التي تعاني منها المنشآت الخاصة ومدراؤها والتي من أبرزها أولاً: تغلغل ثقافة السلطوية الفردية والعائلية في إدارة المنشآت الخاصة وتراكيبها الإدارية، ثانياً: التعديل على النجاحات السابقة وإهمال المتغيرات المتسارعة في البيئة الداخلية والخارجية مع إغفال أهمية شأن الدراسات الاستشراقية.
كما أن عدم جدية المنشآت الخاصة في تبني الطرائق الموصلة لكسب ولاء العاملين وخصوصاً المواطنين منهم رغم قلتهم. فكثير من المنشآت الخاصة تنظر إلى العاملين على أنهم مجرد أدوات إنتاج ينبغي استغلالها من أجل تعظيم المصالح الذاتية الآنية بدون تحسيس هؤلاء بأنهم لهم مصلحة في ثمار جهودهم وإخلاصهم والمحصلة النهائية قتل انتماء هؤلاء العاملين للمنشأة بحيث يصبح الأداء مجرد استجابة شكلية للمطلوب بدون استعداد داخلي لمضاعفة الجهد أو السعي بإخلاص لتحقيق أهداف المنظمة.
بالإضافة إلى قلة الاهتمام بتنمية المهارات التكاملية للعاملين وعلى الأخص المدراء من أجل إيجاد الموظف الشامل والمدير المستقبلي القادرين على استخدام وتوظيف جميع المهارات الإنسانية والتكنولوجية المتحدة في ممارسة اعمالهم، ولعل من أبرز مظاهر ذلك عدم وجود أجور ثابتة ودائمة مع الكفاءات الفردية والخبرات المؤسسية في الجامعات وبيوت الخبرة الاستشارية والتدريبية.
والافتقار إلى تبني استراتيجيات كسب ولاء العملاء على المدى البعيد في سبيل استعجال النتائج والمكاسب الافتتاحية الأمر الذي قد ينجح في المدى القصير على حساب صناعة الموقف التنافسي الولائي للمنشأة على المدى الطويل.
إذا كانت العولمة الاقتصادية ستفيد القوى إلا أنها قد تكون في المحصلة النهائية لصالح المدير العربي والمنشأة العربية، إن اتساع مجالات التصرف السلعي والاستثمار الرأسمالي ينبغي أن يكون حافزاً للمدراء في القطاع الخاص لكي يرتقوا إلى روح التحدي الكوني.
فبمعرفة إرهاصات التجارة الدولية واتجاهاتها عالمياً وتنهيج مبدأ الإدارة المشاركة هيكلياً وكسب الرضا الكامل للمستهلك محلياً تعتبر من أهم أركان ممكنات النماء والقوة للمنشأة الخاصة وإذا ما أضيف إلى ذلك الأبعاد الثلاثة (الإدارة الفعالة، الجودة، التعامل والخدمة) الاستغلال الأمثل لتكنولوجيا العمليات والأتوماتية في إدارة الأعمال مع العناية المتكاملة بالعنصر البشري فإن ذلك كفيل ليس فقط التكييف والبقاء للمنشأة وإنما تسيد سلم التميز والمنافسة.
"الرياض": برأيكم كيف يمكن تطوير الإدارة في القطاعين العام والخاص؟
- الإدارة هي الإدارة على مر العصور سواء في القطاع العام أو الخاص، ولكن الفريق هو ما بين الإدارة المتميزة انتاجاً وخدمة ومسؤولية بين خلاف ذلك، وتطوير الإدارة يكمن في تأجيل وبناء أربعة محاور أساسية هي أولاً: بناء المسؤولية الأخلاقية الفردية والمجتمعية؛ فالمطلوب ابتداءاً هو استنهاض حقيقي للمبادئ والقيم والمثل العليا التي تبنى عليها الممارسات، نحن بحاجة دوماً ودائماً إلى بعث وتأصيل وتأكيد المفاهيم الأدبية والقيم الضوابطية كالحق والعدل والأمانة والإيثار واحترام العمل والإخلاص فيه والدقة في آدائه واحترام الغير واستثمار الوقت.... الخ، إننا لسنا بحاجة إلى مضامين قيم جديدة مستوردة وإن كنا نحتاج إلى إعادة استيراد ممارسات قيمنا من الغير، فمرجعيتنا الدينية وتراثنا الثقافي مليئين بالقيم والممارسات التي تضمن ليس فقط الحد الأدنى من الالتزام والأداء وإنما تكفل تأدية الحد الأعلى من الإنجاز والاستجابة لهموم ومطالب المجتمع المتعددة، والمتجددة.
إننا باختصار بحاجة إلى السلوك المسؤول وينبغي أن يكون المدراء قدوة في ذلك مع ضرورة تأكيد أهمية تعميق المسؤولية الفردية والاجتماعية للأفراد والمنظمات.
ثانياً: بناء المصالح المشتركة ويتم ذلك من خلال العناية بإنسانية العامل أو الموظف بصفة خاصة لعل المنظمات العامة والخاصة إذا أردت الاستمرارية في النجاح والتطور أن تضع في اعتبارها كسب ولاء العاملين وخصوصاً المواطنين فهم بدءاً من توفير الحد الأدنى من الضرورات المادية والمعنوية، ثم مروراً بالرعاية الصحية، وانتهاء بمتطلبات الرفاهية والتسلية، وليس هنا أدنى شك بأن أفضل الطرق للحصول على ولاء العامل ورضاه وبالتالي فعليه إنتاجيته هو عندما يكون له مصلحة فيما يقوم به أو مصلحة من مخرجات نشاطات الأعمال التي يقوم بها. ولا مفر للإدارة سواء في القطاع العام أو الخاص من تبني الآليات المناسبة من الإدارة بالمشاركة والمشاركة في الأرباح والرعاية الشاملة والعاملون ذاتياً لتحقيق أهداف المنظمة بإخلاص وكفاءة وفعالية.
ثالثاً: بناء الكفاءات، فلاشك ان تطبيق مبادئ الكفاءة وزيادة (الأتمتة) على كل مناحي وجوانب الأعمال والنشاطات الإدارية أصبح مطلباً لا رجعة عنه إذا ما أريد للمنظمات الحكومية والمنشآت الخاصة ان تتطور وتمتلك عناصر النجاح والانجاز والتميز. وأهم مستلزمات ذلك وببساطة هو تبني خيار التعليم والتدريب المستمر وتعظيمها، خاصة في مجال التقنيات المتقدمة، لاسيما استخدامات الكمبيوتر وتوابعه من تكنولوجيا الاتصال، فإذا لم يكن هناك ميزانيات سخية مخصصة لذلك، وإذا لم يكن هناك استراتيجيات منهجية لتنمية وتدريب الكوادر وعلى الأخص المديرين منهم فإن المنظمات سواء عامة أو خاصة سرعان ما تجدها وقد تخلفت عن عصرها وأصبحت غير قادرة على أداء الحد الأدنى من وظائفها ناهيك عن التجويد والتميز والإبداع في حدوده القصوى كما يتطلب عصر العولمة الشاملة ذلك، ولابد أن يتزامن مع ذلك كله اتباع سياسة التصاريح والتثاقف في أشكال ومضامين الأنظمة البيروقراطية التي يدار بها القطاع العام ويضبط بها القطاع الخاص، فإذا ما أريد للكفاءات أن تولد وتنمو وتبدع فلابد من ثورة لوجيستية في الأنظمة واللوائح والإجراءات وحتى المؤسسات من أجل بيئة إدارية وتنظيمية تمكن المدير والموظف والعامل من التحرر البيروقراطي وإطلاق ملكاته الإبداعية ولكن ضمن ضوابط خاصة للحد من اللامسؤولية الفردية والجماعية.
رابعاً: بناء التواصل المعرفي، فتحقيق النجاح والاستمرار فيه بتميز وتذليل العقبات يتطلب دائماً التواصل مع ما يعرف بمجمعات توليد الأفكار وحل المشاكل وبالرغم من أهمية هذا التواصل والتعاون فإن الكثير من البيروقراطيات الحكومية والخاصة على حد سواء لا تعطي في الواقع هذا الجانب أي اهتمام، فجامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية والبحثية لا تخلو من العقول ومولدي الأفكار وحلالي المشاكل، ولكن الإشكالية الرئيسية تكمن في غياب التواصل المؤسساتي فهو الركيزة الأساسية لتطوير الإدارة في القطاعين العام والخاص على اسس سليمة ومنهجية، فلابد إذن من إيجاد الوسائل والآليات المباشرة والمرنة لتفعيل وتعظيم هذا التواصل، مع ضرورة أن تعي الأجهزة الحكومية، وبيوتات الأعمال أنه لا مفر من الإغراق أو السخاء المالي لتأسيس واستمرار هذا التواصل.
إن تحقيق المكاسب الهدفية وبعيدة المدى وطويلة الأثر وصادقة التوجه نحو خدمة المجتمع والوطن لا تتم إلا من خلال تبني المنظمات عامها وخاصها المسؤولية التواصلية والتكاملية مع المؤسسات الأكاديمية من أجل التزاوج المنتج لتحقيق قوة اندفاع نحو الأهداف للأفراد والمنظمات والمجتمع.