جلس المستر مانويل جوزيه علي منصة المؤتمر الصحفي، الذي أعقب مباراة الأهلي والزمالك الأخيرة، التي انتهت بفوز الأول بـ«عقوبتين إلهيتين مستحقتين»، جلس منتشياً، وكأنه خارج من أتون معركة عسكرية طاحنة وفاصلة، مع أن المسألة أبسط من ذلك.

لم يكن الأهلي يستحق الفوز، وهو أمر وارد في كرة القدم، لكن الزمالك كان يستحق الهزيمة: لا لتقصير من لاعبيه (بصرف النظر عن دلع بعضهم وانتهاء صلاحية البعض الآخر).. بل لأنه اُبتُلِي منذ أربع سنوات بنفوس خربة، وضمائر ميتة، تكفي لوضع فريق سوبر مثل برشلونة في مجموعة واحدة مع فريق سرس الليان.
أصبح الزمالك في نظر الفرق الصغيرة، وبفضل تفاني مسؤوليه طوال هذه السنوات الأربع في تدميره، «ثلاث نقاط مضمونة»، ولم يعد منافساً ولا غريماً ولا تقليدياً للأهلي، ومباراتهما معاً لم تعد «بطولة خاصة» ولا «ديربي» ولا قمة ولا يحزنون، لكن المستر جوزيه بدا في المؤتمر الصحفي مثل قرصان برتغالي أهوج، لا يعرف شيئاً عن آداب المنافسة الشريفة، ولا يؤمن بأن «الأخلاق» هي جوهر كرة القدم الحقيقي.
جلس المستر جوزيه علي المنصة، وهو يجز علي أسنانه، بسبب غياب المدير الفني للزمالك «رود كرول» عن المؤتمر الصحفي. وبعد أن وصف هذا الغياب بأنه «هروب من مواجهته».. قال متهكماً: «أنا رجل وليس امرأة»!. وعندما سئل عن فرصة الزمالك في الفوز ببطولة الدوري، رد متهكماً أيضاً: «الزمالك سيفوز بالدوري، عندما يموت لاعبو الأهلي وجهازهم الفني»!
هذه ليست خفة ظل، بل خطاب سوقي مبتذل، يليق بـ«فتوة كرة شراب»، في ساحة شعبية.. لا بمدير فني لفريق يمثل نادياً «مئوياً»، صدعوا رؤوسنا بأنه «مدرسة مبادئ وأخلاق». وكنت أتصور أن انهيار الزمالك سيسهم ولو مؤقتاً في إخماد جذوة التعصب، وسيترك في قلب كل أهلاوي،
لديه «مبادئ وأخلاق»، شعوراً بالأسي.. لا حباً في الزمالك، بل لأن قوة الأهلي تقاس بقوة منافسه، ولأن الفوز علي منافس «مهزوم قبل أن يلعب»، لا يدعو لزهو أو شماتة، ولا ينطوي علي أي متعة أو شرف، لكن القرصان البرتغالي الأهوج، وكل أولئك الذين نفخوه وفرعنوه ونصبوه إلهاً للتدريب، يريدونها حرباً.. فلتكن:
أولاً: نسي المستر جوزيه وطغمته المتعصبة، فضيحة الأهلي أمام النجم الساحلي التونسي في نهائي أبطال دوري أفريقيا في نوفمبر الماضي، وهي في الواقع لم تكن مجرد هزيمة لفريق الأهلي (فهذا حال كرة القدم)، لكنها كانت ضربة موجعة لـ«ظاهرة الأهلي» نفسها (والفارق كبير بين الظاهرة والفريق)، ولكل ما تنطوي عليه من: تسلط وازدواجية وادعاء وسوء استخدام نموذجي لمبدأ «الغاية تبرر الوسيلة».
وبهذا المعني يمكن تفسير اندلاع «مظاهرات الشماتة» في عدد من محافظات مصر، فخروج مواطن في مظاهرة ليعبر عن شماتته في الأهلي، لا يعني بالضرورة أن هزيمة الأهلي هي السبب الوحيد أو الأساسي، بل يعني أنها الأكثر أماناً ومصداقية من كل أسباب الانفجار الأخري.. سياسية واجتماعية واقتصادية.
ثانياً: ليست هذه أول ولا آخر مرة يخرج فيها هذا القرصان الأهوج علي حدود الأدب، فسجله الأخلاقي في مصر حافل بالبرطمة وخلع الجاكت وإهانة الخصوم (والحكام أحياناً)، إضافة إلي أدائه الحركي «الخارج»، سواء بالإصبع أو الذراع، ولعله بذلك يعوض افتقاده سجلاً تدريبياً مشرفاً قبل الأهلي.
والحق أن هذا الرجل - رغم اعترافنا بـ«حضوره الكاريزمي» - مدين لـ«ظاهرة الأهلي»، بتحوله من مدرب نكرة إلي اسم له معني وقيمة في دولة متخلفة كروياً مثل مصر، ثم إلي جزء من الظاهرة نفسها.. الجزء الأكثر تعبيراً عن عيوبها. وما استماتة المستر جوزيه في تدريب الأهلي سوي تأكيد علي أن الأهلي هو سقف طموحه المهني، بينما «ظاهرة الأهلي» سقفه الأخلاقي.
ثالثاً وأخيراً: لو سألتني كيف أصبح الأهلي ظاهرة مستفزة، ولماذا أصبحت عيوب هذه الظاهرة أكثر من مميزاتها؟.. سأضيف إلي عدوانية المستر جوزيه، وسخاء المهندس ياسين منصور،
وألاعيب المهندس عدلي القيعي، وسيطرة كباتن الأهلي علي مقدرات مؤسسة الأهرام، وعلي برامج الفضائيات، فضلاً عن اختراق مراكز صناعة القرار الرياضي، خاصة اتحاد الكرة ولجنة الحكام، والجهود التي يبذلها رجال أعمال مثل: ممدوح عباس ويحيي الكومي لتدمير أنديتهم..
سأضيف إلي كل ذلك جمهوراً أعماه التعصب والانتصارات الخادعة إلي حد أصبح الأهلي، بكل تاريخه المشرف، مجرد علامة تجارية علي كيس شيبسي لا يسمن ولا يغني من جوع، في حين أنها لو وضعت علي علم فلسطين.. لتحررت!.