أذكر في بدايات حياتي العملية أن المكاتبات كانت تتم عن طريق سكرتير القسم فما إن تكتب مسودة خطابك وتدخل الى مكتب السكرتير حتى تشعر بالأسف لهذا المسكين الذي يئن تحت وطأت الخطابات المتراكمة حتى أصبح هو عنق الزجاجة وتعتمد إنتاجية القسم على مدى قدرة هذا السكرتير على تحرير خطابات القسم بالسرعة المطلوبة.

الجميل أن الخطاب لا يخرج الا بعد تنقيح ومراجعة و تريث فاذا وصلك خطاب (بالفاكس ) من أحد فإنه يستحق القراءة والتوقف وتشعر أنك تمسك بخطاب (مليان) من حيث المعنى والحبكة. وكل كلمة تدل على معناها سواء منك أو اليك.

طبعاً يخرج الخطاب بعد ثلاثة أيام من كتابة المسودة.

أما الآن .. فانقلبت الآية وأصبحت الرسالة أقل رسمية وتأتيك في دقائق.

من يقارن يجد أن فارق السرعة كبير بين الحالتين ولكن إذا ما دققنا نجد أن لكل منهما ميزة.

لن أتكلم عن النظام القديم حتى لا أتهم بأني رجعي ولكن سأتحدث عن معضلة يواجهها الكثير من المسئولين في الشركات وهي سوء إستخدام الايميل.

ربما تعلمنا كيف نتعامل مع الايميل تقنياً ولكن بالتأكيد هناك خلل في فهمنا لمعنى كتابة الايميل ومتى نكتبه والى من نرسله ومدى التأثير المحبط لأي إيميل على البعض ولوكان به كلمة واحدة !!

كيف؟

لنبدأ بأكبر المشاكل, تراكم وتكدس الايميلات التي معظمها مرسل في غير محله وبطريقة غير صحيحة.

تجد أن بعض المسئولين يغيب عن مكتبه يومين في رحلة عمل وحين يصل في اليوم الثالث يجد مئة وخمسين ايميل تنتظر منه القراءة والرد!!

لنفرض أنه سيقضي دقيقة واحدة فقط لقراءة الايميل , هذا يعني أنه سيقضي ساعتين ونصف متواصلة لقراءة ماتكدس من رسائل . هذا قراءة فقط أما إن كان هناك مايستدعي الرد , فلنقل على يومه السلام.

تكلمنا في المقال السابق عن الطريقة القديمة في مراسلات العمل والطريقة الجديدة وكيف أنها تضع المسئولين تحت وطأة الكم الهائل من الايميلات المتكدسة.

وكان سؤالنا في نهاية المقال :

إذا كان هذا المأزق يومي بالنسبة للمسئولين فما الطريقة الصحيحة لتخفيف الضغط عنهم؟

لا أخفي عليكم أن الأمر يتطلب عمل جماعي وجهود متظافرة من قبل كل الذين هم من حولك وليس فقط جهداً ذاتياً من قبلك أنت فقط.

في البداية دعونا نتعرف على الأخطاء التي تسبب تراكم الايميلات عندك:

1- البعض إذا أراد أن يرد على ايميل, يدوس على ايقونة (Reply to all) بدون أن يكلف نفسه السؤال المهم: هل علي أن أرسل لكل المذكورين في الايميل الأول؟ هل فعلاً أنا أريد أن أرسل لكل هؤلاء ردي وأريدهم أن يقرأوه؟ أم أنني أقصد أن أرد للمرسل فقط وأوضح وجهة نظري له هو فقط؟ طبعاً هذه الأسئلة يستطيع أن يجيب عليها الأخ في ثواني ولكنه لايكلف نفسه عناء هذه الأسئلة فيدوس على الايقونة ليقلب حياتك الى جحيم يومي وهو لا يدري.
2- إستعمال الايميل بدلاً من التليفون: الايميل لا يغني عن التليفون في بعض الحالات التي تتطلب مناقشة وأخذ ورد. والخطأ الذي يرتكبه هؤلاء : بدلاً من رفع السماعة وانهاء النقاش في خمس دقائق, يتراشقون الايميلات ويحتمي الوطيس والكل منهم يريد أن يثبت وجهة نظره أمام الجميع وتسجيل موقف وطبعاً بالضغط على الايقونة اياها (Reply to all). طبعاً بعد ستة ايميلات أو أكثر تنتهي المعركة وقد أضافوا لك هذا الكم من الايميلات السخيفة التي أغرقت صندوق بريدك وتكدست فوق الايميلات المهمة. والعجيب أن كل واحد منهم لم يفكر برفع السماعة لانهاء الخلاف.
3- إعطاء (CC) لك , أي نسخة لك , حتى لاتلومه في المستقبل لعدم إطلاعه لك عن الموضوع وأنه لم يجعلك في الصورة. وأصحاب هذه العادة يمطرك بكل ايميل يخرج من عنده سواء له داعي ام لم يكن له داعي. وطبعاً إذا كان عندك ثلاثة من هالنوعية , فعليك السلام .
4- اتباع بعض الموظفين من خارج إدارتك اتيكيت بائس وهو أن يعطيك (CC) لكل ايميل يرسله لموظفيك حتى لا تقول أنه تعداك اليهم ولم يتبع التسلسل الهرمي في المسئولية.
5- وأخيراً , الذين يضعونك في قوائمهم البريدية (موظفين من داخل الشركة), ويمطرونك بالأخبار والرسائل التي تحوي صور وملفات ذات حجم هائل يئن تحت وطأته صندوقك المحدود من حيث القدرة التخزينية إضافة الى تكدس العشرات من الايميلات التي لا تمت للعمل بصلة.


مشاكل تضخم الايميل وصعوبة متابعة الرسائل فيه بشكل ميسر :

المشكلة الأولى: Reply to all:
الحل أن تكون لديك رسالة جاهزة في ثلاثة سطور تبين أن هذه العادة (Reply to all ) تزيد من تكدس الرسائل بلا طائل وأنك تفضل عدم إشراكك في المساجلات حتى يكتمل الموضوع و ترسلها لكل من أدخلك في دائرة المساجلات حتى يكفوا. الصمت هو الذي يشجع هؤلاء على التمادي.

المشكلة الثانية: إستعمال الايميل بدلاً من التليفون:
تبدأ في مرؤوسيك وتوضح لهم أن الرسائل الإلكترونية لا تغني عن التليفون أو المقابلة وأنها غير فعالة اذا استخدمت بدلا منهما في حين أنك تستطيع التحدث مع من تريد وانهاء العمل بالسرعة المطلوبة.
أيضاً إسأل من يعمل معك عن الخطوات التي اتبعها في سبيل انهاء المهمة وإن كان قد اكتفى بإرسال رسالة الكترونية فقط ولا تقبل منه أن يبرر لك التأخير بأنه أرسل الرسالة ولم يأتيه رد بل بين له أن المهمة المستعجلة يجب أن يستعمل بها أكثر من اسلوب كارسال الرسالة وفاكس وتليفون وربما الذهاب اليه ان كان قريباً.

أيضاً اذا لا حظت من لديه هذه العادة (الاكتفاء بالرسائل الالكترونية ) اجلس معه وبين له خطورة هذه العادة وأثرها على العمل وعليك.

المشكلة الثالثة: إعطائك CC على كل شاردة وواردة:

بين لمن لديه هذه العادة مدى تأثيرها عليك ووضح له الطريقة الصحيحة ومتى يعطيك CC ومتى لا يفعل.
ويفضل تجهيز رسالة توضح هذا الأمر بحيث تكون مكتوبة بطريقة جيدة ولا تتعدى ثلاثة أسطر ترسلها لكل من لديه هذه العادة ليرتدع .
ملاحظة: قد يكون هذا الموظف عنده نوع من عدم الارتياح ويخاف أن تقول له لماذا لم تخبرني وتعنفه ولذلك من المهم أن تجلس معه وتتفقان على طريقة مريحة تفي بالغرض.

المشكلة الرابعة: اتباع بعض الموظفين من خارج إدارتك اتيكيت بائس وهو أن يعطيك CC

وهنا يأتي دورك في الاجتماع معه والاتفاق على آلية معينة كأن يرسل لك فقط اذا كان هناك مشكلة وتكون الرسالة اليك (To) وليست (CC).

المشكلة الخامسة: الايميلات التي لا تمت للعمل بصلة:

وهذه أسهل الجميع. اجعل هناك أمر لارسال جميع الرسائل التي تأتيك من هذا المرسل الى ملف المهملات (الربع الخالي) تمهيداً لمسحها من دون قراءة. واذا كنت مهتما تستطيع أن ترسل رسالة مؤدبة تعلن فيها انسحابك من هذه القائمة البريدية.

كما ترون أن التخلص من المعاناة يحتاج الى المواجهة المؤدبة والحانية وفي نفس الوقت الحازمة الواضحة.