حديث الثلاثاء:
في جامعة الملك سعود كنا محكمين ناقدين غير منحازين
محمد بن أحمد الرشيد

دعاني أخي الدكتور عبدالله العثمان إلى زيارة جامعة الملك سعود - لأقف بنفسي على ما تحقق من تطور وتحديث للجامعة، فرأيت أن دعوته لي هي كمن يدعو صاحب الدار إلى زيارة داره، أو دعوة الأخ الشقيق لأخيه ليؤنسه في بيته، ووجدت أنه من الأجدر أن يدعو أيضاً إخوة من الزملاء البارزين - هم الآن خارج الجامعة - تتوافر فيهم السمات العلمية، والرؤى الموضوعية، والخبرة بالعمل الجامعي، والاطلاع على ما في الجامعات المرموقة في العالم، الذين لا يرقى الشك إلى صدقهم، وأمانتهم، وصراحتهم؛ فكان أن دعاهم؛ لنكون جمعاً شاهداً، وحكماً أميناً عادلاً.

** ** **


إن جامعة الملك سعود ذات رسالة فريدة من بين جامعات المملكة، التي زادت الآن على عشرين جامعة حكومية، وهذه الرسالة هي: (توفير خدمات تعليمية متميزة، وإنتاج بحوث علمية ابتكارية، وخدمة المجتمع، والإسهام في بناء اقتصاد ومجتمع المعرفة)، وذلك من خلال التعليم المتميز محتوى ووسيلة وعمقاً



نحو ست ساعات عشناها يوم الأحد الماضي ٩ من جمادى الآخرة ١٤٣١ه في جامعة الملك سعود هي من الدقائق التي تمر كل واحدة منها برؤية جديدة، والاطلاع على منجز حديث، وطوال الساعات التي عشناها كان مديرها واقفاً على قدميه، شارحاً موضحاً الإستراتيجية للجامعة وكل عنصر من عناصرها من المنظور القريب والبعيد، لقد أوجز لنا ما في الوثيقة الممهورة في مجلدين، أحدها باللغة العربية والآخر بالإنجليزية؛ كل منهما في نحو مئتين وخمسين صفحة، وقد أدهشنا بحق إلمامه بجميع دقيق مفرداتها، ومنذ البداية طلب منا مضيفنا الكريم أن نكون حكماً عدلاً، لا واصفاً مجاملاً، وأن نكون ناقدين واعين، لا معجبين منحازين.

** ** **

ثم أردف قائلاً:

١- إن جامعة الملك سعود ذات رسالة فريدة من بين جامعات المملكة، التي زادت الآن على عشرين جامعة حكومية، وهذه الرسالة هي: (توفير خدمات تعليمية متميزة، وإنتاج بحوث علمية ابتكارية، وخدمة المجتمع، والإسهام في بناء اقتصاد ومجتمع المعرفة)، وذلك من خلال التعليم المتميز محتوى ووسيلة وعمقاً، وتوفير البيئة المعينة على التفكير الإبداعي، والاستثمار الأمثل للتقنية فيما يخدم بلادنا، والمشاركة العالمية الفعالة في الابتكار والاختراع.

لقد كانت المهمة الأولى لهذه الجامعة عند إنشائها هي تخريج طلاب جامعيين في مختلف التخصصات؛ لملء الوظائف الشاغرة حكومية كانت أو أهلية، وأما الآن فإن جامعاتنا هي الجامعة الأم التي تركز في البحث العلمي التطبيقي، وإعداد العلماء الذين يسهمون بفعالية في مسيرة التطور الحضاري العالمي، ولم تعد هذه الجامعة مماثلة في مهماتها لسائر الجامعات الحديثة الإنشاء.

** ** **

٢- ولأن كل جامعة من الجامعات لا تستطيع أن تتميز في كل التخصصات فإن جامعتنا ركزت في أن تتميز في البحث العلمي التقني المرتبط بحاجة بلادنا مثل: أبحاث الطب، المياه، الطاقة المتجددة، القيادة، الموارد البشرية، الإبداعات والاختراعات. لهذا وقفنا ونحن برفقته طويلاً عند مركز تقنية النانو، ومختبرات الهندسة الصناعية، ومركز ريادة الأعمال، الذي يموله بالكامل أحد البنوك السعودية، وعمادة السنة التحضيرية الفريدة في برامجها وغاياتها.

** ** **

لقد تعودنا من سائر خريجي الجامعات هنا وهناك أن يبحث الخريج فور تخرجه عن وظيفة، وكأنها هي التي دخل الجامعة من أجلها، غير أن التوجه في جامعة الملك سعود - كما عبر عنه مديرها - قد صار للتأهيل الذي يمكِّن الخريج من أن يبدأ هو عملاً يملكه هو، ويديره هو، نتيجة تعلمه وتدريبه العملي، ولذلك انشأت الجامعة (شركة وادي التقنية) في مقرها؛ ليكون حاضنة للإبداعات العلمية، والاختراعات والمبادرات العملية، وقد شاهدنا بعضاً من الاختراعات الطلابية التي صارت منتجات تجارية رابحة لجودتها، وشدة الإقبال عليها، بل إن مركز ريادة الأعمال الذي يمتلئ بالطلاب كل الوقت يخيل لناظره وكأنه في بورصة للأوراق المالية، تداولاً وعقداً للصفقات التجارية.

** ** **

جوانب واسعة مطمئنة ذات أبعاد حضارية وعلمية لا يمكن استيفاؤها في مثل هذا المقام، غير أن الشواهد على صحة هذا التوجه تتبين من خلال قناعة المتبرعين بالكراسي العلمية التي تدر دخلاً كبيراً يضمن للجامعة سلامة موقفها المالي في الإنفاق على البحوث والتطوير، واستمرار توفره.

ومن الدلائل أيضاً هذه المنشآت العملاقة، والأبراج العالية التي تقام في هذا الحي الجامعي الفسيح، الذي يحمل كل منها اسم المتبرع، وكلها وقف على الجامعة، ومعروف أن المتبرع لا يُعطي إلا عن قناعة بجدوى وجدية مما يعطي له، ثم هذه الشراكة العملية مع جامعات مرموقة عالمياً في التخصصات التي تتميز كل واحدة فيها في تخصص غير الأخرى في بلاد عدة، كالسويد، كندا، الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا. إنه تعاون ملموس ومتواصل، غير ما يعرف بمذكرات التفاهم التي عرف عنها أنها لا تقدم ولا تؤخر، وإنما هي أعمال شكلية من دون مضمون عملي.

** ** **

وبعد الجولة كانت هناك جلسة مصارحة بين الأحباب، وبإصرار من مدير الجامعة على أن يعبر كل منا مخلصاً صادقاً غير مجامل في شيء عما رآه، وما يقترحه من رؤى. فكان هناك إجماع من الزائرين علي أنهم تيقنوا من صحة، وسلامة، وصدق كل ما سمعوه أو قرأوه عن هذه الجامعة العملاقة، بل إن البعض اعترف بأنه ما كان أبداً ليصدق ما يرد على مسامعه من تطور وانطلاق كثير من المشروعات الإبداعية الجديدة فيها، حتى ما ينقله له أولاده مما لمسوه وأحاطوا به في هذه الجامعة، طلاباً كانوا أو أعضاء هيئة التدريس. أما الآن فقد حصحص الحق، وثبت اليقين.. وما شاهدنا أكد صدق كل ما قرأناه.

** ** **

وكان الإجماع من الزائرين جميعاً هو توصية مديرها القدير بتهيئة فريق من أعضاء هيئة التدريس يشارك في الإسراع بالخطى، وإكمال المسيرة وتواصلها واستمرارها، إذ إن أحد آفات مؤسساتنا الحكومية هو أنها - في الغالب - تعتمد على الشخص القائد وحده، وتتغير الأمور لو تغير هذا القائد.

وأيضاً كان الإلحاح على المزيد من الاهتمام باللغة العربية، المتمثل في خريج هذه الجامعة بصورة تجعله لائقاً ومتفوقاً فيها استعمالاً علمياً، وبكفاءة متميزة تليق بمكانة بلادنا موطن هذه اللغة الخالدة، فلا خير في أي عالم من علمائنا مهما بلغ علمه، إذا لم يستطع أن يستوعبه ويعبر عنه للآخرين بلغة عربية فصحى.

** ** **

إن غاية مرادي من هذه المقالة هو أن أبرز جانباً من الجوانب المضيئة في مملكتنا، حتى لا يصيبنا الإحباط بسبب الانتقادات الموجهة لجوانب القصور في بعض المؤسسات الحكومية، ولا أريد نفي ذلك عنها مطلقاً؛ لكن ذكر الحسن عندنا وذكر العيب الذي قد يكون في مصالحنا أمر مطلوب للتعزيز من الأعمال الجيدة، والخلاص من غيرها.

** ** **

وفقنا الله جميعاً إلى الخير والصواب والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها، اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأمدنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.