د. عبد العزيز بن عبد الله الخضيري
القرن الـ 21 هو قرن الإنسان, من خلال جعل الإنسان بكل إمكاناته وطاقاته أحد الموارد التي يمكن استثمارها واستغلالها بما يحقق التنمية الشاملة التي تسعى إليها كل الدول المتقدمة وغير المتقدمة, وهي التنمية التي تحاول المنظمات العالمية التركيز عليها من خلال تأكيد أهمية تحقيق التنمية المستدامة نظراً لما يتعرض له العالم اليوم من تغيرات مناخية وطبيعية ونقص في الموارد الغذائية ومصادرها النباتية والحيوانية نتيجة ما يقوم به الإنسان من أنشطة لا تحقق البقاء أو الاستدامة لبقية مخلوقات الله والطبيعة.
التنمية البشرية والاهتمام بالإنسان من خلال التعليم والتدريب وإيجاد المراكز الصحية والنفسية التي تعمل معه من أجل استنباط القدرات البشرية التي في داخله وتوجيهها بما يخدم البشرية بشكل عام من خلال الدول أو المنظمات العالمية التي تعمل من أجله, ومع النهضة التنموية العالمية والقناعة الدولية بأهمية الموارد البشرية واستثمارها بما يعود بالنفع على الفرد والجماعة وبما يحقق استدامة الاستثمار البشري وتطوره وتعزيز قدراته والدفع به نحو تحديات تنموية كبرى يتوافق مع معالجة التدمير الذي أحدثه الإنسان نفسه في بيئته.
تحت هذا الاتجاه العالمي نحو الاستثمار الأمثل في الموارد البشرية ونجاح بعض الدول في ذلك وبدأت في قطف ثمار ذلك الاستثمار, تأتي أهمية وجود حاضنات لرعاية ومتابعة وتطوير الكفاءات والقدرات البشرية المستثمر فيها والعمل على جعلها قادرة على الإنتاج والإبداع بشكل مستمر وطويل, وفي الوقت نفسه الاستفادة منها في اكتشاف وتأهيل وتطوير الإمكانات البشرية للأجيال اللاحقة بما يحقق استدامة ورقي التنمية البشرية ويعزز ترسيخ القيم والمبادئ الإنسانية التي تساعد على إيجاد المجتمع المترابط والقوي الحامي والمدافع عن نفسه في زحمة وصخب الحياة وغياب الاستقرار النفسي والعاطفي لدى كثير من البشر, وهو ما يعزز انتشار العيادات النفسية والعلاج النفسي ثم انتشار المخدرات والمهلوسات, التي يعتقد البعض أنها تساعدهم على الخروج من أزماتهم النفسية واضطراباتهم السلوكية نتيجة ضغوط الحياة المادية والعمل الدائم غير المنتج أو المبهج.
الحاضنات ثقافة علمية اقتصادية يعرفها الجميع من خلال قدرتها على احتضان التجارب والمشاريع الصغيرة التي يتم إنشاؤها من خلال مؤسسات خاصة صغيرة تكون ذات استثمارات محدودة وخاصة تحتاج إليها الاقتصاديات الكبيرة, والاستثمارات الصغيرة خلال سنداتها الأولى بما يضمن لها بعد ذلك النمو والازدهار وتحقيق العائد الاقتصادي المرجو للمستثمر والمستثْمَر.
حاضنات الكفاءات والقدرات البشرية من الضروريات لنجاح أي مشروع تنموي كبر أو صغر, لأن مثل هذه الحاضنات تحقق ضمان تطوير واستقطاب الكفاءات المؤهلة والكفاءات ذات القدرات المتميزة التي يمكن اكتشافها وتأهيلها واحتضانها ثم إطلاقها للعمل في مختلف مؤسسات الدولة سواء في القطاع الحكومي أو الخاص أو الأكاديمي أو الإعلامي أو حتى في مؤسسات المجتمع المدني الخيري والاجتماعي وحمايتها من الاضطهاد أو التهميش. وعالمنا اليوم في ضوء طغيان الماديات على سلوكيات أبنائه جعل الاهتمام بالإنسان وتطوير قدراته واحتضانه من الأمور المهمشة, وهذا أدى إلى تحول العلاقات الإنسانية إلى علاقات مادية آلية لا يرحم القوي الضعيف, ولا يعطف الكبير على الصغير, ولا يحترم الصغير الكبير, نتيجة غياب القيم والمبادئ والأخلاق الإنسانية, هذه الأخلاق والمبادئ المفقودة ووجود مثل هذه الحاضنات الإنسانية ستساعد على إعادتها وتحويل السلوك المجتمعي من مادي فقط إلى مادي إنساني يحقق المنافسة والصراع التنموي, لكن من خلال البعد التنموي الإنساني.