دور نظام النقد
الدولي في نهب العالم وصنع التخلف 2-2
عبد الرحمن تيشوري
شهادة عليا بالادارة
شهادة عليا بالاقتصاد

ما بعد انهيار بريتون وودز:

في هذه المرحلة كان العالم الرأسمالي قد انتقل من مرحلة ثبات الأسعار إلى مرحلة التعويم، ونبذت غالبية الدول الرأسمالية الصناعية فكرة وضع أسعار تعادل ثابتة، وسادت فكرة مؤداها أن أسعار الصرف المرنة يمكن أن تدير نظام النقد الدولي بقدر قليل من الذهب والاحتياطيات الدولية، وشهد العالم خلال هذه الفترة 1973-1976 ما يشبه الحرب النقدية الضارية، فكل مركز من المراكز الرأسمالية الأساسية الثلاثة ( الولايات المتحدة الأمريكية، غرب أوروبا، اليابان ) كان يصارع من أجل الحفاظ على مصالحه الخاصة ومجال نفوذه.
وفي عام 1976 عقد مجلس محافظي صندوق النقد مؤتمراً في جاميكا وتم فيه تعديل اتفاقية بريتون وودز وفيه تقررت الأمور التالية:
أ*- حرية الدول الأعضاء في اختيار ما تشاء من نظم الصرف، بما في ذلك التعويم.
ب*- إلغاء السعر الرسمي للذهب، ونزع الصفة النقدية عنه، ومعاملته كأي سلعة يتحدد سعرها بناء على العرض والطلب.
ت*- التخلص من جانب من مقادير الذهب التي توجد بحوزة الصندوق.
ث*- تقرر أن تكون وحدات حقوق السحب الخاصة (من صندوق النقد) هي الأصول الاحتياطية الأساسية في نظام النقد الدولي .

ومنذ ذلك الحين تباينت نظم الصرف في الدول الأعضاء في الصندوق. فهناك دول اعتمدت نظام التعويم، ودول ربطت عملاتها ببعض العملات القوية (الدولار – الإسترليني – الفرنك الفرنسي)، وهناك من استمر على نظام الرقابة على الصرف، وهناك من ربط عملته بسلة من العملات.
وكان من الواضح أن خلق حالة من الاستقرار في نظام النقد الدولي بعد إجراءات جاميكا يتوقف على أربعة أمور أساسية وهي:
1. أن يستعيد الاقتصاد الأمريكي توازنه الخارجي والداخلي.
2. أن تتم السيطرة على التضخم في الدول الرأسمالية الصناعية.
3. أن يتم كبح حركات رؤوس الأموال الساخنة وتحجيم أعمال المضاربة.
4. حل مشكلة عملة الاحتياط الدولية.
بيد أن أياً من هذه الأمور الأربعة لم يتحقق.






جدول رقم (10)
تطور عجز الحساب الجاري لميزان
المدفوعات الأمريكي خلال الفترة
1978-1987
السنة العجز ( ببلايين الدولارات )
1978
1979
1980
1981
1982
1983
1984
1985
1986
1987 -15.4
-1
+1.9
+6.3
-8.1
-46
-107.4
-113.7
-110.5
-180.8

Source: IMF. World Economic Outlook, April
1986, Washington D.C.,p 213.


شكل رقم (2)
تطور التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا الاتحادية خلال الفترة
1977-1980

Source: Klaus Kolloch. Gold Dollar, Verlag Die Wirtschaft. Berlin 1981, p 98.

ونتيجة عدم تحقق هذه الأمور استفادت الولايات المتحدة الأمريكية من تفاقم تلك الأوضاع. " أصبح الاقتصاد العالمي كله سوقاً للدولار الأمريكي بحيث تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية أن تشتري الأصول العينية والسلع والخدمات مقابل ( الأوراق خضراء الظهر) ولا يحد من سلطانها في هذا الشأن إلا حالة الطلب على الدولار على المستوى العالمي وليس كمية السلع والخدمات المطروحة في السوق الأمريكية وحدها، وهي تستخدم هذا الامتياز الباهظ وفقاً لمتطلبات الاقتصاد الأمريكي وما تأخذ به حكومة واشنطن من سياسات اقتصادية داخلية" .
ومن هنا يمكن القول، إن الأزمة الراهنة لنظام النقد الدولي هي انعكاس مباشر لأزمة الاقتصاد الأمريكي وأزمة هيمنة الدولار على النطاق العالمي.
ورغم ما سببته تلك الأزمة من مشكلات حادة في التجارة الدولية وفي العلاقات الخارجية بين مجموعات الدول الرأسمالية القوية ناهيك عن دول العالم الثالث، إلا أن الدول الرأسمالية الصناعية قد ارتضت بهذا الوضع ولم تحاول تغييره بشكل جذري لإقامة نظام نقدي عالمي جديد لا تكون فيه للدولار تلك السيطرة المميزة. والسبب في ذلك هو أن تلك الدول تدرك جيداً رغم مابينها وبين الولايات المتحدة من تناقضات أن أمريكا بالنسبة لهم هي الملاذ الأخير اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً. "إن رأسماليي الدول الأخرى لا يعارضون في أعماقهم النفقات والنشاطات العسكرية الأمريكية التي تسهم في التضخم والعجز في ميزان المدفوعات، فطالما أن هدف آلة الحرب الأمريكية هو الحفاظ على (الاستقرار) في كل أنظمة العالم الثالث التي ترحب بالاستثمارات الرأسمالية، فإن هؤلاء الرأسماليين يستفيدون من نشاطها. ولا عجب إذن أن توجد أسباب تسامح الدول الرأسمالية الأخرى مع الدولار الأمريكي" .
كما أن الدول الرأسمالية الصناعية استمرت في الحفاظ على الدولار لكي يبقى يلعب دور العملة الدولية وتمنع سقوطه، لأنها تخشى ضياع احتياطياتها النقدية الضخمة المكونة من الدولار كما أنها تخاف من مفاوضات دولية جديدة تفضي إلى إنشاء عملة دولية حقيقية، لأن مثل هذه المفاوضات لا بد أن تنال من مركز الدول الصناعية الكبرى في إدارة النظام النقدي العالمي .




انعكاسات الأزمة النقدية العالمية على البلدان المتخلفة:

إن أهم الأثار التي نجمت عن الأزمة النقدية الراهنة على مجموعة البلدان المتخلفة كانت ما يلي:
1. زيادة العجز في موازين المدفوعات:


جدول رقم (11)
تطور عجز الحساب الجاري ومدفوعات خدمة الديون للدول المتخلفة
خلال الفترة 1970-1985 (ببلايين الدولارات)
بيان 1970 1980 1981 1982 1983 1984 1985
للدول المنخفضة الدخل المستوردة للنفط
-في آسيا
-في إفريقيا
للدول المتوسطة الدخل المستوردة للنفط
للدول المصدرة للنفط
لجميع الدول المتخلفة -

-
-
-

-
-12.6 -15.2

-8.8
-604
-55.1

7.1
-68.6 -13.8

-7.1
-6.7
-67.9

-26.1
-107.8 -7.1

-1.4
-5.8
-60.5

-34.4
-102 -9.1

-4.6
-4.7
-34.4

-9
-52.8 -7.7

-3.4
-4.3
-27.3

-5.3
-40.1 -10.1

-5.6
-5.5
-24.2

-5.9
-40.8
World Bank, World Development Report 1985 Oxford University Press, July 1985, P18.


نلاحظ من الجدول السابق أن العجز قد ارتفع من 12.6 بليون دولار عام 70 إلى 68.6 بليون دولار عام 80 ثم يقفز في سنة واحدة إلى 107.8 بليون دولار عام 81، ثم يبدأ بعد ذلك في الانخفاض بسبب صعوبات الاقتراض الخارجي (أزمة الديون لدول أمريكا اللاتينية) إلى 102 بليون دولار عام 82 وإلى 52.8 بليون دولار عام 83 ثم إلى 40.8 بليون دولار عام 85.

2. استنزاف الاحتياطيات النقدية:

جدول رقم (12)
توزيع الاحتياطيات الدولية خلال الفترة 77-1980
بليون وحدة حقوق خاصة
1977 1979 1980
جميع الدول (عدا الذهب)
الدول الصناعية
الدول المصدرة للنفط
الدول النامية غير المصدرة للنفط 229.8
118.9
61
49.9 274
153.2
55
65.8 335.4
183.9
72.2
69.2
IMF.Annual Report 1983, Washington, D.C.1984



جدول رقم (13)
تطور السعر العالمي لأوقية الذهب الخالص بالدولار الأمريكي
خلال الفترة 1946-1985
السنة السعر النقدي لأوقية الذهب سعر السوق الحرة لأوقية
1946
1950
1965
1968 كانون1
1971
1973
1975
1976
1977
1978 تشرين1
1979
1979 تموز
1979 أيلول
1979 تشرين1
1979 كانون1
1980 نيسان
1980أيار
1980 حزيران
1981 آذار
1982
1983 (الربع الثاني)
1983(الربع الثالث)
1983 (الربع الرابع)
1984 (الربع الأول)
1984 حزيران
1984 آب
1984 أيلول
1984 تشرين1
1985 شباط 35
35
35
35
38
42.22
42.22
-
-
-
-
-
-
-
-
-
-
-
-
-
-
-
-
-
-
-
-
-
- 35
35
42
40.46
97.07
161.13
129.22
160.35
245
252
304
402
436
514
850
510
600
499
313
456.9
416
405
381.5
388.5
373.05
348.25
343.75
333.5
295.75
المصر: د. رمزي زكي، سلسلة عالم المعرفة العدد 118 لعام 1987
ص 286-287


أثرت الأزمات النقدية وحالة الفوضى في نظام النقد الدولي بعد مغيب شمس بريتون وودز على موقف الاحتياطيات الدولية لمجموعة البلدان المتخلفة، وذلك من خلال التقلب الذي حدث في أسعار صرف العملات القوية على الصعيد العالمي خلال الفترة من 1976 حتى 1980، وأيضاً من خلال التقلبات الشديدة التي حدثت في الأسعار العالمية للذهب في الأسواق الحرة. وبالتالي حدوث تقلبات مناظرة في قيم الاحتياطيات المكونة به. وكذلك استخدام جزء كبير من هذه الاحتياطيات للوفاء بجانب من التزاماتها الخاصة. كل ذلك عرض هذه الاحتياطيات لهزات خطيرة.

3. استيراد التضخم:
يقصد بالتضخم المستورد: مدى تأثير العوامل الخارجية على المستوى العام للأسعار داخل اقتصاد ما.
وتم هذا الاستيراد من خلال ارتفاع أسعار واردات هذه البلدان بسبب عدم استقرار أسعار الصرف للعملات القوية التي تستخدمها في تعاملها الخارجي، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الفائدة على القروض الخارجية التي حصلت عليها من أسواق النقد العالمية.

4. تدهور أسعار الصرف للعملات المحلية:
إن هذه الدول نتيجة لربط أسعار صرف عملاتها المحلية بعملة منفردة أساسية كالدولار أو الإسترليني أو الفرنك الفرنسي بسلة من العملات فإن أياً من هذه النظم لم يضمن الاستقرار لأسعار الصرف وذلك لأن العملة التي حدث فيها الربط عرضة دائماً للتقلب بسبب اضطراب أحوال النقد العالمية وشيوع الحرب التجارية والنقدية في ساحة الاقتصاد الرأسمالي العالمي. بالإضافة إلى تهريب الأموال للخارج ( زيادة طلب المقيمين على النقد الأجنبي بغرض تهريب ثرواتهم ومدخراتهم للخارج وبالتالي مزيد من تدهور أسعار الصرف لعملات بلادهم) والتي أصبحت أحد أهم معالم العلاقات الاقتصادية الخارجية للبلدان المتخلفة المدينة. على أن أهم مصادر الضغط على سعر صرف العملات المحلية للبلدان المتخلفة، وبالذات ذات المديونية الخارجية الثقيلة، قد تمثل في الضغط الذي زاوله صندوق النقد الدولي على هذه البلدان بضرورة تخفيض سعر الصرف لعملاتها كشرط أساسي للتوسط في إعادة جدولة بعض ديونها الخارجية لدى دائنيها، ومنحها حفنة من الدولارات لاستخدامها في سد بعض العجز في موازين مدفوعاتها.






جدول رقم (14)
(تهريب الأموال من البلدان المتخلفة)
ودائع الهيئات غير المصرفية في البنوك الأجنبية
خلال الفترة 1982-1984 (ببلايين الدولارات)
إقامة المودع 1982 1983 1984
الأرجنتين
البرازيل
الكاميرون
شيلي
اليونان
ساحل العاج
كينيا
المكسيك
باكستان
بيرو
الفلبين
تركيا
اوراجواي
فنزويلا
يوغسلافيا 7.1
4.08
0.31
1.49
5.12
0.38
0.93
10.4
0.73
1.02
0.52
2.17
1.11
10.01
0.34 7.89
7.07
0.23
2.11
5
0.3
0.87
12.66
0.86
1.19
0.78
2.1
1.51
10.85
0.27 7.62
8.17
0.41
1.95
4.74
0.31
0.83
14.31
0.87
1.42
1.10
1.83
1.74
11.69
0.28
المجموع 48.43 57.54 59.89
• تعرف الهيئات غير المصرفية بأنها المقيمون بالإضافة إلى منشآت الدولة، وتستبعد
ودائع البنوك المصرفية المحلية.
المصدر: س. ل. . راميريز- روخاس: استبدال النقود في البلدان النامية، مجلة
التمويل والتنمية، عدد حزيران 1986، ص 36.
5. انخفاض حجم المعونات الإنمائية:
لقد أثرت الأزمة النقدية العالمية على حجم المعونات الإنمائية الرسمية الممثلة في القروض الحكومية ومتعددة الأطراف ذات التكلفة الميسرة نسبياً، فنتيجة للاضطرابات النقدية التي عانى منها الاقتصاد العالمي وما اقترنت به من تضخم عالمي وركود اقتصادي وبطالة متزايدة وحروب تجارية، عمدت الدول المانحة لتلك المعونات إلى تقليص الموارد التي تخصصها للبلدان المتخلفة، الأمر الذي كان له بالغ الأثر على تمويل التنمية وتمويل العجز في موازين مدفوعاتها. وبالتالي اضطرارها إلى زيادة اعتمادها عل وسائل التمويل الخارجية (البنوك التجارية وتسهيلات الموردين) ذات التكلفة العالية.

6. الوقوع في فخ المديونية الخارجية:

شكل رقم (3)
تزايد ديون البلدان المتخلفة ببلايين الدولارات
المصدر: مجلة أضواء على العالم النقابي، العدد 36/37 أيلول 1986


ولقد ترتب عل هذا النمو الانفجاري في الديون الخارجية الأئار التالية:

1. حدوث نمو فلكي في أعباء خدمة هذه الديون، حيث ارتفعت مدفوعات الأقساط والفوائد للدائنين من 6 بليون دولار (منها 2 بليون مدفوعات للفوائد) عام 1970 إلى 135 بليون دولار (منها 74 بليون دولار للفوائد) عام 1985.
2. ترتب على ذلك أن تلك المدفوعات أصبحت تلتهم نسباً هامة من إجمالي حصيلة الصادرات للبلدان المدينة.
3. نمو أعباء الديون بمعدلات أسرع من نمو الديون نفسها، بمعنى أن تلك الأعباء أصبحت تلتهم الجزء الأكبر من القروض السنوية الجديدة. وفي بعض البلدان أصبح هذا الانتقال سالباً، أي أن مجموع الفوائد والأقساط المدفوعة أصبح يزيد عما تقترضه هذه البلدان سنوياً. ( ففي عام 1984 تلقت مجموعة البلدان المتخلفة قروضاً صافية وهبات رسمية تقدر بحوالي 47.5 بليون دولار، قي حين أنها دفعت فوائد فقط على ديونها الخارجية في نفس العام حوالي 50.5 بليون دولار) .
4. نمو أعباء الديون بمعدلات أسرع من نمو حصيلة الصادرات، مما أدى إلى خلق أزمات طاحنة في النقد الأجنبي في البلدان المدينة، وتدهور سريع في أسعار الصرف للعملات المحلية فيها.
5. بدأ عدد لا بأس به من هذه البلدان يتعثر في سداد ديونه الخارجية في مواعيدها المستحقة. الأمر الذي أدى إلى إضعاف الثقة الائتمانية فيها لدى أسواق الاقتراض الدولية. ونتج عن ذلك حذر الدائنين وتشددهم في شروط الإقراض وزيادة أسعار الفائدة والمطالبة بضمانات متنوعة.












الخاتمة

من كل ما تقدم أرى رأياً شخصياً أن السبل أمام البلدان النامية للخروج من هذه الدوامة هو العمل على تحقيق تنمية حقيقية من أجل إصلاح الهياكل الاقتصادية لهذه البلدان، وتخفيض اعتمادها على الدول الرأسمالية ( المسئولة بشكل مباشر عن تخلفها والتي ستبقى تنظر إلى هذه البلدان على أنها مصدر للمواد الأولية وسوقاً لتصريف منتجاتها).
والعمل على إقامة تكاملات اقتصادية حقيقية بين مجموعة البلدان النامية لتصبح قادرة على خلق شيء من التوزان مع الدول الرأسمالية. ووقف أي نوع من أنواع تهريب رؤوس الأموال أو هروبها إلى الخارج، وإعادة صياغة قوانين هذه البلدان بشكل يشجع عودة هذه الأموال الهاربة وحمايتها للاستثمار داخل بلدانها. مع وضع نظم اسناد وظيفي ونظم تقييم واجور مجزية

عبد الرحمن تيشوري