تلتزم توشيبا بانفاق نسبة 5% من أرباحها الإجمالية على أنشطة البحوث والتطوير الموجهة نحو اكتشاف منتجات جديدة وتحسين المنتجات القائمة وخفض تكاليف الإنتاج
عند دراستنا لتاريخ شركة توشيبا لابد ان يلفت نظرنا كلمة "أول" في كثير من إنجازات الشركة. فتوشيبا كانت الشركة المسؤولة عن عدد من الاختراعات والابتكارات اليابانية والعالمية المتميزة يفوق ما توصلت إليه العديد من الشركات المنافسة لها (بل ويفوق حتى ما توصل إليه بعض منافسيها الكبار مجتمعون).
فتوشيبا هي التي قدمت أجهزة مثل جهاز الرادار الذي اخترعته الشركة في العام 1942م، والآلة الحاسبة الرقمية (العام 1954م) والتلفاز ذي المحولات الصغرى أو الترانزيستور وفرن الموجة القصيرة أو الميكروويف (العام 1959م) وهاتف الصور المتحركة الملون (العام 1971م) والآلة الكاتبة الكهربائية ذات أبناط الحروف اليابانية (العام 1978م) والحاسب الآلي المحمول (العام 1986م) واسطوانات ومشغلات أقراص الدي في دي (العام 1995م) وأقراص الدي في دي عالية الكثافة (العام 2005م) فماذا إذن هي العلامات الفارقة الرئيسية في تاريخ توشيبا الحافل بكل تلك بالإنجازات؟ وكيف بدأ كل شيء وكيف وصل إلى ما هو عليه الآن؟
تأسست توشيبا في العام 1939م كنتيجة لاندماج شركتين يابانيتين من كبريات شركات الكهربائيات في ذلك الوقت. والشركة الأولى كانت هي شركة تاناكا سيزوشو (أو تاناكا للأعمال الهندسية) وكانت تلك الشركة هي أول شركة يابانية أنتجت أجهزة التلغراف وهي تأسست في العام 1875م وخلال الربع الأول من القرن العشرين نجحت تلك الشركة في ان تصبح أحد كبار مصنعي الماكينات والمعدات الكهربائية الثقيلة خاصة مع نمو وتوسع التجربة الصناعية اليابانية أثناء فترة حكم الامبراطور ميجي وتحول بلاد الشمس المشرقة إلى قوة صناعية عالمية كبرى. أما الشركة الثانية، وهي شركة هاكونيتسوشا، فقد تأسست في العام 1890م وكانت أول منتج للمصابيح الكهربائية في اليابان قبل ان تتوسع في إنتاج منتجات استهلاكية أخرى متنوعة.
وباندماج الشركتين معاً في العام 1939م تأسست شركة جديدة اطلق عليها اسم "طوكيو شيبورا دنكي" وكان الاسم المختصر للشركة الجديدة منذ إنشائها هو "توشيبا" وان كانت الشركة لم تحصل على ذلك الاسم رسمياً إلاّ في العام 1984م.
أخذت مجموعة توشيبا في التوسع المستمر منذ إنشائها سواء عبر عمليات النمو الذاتي الداخلي بإنشاء فروع جديدة واقتحام مجالات وأنشطة جديدة أو عبر عمليات شراء والاستحواذ على شركات أخرى ولاسيما خلال عقدي الأربعينيات والخمسينيات وكانت غالبية الشركات الجديدة التي تدخل في نطاق مجموعة توشيبا في تلك الحقبة هي من الشركات المتخصصة في الصناعات الهندسية الثقيلة أو في صناعات استخراج المواد الخام الأولية وبداية من الستينيات بدأت الشركة تؤسس سلاسل جديدة من المجموعات الصناعية التابعة لها وان كانت سمحت لها بأن تتمتع منذ بدايتها بدرجة معقولة من الاستقلالية في صنع القرار عن الشركة الأم (توشيبا نفسها) ومن أبرز مجموعات الشركات الجديدة تلك التي تأسست بواسطة توشيبا منذ مطلع الستينيات، شركة توشيبا للمعدات الصوتية (العام 1960م) وشركة توشيبا للمعدات الكهربائية (1974م) وشركة توشيبا للكيماويات (1974م) وشركة توشيبا لتقنية الإضاءة (1989م) وشركة توشيبا - أمريكا لنظم المعلومات (1989م) وشركة توشيبا لمكيفات الهواء (1999م) وبذلك فإن توشيبا أصبحت مع مرور الوقت واحدة من كبريات الشركات اليابانية والعالمية العاملة في مجالات متعددة وعالية التنويع الأمر الذي أسهم في اكساب الشركة سمعة وشهرة دوليتين كبيرتين وقدرة كبيرة على جني الأرباح من عدة مجالات.
في ديسمبر 2004م أصبحت توشيبا أول شركة كهربائيات والكترونيات عالمية تقرر التوقف نهائياً عن إنتاج أجهزة التلفاز التقليدية والتركيز حصرياً على إنتاج أجهزة التلفاز ذات الشاشات المسطحة الرفيعة وفي العام 2006م أوقفت الشركة إنتاج أجهزة التلفاز فئة البلازما وقررت تكليف إحدى الشركات الفرعية المتحالفة معها وهي شركة اوريون بإنتاج وتسويق أجهزة التلفاز فئتي بلازما وإل سي دي نيابة عن الشركة وبخاصة في الولايات المتحدة كما تم التعاقد مع العديد من الوكلاء الصناعيين حول العالم لإنتاج وتسويق أجهزة التلفزيون المختلفة نيابة عن الشركة.
تحتل توشيبا الآن المركز الأول عالمياً في العديد من المجالات الصناعية الهامة مثل مجال إنتاج الحاسبات المحمولة ومجال إنتاج أجهزة فحوص الأشعة وأجهزة العلاج الاشعاعي علاوة على مجال إنتاج المصابيح النيون الطولية والدائرية وفي مجال إنتاج شرائح المعالجة وشرائح الذاكرة ومشغلات الأقراص الخاصة بأجهزة الكمبيوتر فإن توشيبا ظلت منذ منتصف التسعينيات وحتى اليوم واحدة من الشركات الخمس الكبرى حول العالم، وهي الآن في مجال إنتاج شرائح المعالجة الالكترونية تحتل المركز الثالث عالمياً بعد شركة إنتل الأمريكية وسامسونج الكورية.
وتجدر الإشارة، إلى ان العادة في اليابان تقضي بأن تكون الشركات الصناعية الكبرى أعضاء في شبكات أو عائلات أكبر من الشركات المتحالفة تحالفاً استراتيجياً وثيقاً وان كانت غير مندمجة مع بعضها البعض في صورة شركة قابضة (أو شركة "أم") واحدة وهي نفس العادة التي جرت عليها شركة توشيبا منذ نشأتها تقريباً. فقبل الحرب العالمية الثانية كانت توشيبا عضواً بمجموعة ميتسوي زاباتسو الصناعية أما اليوم فإن توشيبا أصبحت - ومنذ أكثر من ثلاثة عقود - عضواً بمجموعة ميتسوي كايريستو التي تضم أيضاً شركات يابانية مشهورة أخرى مثل هيتاشي وشارب واوريون إلى جانب بنك ميتسوي ومجموعة ميتسوي للتأمين.
تلتزم توشيبا منذ فترة طويلة بأن تنفق نسبة 5% من أرباحها الإجمالية على أنشطة البحوث والتطوير الموجهة نحو اكتشاف منتجات جديدة وتحسين المنتجات القائمة وخفض تكاليف الإنتاج ولعل هذا الالتزام الكبير باستمرارية أنشطة البحوث والتطوير وبسخاء تمويلها هو من العوامل المفسرة لنجاحات توشيبا المتعددة ولقدرتها الممتدة عبر العصور على اكتشاف الجديد والأفضل قبل ان يتوصل منافسوها إليه. وبطبيعة الحال فإن قصة توشيبا منذ نشأتها تنطوي على العديد من أوجه التشابه التي يمكننا رصدها في قصص نجاح غيرها من الشركات العالمية الكبرى ولا عجب في ذلك: فالكبار عادة ما يسلكون مسارات مختلفة كل حسب ميوله وثقافته وقدراته ولكنه بالعزيمة والإبداع يستطيعون الوصول إلى نفس الغايات الكبرى.