هناك الكثير من المعوقات التي تواجه إدارة التنمية منها ما يلي:
أولاً: معوقات اجتماعية:
إذا كانت إدارة التنمية بحسب مفهومنا هي دراسة لوظيفة الإدارة في المحيط الاجتماعي للدول النامية، فإنه من الضروري التعرف على طبيعة البيئة الاجتماعية لإدارة التنمية. وتصيب التأثيرات البيئية عادة، وتظهر في الثقافة العامة للمجتمع، وفي مكونات الشخصية أي في التكوين البشري للمجتمع. ويمكن دراسة ذلك الجانب من زاويا ديموغرافية وسيكولوجية ومهنية وفي مجال دراسة التأثيرات الاجتماعية على تكوين الشخصية، ومن ثم على إدارة التنمية أن تكون أمام نوع من علاقات السبب والنتيجة التحكمية والنسبية في نفس الوقت، بمعنى أن التأثيرات الاجتماعية حتمية وتحكمية، إلا أن تلك التأثيرات غير جامدة بل تخضع للتغيير والتطور نتيجة للتغيير والتطور الاجتماعي. ومن ثم يصبح من الممكن تطوير بل وإعادة تشكيل مكونات ثقافة العامة لصالح إدارة التنمية. بل إن هذا التغيير يصبح ضروريا وحيوياً إذا أردنا لإدارة التنمية أن تنجح في تحقيق أهدافها. وهذه النظرة للموضوع وحتى تكون علمية يجب أن تأخذ القضية في كل أبعادها. بمعنى أننا عندما نعالج أحدى الظواهر الاجتماعية كجزء من نظام أعلى، فإن هذا يستلزم دراسة تأثيرها وتأثرها في داخل ذلك النظام الأعلى. فالثقافة إذا كانت تؤثر على الشخصية الاجتماعية فهي تتأثر بها. ويمكن القول أن الثقافة العامة والظروف الحضارية للدول النامية تمثل في الغالب عقبات يجب تذليلها أمام إدارة التنمية على أساس أن التقدم بعكس مفاهيم ثقافية وحضارية مختلفة.
ونلاحظ أن قدرات التطور الثقافي ليست متكافئة مع التغيرات الأخرى في البيئة الاجتماعية، بمعنى أن التغيير في النظم الاقتصادية أو السياسية أو القانونية يمكن أن تتحقق بسرعة أكبر من سرعة التغير المفروض في الثقافة العامة بل إن هذا هو جوهر المشكلة الاجتماعية في إدارة التنمية. أو كما يقول أحد كبار المتخصصين الاجتماعيين "التخلف الثقافي يعني أن العناصر الثقافية المادية تتغير تغيراً أسرع من العناصر الثقافية غير المادية" ونلاحظ أن المجتمع الثقافي لا يتغير بسرعة بعكس المجتمع المادي حيث يتم التطور والتغيير المادي السريع بواسطة قرارات سياسية تصدر فتغير من النظم الاقتصادية والسياسية والقانونية في المجتمع المتخلف، ولكن يحدث هنا تناقض أساسي، وهو أن التغيير في الجوانب السياسية والاقتصادية والقانونية لا يصاحبه تغير في الجوانب الثقافية المتصلة به. لأن القيم الحضارية والثقافية لا يمكن أن تتغير بسرعة وبسهولة وبقرارات سياسية فقط. هنا تنشأ فجوة خطيرة بين صورة النظم الجديدة وحقيقة سلوك البشر العاملين في نطاقها. فمثلا قد يعمل الفرد في المصانع بثقافة فلاح في الحقل. وهذا التناقض بين التطور البطيء للمعتقدات أو القيم والأفكار والتطور البنياني النظامي المادي للمجتمع يسبب مشاكل كثيرة لتلك النظم الحديثة، وهذه هي ظاهرة التخلف الثقافي في المجتمع النامي. فكل تغيير في الجوانب المادية، يجب لنجاحه وتحقيق فاعليته أن تصاحبه مجموعة من المعتقدات الحديثة الملائمة له. ونلاحظ لذلك أن المشكلة الاجتماعية التي تواجهها عملية التنمية أخطر وأصعب مشكلات إدارة التنمية لأن هذه المشكلات لا يمكن مواجهتها بإصدار قرارات سريعة. فالمعتقدات والقيم والاتجاهات السائدة في إطار الثقافة العامة هي مجموعة من الأفكار تحدد السلوك المرغوب فيه وغير المرغوب فيه في مجتمع من المجتمعات والمعتقدات غير مادية وغير ملموسة. إلا أن تأثيرها على الإنسان وتصرفاته أقوى بكثير من تأثير الماديات.
والمعوقات الاجتماعية لإدارة التنمية لا تحل إلا بتطوير الثقافة والمعتقدات والتحكم فيها. ونلاحظ أن هناك علاقة طرديه بين الثقافة العامة والمعتقدات الاجتماعية. وهناك نوعان من الضبط الاجتماعي والتحكم فيه وهما:
1. الضبط الاجتماعي الرسمي: والنوع التقليدي له هو القانون ووسائل تنفيذه. فإذا قام القانون بحماية بعض المعتقدات الخاصة فإن ذلك يمثل السيطرة الرسمية، إذ يلعب القانون دوراً حاسماً في تقوية بعض العادات أو في اختفاء غيرها. ومن أمثال ذلك تعدد الزوجات، تشجيع الفتاة على التعليم، هدم الأفكار الرجعية الاجتماعية وهكذا، وقد يكون القانون أداة فعالة في خلق المعتقدات الاجتماعية الإيجابية اللازمة لإنجاح إدارة التنمية. وفي هذه الحالة يتصف القانون بصفة التقدمية من هذه الزاوية.
2. الضبط الاجتماعي غير الرسمي: وهو السيطرة الأخلاقية أي مجرد استنكار الناس في مجتمع ما، عرفياً واتفاقا ضمنيا على استبعاد أشياء وترحيبهم بأشياء، وهذه السيطرة لها تأثير بعيد المدى في التنمية وهي أقوى في المجتمع المتخلف عنها في المجتمع المتقدم، حيث يستطيع الفرد تحدي تلك السيطرة بقوة أكبر. فالعرف الأخلاقي له سيطرة أقوى في الريف عنه في المدن بصفة عامة. أما في المجتمع المتقدم فالنظرة تختلف إذ يعتبر القانون وحده هو الذي ينظم الأخلاق وما عدا ذلك يترك للتقدير الشخصي للفرد.
وهكذا نجد أن تغيير العادات السلبية للتنمية أصعب في البلاد المتخلفة عما هو في البلاد المتقدمة. وهنا يرى الباحثون أن استخدام القانون في هذه الحالة لازم، مثل النص على فرض غرامات مالية بالنسبة لتصرفات معينة تكون سلبية إزاء تحقيق أهداف التنمية. فالقانون يستطيع أن يضع نظاماً أخلاقياً لإدارة التنمية، ولكن لابد أن يكون الجهد الأكبر على الأجهزة السياسية والقيادية التي عليها تقديم القدوة الحسنة للمواطنين عملياً لا نظرياً فقط وذلك على كافة المستويات القيادية.
ثانياً: معوقات سياسية:
نلاحظ أنه حتى يمكن البدء في عملية التنمية لابد من اتخاذ قرارات سياسية سريعة. والجانب السياسي لإدارة التنمية يحمل تناقضا أساسياً هو أن قرارات البدء في إدارة التنمية لا يمكن أن تتم إلا بمبادرة فورية لا تحتمل قيامها على مبدأ التشاور أو المشاركة السياسية، في حين أن القرارات التنفيذية العملية لإدارة التنمية لا يتأتى لها النجاح والفاعلية إلا بتأسيسها على أكبر قدر من المشاركة السياسية، وهنا نجد التعارض والفجوة بين ضرورة الاعتماد على العمل الثوري السريع من أجل بناء سياسات التنمية، وضرورة الاعتماد في الإدارة على المشاركة في صنع قراراتها. فالأسلوب العلمي في الإدارة هو المشاركة في صنع القرارات الإدارية، ومن الناحية السياسية أيضا فكرة التشاور أساسية لقرارات السياسة عامة. إلا أنه في حالات التحول الثوري لصالح التنمية قد يكون التشاور مستحيلاً. مثلاً قرار تأميم قناة السويس هو قرار سياسي مبني على أساس الاعتبارات التمويلية الخاصة بالتنمية الاقتصادية، متمثلة في إنشاء السد العالي، أي أنه قرار سياسي هام من وجهة نظر عملية التنمية الاقتصادية، وهنا نجد أن مبدأ التشاور أو المشاركة في صنع مثل هذا القرار إنما تعترضه عقبات ضخمة تجعله غير ممكن من الأساس، لأنه لو كانت القيادات السياسية قد حاولت وقتئذ أن تستخدم مبدأ التشاور قبل اتخاذ مثل هذا القرار لكانت التيارات المعادية مصلحياً قد ظهرت لتمنع صدور ذلك القرار أو على الأقل تضع عقبات خطيرة في طريق صدوره. وهذا النمط من القرارات السريعة الحاسمة السياسية في جوهرها والقائمة على التشاور المحدود جداً في نطاق بعض خبرات فنية معينة إنما وجدت في بدء عملية التنمية في جميع تجارب هذا القرن، ولكن في نهاية الأمر لابد وأن تلتزم إدارة التنمية بمبدأ التشاور أو توسع قاعدة المشاركة في عملية صنع القرارات، ويبدو لنا أن إستراتيجية إدارة التنمية من وجهة نظر صنع قرارات تلك العملية تقوم على وجود مرحلتين متداخلتين هما:
1. اتخاذ القيادة السياسية مجموعة قرارات سريعة على أساس مبدأ التشاور في أضيق نطاق وهي مرحلة حتمية في بدء انطلاق التنمية.
2. توسيع قاعدة المشاركة أثناء عملية تنفيذ إدارة التنمية.
فالتنمية تحتاج لقرارات سياسية سريعة لا يمكن أن تؤسس على التشاور إلا في أضيق نطاق ولكن إدارة التنمية تحتاج إلى عكس ذلك. ونلاحظ هنا أن عدم تفهم القيادة السياسية للمرحلتين المذكورتين قد يؤدي إلى الإطالة الزمنية للمرحلة الأولى، وهنا تحدث مخاطرة تضخم وتقوية البيروقراطية وثقل وزنها وإضعاف الرقابة السياسية ومن ثم إضعاف إدارة التنمية ذاتها، ويصبح وكأن الهدف الوحيد للنظام السياسي الجديد هو تقويم البيروقراطية. فالبيروقراطية تستطيع أن تشل إدارة التنمية وتقضي على التنمية ذاتها بل وتهدم النظام السياسي الحديث ككل. والبيروقراطية تكون بالضرورة على حساب الكفاءة الإدارية، لعدم إتباع مبدأ التشاور، وهي قضية إدارية مثلما هي قضية سياسية.
ثالثاً: معوقات اقتصادية:
من أهم السمات التي تتميز بها إدارة التنمية أنها ذات طابع اقتصادي، أكثر ما يكون ظهوراً بالمقارنة مع الإدارة العامة التقليدية. ويعود ذلك إلى تعدد وتنوع نشاط إدارة التنمية مما يخلق نتيجتين أساسيتين هما:
1. قيام الإدارة بإدارة أنشطة إنتاجية تستلزم أخذ النظرة الاقتصادية في الاعتبار.
2. زيادة عدد العاملين في الجهاز الإداري مما يستلزم إيجاد مصدر كبير لدفع أجورهم.
وتهمنا النتيجة الثانية، فالأولى تكاد تكون قضية مفروغاً منها تميز إدارة التنمية بطابع الإدارة الاقتصادية، أما النتيجة الثانية فقد تمر دون أن يرى خطورتها البعض. أن نقص الموارد الاقتصادية للدولة قد يؤدي إلى خلق نظام أجور تتسم بانخفاض مستوياتها. ولن يعجز رجل الإدارة في هذه الحالة عن زيادة دخولهم من العمل بكل الوسائل غير المشروعة والتي يمكن أن تصبح بمرور الوقت ولكثرة ممارستها عرفاً إدارياً يجد الحماية اللازمة من رجل الإدارة أنفسهم. وهذا سوف يعني ضمن أشياء أخرى فقدان الإدارة لأهم مقومات قيامها. نقصد نزاهة أعضائها وموضوعيتهم في اتخاذ القرارات.
ومن المعوقات الاقتصادية التي ترتبط بتنوع الأهداف بإدارة التنمية ما يلي:
1. صعوبة قياس درجة الكفاءة في عمليات الإدارة العامة للجهاز الحكمي. فالمعايير متعددة في طبيعتها: معايير مادية ومعايير معنوية نفسية.
2. صعوبة التوصل إلى نظام موضوعي لتحديد مكافآت أو عقوبات العاملين في منظمات إدارة التنمية والمسئولين عنها.
ولكن هذه الصعوبات لا يجب أن تؤدي إلى تخلي إدارة التنمية عن الإحساس بأهمية وخطورة الجانب الاقتصادي لعمليتها. كما توجد جوانب أخرى للمشكلات الاقتصادية في إدارة التنمية، فالتخلف يتضح أكثر في قوى الإنتاج وارتباط ذلك التخلف في القوى الإنتاجية وعلاقاتها مع بنيان اجتماعي متخلف في قواعد مؤسساته وعادته وتقاليده.
ومن المعوقات أيضاً الانفجار السكاني، إذ يصل معدل الزيادة في السكان إلى 2% ويصل أحياناً إلى 3% في الدول النامية في حين يصل إلى 1% في الدول المتقدمة. إن الانفجار السكاني يمثل ضغطاً خطيراً على إدارة التنمية ويقلل من الإفادة من فوائد التنمية ويضعف قيمة جهود إدارة التنمية.
ومن المعوقات الاقتصادية في البلاد المتخلفة، والتي تؤدي عادة إلى انكماش دور الأفراد والمؤسسات الأهلية في عملية التنمية، ومن ثم إلى ظهور قيام الدولة بوظيفة أساسية في تلك العملية ويؤدي إلى انخفاض مستوى التراكم الرأسمالي (الاستثمار) أي التخلف الواضح في الموارد المالية لعملية التنمية. ورأس المال عنصر هام من عناصر التنمية للحصول على وسائل التنمية. وترتبط تلك المشكلة بمجموعة من التعقيدات الثقافية كضعف الميول الادخارية وضعف ملكة الابتكار.
رابعاً: معوقات إدارية:
إن عملية التنمية تتسم أساساً بالاتساع الهائل كما ونوعاً في دور الجهاز الإداري في البلاد النامية والحجم الكبير من المعوقات والمشكلات. وأهم هذه المعوقات الإدارية في الدول النامية يمكن تقسيمها إلى:
1. معوقات تاريخية: ترجع أساسً إلى التغيير السريع في وظائف الجهاز الإداري، فقد كانت هذه الوظائف تتركز في ميادين تقليدية في الإدارة العامة المألوفة مثل حفظ النظام والأمن وإدارة المرافق التقليدية في الدولة، ولكنها في فترة زمنية قصيرة تحولت إلى وظائف اقتصادية تربوية – ثقافية – اجتماعية – ويعني ذلك أن الخبرات التقليدية تعد غير صالحة للجهاز الإداري في البلاد النامية ولا تفيد كثيراً في تحقيق أهداف التنمية. وقد لاحظ أحد خبراء الإدارة العامة الأمريكية في تقرير له أن جهاز الخدمة المدنية في الهند واحد من أحسن عشرة أجهزة خدمة مدنية في العالم، ثم يضيف تناقضاً صارخاً وهو أن هذا الجهاز لا يلائم ظروف التنمية في الهند.
2. معوقات تنظيمية: وتعود هذه المعوقات إلى وجود نقص واضح في تنظيمات إدارة التنمية وعدم إتباع الأسلوب العلمي في مجالات كثيرة أهمها (توصيف الوظائف ووضع النظم واللوائح والإجراءات الإدارية الملائمة للعمل الجديد المطلوب من الجهاز الإداري وعدم التناسق بين السياسة والإدارة).
فالتنظيم الإداري لا يتمكن من ملاحقة القرارات السياسية في أحيان كثيرة مما يصعب معه خلق التنظيم الملائم لمواجهة تنفيذ تلك القرارات، وكثير من القرارات السياسية لا يتم التنسيق بينها وبين التنظيم الإداري أو القرارات. وهناك معوقات تنظيمية أخرى تعود إلى تعدد النظم الإدارية اللازمة لإدارة التنمية. فالإدارة الحكومية التقليدية والقطاع العام والإدارة المحلية كل منها يحتاج إلى نظم إدارية مختلفة، مما يخلق صعوبة خلق التنظيم الإداري المتناسق.
خامساً: معوقات بشرية:
وهي نقص الإداريين الفنيين الأخصائيين اللازمين لإدارة التنمية وخصوصاً في المجالات الدقيقة كوظائف الحفظ والتخزين والشراء والإشراف، حيث أنه لم يكن في معظم الدول النامية مؤسسات تعليمية تؤهل هؤلاء بالقدر الكافي للقيام بوظائف في إدارة التنمية هي مشكلات ذات طبيعة متعددة الجوانب، وأنه لا يمكن لعلاجها إلا بأخذ النظرة الفاحصة والشاملة، وهذه هي الإستراتيجية الصحيحة لكل من إدارة التنمية والإصلاح الإداري.