الإنسان هو الكائن الحي الوحيد القادر على إدارة شؤونه وتنظيم حياته مستخدماً العقل وما يختزنه من ثقافة ، إضافة إلى استخدامه للغريزة وما فطر عليه ، أما بقية الكائنات ومهما بلغت نسبة ذكاء بعضها فهي تعتمد على غرائزها أكثر مما تعتمد على عقولها ، وقد أكدت الدراسات على أن الحيوان سبق الإنسان بوجوده على كوكب الأرض ، وأن الإنسان البدائي تعلم من الحيوانات التي شاركته العيش في بيئته ، وكلنا


يعلم قصة هابيل وقابيل ابني آدم وكيف أن هابيل تعلم من الغراب كيف يدفن أخيه : قوله تعالى : " فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتي أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ " (31) (سورة المائدة).
ومهما كان ما تعلمه الإنسان من الحيوان فلا يعد إلا الشيء اليسير مما أبدعه العقل البشري من إيجاد الوسائل التي يستطيع من خلالها تحقيق غاياته التي لا تقف عند حد معين .
احتاج إلى القوانين والأنظمة فأوجدها من خلال معرفته بماهية الثواب والعقاب ، وقد كان الملك الآشوري حمورابي الذي حكم بابل بين عامي 1792 - 1750 ق . م شخصية عسكرية لها القدرة الادارية والتنظيمية ، ومسلته الشهيرة المنحوتة من حجر الديوريت الأسود والمحفوظة الآن في متحف اللوفر بباريس ، تعتبر من أقدم وأشمل القوانين في وادي الرافدين بل والعالم. وتحتوي مسلة حمورابي على 282 مادة تعالج مختلف شؤون الحياة، وفيها تنظيما لكل مجالات الحياة وعلى جانب كبير من الدقة لواجبات الأفراد وحقوقهم في المجتمع ، كل حسب وظيفته ومسؤوليته.
ويمكن القول إن القوانين والأنظمة الوضعية الأولى ، وكذلك التعاليم الدينية ، وما ينطوي تحت لفظتي العدالة والمساواة من معان ، كانت الأسس التي قامت عليها إدارة الموارد البشرية ، إلا أن هذا المصطلح بكلماته الحالية هو مصطلح علمي حديث يستخدم للدلالة على العملية الإدارية وما تتطلبه من مهام تتعلق بالتخطيط والتنظيم و التحديث والتطوير و التحفيز و التعويض ، و رقابة أداء ، إلى آخر ما هنالك من مهام ، ولا يتحقق من ذلك شيئاً ما لم تنظر الإدارة إلى الكادر البشري على أنه قبل كل شيء إنسان وليس آلة .
ظهر مصطلح إدارة الموارد البشرية في الولايات المتحدة الأمريكية في بداية العقد السابع من القرن الماضي كبديل عن مصطلح إدارة الأفراد ... في الوقت الذي كنا ولا نزال نستخدم مصطلحا آخرا هو ( شؤون العاملين ) .
وتعرف إدارة الموارد البشرية على أنها نموذج متميز لإدارة البشر والذي يسعى لتحقيق الميزة التنافسية من خلال وضع استراتيجية للحصول على موارد بشرية تتميز بالكفاءة ، هذا النموذج المتميز يتمتع بمبادئ أساسية .. تتعلق باستراتيجية التكامل، تكامل إدارة الموارد البشرية مع الخطط الاستراتيجية للمنظمة.
وبالولاء. ولاء العاملين لأهداف للمنظمة ، وبالمرونة ، مرونة المديرين ومدى تفهمهم للحالات النفسية والاجتماعية للعاملين ، وتهتم بعملين التكيف والقدرة على إدارة التغيير.
ويمكننا أن نعرف إدارة الموارد البشرية على أنها مجموعة وظائف تقوم بها المنظمة بغرض توفير الكفاءات البشرية , وتنميتها، وتوجيهها لتحقيق أهدافها.
وهناك مراحل لابد أن تمر بها هي :1 - توفير الكفاءات البشرية 2 - تنميتها 3 - توجيهها .
ويتبع المراحل السابقة سلسلة طويله من المهام المرتبطة بها ، فتوفير الكفاءات البشرية يتطلب دراسة مدى احتياج المؤسسة للعاملين ثم تأتي عملية دراسة الرواتب والأجور ومدى تناسبها مع الوظيفة التي ستسند إلى العامل ثم تأتي عملية الامتحان ومن ثم الفرز والانتقاء ، بمعنى أن يتم وضع الشخص المناسب في الوظيفة المناسبة ... ولا يتم ذلك ما لم يسبق بما يسمى الاستقطاب ويكون ذلك بالاعلان على الوظيفة وشرح مزاياها وأجورها وساعات العمل وغير ذلك من المغريات التي من شأنها أن تجعل عدد المتقدمين كبيراً ليتم انتقاء النخبة .
وبعد مرحلة الانتقاء والتوظيف تأتي مرحلة التنمية والتدريب من خلال إقامة الدورات النظرية والعملية كي تحافظ العناصر على مقدراتها وكفاءتها ، وتأتي مرحلة التوجيه ، التي تتم بعد دراسة واقع العمل ومدى تحقيق الغايات المرجوة بل لنقل تقييم الأداء لتحديد الفارق بين الأداء الفعلي والأداء المطلوب ، وذلك لتصحيح الجوانب السلبية بالعودة إلى التدريب وتدعيم الجوانب الإيجابية بالحوافز والمكافآت .
وبهذا يمكن القول : إن إدارة الموارد البشرية هي عملية تنظيم للعلاقة القائمة بين إدارة المنظمة وموظفيها, ترمي إلى تحقيق أهدافها وأهدافهم ، وذلك من خلال مجموعة من البرامج والأنشطة المستندة في إعدادها إلى نظم وقوانين قابلة للتغيير بحسب الوضع الراهن، ومن هذا المنطلق فإن إدارة الموارد البشرية تتعامل مع العنصر البشري(الوظيفي) لاستثمار طاقاته
وهناك دونما شك علاقة ارتباط بين نجاح المنظمة ونجاح الأفراد فيها بحسب برامج وخطط المنظمة مع العلم أن القياس الفوري لأي عمل ولا سيما في المنظمات الإنتاجية أمر صعب ويبقى التكهن والتنبؤ في حدود الإمكانيات المتاحة, أما الربح فهو ليس مقياساً صحيحاً لنجاح المنظمة، إذ إن هناك عوامل كثيرة تتدخل لتقلب الموازين.. ويكمن سر نجاح أي منظمة في العلاقة ما بين المدير ومجلس الإدارة والعاملين.. والسياسة الواضحة في التعامل مع العاملين المستقطبين للعمل, إضافة الى إعطاء الصلاحيات للإدارات الدنيا لتتمكن من اتخاذ قرارات صائبة أو تقترح قرارات صحيحة للجهات الأعلى .
وعلى المدير الاهتمام بالموظفين كونهم مورده الأساسي... وإيجاد الفرص للتدريب المهني ورصد الاعتمادات المالية الكافية لها.. ورفع الرواتب بما يتناسب مع الواقع الاجتماعي للفرد إضافة إلى إعطاء الحوافز التشجيعية وأن تكون هناك عدالة ومساواة فهما تجذبان الأفراد الى المنظمة فلا يفكر أحد بتركها للعمل في غيرها. المساواة والعدالة تحققان نتائج سليمة في أغلب الأحيان.
إن إدارة الأفراد لا تأتي بالتنصيب أو الاعتبارات الخاصة، ولا تأتي بالمال أيضاً، بل هي قدرات خاصة ومواهب يعتمد عليها المدير وتضفي عليها التجارب وقوة التفكير وسعة الأفق ورحابة الصدر، مهارات رائعة تجعله يمسك بزمام الأمور بثقة واقتدار. بل لا بد وأن يتولى المدير مهاماً أساسية في المؤسسة التي يديرها حتى يصلح أن يكون في هذا المقام، وتقسم مهام القائد في الغالب إلى قسمين:
أحدهما: مهام رسمية تنظيمية.
وأخرى: سلوكية أخلاقية.
وتتلخص المهام الرسمية في مراعاة تنفيذ مبادئ التنظيم الإداري في المؤسسة لكي تسير الأمور بانضباط وجدية وأبرز هذه المهام :
1- التخطيط : أي رسم السياسات ووضع الاستراتيجيات وتحديد الأهداف البعيدة والقريبة، ووضع الخطط الموصلة إليها
2- التنظيم: أي تقسيم العمل وتوزيع المسؤوليات والوظائف بين الأفراد وتوزيع العاملين عليها حسب الكفاءات والخبرات والقدرات والطموحات.
ولا يكون المدير ناجحاً إلا إذا وضع الشخص المناسب في مكانه المناسب، وهذا ما يفرض عليه أن يراعي الخبرة والتخصص والقدرة والفاعلية في الأفراد.
3 – التنسيق : وهذا ما يتطلب منه الاتصال الدائم مع العاملين وشرح أهداف المؤسسة لهم وتذكيرهم بها باستمرار لشحذ هممهم وتحفيزهم للتعاون، وعلى المدير أن يخلق روح التعاون والمحبة بين العاملين ويشعرهم بأنهم أسرة واحدة وأنهم الفريق المتكامل والمتعامل المتحد الأهداف والطموحات.
4- المتابعة والإشراف: وتعود الكثير من الاستمرارية والنجاح في الأعمال على مهمة المتابعة التي يقوم بها المدير مباشرة أو بالوسائط للمهام والخطط، كما تعد المتابعة المستمرة وسيلة للثواب والعقاب وأداة للإصلاح والتقويم والتطوير.
وعندما يهيمن الفساد الإداري على عمل منظمة ما فهذا لايعني بالضرورة نهاية هذه المنظمة فهناك ما هو نقيض الفساد الإداري وأعني به الإصلاح الإداري ، والإصلاح الإداري هو جهد سياسي, وإداري, واقتصادي, ثقافي وإرادي هادف لإحداث تغييرات أساسية إيجابية في السلوك والتنظيم والعلاقات والأساليب والأدوات تحقيقاً لتنمية قدرات وإمكانيات الجهاز الإداري بما يؤمن له درجة عالية من الكفاءة والفعالية في إنجاز أهدافهوقد يكون الإصلاح الإداري :
1-ذاتياً : حيث تقوم إدارة الجهاز نفسها بالإصلاح من خلال سعيها لاكتشاف مواطن الخلل والضعف في مختلف جزئيات العمل والقيام بتصحيحها عن طريق التقييم والمتابعة والرقابة واتباع الوسائل العلمية لتحسين أساليب العمل وتطويرها.‏
2-إلزامياً : الذي ينص على أن الإصلاح الإداري يأتي مفروضاً من خارج الأجهزة الإدارية من جراء الإحساس العام بأن خللاً ما في الجهاز الإداري الكلي تعوق عمله وهناك عوامل أخرى تفرض فرضاً وتدفع القيادة السياسية الى تبني هذا الطلب وفرض المدخل الإلزامي للإصلاح الإداري.وهي( عوامل سياسية, اجتماعية, وسكانية) ومهما يكن فإن الإصلاح لن يتم دفعة واحدة بل من خلال اعتماد الأسلوب المتدرج في تطبيقه انطلاقاً من التهيئة العامة الشعبية لقبوله والتفاعل معه ، ولا بد من توفر عدة متطلبات ليتم الإصلاح الإداري منها: القناعة لدى من يقوم بعملية الإصلاح والاعتماد على أشخاص مشهود لهم بالنزاهة. والخضوع للتدريب على تنفيذ البرامج الصحيحة إضافة الى تنمية المعارف والعلوم وفقاً لمتطلبات العصر بتحليل سمات الواقع الإداري والاعتماد على المدخل الذي انتهجته القيادة السياسية في فرض الإصلاح الإداري وفق إطار فكري يبنى على إدارة واعية..‏
إن عمل إدارة الموارد البشرية ما هو إلا مجموعة من النظريات الاجتهادية التي يجب ألا تخضع لقوانين وقواعد ثابتة ، بل لا يمكن أن تنجح الإدارة عندما تخضع نفسها لمجموعة من القوالب الجامدة ، أو عندما تعتبر أن الأوامر الإدارية والتعاميم والتعليمات والقرارات ضرورات حتمية يجب تنفيذها بحذافيرها دونما تردد أو تذمر ... بل هي أكثر نجاحاً عندما تطلب تنفيذ ما يصدر من أنظمة وقوانين ناظمة ولكن ضمن حدود الإمكانيات المتاحة آخذة بعين الاعتبار العوامل النفسية والاجتماعية والفروقات الجسدية بين العاملين ... وملاحظة التنوع البيئي والمناخي واختلاف ظروف العمل من مكان لآخر ... ومن هنا يمكن القول إن هناك مهام غير رسمية للمدير ولانجدها مندرجة في القرارات والتعليمات الناظمة ... وإنما هي مهام سلوكية تتعلق بشخصيته ومدى تفهمه وإدراكه لقضايا وشؤون العاملين الشخصية ... أو لنقل تعتمد بشكل كبير على شخصيته وآفاقه وأسلوبه الشخصي في التعامل مع الآخرين، دعوني أطرح مثالاً : إن تقديم واجب العزاء لأحد العاملين ليس مفروضاً على المدير كمهمة رسمية ... إلا أن قيامه بهذا العمل غير الرسمي يؤدي إلى نتائج جيدة على صعيد العمل .
وهنا يتوجب على المدير الاهتمام بمرؤوسيه وإقامة علاقات جيدة معهم، بهدف الاقتراب منهم والتعرف على مشكلاتهم وأفكارهم من الداخل لتذليل الصعوبات وتحقيق ما يمكن تحقيقه بما لا يضر بمصالح المؤسسة بل يصب في خدمتها ، إن الاتصال مع الجماعات المختلفة في المؤسسة، يكسر الحاجز بين الطابع الرسمي الذي يفرضه العمل، وغير الرسمي الذي تفرضه الأعراف والتقاليد والأخلاق ... صحيح أن المدير قد يتهم بالأنانية عندما يفعل الخير ومع ذلك ليفعله ... فهو إذا ما حقق نجاحاً سوف يجد أصدقاء مزيفين أو سيجد أعداء له ... ولكن مهما يكن ليسعى إلى تحقيق النجاح مهما كثر أعداؤه ، وغالباً ما يكون المدير الصادق الصريح النزيه عرضة للانتقاد من بعض ذوي النفوس الضعيفة ، إلا أن الانتقاد هذا يجب أن يزيده تصميماً على نبذ الكذب دائماً والنزاهة أبداً .
إن تطبيق نظريات إدارة الموارد البشرية يخضع لجملة من العوامل ويتفاوت التطبيق من منظمة إلى أخرى بحسب الظروف التي قد تكون سبباً في النجاح أو الظروف التي تكون سبباً في الفشل ...