تروس لا تدور.. معدات ساكنة.. ومصانع موصدة هجرها العُمال والشغيلة.. وعششت فيها الفئران والأشباح.
فى مُدن 6 اكتوبر والسادات والعاشر من رمضان وبرج العرب والعبور وبدر وأسيوط الصناعية والكوثر وشبرا الخيمة صارت المصانع المغلقة سمة بارزة . ارتفع العدد رويدا من 2000 مصنع قبل ثورة يناير 2011 إلى 7 آلاف مصنع طبقا لتقديرات الصناعيين. فضلا عن أكثر من 40 ألف منشاة صناعية ــ طبقاً لأرقام اتحاد الصناعات ــ تعمل بأقل من نصف طاقاتها.
ورغم التهوين الحكومى المتمثل فى الاعتراف بوجود مصانع مغلقة أو متعثرة لا تزيد علي ألف مصنع إلا أنهم يعجزون ــ حكومة بعد أخرى ــ عن حل أزمة التعثر وإعادة تشغيل تلك المصانع.
والمؤسف، أن تُعلن الحكومة عن مشروع لإنشاء ألف مصنع جديد بدلا من تشغيل المصانع المغلقة.
السكوت جريمة، والتهوين جريمة، والبحث عن مساعدات ومنح وقروض من الخارج أو الداخل جريمة أكبر فى ظل تكهين الصناعة المصرية.

أسباب التعثر
إن أسباب تعثر المصانع متنوعة، فبعض المصانع تتعثر بسبب اعتمادها على اسواق بعينها مثل السوق الليبى أو السوق السورى، ولا تجد بديلا بالاسواق الإفريقية أو العربية الأخرى.
والبعض الآخر يتعثر بسبب توقفه جزئيا عن الإنتاج فترة الاضطرابات الامنية وهو ما أدى إلى تراكم أقساط القروض البنكية عليه وعدم قدرة أصحاب المشروعات الصناعية على سداد الأقساط بغراماتها وفوائدها. وهناك آخرون تعثروا نتيجة عدم انتظام إمدادات الغاز وزيادة أسعاره، مما دفعهم إلى وقف الإنتاج وتسريح العمالة نهائيا.
الأزمة طرحت من قبل على حكومة الدكتور حازم الببلاوى، ثم المهندس إبراهيم محلب وتم الاتفاق بشكل مبدئى على صرف حزمة تمويلية قيمتها 500 مليون جنيه للمصانع المتعثرة من خلال الصندوق الاجتماعى للتنمية، إلا أن ذلك لم ينفذ حتى الآن بحسب صناعيين وقيادات بمنظمات الأعمال.
كذلك فقد سبق أن طالب اتحاد الصناعات المصرية من خلال مذكرة رسمية قدمها المهندس محمد السويدى بإلغاء قرار البنك المركزى بادراج المصانع المتعثرة ضمن القوائم السلبية، لكن يبدو أن ذلك أيضا لم يجد طريقه للتنفيذ.
نحن فى حاجة ماسة لتدخل الدولة لاعادة تشغيل المصانع القديمة بدلا من الإعلان عن انشاء مصانع جديدة. هكذا يقول أحمد عاطف رئيس غرفة الطباعة الأسبق والذى يرى وجود حاجة ماسة لتمييز الفائدة البنكية الخاصة بتمويل الصناعة من خلال صندوق يدعم تمويل القطاع الصناعى .
ويضيف: إن كثيراً من حالات تعثر المصانع ترجع إلى ما قبل 25 يناير 2011، فحوالى 70% من المصانع توقف بالفعل قبل الاضطرابات السياسية التى تشهدها مصر نتيجة مشكلات فى الإدارة، و 30% منها توقف عقب هذا التاريخ نتيجة الركود الذى أصاب الأسواق وعدم قدرة تلك المصانع على تحمل الضغوط، خصوصاً أن معظمها يقع فى نطاق الصناعات الصغيرة والمتوسطة.
ويؤكد عاطف ضرورة ايجاد إرادة حقيقية وقوية لحل المشكلات القائمة، موضحا أن المصانع المتعثرة قادرة على استيعاب عدد كبير من العمالة حال إعادة تشغيلها مرة أخرى، فى الوقت الذى تسعى فيه الحكومة لخفض نسب البطالة.
وقال: إن على الحكومة وضع ملف التعثر على رأس أولوياتها، والعمل على إعادة تصنيف المشكلات التى تواجه المصانع سواء كانت مشكلات مادية أو فنية، والعمل على التواصل مع أصحاب تلك المصانع ووضع خطط قصيرة الأجل لحلها.
ويلفت إلى أن الفترة الحالية تعد الأنسب للعمل بجدية لحل أزمة المصانع المتعثرة، خصوصاً فى ظل تحسن الوضع الأمنى وحالة الاستقرار السياسى، مشددا على أن نقص التمويل يعد من أهم المشكلات التى تواجه القطاع الصناعى بشكل عام.
ويضيف عاطف أنه توجد عدة طرق وآليات يمكن أن تسهم فى تسهيل حل مشكلة المتعثرين من بينها خفض سعر الفائدة للمصانع المتعثرة، لحين عودتها إلى العمل مرة أخرى، فضلا عن عمل برامج من خلال مركز تحديث الصناعة للدعم الفنى فى الجوانب الإنتاجية والتسويقية، بجانب تقديم الاستشارات التى تحول دون تكرار نفس الأخطاء التى أدت إلى التعثر.

أرقام خاطئة
محمد البهى رئيس لجنة الضرائب باتحاد الصناعات يشكك فى الأرقام المطروحة من جانب الحكومة بالنسبة للمصانع المتعثرة مؤكدا أنه من غير المعقول أن يكون عدد المصانع المتوقفة فى السوق 900 مصنع فقط .
ويشير البهى إلى أن أكثر من 7 آلاف منشاة صناعية قدمت شكاوى إلى مركز تحديث الصناعة تؤكد تعثرها.. لكن لم يتم التواصل الا مع نحو 900 مصنع فقط.
وفى تقدير المهندس مجدى طلبة رئيس لجنة ادارة غرفة الصناعات النسيجية فإن عدد المصانع المغلقة تماما لا يمكن أن يقل بأى حال عن 7 آلاف منشاة، ويقول إن جزءاً كبيراً من تلك المصانع عبارة عن مصانع صغيرة ومتوسطة، وهناك أيضا مصانع عديدة تحولت إلى مخازن .
ويرى طلبة، ضرورة تشكيل إدارة للأزمة تضم ممثلين لوزارات التجارة والصناعة والمالية والتأمينات والجهاز المصرفى وتضع قواعد لانقاذ الصناع المتعثرين وتقسيط مديونياتهم، وعمل تسهيلات لمنحهم قروضا إضافية بما يعنى تعويمهم، خصوصاً أنه توجد ظروف استثنائية مرت بها مصر أدت إلى الأوضاع الحالية.