لا يختلف اثنان علي أن الاستثمار الموجه في الموارد البشرية هو ركيزة التطور ومحور التنمية وهدفها، فالإنسان هو الثروة الأهم والركيزة الأولى والأخيرة لتحقيق معدلات متسارعة للتنمية الشاملة التي تطمح إليها البلاد ويتوق لها العباد.
فخيار الاستثمار في المورد البشري ورأس المال الفكري يجب أن يكون خيارا استراتيجيا لا غنى عنه إذا ما أريد مواكبة المستجدات الاقتصادية العالمية وملاحقة الثورة التكنولوجية والاستفادة من معطيات البيئة المعلوماتية.

والسؤال الذي يطرح نفسه دائماً، هو لماذا رغم الدعم السياسي اللامحدود والمخصص المالي اللامنضوب على العنصر البشري، إلا أن النتائج والمخرجات لا ترتقي حتى إلى الحد الأدنى من الطموحات والاحتياجات. أين الخلل ؟ لا شك بأن ثنائيات (التعليم والتعلم) (الإدارة والقيادة) هي السر في ذلك... فهي الألم والأمل... الألم من واقع معاش تسنده الأرقام وحجم المشكلات... والأمل بغد مشرق بمشيئة الله ينبئ عنه الاعتراف بحجم السلبيات من ناحية وتدخل الإرادة و الإدارة السياسية من ناحية أخرى مدعومة بحزمة من المشاريع الضخمة علي طول البلاد وعرضها.
لاشك بأن جودة التعليم والتعلم وترتيب ذلك ضمن أولويات البحث المنهجي وفقاً لمقتضيات التنمية وضمن بيئة مثالية ومحفزة قادرة علي تقديم مخرجات تتميز بالجودة العالية والتأهيل المتميز المناسب لكل احتياجات التنمية يأتي كمتطلب رئيسي لترسيخ وتطوير المستجدات التكنولوجية لخدمة منشآت الإنتاج والخدمات على الوجه المطلوب.
ولاشك أيضاً بأن وجود الإدارة المسؤولة المبدعة المحاربة للبيروقراطية والقيادة الفاعلة المؤمنة بحتمية التغيير وقيادته يوفر ذلك كله الأرضية المناسبة والأساس القاعدي لمراحل التحول نحو تعزيز جودة العناصر التعليمية والتدريبية وتطوير وترسيخ المستجدات التكنولوجية واحتضان المشاريع الإنتاجية ذات القيمة المضافة.
ويدعم ذلك كله وجود بيئة غضة قابلة للتكوين والإبداع العلمي والتطبيقي حيث ان النظرة الفاحصة والدراسة المتأنية للمجتمع السعودي يلحظ فيه نوعية هذا النسيج الإنساني المتفرد حيث الغالبية فيه هم من الشباب والشابات مما يعطي دلالة واضحة على أهمية بل ضرورة الاستفادة القصوى من هذه التركيبة بخطط موجهة مدروسة ووفقاً للمقتضيات أعلاه.
ولابد أن يتزامن مع ذلك كله اتباع التصارح والتثاقف في أشكال ومضامين الأنظمة البيروقراطية التي يدار بها القطاع العام ويضبط بها القطاع الخاص، فإذا ما أريد للكفاءات البشرية أن تولد وتنمو وتبدع فلا بد من ثورة لوجستية في الأنظمة واللوائح والإجراءات وحتى إعادة هندسة المنظمات من أجل بيئة إدارية وتنظيمية تمكن المدير والموظف والعامل من التحرر البيروقراطي وإطلاق ملكاته الإبداعية ولكن ضمن ضوابط خاصة للحد من اللامسؤولية الفردية والجماعية.