ملايين من كل الجنسيات اضطرتهم ظروف الفقر والحروب للخروج والهجرة من بلدانهم للعمل بدول الخليج الثرية، ولكن لم تلق هذه العمالة الوافدة في معظمها إلا ظروف قاسية وبيئة قانونية تكرس نظام السخرة والاستعباد تحت نظام الكفيل وما يتضمنه من نظرة استعلائية وتحكمية في مصائر العمال، وكشفت منظمات حقوقية ضرورة إلغاؤه نهائيًا، محذرة مما يتعرض له العمال من استغلال وإيذاء بدني ونفسي، وعمل قسري، وأجور متدنية، وترحيل قسري، وعمليات ملاحقة أمنية أحيانًا.


وبينما يحل "عيد العمال" الذي يوافق الأول من مايو من كل عام، تلقي الظروف المعيشية والنفسية والقانونية في دول خليجية بظلال مؤلمة وموحشة على العمال لا يستبشرون معها خيرا في الأجل القريب رغم ما تتخذه من إصلاحات تبدو شكلية ومنقوصة.


"شؤون خليجية" يسلط الضوء من خلال سطور هذا التقرير على أوضاع العمالة الوافدة في دول الخليج العربية وعلى ما تعانيه هذه العمالة بمناسبة عيدهم السنوي.





السعودية.. بين نظام الكفيل والسعودة


تضم المملكة السعودية صاحبة أكبر اقتصاد عربي على أراضيها 8 ملايين عامل معظمهم آسيويين ومليون ومائتي ألف أفريقي ومليون ونصف يمني نصفهم عمالة غير شرعية يأتون عن طريق التسلل عبر الحدود اليمنية والذي بلغ عددهم 360 ألف متسللًا سنوياً وهو العدد الذي يزداد كل عام بنسبة 10 %.


ويدفع العمال الوافدون في السعودية ضريبة سعودة المناصب حيث أعلنت وزارة العمل السعودية إنها مطالبة وفق قرار وزاري، بتخفيض إجمالي عدد العمالة الوافدة، ليصبح 20 في المائة من عدد السكان، بدلا من النسبة الحالية التي تبلغ 26.6 في المائة، ويبلغ عدد سكان السعودية حسب آخر إحصائية رسمية 27.1 مليون نسمة، بحسب الاحصاءات الرسمية.


وتتعدد أشكال وأسباب انتهاكات حقوق العمالة الوافدة بالسعودية خاصة مع ضخامة عددها ومع وجود أطر قانونية مجحفة أبرزها نظام الكفيل وشروط تجديد الإقامة والترحيل للمخالفين.


ففي بداية نوفمبر 2013 ضبطت الدوريات الأمنية السعودية آلاف العمال الأجانب المخالفين لنظام الإقامة والعمل غداة انتهاء المهلة الزمنية لتصحيح أوضاعهم التي استمرت 7 أشهر لتصحيح أوضاع المخالفين، من أصل ما لا يقل عن 9 ملايين وافد وسط حالة من الاستياء والخوف والشعور بالتشريد والمطاردة والترحيل ونقل بعضهم لمراكز للإيواء.


وجاءت المهلة بعد تعديل قانون العمالة للإقرار بعدم السماح للعامل بالجمع بين كفيلين أو القيام بأعمال إضافية ليست منصوصة في عقده المبرم مع المملكة والعمل عند غير كفيله، وإلا فسيواجه العامل والكفيل عقوبة السجن والغرامة، وهو القرار الذي غادر على إثره المملكة أكثر من 900 ألف عامل أجنبي مخالف لنظام الإقامة والعمل غالبيتهم العظمى من دول جنوب شرق آسيا خصوصا الهند وبنغلاديش وباكستان فضلا عن الفلبين واليمن ومصر.وذلك بعد أن اتجهت المملكة إلى تطبيق خطة "توطين" الوظائف لمحاربة البطالة بين مواطنيها.


ويعد نظام الكفيل السعودي أحد أسباب معاناة العمال حيث لا يمكن للعامل الوافد أن يعمل إلا لدى كفيله وفي المهنة المسجلة في تصريح الإقامة، وكثيرا ما يشكو الوافدون المستقدمون للعمل في شركات سعودية من أنهم يتقاضون أجورا أقل كثيرا مما وعدوا به أو من عدم قدرتهم على مغادرة البلاد لأن الكفيل يحتجز جوازات سفرهم، ونتيجة لذلك يخالف كثيرون القانون لترك كفيلهم والانتقال إلى عمل أفضل.


ويشكل عدد العمالة الوافدة في السعودية 88 بالمائة من العاملين في القطاع الخاص، بحسب تصريحات لمحللين سعوديين.


ولا تزال السلطات السعودية تشرع بعمليات الترحيل للعمالة الوافدة منذ مطلع العام الجاري وصدور قرار بترحيل جميع المخالفين لأنظمة العمل وقواعد الإقامة دون النظر لجنسياتهم وما يشكله من تهديد لحياتهم حيث رحلت السعودية خلال عام 2014 ما يقرب من 250 ألف شخص، وشهدت الأسابيع القليلة الماضية تصاعداً في عمليات الاعتقال والترحيل التي تنفذها الأجهزة الأمنية في مناطق مختلفة من السعودية، تطال جميع العمالة الوافدة إلى المملكة لاسيما المخالفين لقوانين الإقامة.


ووجهت انتقادات حقوقية لنظام العمل في السعودية، ووصفته هيومان رايتس ووتش بأنه يغذي الاستغلال والانتهاكات ويدفع العاملين في نهاية الأمر للبحث عن عمل من تحت الطاولة بالمخالفة لقوانين العمل، وكانت السعودية أصدرت في وقت سابق قانوناً يحد من العمالة الأجنبية بسبب انتشار البطالة لدى الشباب السعودي.





الإمارات..عمال البناء والعمالة المنزلية انتهاكات واسعة


بحسب حقوقيين فإن ملف العمال في الإمارات لا يختلف كثيرًا عن السعودية وإن ضم في طياته مخالفات أوسع لشريحة العمال، حيث أكدت تقارير منظمات حقوقية في مقدمتها هيومن رايتس وتش ومدافعون عن حقوق العمال وجود انتهاكات بحق هذه الشريحة.


وبمدينة دبي نظمت وقفة احتجاجية لعمال من الهنود والباكستانيين والبنغال، في دبي يوم 10 مارس 2015 احتجاجاً على ضعف الأجور، وظروف العمل الصعبة، فيما اُعتبر إضرابا نادراً أجبر السلطات الإماراتية على حشد شرطة مكافحة الشغب، وأعلنت عن دخولها في حوار مع الشركات المشغلة لهم لتلبية مطالبهم، وهو ما جعل المنظمات الحقوقية تطالب الحكومة بضرورة تعديل قوانين العمل، بما يضمن عدم انتهاك حقوق تلك الشريحة واستعبادها.


وفي توثيق دقيق كانت قد أصدرت منظمة هيومان رايتس ووتش، المعنية بقضايا حقوق الإنسان في العالم، في 1فبراير 2015 تقريرًا من 82 صفحةً، عن سوء المعاملة، للعمال الوافدين للإمارات، وبخاصة لجزيرة السعديات.


وأعربت المنظمة عن قلقها الشديد على حقوق العمال القائمين على مشروع ضخم، من شأنه استضافة فروع لمتحفي اللوفر وجوجنهام، بالإضافة إلى حرمٍ لجامع نيويورك، مضيفةً أنه على تلك المؤسسات، أن ترهن استمرار مشاركتها في المشروع، بالتزام المطورين العقاريين، إظهار جدية أكبر في تنفيذ تدابير حماية للعمال، وتعويض من تعرضهم منهم لانتهاكات، بمن فيهم الذين تم ترحيلهم تعسفًا بالمئات بعد شروعهم في الإضراب.


وناقش التقرير بعض ممارسات أصحاب الأعمال بحق العاملين، كاحتجاز رواتبهم ومستحقاتهم، والامتناع عن سداد أتعاب استقدامهم، فضلًا عن مصادرة جوازات سفرهم، وإيوائهم في مساكن وصفتها المنظمة بـ"دون المستوى".


ليس فقط عمال البناء من يعانون بالإمارات فقد أفاد تقرير لـ"هيومان رايتس ووتش" في أكتوبر 2014 أن العمالة المنزلية في دولة الإمارات تعاني من انتهاك حقوقها، وحثت المنظمة في التقرير الذي يفصل الانتهاكات الجسدية والجنسية والعاطفية للعمالة المنزلية الإمارات على إلغاء نظام "الكفيل" الذي يربط العمالة بالمستخدم الذي دخلت عن طريقه إلى البلد، واستجوبت المنظمة 99 خادمة ووكلاء استخدام ومستخدمين في الإمارات العربية المتحدة، وقالت 22 من النساء اللواتي استجوبن إنهن تعرضت للضرب بالعصا والصفع والرفس، وتضمنت الانتهاكات مصادرة جواز السفر وعدم دفع الأجور وساعات عمل طويلة والحبس وحجب الطعام.


وتعمل 146 ألف امرأة ضمن العمالة المنزلية في الإمارات ويأتي معظمهم من الفلبين وإندونيسيا والهند وبنغلاديش وسريلانكا.





قطر.. عمل قسري وإصلاحات محدودة


وعن أوضاع العمال بقطر، أصدرت منظمة العفو الدولية في نوفمبر 2014 بعد مرور ستة أشهر على إعلان الحكومة القطرية عن مجموعة من الإصلاحات الرامية إلى التصدي لظاهرة استغلال العمال قبل موعد تنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم في عام 2022، وقالت المنظمة إن السلطات القطرية متأخرة جداً في الجهود الرامية إلى التصدي للانتهاكات المنفلتة من عقالها لحقوق العمال المهاجرين.


وشددت على أنه ينبغي اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان ألا ينتهي بنا المطاف إلى تنظيم مباريات تقوم على العمل القسري والاستغلال، بينما لا تزال تتلكأ في تنفيذ بعض التغييرات الضرورية، من قبيل إلغاء تصريح الخروج وإصلاح نظام الكفالة المسيء إلغاءً تاماً.


وفي تقريرين أصدرتهما منظمة العفو الدولية في العام الماضي سلَّطت الضوء على الممارسات الاستغلالية في قطر، من قبيل التأخير في دفع أجور العمال المهاجرين، وظروف العمل القاسية والخطرة، والأوضاع المعيشية المتردية والتفاصيل الصادمة المتعلقة بالعمل القسري والعنف الجسدي والجنسي ضد عاملات المنازل.


وبعد ضغوط أعلنت الحكومة القطرية عن مجموعة من الإصلاحات، من بينها مقترحات بتعديل نظام الكفالة وتصريح الخروج، وإلغاء القاعدة التي تمنع العمال من العودة إلى قطر لمدة عامين بعد انتهاء مدة عقد العمل. ولكن ترى منظمة العفو الدولية أن الإصلاحات بمثابة فرصة ضائعة لأنها لا تتصدى لجوهر القضايا التي تساهم في استغلال العمال المهاجرين. ومع ذلك، فإنه لم يتم الإيفاء حتى بالإصلاحات المحدودة المقترحة.


مأساة كشفها تقرير أصدرته منظمة العفو الدولية في نوفمبر 2013 وهي مدى تفشى الانتهاكات في قطاع البناء في قطر، حيث يتعرض العمال لاستغلال بشع بينما يعملون في مشروعات تُقدر قيمتها بملايين الدولارات.


وسلِّط التقرير الضوء على سلاسل معقدة من التعاقدات الداخلية بين الشركات، كما كشف النقاب عما يتعرض له العمال الأجانب من انتهاكات بشكل ممنهج وواسع النطاق، مما يجعل عملهم في بعض الحالات بمثابة عمل بالسخرة.


وتعليقاً على ذلك، قال سليل شيتي، الأمين العام لمنظمة العفو الدولية، إنه "من غير المقبول بالمرة في بلد من أغنى بلدان العالم أن يتعرض هذا العدد الكبير من العمال الأجانب لاستغلال وحشي، وأن يُحرموا من تقاضي أجورهم، وأن يُتركوا ليعانوا أشد المعاناة في تدبير أمور معيشتهم".





الكويت.. هيمنة الأجهزة الأمنية وغياب العدالة


رصد التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية عن الكويت الصادر منذ أسبوعين أن العمال الأجانب الوافدون الذين يشكلون ما يزيد عن نصف السكان ويشكلون أغلب قوة العمل يفتقرون إلى الحماية الكافية بموجب القانون، كما يتعرضون للتمييز والاستغلال والإيذاء، ويرتبط ذلك بنظام الكفالة المعمول به رسمياً، وأيضا عمال المنازل من الأجانب، ومعظمهم نساء من دول آسيوية، عُرضة للانتهاكات على وجه الخصوص، حيث لا تشملهم أشكال الحماية التي تكفلها قوانين العمل الكويتية للعمال الآخرين.


وكان السكرتير العام للاتحاد العام لعمال الكويت ورئيس مكتب العمالة الوافدة عبد الرحمن الغانم، قد قدم استقالته من منصبه، احتجاجاً على التعسف الواضح من قبل أجهزة الدولة متمثلة في الهيئة العامة للقوى العاملة ووزارة الداخلية فيما يخص التعامل مع القضايا العمالية المتعلقة بالعمالة الوافدة في دولة الكويت.


وأوضح الغانم في 3 ديسمبر 2014 عدم تعاون الأجهزة الأمنية حيث لا يتركون مجالا للعمال للتقاضي في مشاكلهم العمالية مع أصحاب العمل نهائياً، ويقومون بترحيل كل من يتم تقديم بلاغ تغيب ضده دون إعطاءه الحق في التقاضي ولا حتى الاستماع لشكواه، مطالبًا بإلغاء نظام الكفيل رغم إعلان حكومة الكويت استكمال عملية إلغاؤه.


وتعد القضايا العمالية الموجودة حالياً في المحاكم قليلة جداً مقارنة بمن يتم ترحيلهم من الكويت دون النظر إلى شكواهم، وإن كانت هناك حالات لعمال استطاعوا الوصول للمحاكم وتسجيل قضية قبل ترحيلهم، فإنه لا يسمح لهم بالبقاء في الكويت حتى صدور حكم في قضيتهم، بل يتم ترحيلهم قبل ذلك ويقوم محامو الدفاع بحضور الجلسات للترافع بموجب توكيل من العامل، والنتيجة النهائية لا تكون مرضية دائماً.


وتستمر أزمات العمالة المنزلية بالكويت وتكشفها واقعة حديثة لهروب ثلاث فلبينيات من المعاملة السيئة والعمل القسري من قبل كفيلتهن، فقبل عام، قدمن للعمل في الكويت في منزل في منطقة قرطبة، فقامت صاحبة العمل، ربة منزل كويتية متسلطة، بحجز جوازات السفر فور وصولهن وتمارس ضدهم الإيذاء الجسدي واللفظي.





سلطنة عمان.. تمديد القيود


أعلنت سلطنة عمان في منتصف أبريل 2014 أنها ستمدد القيود المفروضة على توظيف العمال الأجانب في قطاع البناء والخدمة في المنازل.


وذكرت وكالة الأنباء العمانية إن وزير القوى العاملة الشيخ عبد الله بن ناصر البكري، أصدر قرارًا يقضي بوقف التصريح باستقدام العمالة الوافدة بصفة مؤقتة لمدة ستة أشهر في منشآت القطاع الخاص العاملة في الإنشاءات والنظافة وفرض الحظر لمدة ستة أشهر، وتوجد قيود مماثلة على صناعات أخرى مثل النجارة وصناعة الألومنيوم.


وتظهر البيانات الحكومية أن عدد العمال الأجانب في عمان ارتفع إلى 1.53 مليون في فبراير 2014 من 1.47 مليون قبل عام.بينما لم يكن يعمل سوى 184 ألفا و485 عمانيا في القطاع الخاص في شهر فبراير.


ويقدر إجمالي عدد سكان البلاد بحوالي أربعة ملايين نسمة بما في ذلك الأجانب، وهذا الخلل دفع شباب عمانيون للمطالبة بإحلالهم محل العمالة الأجنبية.





نظام الكفيل.. العبودية في قانون


طالب نشطاء ومنظمات حقوقية بإسقاط قانون الكفالة لأن نظام الكفيل نظام فاشل ونظام عبودية، وأداة تعسفية للاضطهاد والاستغلال، ويخالف العديد من الاتفاقيات كاتفاقية مناهضة التمييز وحماية العامل.


ويستمر القانون بحجج الحرمة وخصوصية الأسرة الخليجية لإسكات مطالب دمج العمال المهاجرين في قوانين العمل المحلية، والكفالة نظام لإدارة الهجرة يسهل استغلال العمالة المهاجرة وإجبارهم قسرياً على العمل (يتم تعريف العمل القسري باعتباره استحصال على الشغل من خلال توجيه تهديدات وعقوبات للعامل). وظروف العمل تحت نظام الكفالة شكلاً من العبودية الحديثة.


من جانبها، ترد الحكومات بوعود لإنهاء نظام الكفالة أو إصلاحه، ورغم كل هذه الوعود، لم يتغير الوضع إلا قليلاً دون التأثير على قوة وطبيعة هذا النظام في دول الخليج.


وبذلك تستمر قوانين الكفالة التعسفية في تحديد خيارات وأوضاع الملايين من العمالة المهاجرة في المنطقة. أغلبيتهم جاءوا من جنوب أو جنوب شرق آسيا أو أفريقيا. كما تعمل الأغلبية في وظائف زهيدة الأجر مثل أعمال البناء أو في الخدمات الخاصة أو في العمل المنزلي حيث تواجه العمالة المنزلية قيوداً أكبر دون ضمان حمايتهم وحقوقهم المادية والمعنوية. ولكن حتى المهاجرون من أصحاب الرواتب الجيدة والعالية يواجهون المصاعب بسبب نظام الكفالة حيث يحرمهم هذا النظام من الحصول على إقامة دائمة أو المواطنة أو حتى الزواج من مواطنة. فكل مقيم أجنبي يقع تحت رحمة نظام الكفالة.


وتعد البحرين هي الأولى خليجيا التي ألغت رسميا نظام الكفيل للعمالة الوافدة في البلاد والمقدر عددها رسميا بنصف مليون عامل، يشكلون نصف سكان البحرين والبالغ عددهم مليون نسمة، وابتداء من أغسطس 2009 أصبح بإمكان العامل الأجنبي الانتقال إلى صاحب عمل آخر دون موافقة صاحب العمل الأساسي.