الصراع القائم بين الأكاديميين ودعاة النمذجة والنظرية وبين الممارسين حول تطبيق النظرية الإدارية في الإدارة العامة
تعتبر إشكالية الصراع بين علماء ومفكري الإدارة أو ما نطلق عليهم دعاة النظرية والنمذجة وبين موظفي الإدارة العامة أو ما نطلق عليهم الممارسين للإدارة العامة حول جدوى النظرية والنمذجة في الإدارة العامة. ولكي يمكن إيضاح ملامح هذا الصراع لابد لنا أن نتعرف على آراء الجانبين، ولكن قبل التعرض لوجهتي النظر لابد من التعرف على محاور الصراع وهي ثلاث محاور كما يلي: (الطويل، [ب.ت]: 74).
1. صراع بين المؤسسة والفرد بمعنى أن لا يكون الفرد أصلاً مناسباً للعمل في المؤسسة، وأن دخوله إليها قد تم بسبب ضغوطات من نوع آخر، مما يعيق عملية تكيفه داخل المؤسسة ويجعله يعيش حالياً صراع مستمر.
2. كما قد ينجم الصراع عن عدم التناغم مع طبيعة الدور وشخصية الفرد، كأن تكون فسحة الحرية التي يسمح بها الدور غير متناغمة مع متطلبات شخصية، وهذا يشكل مصدراً آخر من مصادر الصراع الكامنة عبر مسيرة عمل الفرد في المؤسسة.
3. الصرع قد يكون ناجماً عن عدم توافق توقعات الدور مع حاجات شاغله مما يؤثر في نوع وكيفية الأداء وفاعليته.

ومن منطلق أنواع الصراع التي ذكرناها يتضح لنا أن عدم فهم أو توافق آراء الممارسين مع النظرية في الإدارة العامة، قد يجعلهم يرفضون تطبيق فرضيات النظرية، ويعارضونها وعموماً يمكننا تناول رأي الممارسين والأكاديميين أو أصحاب النظرية فيما يلي:
1. رأي الممارسين في النظرية:
لا يزال البعض من الممارسين يميلون إلى التقليل من أهمية التنظير في التعامل مع النظم الإدارية في الإدارة العليا، ويرون أن في استخدام التنظير أو النظرية ابتعاد عن الواقع، ويرون أنه من الأفضل الاعتماد على مبدأ الحس العام والخبرة الشخصية والفطنة وهذا في اعتقادهم يكفي لضمان فاعلية القرارات.
2. الأكاديميين وأصحاب النظرية:
يرى كتاب وعلماء الإدارة العامة أو ما نطلق عليهم الأكاديميين، أنه لا يُكتفي بالركون إلى الخبرة والممارسة والحدس والحس العام حتى يتم ممارسة الإدارة العامة بالشكل الذي يؤدي إلى تحقيق الأهداف وبالكفاءة المطلوبة، وذلك نظراً لمحدودية الخبرة الشخصية واحتمالية ذاتية الحس العام وتحيزه. فإلى أي مدى يستطيع الإداري الاعتماد في أحكامه وقراراته على تراكمية مشاهداته فقط، أو حتى مطالعته حول أحداث محددة، وإلى أي مدى يمكن القول أن المستقبل لن يكون مختلفاً عن الماضي، وإلى أي مدى يستطيع الركون إلى التناول الاستقرائي كأساس لسلوكياته. ويرون أنه من الضروري أن يدرك الإداريون أن اليقين المطلق غير ممكن في عالم تحكمه ثوره التقنيات المعرفية، وقدره فائقة على الاتصال والتواصل بين الأفراد والشعوب.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه على الإداريين هو إذا كانت النظرية من صنع فئة متميزة أو جماعة من الإداريون يحملون شهادة الدكتوراه أو درجة الأستاذية أو ما شابه ذلك، وهي نتيجة خبراتهم وممارساتهم فإنها تعد خبرات سابقة يمكن أن تكون خاطئة أو صحيحة، إذن فالأصل هو الخبرة والممارسة ولا حاجة للنظرية. وللإجابة على هذا الطرح يمكننا القول أن النظرية ليست هدفً في حد ذاتها إنما هي وسيلة أو خارطة توفر التوجيه اللازم للممارسة الإدارية، باعتبار أنها توفر للإداري أساساً لتحديد المشكلة المحتملة والمعاشة، وتقترح الافتراضات والبدائل للتعامل معها، كما توفر الإطار للنقد المنظم والتحسين المستمر للعملية الإدارية. ويمكن اعتبار النظرية عملية فكر وتفكير يدور حول واقع بهدف فهمه بطريقة أفضل، ووصفه بشكل أكثر دقة. والنظرية هنا يمكن التفكير بها على اعتبارها أنها بناء لنموذج، فالنظرية المناسبة هي نموذج لواقع أو تمثيل له مع ضرورة ملاحظة الفرق بينها وبين الواقع. ومهما تعددت الآراء فإن النظرية يمكن أن تفيد فيما يلي: (الطويل، [ب.ت]: 96).
#أ . أنها تساعد على ترتيب معرفة الإنسان بشكل منظم ومنسق.
#ب . أنها تشكل موجها للبحوث والدراسات.
#ج . أنها تساعد في توقع نتائج ممكنة للأعمال.
#د . أنها تساعد على تفسير ظواهر السلوك التنظيمي التي ما كان يمكن تفسيرها بدون نظرية.

ومن خلال ما سبق يمكننا القول أن هناك صراع قائم بين الممارسين والأكاديميين حول جدوى النظرية وهو ما يشكل صعوبة بالغة في تطبيق النظرية، وهذه الصعوبة ناتجة من عاملين مهمين هما رفضهم للنظرية في حد ذاتها، أو لفهمهم الخاطئ للنظرية والتطبيق السيئ لها. وما سبق يعتبر هذا الصراع أهم وأخطر المعوقات التي تواجه نظريات الإدارة عموماً، والإدارة العامة على وجه الخصوص سواء القديمة منها أو الحديثة وسيظل هذا الصراع قائماً ومعوقاً لمسيرة التقدم الإداري، طالما لم يتم تغيير مفاهيم الإداريين تجاه النظرية.