مفهوم التعلم التنظيمي والمنظمة المتعلمة

بتصرف :محمد مصطفى قوصيني
معهد الادارة و القيادة في بريطانيا
(يمنع عرض أرقام الهواتف بدون أذن الإدارة)831

يعتبر سيمون Simon من أوائل المفكرين الذين تطرقوا لمصطلح التعلم التنظيمي (1969) وعرفه على أنه الوعي المتنامي بالمشكلات التنظيمية والنجاح في تحديد هذه المشكلات وعلاجها من قبل الأفراد العاملين في المنظمات بما ينعكس على عناصر ومخرجات المنظمة ذاتها. وهذا التعريف يتضمن بصفة عامة عنصرين هامين أساسيين هما : الوعي بالمشكلات المرتبط بمستوى المعرفة الموجودة في المنظمة ، والمخرجات الناجمة عن هذا الوعي والمبنية على الإجراءات التي تتخذها المنظمة في التعامل مع هذه المشكلات وكان ارجريس,1977 وهو من أوائل المهتمين بهذا الحقل قد عرف التعلم التنظيمي بأنه "تلك العملية التي يتم من خلالها كشف الأخطاء وتصحيحها" . وهناك بعض المفكرين المعاصرين الذي يرونه تعريف قديم تجاوزه الزمن .
بينما عرفه C.Marlenefiol بأنه عملية تحسين الأعمال من خلال معرفة مفهومة ومتميزة. وفي تعريف آخر لـ(1989,Ray Stata ) أتوضح أن التعلم التنظيمي يحدث من خلال رؤى مشتركة للمعرفة ونماذج موحدة للتفكير والمبنية على الخبرات والمعارف الماضية الموجودة بالذاكرة. كما بين) Asby,1985 ) إن قدرة أي نظام على البقاء والحفاظ على تكامـله وتوازنه يتطلب أن يكون مستوى المعرفة الناتجة عنه مساويا على الأقل لمستوى التغير الموجود في البيئة. ولأن المنشأة هي نظام مفتوح تتأثر بمـا يحدث حـولها , فلا بد أن يتلاءم معدل التغيير والتعلـم في المنشـأة مع معـدل التغـير في البيئة.
كما تناول العديد من الباحثين والمفكرين التعلم التنظيمي من زاويا مختلفة كانت مبنية على رؤى متعددة أملتها عليهم طبيعة تخصصاتهم ونظرتهم للموضوع وقد أشارت دراسات كل من (Masguardet,1996) . (Senge,1994). (Maanif Bentow,1999)) إلى ضرورة تشخيص واقع المنظمة وقابلية البيئة والأفراد للتعلم والتحول إلى بيئة متعلمة وذلك بقياس درجة تكوين واستحداث وتطبيق استراتيجيات التعلم الفردي والجماعي والمؤسسي.
وفي كتابة البعد الخامس عرف بيتر سنج Peter Senge التعلم التنظيمي Organization Learning :
Organization Where People Continually Expand Their Capacity To Create The Results They Truly Desire Where new and Extensive Patterns of Thinking are Natured, Where Collective Aspiration is Set free, and where People are Continually Learning how to see Learn Together (Peter Senge (1994).

وقد أثارت دراسات بيتر سنج Peter Senge (1994) في مجال التعلم التنظيمي Organization Learning إلى العديد من المفاهيم التي تنادي بتكوين واستخدام وتطبيق استراتيجيات التعلم الفرد والجماعي والمؤسسي.
ويعتبر ماركواردت )1996( أن المنظمة دائمة التعلم هي تلك المنظمة التي تعمل بشكل قوي وجماعي حيث تعمل على الدوام على تحوير نفسها بحيث تكون قادرة على جمع وإدارة واستخدام المعلومات من أجل ضمان تحقيق الأهداف المناطة بها. كما عرفها ( David A. Garvin ,2003) بأنها مهارة تنظيمية تتم من خلال تكوين واكتساب ونقل المعرفة وتحوير تصرفاتها لتحقيق معرف ورؤى جديدة.
فالبيئات التي تعيش فيها المنظمات خصوصاً في بدايات هذا القرن تشهد تغييرات مستمرة مما يستوجب على المنظمات التغير استجابة لذلك، حيث ظاهرة التغيير تمتد إلى جميع الأنشطة والمجالات من تغييرات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وتغييرات في اتجاه وميول المستهلكين وأذواقهم، وهذا يضع تحديات ومتطلبات كبيرة أمام المديرين والمسئولين في هذا المنظمات فكيف يستطيعون مواجهة التغييرات مع المحافظة على استمرارية بقاء المنظمة وضمان نجاحها وفاعليتها ونموها.
وهنا تبرز أهمية مفهوم التعلم التنظيمي الذي يمكن أن يلعبه في تهيئة الأفراد والمنظمة للتغيير والمحافظة على التوازن الديناميكي للمنظمة ويقترح Rosenzweeg Kast أن التوازن الديناميكي للمنظمة يتضمن أربعة عناصر وهي:
- الاستقرار الكافي بما يسهل ويساعد على تحقيق الأهداف الراهنة للمنظمة.
- الاستمرارية الكافية لضمان أحداث التغييرات المنظمة في الأهداف والوسائل.
- تكيف كافي للاستجابة الملائمة للفرص والمتطلبات الخارجية، وكذلك الظروف الداخلية المتغيرة.
- إبداعية كافية بما يسمح للمنظمة بالاستمرار في استباق الأحداث والمبادرة بالتغيير قبل وقوع الأحداث، أي أن تكون المنظمة Proactive)) كلما سنحت الظروف.(قيس المؤمن , 1997) .
بينما يرى دايفد قارفن(David Garvin,2003) أن المنظمة المتعلمة ما هي إلا مهارة ترتكز على خمسة أنشطة رئيسة :
1. حل المشكلات بطريقة علمية
2. تجارب بأساليب جديدة
3. التعلم من تجاربهم الخاصة وماضيهم العملي
4. التعلم من أساليب وخبرات الآخرين
5. استقطاب المعرفة بشكل سريع وبفاعلية من خارج التنظيم.
وقد عرف عبد الرحمن هيجان (1998) التعلم التنظيمي بأنه: عملية مستمرة نابعة من رؤية أعضاء المنظمة، حيث تستهدف هذه العملية استثمار خبرات وتجارب المنظمة ورصد المعلومات الناجمة عن هذه الخبرات والتجارب في ذاكرة المنظمة ثم مراجعتها من حين لآخر للاستفادة منها في حل المشكلات التي تواجهها وذلك في إطار من الدعم والمساندة من قيادة المنظمة بشكل خاص والثقافة التنظيمية بشكـل عام، وقد توصل من خلال تعريفه السابق إلى عدد من الخصائص التي يحملها مفهوم التعلم التنظيمي أوجزها فيما يلي:
- أن عملية التعلم في المنظمة عملية مستمرة.
- وجود رؤية مشتركة بين أعضاء المنظمة.
- التعلم التنظيمي هو نتاج الخبرة والتجارب للمنظمة.
- أهمية دعم ومساندة قيادة المنظمة لتفعيل عملية التعلم في المنظمة.
وتمارس قيادة المنظمة ومديريها دوراً أساسياً في توفير بيئة داعمة أو معوقة للتعلم فالإدارة العليا تلعب دوراً أساسياً في توفير الإمكانات اللازمة والضرورية والحوافز التي تدعم التوجه والتشجيع المستمر للمنظمة كي تتعلم .

الثقافة كذاكرة للمنظمة : تختلف المنظمات عن الأفراد من خلال أسلوب التعلم وكما أن للإنسان ذاكرة فان ذاكرة المنظمة هي ثقافتها ، حيث أن ثقافة المنظمة تظهر السلوكيات والتقاليد المتعارف فيها بين الأفراد داخل المنظمة ، ويظهر ذلك جلياً عند قيام أحدنا بزيارة لأي مؤسسة أو منظمة حكومية أو خاصة حيث نلاحظ ثقافة وأسلوب وسلوكيات تخص هذه المنظمة في اغلب الأحوال دون غيرها حيث أن لكل منظمة ثقافة وحضارة تختلف عن المنظمات الأخرى حتى ولو كانت في نفس مجال العمل كما هو يحدث في البنوك فعند دخولك لأي بنك تلاحظ أن هناك ثقافة مميزة لهذا البنك عن غيره من البنوك في نفس المدينة توجد الثقافة من خلال تفاعل فردين أو اكثر مع بعضهما البعض عند حدوث ظاهرة معينة ، فمثلاً لو حدث تصادم بين سيارتين أمام مجموعة من الأشخاص تجد أن لكل منهم فلسفة وتصرف يختلف عن الآخر فمنهم من يتصل بالمرور واخر يسعى لإنقاذ المصابين واخر يتفرج وهكذا ، من هنا تظهر التنوع في الثقافات والسلوكيات بين الأفراد وهكذا يتصرفون عن حدوث أي ظاهرة إدارية حيث مثل هذه الحالات تختلف من مجتمع إلى أخر حسب ثقافته