اعتاد المتحدثون بـ “لغة الضاد” أن يقولوا عند تأكيد عدم حدوث الشيء واستحالة وقوعه، “إن هذا الأمر من رابع المستحيلات”.


وهذا يعني أن هناك مستحيلات ثلاث تسبق هذا الرابع الذي يتمسك به الناس وكأنه يمين مغلظلة. فما هي تلك المستحيلات الثلاثة؟


تحدث التراث العربي القديم عن قصص وحكايات وأساطير كان يعلم العرب أن بعضاً منها صنعها خياله وأنه لا وجود لها في الحقيقة، ولذا قالوا عنها إنها المستحيلات الثلاث، والتي جمعها أحد الشعراء القدماء في قوله:


لمّا رأيتُ بَني الزّمانِ وما بهِم خلٌّ وفيٌّ، للشدائدِ أصطفي أيقنتُ أنّ المستحيلَ ثلاثة: الغُولُ والعَنقاءُ والخِلّ الوَفي".




المستحيل الأول: الغول


إذا كان الشباب في عالم الانترنت يستمتع بأفلام الرعب ومصاصي الدماء وآكلي لحوم البشر, فإن أجيال ما قبل السينما والشبكة العنكبوتية كانت تعيش على قصص “أمنا الغولة” المرعبة التي كان يرويها الجد والجدة كل ليلة، والتي صوروها في حواديتهم أن عينها مشقوقة بالطول ويتطاير منها الشرر وأنها تأكل من الأطفال من لا يسمع الكلام أو يرفض تناول الطعام.


أسطورة الغول تردد ذكرها في عدد من حكايات ألف ليلة وليلة الشهيرة مثل حكاية “السندباد” وحكاية “سيف الملوك” و”حكاية الوزير الحسود”، وقد ورد ذكره في أشعار تأبط شراً - أحد شعراء الجاهلية والصعاليك العرب -.


وكان العرب الأقدمون يعتقدون أن الغول قد يكون أنثى تأكل لحوم البشر، كما تحدثت الروايات القديمة عنه كحيوان خرافي من الجن الذين يتصفون بالوحشية والعدوانية، ويتخذون أشكالاً مخيفة وينقض على الإنسان في غفلة منه ويلتهم جسده.


أما أشهر ما روي عن صراع الإنسان والغول فإن الإنسان يمكنه قتل الغول إذا ضربه ضربة واحدة، ولكن الغول يمكنه خداع الإنسان حيث يطلب منه وهو يحتضر أن يضربه مرة أخرى، فإذا استجاب الإنسان لطلبه فإن الغول يحيا من جديد وينتقم منه.


شدة الخوف التي عاشها القدماء من خرافة الغول جعلت بعضهم يضع الطعام خارج الدار ليتناوله الغول وينصرف بعيداً عنهم، ومن المعتقدات الشائعة قديماً أن خير طريقة للتخلص منه هي رش بذور الكتان على الأرض.




المستحيل الثاني: العنقاء


يعتقد أنه طائر أسطوري ضخم له ريشتان فوق رأسه تمتدان إلى الخلف، وله منقار طويل، وسمي بالعنقاء لطول عنقه، فيما تقول رواية أخرى أنه سمي بهذا الاسم لوجود طوق أبيض حول عنقه.


الأسطورة تربط بين العنقاء و"أصحاب الرس" الذين ذكر قصتهم القرآن الكريم، وفي تفسير أبي السعود: “قيل إن أصحاب الرس: هم أصحابُ النبيِّ حنظلةَ بنِ صفوانَ، ابتلاهم الله تعالى بطيرٍ عظيمٍ كان فيها من كلِّ لون، وسمَّوها عنقاءَ لطولِ عُنقِها وكانت تسكنُ الجبل فتنقضُّ على صبيانِهم فتخطفُهم إنْ أعوزها الصَّيدُ فدعا عليها حنظلةُ فأصابتْها الصاعقة”.


روايات أخرى زعمت أن هذا الطائر مخلوق نبيل عاش من 500 إلى 1000 سنة، وعندما أحس بالموت بنى محرقة وغنى فيها أغنية رائعة رددها الناس، وعندما أخذت أغنيته في الاضمحلال ولم يعد يغنيها أحد تبدد جسده في محرقته، وأصبح رماداً ثم عاد حياً بعد ذلك من تحت الرماد.




المستحيل الثالث: الخل الوفي


وهو الصديق الذي يبحث عنه الإنسان طوال مسيرته على الأرض، أو الصورة التي تشبهه في الطباع والصفات أملاً في الحصول على المحبة والإخلاص.


العربي القديم أيقن أن وفاء الصديق إلى الأبد أمر من ثالث المستحيلات، ووضعه في قائمة مستحيلاته التاريخية!