الملك والملكوت‏..‏ وانا
بقلم : د‏.‏ مصطفي محمود

وصف الله نفسه بانه الملك وبان له ملكا وملكوتا وجندا مجنده وملا اعلي وانه قد وكل الي كل فرد من هذا الملا الاعلي مهمه يقوم بها فجبريل الروح الامين هو رسول الوحي وهو الواسطه بين الله وجميع انبيائه وميكائيل مكلف بالارزاق واسرافيل نافخ الصور يوم تقوم الساعه وعزرائيل قابض الارواح‏.‏
قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم‏(‏ السجده ـ‏11)‏
ذلك ملك الموت‏..‏ وهم كثير
توفته رسلنا وهم لا يفرطون‏(‏ الانعام ـ‏61)‏
ثم هناك الملائكه الحفظه
ان كل نفس لما عليها حافظ‏(‏ الطارق ـ‏4)‏
والملائكه الكاتبون
وان عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون‏(‏ الانفطار‏10‏ ـ‏11‏ ـ‏12)‏
والملائكه الصافون والملائكه المسبحون والملائكه الحافون بالعرش والملائكه الحاملون للعرش والملائكه العالون وملائكه التصريف‏.‏
ملك عظيم من فوق سبع سموات لا يتناهي‏.‏
والسوال الذي يتبادر الي الذهن‏..‏ لماذا لا يباشر الله جميع هذه الشئون بذاته ما دام بيده مقاليد كل شيئ واليه يرجع الامر كله‏..‏ فلماذا لايفعل بذاته وبدون وسائط‏.‏
وما الحاجه الي كل هذا الملا‏..‏ والجواب‏..‏ انها سنه الله في خلقه‏..‏ فهو يجري الشفائ علي يد جراح وكان في قدرته ان يشفي بذاته وهو يجري الارزاق من باب تجاره او من باب صناعه وكان في قدرته ان يوصل المال الي اصحابه مباشره دون اسباب‏..‏ وهو يوصل الينا العلم بوسائط الكليات والجامعات والمدارس‏..‏ بل هو يوصل العلم الي انبيائه عن طريق جبريل‏..‏ وكان بالامكان ان يلقيه في روعنا مباشره‏.‏
حتي المعجزه الخارقه فانه يجريها بواسطه فيقول عن الحمل الخارق لمريم‏:‏
فارسلنا اليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا
ويقول جبريل لمريم‏:‏
انما انا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا
وهو امر كان يمكن الله ان يفعله مباشره
تلك اذن سنته في الدنيا وتلك ايضا سنته في الاخره حيث يقيم علي النار زبانيه لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يومرون وحيث يقيم علي ابواب الجنه ملائكه الرضوان حتي عرشه العظيم سبحانه يقول لنا القران انه محمول يحمله ثمانيه
ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانيه
وهم يحملونه ولاشك بقوه الله ذاته فما ضرورتهم‏..‏؟؟‏!!‏
والجواب لا ضروره له سوي كرمه هو‏..‏ حيث شائ بكرمه ان يعطي صفاته الشافيه للطبيب ويتجلي باحكام اسمه العليم علي العالم ويتجلي باسمه الرزاق علي التاجر وباسمه البديع علي الفنان ويتكرم بقوته علي حاملي عرشه فتلك كلها شواهد كرم منه لا شواهد حاجه الينا‏.‏
ثم ان الوسائط ايضا هي سنته‏..‏ فهو اذا اراد ان يعالج الجبل سلط عليه وسائط ماديه مثله لتشكيله‏..‏ سلط عليه الرياح والامطار والسيول تنحته وتشكله او سلط عليه كائنا ماديا مثل الانسان ينحت فيه الكهوف والسدود‏..‏ ولو انه سبحانه تجلي علي الجبل مباشره لجعله دكا‏.‏
وحينما ظهر جبريل علي صورته الحقيقيه لمحمد عليه الصلاه والسلام خر مغشيا عليه‏.‏
ان تفاوت المقامات بين الله وملائكته وبين ملائكته وخلقه من البشر وبين البشر وسائر صنوف الماده الجامده استدعي وجود البرازخ والوسائط‏..‏ فلا يطيق الاسفل ان يتجلي عليه الاعلي مباشره دون واسطه برزخيه‏.‏
اننا نقذف نواه الذره وهي شيئ غير منظور بشيئ اخر غير منظور وهي قذائف النيوترون فنتخذ وسائط من جنس ما نتعامل معه‏..‏ فنحاول الوصول الي الشيئ الخفي باتخاذ برزخ خفي‏..‏ وهو مثال من عالمنا‏.‏
وجبريل هو البرزخ بين الله وبين محمد عليه الصلاه والسلام في عالم الملكوت وهو ايضا البرزخ بين الله وبين جميع انبيائه‏..‏ لانه لا احد من الانبيائ يطيق الحضره الالهيه الذاتيه مباشره‏..‏ فان تجلي هذه الحضره يودي الي سحق ومحق كل شيئ‏..‏ تماما كما راينا من حال الجبل الذي اصبح دكا وموسي الذي خر صعقا‏.‏
اننا بحكم طبيعتنا البشريه لا نحتمل انوار الذات الالهيه فاستدعي التواصل بين الطبيعتين الي اتخاذ البرازخ‏.‏
وكما ان جبريل هو البرزخ بين الله وبين محمد فكذلك محمد عليه الصلاه والسلام هو برزخنا الاعظم وهو وسيلتنا وواسطتنا وبابنا الي الفهم عن الله‏..‏ لاننا بحكم طبيعتنا المحدوده لانستطيع ان نصل الي حضره الاطلاق دون دليل‏.‏
ان الضروره هنا كانت قيدا علينا نحن فنحن الضعفائ والله هو القوي ونحن الفقرائ اليه وهو سبحانه الغني عنا‏.‏
وكان تنزل الله بين البرازخ ليتواصل معنا كرما منه ولطفا وايناسا‏..‏ لا حاجه منه الينا فالله ليس فعالا بنا بل نحن الذين نفعل به ونحن الذين نري به ونسمع به ونفهم به ونمشي به ونحيا به‏..‏ بل انه هو‏..‏ هو الظاهر بوجهه في كل شيئ‏.‏
اينما تولوا فثم وجه الله
فهو الملك وهو جميع القوي الفعاله في المملكه من حق وخير وجمال وعدل وكرم وحلم ورافه وموده ورحمه وسمع وبصر وعلم فتلك جميعا اسماوه تجلت باحكامها علي ما في المملكه من خلائق‏.‏
فاذا سحب منا ربنا قيوميته عدنا عدما واختفي مسرح الوجود كله ولم يبق الا نوره فهو الحضور المستمر ابدا وازلا وهو الظاهر ابدا ونحن الغيب‏..‏ وهو الوجود ونحن العدم‏..‏ وهو الحجه علي نفسه وهو برهان وجوده ودليل ذاته وهو ليس في حاجه الي دليل يدل عليه‏.‏
ومن مبدا القصه حينما كان الله ولاشيئ معه‏..‏ الي الان حيث مازال ربنا هو هو‏..‏ علي ما عليه كان‏..‏ لم يجد جديد‏..‏ فكل ما حدث كان تحصيل حاصل لما في علمه‏..‏ ومازال هو علي ما عليه كان‏..‏ فالقول بحاجه الله الي جنوده ومملكته يعكس القضيه ويقلبها‏..‏ تعالي ربنا عن ذلك علوا كبيرا‏..‏ فلا شيئ فعال في ملكه وملكوته سواه انما هي ثياب البسها لنا ومواهب اعطاها لنا وارزاق وزعها علينا بل ان لبسه الوجود ذاتها منه‏..‏ وليس لنا من ذواتنا الا العدم‏.‏
بل اللغز الذي يحيرني‏..‏ هو ذاتي نفسها‏.‏
انا‏..‏ من اكون‏..‏ وانا لست الا كلمه من كلماته ونفخه من روحه‏..‏؟‏!!‏
اما احقيه الله في كل شيئ فهي اظهر من ان تكون محل شك او مسائله‏..‏ وبالمثل وجوده وهيمنته وظهوره‏.‏
انما انا‏..‏ ذره العدم‏..‏ التي هي نفسي‏..‏ ما امرها‏..‏ وما خطبها وكيف تشخصت من الازل‏..‏ وكيف جائ بها الله ومعها سرها وما تكتم ثم اوجدها ليخرج مكتومها وابتلاها بالشر والخير لتفصح عن سرها وتفشي مكنونها‏.‏
انا‏..‏؟
وهل لي هذه الانا‏..‏ ام اني استعرتها مع ما استعرت من الله‏..‏ فهي ثوب ضمن ما البسني الله من ثياب‏.‏
ذلك هو السر الذي يحيرني رغم انه لا شيئ اقرب الي منها‏..‏ وهل هناك ما هو اقرب الي من نفسي التي بين جنبي‏..‏ ومع ذلك فهي الطلسم‏..‏ والتيه‏..‏ والمحال‏.‏
ثم ان اللغز يصل الي ذروه استسراره حينما نري الله يامر ملائكته بالسجود لهذه النفس التي تشخصت من عدم ويسخر لها ملكه وملكوته ويخضع لها الكون جميعه‏.‏
سخر لكم ما في السماوات وما في الارض جميعا منه
يقول الله للعبد الكامل في كتاب المواقف والمخاطبات للنفري‏:‏ انت مني‏..‏ انت تليني‏..‏ وكل شيئ في الوجود ياتي بعدك‏..‏ لا شيئ يقدر عليك اذا عرفت مقامك ولزمت مقامك‏..‏ فانت اقوي من الارض والسمائ اقوي من الجنه والنار اقوي من الحروف والاسمائ‏..‏ اقوي من كل ما بدا في دنيا واخره‏.‏
اذا تحققت بسرك تحققت بي‏..‏ انا الذي منه كل شيئ انا الذي ابديت كل شيئ‏..‏ انا الذي هو انا‏.‏
الي هذه الذروه المذهله من التشريف تصل هذه الذره الوجوديه التي هي النفس الانسانيه‏.‏
فيقول عنها رب العالمين‏:‏
انت مني
انت تليني وكل شيئ في الوجود ياتي بعدك‏.‏
لا شيئ يقدر عليك اذا عرفت مقامك ولزمت مقامك‏.‏
فانت اقوي من الارض والسمائ اقوي من الجنه والنار اقوي من الحروف والاسمائ‏..‏ اقوي من كل ما بدا في دنيا واخره‏..(‏ وكل ما في الوجود باديات يبديها ربنا من خفائ ولا يبتديها‏).‏
ويقول للعبد الكامل‏:‏
اذا تحققت بسرك تحققت بي‏..‏ انا الذي منه كل شيئ‏.‏
كيف يارب يتحقق الواحد منا بسره‏.‏
اذا عرفت مقامك ولزمت مقامك‏.‏
ليس فقط ان يبلغ مقام الكمال بل ايضا ان يلزم هذا المقام فلا يحيد عنه‏..‏ وذلك هو غايه التمكين والتثبيت‏.‏
وذلك هو المعراج العظيم الذي لا يقدر عليه الا احاد بل ان الملك والملكوت ذاتهما مجرد معارج لهذه النفس الكامله والدنيا والاخره منازلها وهي تسير الي ربها وقد اقدرها الله علي الدنيا‏..‏ وعلي تجاوزها‏..‏ كما اقدرها علي الاخره وعلي تجاوزها في مراقي السير اليه‏..‏ تلك هي النفس الطلسم المطلسم‏.‏
وتلك هي امكاناتها حيث اجتمع فيها اقصي العدم واقصي الوجود‏.‏
وحيث هي مني اقرب الي من كل شيئ واخفي علي من كل شيئ فهي التي بدات من لا شيئ واصبحت اقوي من كل شيئ‏.‏
وحيث يبلغ ابهامها بي الي البهت والحيره والذهول‏:‏
من انا‏..‏؟‏!!!‏
ومن اكون‏..‏؟‏!!‏
انا الذي اسجد لي الله الملك والملكوت وسخر لي الكون اجمع‏.‏
انا الذي امرض واشيخ واموت ويفتك بي ميكروب لا يري لفرط تفاهته‏.‏
انا الذي جئت من قطره مائ مهين وانتهي الي جيفه‏.‏
الهي كم تكذب المظاهر وكم تخفي جلودنا حقائق هائله تحتها‏.‏
وكم تتشابه وجوهنا وتختلف منازلنا‏..‏ وكم يمشي في الاسمال والخرق من هم فوق الثريا منزله‏.‏
لهفي علي ذلك اليوم الذي تهتك فيه الاستار وتفتضح الاسرار ويعرف كل منا من يكون‏..‏ ومقدار ما يكون‏.‏
وترفع الحجب ويكشف الغطائ ويغدو البصر حديدا ويفاجا كل منا من نفسه بما لا يعلم‏..‏
ويعرف كل منا حقيقته وخبيئته
يا له من يوم‏..‏ يا له من يوم‏..‏
التجهيز للقمه المرتقبه
هذه القمه العربيه المرتقبه‏..‏ ماذا سيجري فيها‏..‏؟‏!!‏
ان اصدائ اشعار نزار قباني مازالت تدوي في اذاننا رغم ان الرجل مات وواراه التراب الا اننا مازلنا نسمع صرخاته‏.‏
نحن في غيبوبه قوميه‏.‏
ما استلمنا منذ ايام الفتوحات بريدا‏.‏
كلما تزداد اسرائيل ارهابا وقتلا‏.‏
نحن نزداد ارتخائ وبرودا‏.‏
وبنو عنتر العبسي مشغولون في نسوانهم‏.‏
وبنو مازن مشغولون في غلمانهم‏.‏
وبنو هاشم يرمون السراويل علي اقدامهم‏.‏
ويبيحون شفاها ونهودا‏.‏
ما الذي تخشاه اسرائيل من بعض العرب‏.‏
بعدما صاروا يهودا‏!‏؟
كانت كلمات الرجل تقطر بالسم والعلقم‏..‏ حتي سمعناه يصرخ في اخر قصائده متي يعلنون وفاه العرب؟
هي كلمات مريريه وظالمه‏..‏ فالعرب لم يموتوا ولن يموتوا‏..‏ وهذه قمتهم سوف تجتمع ونتوقع ان تكون هذه القمه مظاهره قوه وبادره عزم‏..‏ فالموقف السياسي لم يعد يحتمل ضعفا ولا ترددا ونحن نريد ان نري العرب صفا واحدا وكلمه واحده ويدا واحده‏..‏ وان نطمئن الي ان المائه مليون لهم صوت ولهم هيبه‏..‏ وان الحق له جلال وله صوله‏.‏
وامام الظلم الاسرائيلي والتعنت الاسرائيلي والرفض الجائر لجميع الحلول رفض اوسلو ورفض مدريد ورفض كوبنهاجن ورفض مبدا الارض في مقابل السلام‏..‏ نري ان اضعف الايمان ان نرفض التطبيع بقرار عربي جماعي‏..‏ وان يعلن ياسر عرفات الدوله الفلسطينيه‏..‏ وان نسمع صوتا للمقاومه السوريه في الجولان ان تشتعل الانتفاضه
وهذا اقل القليل‏.‏
ان القول بان السلام خيار استراتيجي‏..‏ لا يعني ابدا ان الاستسلام اصبح الخيار الاستراتيجي‏..‏ ولا احب ان يختلط هذا علي فهم الاخرين فتصل الي افهامهم الرساله الخطا‏..‏ فالسلام شيئ اخر غير الاستسلام والعرب لم يفقدوا الحياه بعد‏.‏