هناك العديد من الأمور التي تمثل محددات وصعوبات قد تقف أمام الحكومة في سبيل تطبيق برنامجها الرامي لترشيد الإنفاق الحكومي، ويمكننا استعراض بعض أهم هذه المحدودات فيما يلي:

1. قد تؤدي سياسة الترشيد للإنفاق الحكومي إلى تخصيص كثير من الخدمات التي كانت تقدم بصورة مجانية أو بأسعار رمزية للمواطنين، وينشأ عن عدم توفير هذه الخدمات كما كانت سابقاً تذمر اجتماعي، والذي يعتبر أحد أهم المعوقات والمحددات التي تحد من تطبيق برنامج ترشيد الإنفاق الحكومي.
2. هناك بعض النفقات الحكومية المرتبطة بالأمن القومي للبلاد وسيادتها، وكذلك وضعها في المجتمع الدولي، ومن هذه النفقات نفقات البعثات الدبلوماسية ووزارة الخارجية وكذلك وزارة الدفاع. وإذا أخذنا الإنفاق العسكري لوزارة الدفاع كأحد أهم أوجه الإنفاق الحكومي، والتي يصعب أن يتم تطبيق برنامج الترشيد عليها بنفس القدر المطبق على مجالات الإنفاق الحكومي الأخرى، حيث أن هناك آراء عديدة تؤكد أنه عندما يكون معظم أن لم يكن كل الإنفاق العسكري يوجه إلى الخارج لاستيراد المعدات والآلات العسكرية، فإن هذا يعتبر تسريباً لجزء كبير من الدخل القومي إلي الخارج (وهذا صحيح في معظم الدول النامية)، كما يرون أن الإنفاق العسكري يساعد على شيوع سوء توزيع الدخول بين قطاعات السكان، وذلك لأن القطاع العسكري يتميز بارتفاع دخول أفراده وتوفير الخدمات المختلفة بعكس بقية أفراد المجتمع الآخرين... كما تشير العديد من الدراسات الحديثة التي أجريت على (69) دولة نامية خلال عقدي الخمسينات والستينات، وأخرى على (83) دولة أجريت في عام (1969م) إلي أن زيادة النمو في الإنفاق العسكري تؤدي إلي انخفاض النمو الاقتصادي، أي أن هناك علاقة عكسية بين المتغيرين (الإنفاق العسكري والنمو الاقتصادي)، ولكن المعضلة الأساسية هنا تكمن في أن الإنفاق العسكري يمثل ضرورة للأمن القومي وحفظ مقدرات الشعب والمحافظة على نموه الاقتصادي، وكذلك جذب وتوطين الاستثمارات سواء المحلية أو الأجنبية، بالإضافة إلى ما يمكن أن تتعرض له الدولة من أخطار وتهديدات خارجية إذا هي شرعت في تخفيض نفقاتها العسكرية، خصوصاً إذا كانت هذه الدولة تقع في منطقة متوترة وبها العديد من الصراعات. وإذا نظرنا مثلاً إلى وضع المملكة العربية السعودية نجد أن السعي في تخفيض النفقات العسكرية في الظروف الحالية هو أمراً يجانبه الصواب، حيث تمر منطقة الخليج العربي بالعديد من الصراعات والحروب التي تجعل تأمين الوطن والمحافظة على مقدساته وتراوثه أمراً بالغ الأهمية، لذا يجب توفير كل ما من شأنه تحقيق هذا الهدف. ولكن هناك نصيحة يوجهها الاقتصاديون لمثل هذه الأوضاع وهى وجوب أن توزان الدولة بين احتياجاتها الدفاعية لتوفير الأمن الوطني ضد المخاطر الخارجية وبين استخدام الموارد في المجالات الإنتاجية التي ترفع معدلات التنمية على المدى الطويل، ومن التدابير الاقتصادية السليمة التي يوصي بها دائما هو أن لا يطغي جانب الإنفاق العسكري على الجوانب الأخرى. (الحبيب ، ]ب.ت[ : 14).
3. إن فهم الترشيد في النفقات الحكومية وما يعود من ورائه بالنسبة للفرد والمجتمع من فوائد عديدة، من جانب الموظفين الحكوميين على اختلاف مستوياتهم الوظيفية يعد من أهم عوامل نجاح برنامج الترشيد للنفقات الحكومية، كما أنه وعلى العكس فإن عدم الفهم من جانب هؤلاء الموظفين لأهمية وفوائد برنامج ترشيد النفقات، يحد بقدر كبير من فاعلية برنامج ترشيد النفقات الحكومية، حيث يؤدي سوء الفهم إلى عدم التزام هؤلاء الموظفين ببرنامج الترشيد. كما أنه له تأثير من الناحية النفسية على هؤلاء الموظفين خصوصاً إذا كانوا في بلد يتمتع بالثراء وتعودا فيه على الإنفاق بسخاء على العمل الحكومي. ومن المهم القول أنه في هذه الحالة فإن دور وسائل الإعلام الحكومية يتعاظم، وذلك من خلال قدرتها على التأثير في سلوك هؤلاء الموظفين وتعديله بما يخدم ترشيد الإنفاق الحكومي.