ليس هناك ماهو أخطر من الفراغ علي مستقبل أي أمة‏,‏ لأن الفراغ هو البيئة الصالحة لتوالد وتكاثر حشرات الإدمان والانحراف والتطرف‏.‏ومعني ذلك أن حسن استغلال أوقات الفراغ هو أحد أهم مقاييس التقدم لأي مجتمع‏,‏ وكلما أحسنت الدولة استثمار أوقات الفراغ لشبابها أرتفع المستوي الفكري‏,‏ والروحي‏,‏ والاجتماعي‏,‏ والعكس صحيح‏!‏

وكلما نجح الفرد في تنظيم أوقات فراغه فإن ذلك يدل علي حسن التفكير ونضوج الإدراك‏..‏ وقديما قالوا‏:‏ أخبرني عن كيفية قضاء وقت فراغك وأنا أعرف علي الفور من أنت‏,‏ وماهي شخصيتك‏,‏ وماهو مستوي أخلاقك لأن المرء يفعل مايحلو له ومايتفق مع شخصيته عندما يخلو لنفسه في أوقات فراغه‏.‏

والحقيقة أنه بقدر ما يستطيع الانسان أن يستثمر أوقات فراغه استثمارا صحيحا ونافعا بقدر ماتتفجر المواهب وتنطلق ملكات الإبداع والابتكار‏…‏ وعندنا ألف دليل ودليل علي صحة ذلك‏!‏

إن معظم الذين أسهموا في صنع حضارة البشرية بدأوا حياتهم بدايات متواضعة‏,‏ وبعضهم كان يعمل في أعمال هامشية لكنهم عرفوا كيف يملأون وقت فراغهم بالقراءة في كل شئ‏,‏ ومع أن الدخل المادي المحدود لم يكن يمكنهم من اقتناء الكتب التي يرغبون في قراءتها فإنهم كانوا يعوضون ذلك بالتردد علي المكتبات العامة‏,‏ وقد اعترف بذلك أديسون مخترع الكهرباء في مقولة متواضعة بعد أن ذاع صيته من كثرة وعظمة اختراعاته‏:‏ إنني لم أتلق تعليما جامعيا ولكنني علمت نفسي بنفسي من خلال القراءة في أوقات الفراغ‏.‏

وليس العلماء وحدهم هم الذين سلكوا هذا الدرب من النجاح بحسن استغلال وقت الفراغ‏,‏ وإنما هناك كثيرون غيرهم لفتوا أنظار أممهم وحازوا اعجاب شعوبهم‏,‏ ونالوا شرف قيادة مسيرة دولهم مثل الزعيم الأمريكي إبراهام لنكولن الذي كان يقضي أوقات فراغه ـ في سن الصبا ـ في القراءة في جوف الليل علي ضوء كتلة خشب تحترق بينما أفراد أسرته يغطون في نوم عميق‏,‏ بينما كل أقرانه من شباب الحي الذي يعيش فيه كانوا يمارسون اللهو واللعب والمرح حتي ساعات الصباح الأولي‏!‏

أريد أن أقول بوضوح ان صفحات التاريخ مليئه بالمبدعين الذين اهتموا بتنظيم أوقات فراغهم‏,‏ فتعلموا وكافحوا وجاهدوا حتي تحقق لهم النجاح‏,‏ وأصبحوا مخترعين ومفكرين وقادة وزعماء وانتقلوا إلي حياة رغدة‏,‏ وأصبحوا أسماء لامعة وشخصيات مرموقة‏.‏

ومن هنا تأتي أهمية دور الأسرة ودور المجتمع ككل ودور الدولة تحديدا في تحفيز همم الشباب نحو العمل وحسن استثمار أوقات الفراغ وعدم الاستسلام لدعاوي اليأس والاحباط‏,‏ وتوفير سبل الحماية من المغريات الرخيصة‏.‏

وقد علمتنا الأيام والسنون أن وقت الفراغ هو وقت الشيطان‏…‏ وأنه ليس باستطاعة الشيطان أن يقترب من فرد مشغول بعمل علمي أو أدبي أو فني أو يدوي‏,‏ ولكن الشيطان يجد ضالته عند من يقضون أوقات فراغهم في لهو وعبث ويبددون طاقة الشباب فيما لاينفعهم‏!‏

بقلم:مرسي عطاالله