تتمثل الأبعاد الأساسية للإدارة الاستراتيجية فى ثلاثة ركائز جوهرية وفيما يلى نبذة عن كل منها :


أولا : التفكير الإستراتيجي ومهارات اتخاذ القرارات الإستراتيجية


يشير التفكير الإستراتيجي Strategic Thinking إلى توافر القدرات والمهارات الضرورية لقيام الفرد بالتصرفات الإستراتيجية وممارسة مهام الإدارة الإستراتيجية بحيث يمد صاحبه بالقدرة على فحص وتحليل عناصر البيئة المختلفة ، والقيام بإجراء التنبؤات المستقبلية الدقيقة ، مع إمكانية صياغة الإستراتيجيات واتخاذ القرارات المتكيفة في ظروف التطبيق والقدرة على كسب معظم المواقف التنافسية ، بالإضافة إلى إدراك الأبعاد الحرجة والمحورية في حياة المنظمة والاستفادة من مواردها النادرة.










ومن أهم خصائص الأفراد ذوى التفكير الإستراتيجي ما يلي :
 القدرة على بناء الغايات والأهداف.
 البصيرة النافذة والفراسة في وزن الأمور.
 الاستشعار البيئي.
 مهارة تحليل البيانات والمعلومات وتفسيرها.
 مهارة الاختيار الإستراتيجي.
 مهارة تحديد الموارد والامكانات المتاحة واستخدامها بكفاءة.
 التجاوب الاجتماعي بين المنظمة وبيئتها المحيطة.
 مواكبة عولمة الفكر الإداري.
 القدرة على اتخاذ القرارات الإستراتيجية.


ثانياً : التخطيط الاستراتيجي
يمثل التخطيط الإستراتيجى جوهر الإدارة الاستراتيجية ، ويشير إلى عملية صياغة ورسم رسالة المنظمة فى ضوء رؤيتها الجوهرية ، وبناء غايتها وأهدافها المستقبلية ، وإعدادها لعمليات التحليل البيئي الخارجي والداخلي بما يمكنها من الوقوف على الفرص والتهديدات المحيطة ، كذلك نقاط القوة والضعف التى تتميز بها المنظمة ، ويساعدها ذلك فى عملية الاختيار الاستراتيجي ***التخطيط الاستراتيجي في الإسلام
لم يكن التخطيط الاستراتيجي وليد الحضارة الحديثة كما يتصور البعض ، فالتخطيط معلم بارز ، ووسيلة أساسية ، ومرتكز انطلقت من خلاله حضارة الإسلام ودعوته ، وتجلت بأعمق معانيه سنة الحبيب المصطفى وسيرته ، وأرشدت العديد من آيات القرآن الكريم إلى أهميته ، فقال تعالى : " وأَعِدُّوا لَهُمْ مِا اسْتِطعْتُم مِنْ قُوِّةٍ ومِنْ رِبَاطِ الخَيلْ " (الأنفال:60) ، وفي هذه الآية الكريمة دعوة للقيادة الإدارية التربوية الإسلامية بالعمل والتخطيط والاستعداد لمواجهة أمر مستقبلي قد يحدث لدار الإسلام وأمنه ، والقوة هنا تفهم بمفهوم العصر بالقوة البدنية ، وبناء الرجال الأشداء الأقوياء في إيمانهم وأبدانهم ، كذلك قوة السلاح بكافة أنواعه ، وذلك كله لإرهاب عدو الله وأعداء الإنسانية ، وحماية أمن المسلمين على المدى الطويل حتى تحمى دولة لإسلام (عبيدات،2001: 247) .
ومن الآيات التي أعطت قاعدة مهمة للتخطيط الناجح ، قوله تعالى " لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجَاً" ( المائدة :48) ، أي سبيلاً وسنة وطريقا سهلا واضحا إلى المقاصد الإسلامية (الصابوني: 524) .
وقد برز مفهوم التخطيط الاستراتيجي أيضا في أحاديث عديدة ، منها الحديث الذي أخرجه البخاري بسنده عن المسور بن خزمة ، ومروان بن الحكم رضي الله عنهما ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " .... ثم قال والذي نغسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها ......، فإن هذا قد عرض لكم خطة رشد ، اقبلوها ودعوني آتيه ..." (البخاري : 975) ، وقوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : " ولئن تدع أبناءك أغنياء خير من أن تدعهم فقراء يتكففون الناس" (مسلم:435 ) .
ومن الأمثلة التي تعكس القدرة الفائقة للتخطيط لدى الرسول القائد تمثلت في حادثة الهجرة ، وهو ما يمكن بيانه من خلال النقاط الآتية (الدجني،2006: 212) :-
- أسند النبي أمر المبيت في فراشه إلى علي بن أبي طالب حيث أعطاه بردته ليتسجى بها كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك .
- استخدامه الإحصاء لعدد جنوده مما يجعله على بينة من قدرته في مواجهة الخطوب ، ومن ثم العمل لتوفير الأمان لأتباعه ، عن حذيفة قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أحصوا لي كم يلفظ الإسلام ، قال : فقلنا يارسوال الله ، أتخاف علينا ونحن ما بين الستمائة والسبعمائة ، قال : " إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا " ، قال : فابتلينا ، حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سرا " ( النووي: 179) .
ويرى الباحث أن من أهم معالم جودة التخطيط وضمان نجاحه هو توافر المعلومات الدقيقة الداعمة لعملية التخطيط ، وهو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم .
كما برزت مهارة النبي صلى الله عليه وسلم في التخطيط الاستراتيجي للحرب يوم فتح مكة ، حيث وزع الرسول صلى الله عليه وسلم قادة جيشه لكي يدخلوا كل من الجهة التي حددت له :
• سعد بن عبادة وابنه يدخلان بقواتهما من الجهة الشرقية .
• أبو عبيدة عامر بن الجراح من جهتها الغربية .
• الزبير بن العوام يقود خيل المهاجرين والأنصار ، حيث الحجون لكي يغرز راية المسلمين هناك .
• خالد بن الوليد يدخل مكة ، حيث تجمع مقاتلوا قريش وحلفاؤهم وأحابيشهم لمنع القوات الإسلامية من اجتياز مكة ، وقد كان لجيوش المسلمين دخول الفاتحين بسهولة بالغة (الضحيان،1986 : 89) .
ومجمل القول فإن التخطيط الاستراتيجي مشروع في الإسلام ، بل وتباركه الشريعة وتحث على تطويره ما دام فيه نفع الأمة ودينها الحنيف .




ثالثا : التطبيق الإستراتيجي
من أهم متطلبات تطبيق الاستراتيجية :
أ- الأهداف السنوية
يجب تحديد الأهداف السنوية بطريقة لامركزية حسب الفروع والقطاعات والإدارات والأقسام بحيث تتم بصورة مرحلية، ومؤسسة على عملية المشاركة وتفيد الأهداف فى تحديد:
• أسس توزيع وتخصيص الموارد .
• المعايير الضرورية لتقييم الأداء .
• مدى التقدم فى تحقيق الأهداف طويلة الأجل .
• الأولويات الخاصة بالأفراد والإدارات والأقسام .


ب- صياغة السياسات :
تمثل السياسات المبادئ والقواعد العامة المحددة والمرشدة للتطبيق إذ تعد لتوجيه العمل والنشاط بما يساعد على تحقيق الأهداف الموضوعة .


تساعد السياسات كل من المديرين والعاملين للتعرف على المطلوب من كل منهم ، وبالتالى يمكن تطبيق الاستراتيجية بنجاح كما أنها توفر أسس الرقابة الإدارية الصحيحة وتسمح بالتنسيق فيما بين الوحدات التنظيمية وتخفض من الوقت المطلوب لاتخاذ القرارات ، وقد تكون السياسات عامة على مستوى المنظمة كما قد تكون محددة ومتخصصة لإدارة معينة .


ج- توزيع وتخصيص الموارد
يعد تخصيص الموارد من أنشطة الإدارة العليا ، ويعتمد التوزيع الصحيح للموارد على مراعاة الأولويات الموضوعة فى صورة الأهداف السنوية .
حيث تمتلك كل منظمة العديد من الموارد من بينها :


• الموارد المالية والمادية .
• الموارد التكنولوجية
• الموارد البشرية والموارد المعنوية .


وتوزيع الموارد على الإدارات والأقسام لا يضمن نجاح عملية تطبيق الاستراتيجية وإنما يتطلب الأمر مراعاة الحفاظ على الموارد النادرة ووقايتها ، ومراعاة المعايير والمقاييس المختلفة عند التخصيص ، بالإضافة إلى ضرورة الأخذ فى الاعتبار المخاطر والتهديدات المختلفة ، وأخيراً يجب أن يراعى عند تخصيص الموارد الدقة فى معرفة احتياجات كل إدارة ووقت الحاجة إليها .


د- بناء وتهيئة الهيكل التنظيمى المناسب :
إن قيام المنظمة بالتعامل مع سوق واحد أو عدة أسواق كذلك تعاملها مع منتج واحد أو عدة منتجات لاشك يؤثر على الهيكل التنظيمى، فالاستراتيجيات البسيطة يلائمها التنظيم الوظيفى ، أما الاستراتيجيات المعقدة فهى فى حاجة إلى هياكل تنظيمية مختلفة حسب ظروف التطبيق (قد تكون حسب المناطق أو المنتجات أو العملاء ... )


وهكذا نجد أن نوع الاستراتيجية المختارة يؤثر على الهيكل التنظيمى الواجب اتباعه فإذا كانت الاستراتيجية تعتمد على منتج واحد أو تتعامل مع سوق واحدة فالتنظيم الوظيفى يكون هو الأنسب ، بينما إذا اعتمدت على النمو والتوسع فإنها حينئذ تنوع منتجاتها وأسواقها وتختلف أنماط التكنولوجيا التى تستعين بها ويتشتت عملاؤها وتتعدد مراحل الإنتاج ، حينئذ نجد أن التنظيم على أساس الغرض يكون هو الأكثر مناسبة لوضعها .


هـ- الإدارة الفعالة للعمليات والأنشطة الداخلية :
يتطلب الأمر لنجاح عملية التطبيق الاستراتيجى مراعاة كافة العمليات والأنشطة الداخلية والاطمئنان على اكتمالها وتناسقها ووضوحها حتى يسهم ذلك مع العوامل الأخرى فى التطبيق الصحيح للاستراتيجية ، ومن بين العوامل المتعلقة بالعمليات والأنشطة الداخلية الواجب مراعتها :


 بناء المعايير لقياس الأداء : بحيث تتميز بالواقعية والثبات والدقة والوضوح وسهولة الفهم والاستيعاب .
 الدافعية ونظم الحوافز : يرتبط نظام المكافأة والتحفيز الناجح بمدى الإنجاز والتقدم فى تنفيذ الاستراتيجية وإن كانت هناك صعوبة فى ربط الحافز بتحقيق الاستراتيجية نظراً لطول أجلها ، إلا أن ذلك يجب ألا يبرر عدم وضع نظم الحفز المناسبة فيمكن تقسيم الأجل الطويل إلى آجال قصيرة.
 الردع والعقاب : يجب أن يوضع النظام الواضح والدقيق والعادل للردع والعقاب بحيث تضمن المنظمة عند تطبيق استراتيجياتها منع السلوك غير المرغوب .
و- تكوين وتنمية القدرات والكفاءات الإدارية والقيادية
إن توفير وتنمية القدرات والكفاءات الإدارية والقيادية هو مفتاح نجاح التطبيق الاستراتيجى ، وهذا يتطلب :


• تحديد عدد الأشخاص المطلوبين لتطبيق الاستراتيجية .
• بيان سبل تنمية قدرات ومهارات الكوادر البشرية المطلوبة .
• بيان خصائص القادة والمديرين المطلوبين فى كل عمل أو نشاط .


إن لكل استراتيجية متطلباتها من الكوادر الإدارية ذات المواصفات والخصائص التى قد لا تتفق مع غيرها من الاستراتيجيات.