كشف المستور‏..‏ في الكهف المسحور‏!
كتب : عـزت السـعدني


في ليلة مقمرة حالمة آسرة‏..‏ قمرها بدر ونسيمها عطر‏..‏ لا أعرف من جمعهم في هذا المكان‏..‏ ومن لم شملهم في هذه الساعة من الهزيع الأخير من الليل‏. مقال رائع لعزت السعدني : كشف المستور‏..‏ في الكهف المسحور‏!

ولا أعرف من نادي عليهم من بين أستار الغيب‏..‏ لكي يكونوا رفاقي‏..‏ وأكون أنا رفيقهم في قلب هذه الصومعة الموحشة داخل هذا الكهف المهجور من كهوف جبل المقطم‏..‏ والتي قالوا لنا إنها نفس الصومعة التي كان يصلي فيها الحاكم بأمر الله‏..‏ ويتعبد ويتهجد حتي آذان الفجر‏..‏ تاركا بغلته علي بابها‏..‏ ثم اختفي ذات ليلة سوداء ولم يعثروا له علي أثر‏..‏ عادت بغلته دونه‏..‏ وتخيل أتباعه أيامها أن الله قد رفعه إلي السماء ليصبح عندهم من ليلتها وحتي الساعة‏..‏ نبيا ورسولا‏!‏
رفقة هذه الليلة الليلاء‏..‏ رفقة كلها عجب العجاب‏..‏ كأنها خرجت من بين آيات كتاب الله البينات‏..‏ فمن يتخيل أن يجتمع له في أي زمان وفي أي مكان‏..‏ رفاق في طول هامة هامان الذي جاء ذكره في القرآن بوصفه وزيرا لفرعون موسي‏..‏
هذا الفرعون اللغز الذي مازال اسمه محفورا من القراءة في أذهان المؤرخين والباحثين والمنقبين في أضابير كتب التاريخ والتفاسير وكتب الله المنزلة بين توراة وإنجيل وقرآن‏..‏ هذا الهامان الجبار الساعد الأيمن لفرعون مصر الذي ادعي لأتباعه بالنص القرآني أنا ربكم الأعلي‏..‏ وجدته ياللهول يسد مدخل الكهف بعوده الفارع وعضلاته المضفرة ورمحه الذي رشق سنه القاتل في سقف الباب‏!‏
بينما نصب قارون الذي ملك كنوز الأرض وكان علي عشرة رجال طوال سمان عراض كأنهم مردة جان‏..‏ أن يحملوا طول الوقت مفاتيح خزائنه العامرة المتخمة بالذهب والفضة والجواهر واللآلئ ـ عرشا يتلألأ في الظلام‏..‏ جلس عليه في أبهي حلة وأزهي زينة كأنه في ليلة عرسه‏..‏ وعيناه تقولان للدنيا وللناس وللجبال والأنهار‏:‏ هل من منافس‏..‏ هل من مراهن؟
بينما افترش أديم الكهف رجل من خيار الصالحين وحكيم من حكماء زمانه العابدين الشاكرين لأنعم الله الناصحين خلقه بطاعة الرب وحسن الخلق‏..‏ رافعا يديه إلي السماء بالدعاء‏..‏ إنه سيدنا لقمان حكيم كل زمان وكل مكان‏..‏ وله باسمه سورة في القرآن الكريم ينصح فيها ابنه‏..‏ وبين يديه ألمح وسط الظلام سبحة طويلة حباتها كهرمان يبرق‏..‏ يسبح بها باسم الله‏..‏ لا يكاد يتوقف لحظة‏..‏ سبحان الله‏..‏ الحمد لله‏..‏ الله أكبر‏.‏
ليجتمع لي وحدي داخل كهف السلطان اللغز القوة والصولجان والهيلمان متمثلا في هامان‏..‏ يد فرعون التي يبطش بها‏..‏ والمال وسطوته وصاحبه أغني من خلق الله والذي يحمل اسم قارون‏..‏ إلي جانب النسك والورع وطاعة الواحد الأحد وكنز الحكمة المهداة‏..‏ المتمثلة في حكيم عصره وأوانه وباب الورع ونبع الخير ورسول الحق والجمال والفضيلة‏..‏ لقمان الحكيم‏..‏ كرم الله وجهه‏.‏
حلق طائر الحيرة فوق رأسي قلقا قلوقا‏..‏ حائرا محيرا‏..‏ فيم أسأل؟‏..‏ وبمن أبدأ؟
با لقوة والصولجان هامان؟
أم بالمال الذي به تملك كل شيء وأي شيء‏..‏ بداية بالأرض بالشجر بالقصور بالعطور بالأطيان بالنساء بالبنون‏..‏ بكل البشر‏..‏ بالأتباع من عبيد المال والراكعين لبريقه والساجدين لرنينه والراقصين الهاتفين باسمه المنشدين لحضرته وحظوته‏..‏ وصاحبهما أغني أغنياء الأرض الذي ذكره الله تعالي في محكم آياته‏..‏ والذي نعرفه باسم قارون؟
أم نرتوي من نهر النسك والعبادة‏..‏ عند تاج الحكمة وبابها الذي اسمه لقمان الحكيم؟
‏.................‏
‏.................‏
لأن القوة تكسب في البداية دائما‏..‏ وفي النهاية كثيرا‏..‏ ولا مرد لسطوتها وصولجانها‏..‏ ولكي نأمن بطشها وندرأ غضبها‏..‏ كان لابد أن نبدأ بهذا الهامان سيد دعاة الباطل‏..‏ هذا الباطل الذي يكسب دائما شئنا أو لم نشأ في كل زمان وفي كل مكان ولو كره الخيرون الصالحون‏.‏
نظرت إلي المارد هامان ورأسه تكاد تصطدم بسقف الكهف الغارق في الظلام‏..‏ وقلت له‏:‏ يا سيد هامان‏..‏ لماذا تطيعون فرعونا يقول لكم أنا ربكم الأعلي؟
نظر إلي من فوق لتحت بنظرة تحد وإن كنت لم أر عينيه وسط هذا الظلام الدامس‏..‏ وقال‏:‏ الفرعون أيها المصري الذي يلبس ملابس مضحكة‏..‏ ويعيش في زمن الندامة‏..‏ يحمل تفويضا إلهيا من الإله رع‏..‏ بأنه رب الخلق الذي يحكمهم‏..‏ هو رب الناس جميعا‏..‏ وإلا كيف يحكمهم إذا لم يكن ربهم؟
قلت‏:‏ لقد قال الله تعالي لسيدنا آدم أول من نزل من بني الإنسان علي الأرض‏..‏ أنت خليفتي في الأرض‏..‏ فاسلك سلوكا حسنا‏..‏ وكن من الصالحين‏..‏ الإنسان هنا أو الحاكم أو الملك أو الفرعون‏..‏ هو خليفة الله في الأرض‏..‏ وليس ربا يمشي علي الأرض ويأكل الطعام ويحب ويتزوج وينجب صغارا؟
قال هامان‏:‏ أنت يا من تدعي الحكمة‏..‏ الفرعون هو ربنا علي الأرض‏..‏ فمن نطيع غيره؟
قلت‏:‏ سيدنا موسي عليه السلام الذي جاء بالتوراة أول كتاب أنزل للناس؟
أطلق ضحكة مدوية أفزعت خفافيش الكهف فطارت في كل اتجاه وكان نصيبي منها واحدا أمسك بجبهتي وتخلصت منه بأعجوبة‏..‏ وصاح في لهجة أهل الكفر والبهتان‏:‏ هذا الذي يدعي أنه رسول من عند إلهه الذي في السماء‏..‏ ألم نربه فينا وليدا ولبث فينا من عمره سنين؟
قلت‏:‏ نعم لقد تربي سيدنا موسي في قصر الفرعون برجاء من زوجته الملكة المؤمنة التي اقترحت علي زوجها الفرعون بعد أن عثرت في مهده سابحا مع التيار حتي أعتاب القصر‏..‏ أن تربيه أو تتخذه ولدا‏!‏
قال‏:‏ وهل هذا جزاء التربية‏..‏ وهل هذا جزاء المعروف‏..‏ أن يطلب من الفرعون الإله أن يأخذ قومه‏..‏ وهم عبيده وخدمه‏..‏ معه إلي بلاده في أرض كنعان؟
قلت‏:‏ أليسوا هم قومه وأهله وناسه يريد أن يحررهم من العبودية‏,‏ ومن قتل الأطفال الرضع واستباحة حرمات النساء؟
قال بنفس لهجة السخرية والتجرمة‏:‏ أليسوا عبيد الملك‏..‏ وألم تخدع نساء قومه نساء مصر وأخذن حليهن وذهبهن بحجة ارتدائها في يوم الزينة‏..‏ ليوم واحد‏..‏ ثم فررن بها إلي تيه صحراء سيناء؟
قلت‏:‏ ليقعوا في فخ السامري‏..‏ هذا المدعي الذي صنع لهم عجلا له خوار‏..‏ وقال لهم في غياب سيدنا موسي‏..‏ هذا هو ربكم فاعبدوه‏.‏
قال‏:‏ ألم يقتل موسي رجلا مصريا دون ذنب سوي أنه أراد أن ينصر واحدا من ملته عليه فوكزه موسي فقتله‏..‏ ثم هرب بجلده إلي بلاد مدين‏..‏ أليس هذا ثابتا في قرآنكم؟
قلت‏:‏ أوصلك قرآننا أيضا؟
قال‏:‏ أنا هامان‏..‏ ألم تعرف بعد‏..‏ من هو هامان؟
‏.............‏
‏.............‏
ولأن هامان في حواره معي قد طغي وتجبر وحسب أن لن يقدر عليه أحد‏..‏ فقد قطع سيدنا لقمان صلواته وتسابيحه‏..‏ وقال لهامان بصوت عميق يتردد صداه في جنبات الكهف المهجور‏:‏ أخزاك الله يا سيد أهل النار‏..‏ ألم ينتصر عليكم سيدنا موسي عليه السلام في يوم الزينة ورد كيد سحرتكم إلي نحورهم بعد أن أمره الله أن يلقي عصاته التي تحولت إلي حية ابتلعت كل ما ألقي السحرة من عصي تحولت إلي ثعابين صغيرة؟
قال هامان متهكما‏:‏ سحر بسحر‏..‏ وساحر بساحر‏..‏ الذي حدث أن ساحركم موسي غلب بسحره‏..‏ سحر سحرة الفرعون الإله‏..‏ مباراة في السحر يكسبها موسي اليوم ويكسبها سحرتنا غدا‏!‏
سيدنا لقمان‏:‏ أي مباراة وأي ادعاء وأي إفك يأفكون‏..‏ لقد قال الحق تعالي في سورة الشعراء‏:‏ فألقي موسي عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون‏..‏ فألقي السحرة ساجدين‏..‏ قالوا آمنا برب العالمين رب موسي وهارون‏..‏ قال آمنتم له قبل أن آذن لكم‏..‏ إنه لكبيركم الذي علمكم السحر‏..‏ فلسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين‏.‏ قالوا لا ضير إنا إلي ربنا لمنقلبون‏..‏ إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا‏..‏ أن كنا أول المؤمنين‏..‏ صدق الله العظيم
هامان مازال علي صلفه وكبره وإفكه المبين‏..‏ لقد قال لنا موسي الذي ربيناه وعلمناه القراءة والكتابة والحكمة إن ربه يملأ نوره السماوات والأرض‏..‏ لقد طلب مني الفرعون الإله أن أبني له صرحا عاليا من طين‏..‏ لكي يطلع إلي إله موسي‏..‏ ويبلغ الأسباب‏.‏
أتدخل أنا‏:‏ وهل بنيت له صرحا أو هرما لكي يبلغ الأسباب ويعرف الأسرار؟
قال‏:‏ نعم‏..‏ وصعد عليه لكي يقتل إله موسي كما قال‏..‏ ثم هبط وهو يقول لم أجد أحدا‏!‏
سيدنا لقمان بخشوع وإيمان‏:‏ ولكن الله انتقم منه ومنك أنت يا هامان ومن جيشكم الجرار‏..‏ وأغرقكم في اليم وأنتم تطاردون موسي وقومه‏.‏
يطرق هامان لأول مرة وهو يتمتم‏:‏ حقا لقد غرقنا كلنا‏..‏ وان كنت قد سمعت الفرعون العظيم يعلن إسلامه وإيمانه بدين موسي وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة‏.‏
سألته أنا‏:‏ يعني الفرعون الإله‏..‏ مات علي دين موسي؟
قال‏:‏ نعم‏.‏
‏..............‏
‏..............‏
اكتشفت بعد طول مناهدة ومناورة ومبارزة بالكلمات والحجة والمنطق مع هامان ـ وإن كان يد فرعون موسي التي تبطش لا يعترف بالحجة والبرهان ـ وانما بالقوة والصولجان‏..‏ أننا نسينا صولجان المال وقوة حجة الذهب عندما يتكلم‏..‏ ومدي سلطانه وسطوته عندما يتحرك ويهدد ويصح هو سيد المكان والزمان‏..‏ بل وسيد الكون كله‏..‏ والتي يمثلها هنا داخل كهفنا المسحور أغني من خلق الله علي وجه الأرض‏..‏ بالنص القرآني الرباني‏..‏ والمعروف باسم قارون‏.‏
كان ساهما واجما‏..‏ يوزع نظرات بلا معني لكل من حوله من رفاق هذا الكهف المسحور الذين اجتمعوا علي غير موعد‏:‏ هامان ولقمان وقارون صاحب النظرات الحائرة وأنا‏..‏
فاجأته بقولي‏:‏ يا عمنا قارون‏..‏ يا صاحب خزانة ذهب العالم قبل خمسة وثلاثين قرنا من الزمان‏..‏ كيف تكون من قوم سيدنا موسي عليه السلام‏..‏ ثم تتنكر لقومك وتتبع من أضل سبيلا من زمرة فرعون وهامان؟
قلت هامان بصوت هامس حتي لا أغضب الوحش الكاسر الذي يسد باب الكهف‏!‏
قال‏:‏ ليتني ما فعلت‏..‏
قلت‏:‏ ألم يقل فيك القرآن الكريم‏:‏ إن قارون كان من قوم موسي فبغي عليهم‏..‏ وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة؟
لم ينطق بكلمة‏..‏ ظل واجما‏..‏ كما كان‏.‏
قلت‏:‏ ألم يقل لك قومك بالنص القرآني‏:‏ لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين؟
قال قارون‏:‏ إنما أوتيته علي علم عندي‏.‏
قلت‏:‏ نحن نعرف جيدا أنك أبليت بلاء حسنا حتي جمعت هذه الثروة الطائلة‏..‏ ولكنك ركبت جواد الحمق والغرور وتصورت أنك ملكت الدنيا ومن عليها ولم تترك ولو نزرا قليلا من ثروتك للغلابة والمساكين من أهل قومك الذين تبرأت منهم؟
قال‏:‏ أنا أدري بصالحي في الحياة‏..‏ وقد صرفت أموالا طائلة علي مشاريع الفرعون‏..‏ وألا تعلم أنني أنا الذي مولت مشروع الصرح الذي طلبه الفرعون العظيم لكي يطلع عليه لكي يري إله موسي؟
قلت‏:‏ وكان جزاؤك فوريا بالنص القرآني‏..‏ عندما لبست أبهي حلة واختلت فرحا وكبرا بين قومك‏:‏ فخرج علي قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم‏,‏ وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون‏,‏ فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين‏.‏
أخفي وجهه بين يديه خجلا وخزيا وعارا وقال‏:‏ لا تذكرني بما جري لي‏..‏ شيء لا يصدقه عقل‏..‏ زلزال مدمر في ثوان هدم كل شيء فوق رأسي‏..‏ ودمرت نفسي وداري وأولادي وكل ذريتي وكل مالي تحت الركام‏..‏ بلا حياة‏..‏ شيء فظيع‏..‏ شيء مروع‏!‏
‏...............‏
‏...............‏
مازال الليل أسود قمطريرا‏..‏ كأنه عفريت من الجن يسحب وراءه شرا مستطيرا‏..‏ وخفافيش الكهف استيقظت فهذا أوان صحوها وخروجها من جحورها المعلقة في سقف وجدران الكهف‏..‏ طائرة في حالك الظلام إلي حيث رزقها‏.‏
وسط هذا الجو الموحش‏..‏ وانتظارا لقدوم الفجر ومعه يأتي المخلص أو المنقذ وأعني به صاحب الكهف السلطان اللغز الحاكم بأمر الله‏..‏ طاف بخاطري أن أسأل ضيوفنا الثلاثة سؤالا واحدا‏:‏ هل شعرت يوما بالسعادة‏..‏ وما الذي كان يسعدك في الدنيا؟
قال هامان مقهقها كأنه مارد خرج لتوه من قارورة ساحر من سحرة ألف ليلة وليلة‏:‏ السعادة‏..‏ أنا لم أذق يوما طعم السعادة‏..‏ لقد ربيت موسي في قصر الفرعون العظيم أحسن تربية وأتيت له بأعظم المعلمين والفلاسفة وأرقي سلالة من الكهنة العظام‏..‏ ولكنه رمي كل ذلك وراءه‏..‏ وجري وراء أوهامه‏..‏ واختار إلها لا نعرفه ولم نره‏..‏ وكان هذا أكبر خسارة في حياتي‏.‏
قلت له‏:‏ لكنك لم تجبني‏..‏ ألم تذق طعم السعادة في حياتك؟
قال‏:‏ ذقتها في المجد والصولجان والقوة‏..‏ كم هو رائع أن تشعر أنك أقوي إنسان في الوجود‏!‏
زهو وفخر بلا حدود‏..‏ كأنك ملكت الدنيا ومن عليها‏..‏ الكل يحسدك‏..‏ الكل يغير منك‏..‏ ولكن لا أحد يقدر علي صعود قمة الجبل التي تقف أنت عليه‏!‏
قلت في نفسي دون صوت‏:‏ مجدك الزائف أنت وفرعونك ذهب بكما في النهاية إلي أعماق البحر‏!‏
أتلفت إلي الساهم الواجم طول الوقت وأسأله‏:‏ وأنت يا أغني أغنياء الدنيا‏..‏ هل وجدت سعادتك في المال؟
قال قارون‏:‏ المال هو سيد الكون دون منازع‏..‏ ومن ملكه ملك الكون كله‏..‏ وكنت أحسب أن الدنيا كلها قد أصبحت ملك بناتي‏..‏ فعصيت وأغضبت ربي‏..‏ وكان جزائي أن خسف بي الله وداري وبولدي وبمالي الأرض‏!‏
ألم يقل قرآنكم الكريم‏:‏ المال والبنون زينة الحياة الدنيا‏..‏ لقد جعل المال أولا وبعده يجيء البنون؟
‏.................‏
‏.................‏
لم يبق أمامي يسبح ربه في الكهف المسحور في تلك الليلة الليلاء‏..‏ إلا تاج الحكمة وميزان العدل سيدنا لقمان الذي قال فيه المولي عز وجل في محكم آياته‏:‏ ولقد آتينا لقمان الحكمة‏..‏ لأسأله‏:‏ يا نبع الحكمة‏..‏ أين باب السعادة لكي نطرقه؟
قال‏:‏ باب السعادة في رضا الرب أولا‏..‏ ثم رضا الوالدين‏.‏
قلت‏:‏ وماذا أيضا؟
قال‏:‏ لا تشرك بالله‏..‏ إن الشرك لظلم عظيم‏.‏
قلت‏:‏ وماذا أيضا؟
قال‏:‏ يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر علي ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور‏.‏
قلت‏:‏ زدني يا مولانا‏..‏
قال‏:‏ ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور‏.‏
قلت‏:‏ زدني يا مولانا‏..‏
قال‏:‏ واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير‏.‏
قلت‏:‏ زدني يا مولانا‏..‏
قال‏:‏ ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا علي وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير‏.‏
قلت‏:‏ زدني يا مولانا‏..‏
قال‏:‏ يأيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور‏.‏
‏................‏
‏................‏
أغرورقت عينا قارون بالدموع‏..‏ بينما تاهت نظرات هامان‏..‏ ولم أستطع أن أمنع سيلا من الدمع بلل وجنتي‏.‏
أخرجنا من تحت خيمة التقوي والورع والخشوع لله الواحد الأحد‏..‏ التي دخلنا فيها كلنا‏..‏ وبشائر ضوء الفجر تستأذن في الدخول‏..‏ صيحات علي باب الكهف‏..‏ إنه هامان يزعق بأعلي صوته‏:‏ ها هو صاحب الكهف المهجور قد وصل‏.‏
خرجنا كلنا متدافعين لنجد السلطان اللغز الذي يحمل اسم الحاكم بأمر الله يسوق بغلته وأكوام من تراب الجبل تصنع سحابة من غبار خلفها‏.‏
أين كان‏..‏ من أين جاء؟
هل حقا مازال حيا يرزق؟
ولكن ذلك حديث آخر‏{‏