“لا، يا إلهي!” كان أول ما خطر ببالي حين لمحت تلك الرسالة في بريدي الإلكتروني. ما أثار استيائي الشديد من تلك الرسالة لم يكن مرتبطاً بتشخيص مرضٍ عُضال، أو خسارة مالية فادحة، أو ضياع موعدٍ هام. لقد كانت دعوة من صديقة عزيزة عليّ إلى الاجتماع بها هذا المساء – المساء ذاته الذي ادخرته وخططت له ليكون “وقتي الخاص”، لأقوم ببعض التحضيرات لاحتفال قادم، وقضاء بعض الحاجيات، وكتابة بطاقات عيد ميلاد رأس السنة.


وكي أكون واضحة: لست ممن يكره الاختلاط بالناس. فقد اعتدت الخروج من المنزل واللقاء بمعارفي ثلاث أو أربع ليالي كل أسبوع. ولصديقتي صاحبة الدعوة مَعزةٌ خاصة في قلبي، كما أنّ موضوع اللقاء كان يبدو لطيفاً وشيقاً. وأنا ممن يقبل الدعوات العفوية التي تأتي دون تخطيط مسبق، وقد أجبتُ ثلاثاً منها الأسبوع الفائت. لكن في هذا اليوم بالتحديد، فإنّ نداء وجداني وعاطفتي أملى عليّ أن أجعل هذا المساء حراً غير مشغول لأستشعر حالة من السلام، والرحابة، والنظام في حياتي.


بقي صوت في داخلي يؤنبني على الاعتذار عن تلبية الدعوة لمجرد قضاء وقت مع نفسي. شعرت مثل تلك التي تخبر شاباً أنها لا تستطيع الخروج معه في موعد لأنها تريد أن تغسل شعرها. وأمضيت اليوم كله أقلب الأمر في ذهني: هل يمكنني إنجاز لائحة أعمالي قبل مواعيدي لاحقاً خلال الأسبوع؟ أنا أضع أصدقائي قبل بيتي في سلم أولوياتي، فهل أنا صديقة سيئة؟


وفي النهاية، لم أذهب إلى اجتماع صديقتي، واكتفيت بأن أعلمتها أني مستعدة لحضور مثل هذا اللقاء في المستقبل سوى هذا المساء بسبب ارتباطي ببعض المشاغل. أسفر قراري عن مساء هاديء وجريان لطيف لباقي أيام الأسبوع.


يعبر هذا الموقف عن حقيقة عكفت على استكشافها خلال العام الماضي مع زبائني في مجال التدرب على تنظيم الوقت. لتشعر بالرضى والسعادة، عليك بعدم الاكتفاء بإنجاز بعض الأمور ذات الأولوية، بل المضي قدماً في إعطاء الأولوية لاستشعار بعض الخبرات المرتبطة بالوقت. وفي حالتي فقد كنت محتاجة لعيش تجربة “فسحة للتنفس”. وددت التلذذ ببعض المهام مثل كتابة بطاقات عيد الميلاد عوضاً عن الشعور بأني عاملة في خط إنتاج حيث تكون الفعالية هي الهدف الأساس.


في بعض الأحيان، تغييرات بسيطة في الكيفية التي تقضي فيها وقتك تحدد الفرق بين شعورك بالتركيز والإنتاجية في العمل مع طاقة متبقية لإنفاقها حين عودتك إلى المنزل، وبين شعورك بأنك تشد نفسك شداً نحو غمامة من الإرهاق لا تخرج منها إلا محطماً على الأريكة في المساء. على سبيل المثال، اجعل لنفسك قاعدة بأن تفصل بين اجتماعاتك بما لا يقل عن 15 دقيقة لتدوين ما سودته من ملاحظات، واحتساء الماء، واغتنام دقائق لالتقاط أنفاسك. فهذه الدقائق المحدودة ستشعرك بالرضى عما حققته وتجعلك تترك المكتب وأنت سعيد بدلاً من الإحساس بالإرباك بسبب تراكم الأعمال الكثيرة التي يلزمها بعض التركيز لإتمامها. هل الحصول على هذه الدقائق الخمسة عشر يمثل غاية الفاعلية؟ لا. لكن هل تراها مفيدة في مساعدتك على إتمام ما بيدك من مهام والشعور أن لديك وقتاً تصرفه في التفكير؟ بالتأكيد. ينطبق المبدأ ذاته على حجز بضع ساعات خالية من المقاطعة كل أسبوع لضمان التقدم في مشروع ذي أهمية أو لممارسة التمارين الرياضية.


ولسوء الحظ يغلب التقليل من شأن هذه الخبرات أو حتى تجاوزها عند الحديث عن الإنتاجية، خاصة حين يتعلق الأمر بالعمل. وبصفتي خبيرة في مجال استثمار الوقت، فأنا معنية بالأساليب التي تمكنك من إبطاء تسارعك واسترجاع استمتاعك بوقتك. يؤيد ذلك ما ذهبت إليه بريني براون (Brené Brown) في حديثها عن “كلفة عدم تقبل المصائب” (The Price of Invulnerability) حين قالت: “يغلب علينا فقدان الإحساس بما هو هام حقاً في حياتنا بسبب شراهتنا لتحصيل ما هو فوق الطبيعة”.


إليكم فيما يلي بعض الطرق لاستعادة أحاسيسكم المفتقدة بالوقت:


حدد ما يعنيه النجاح بالنسبة إليك. كن واضحاً في ما تريد تحصيله من وقتك. بالنسبة لي، فإن قدرتي على التحضير الهاديء لمشاريعي في العمل أو أنشطتي في المنزل تعني لي الكثير. يتساوى في ذلك تمكني من أداء تماريني الرياضية بانتظام، وأن أتواجد بكُليتي مع الناس. غيري قد يكون غاية مناه أن يستطيع في آخر الأسبوع أن يحزم حقيبته ويذهب إلى التزلج أو تسلق الجبال. فريق آخر قد يعتبر حالته المثالية تتمثل في قدرته على التوقف والإصغاء بكل حواسه إذا ما سأله أحد من الناس حول أمر ما.


كن صادقاً في تحديد الأنشطة “الواجب إنجازها”. إنه لمن المدهش كيف نندفع في كثير من الأحيان إلى تحديد أمور لإنجازها ثم ما نلبث أن ننظر إليها على أنها عبء ثقيل أو واجب مفروض علينا بالرغم من أننا نحن من قررنا فعلها. والواقع الذي علينا أخذه في الحسبان أنّ الأمركله يعود إلينا في إنجاز ذلك من عدمه. فإذا كنت تريد قضاء وقتك في عمل مختلف، فكن صادقاً مع نفسك في ما عليك فعله لتمضي الحياة كما ينبغي لها. فلا بد للأعمال “الواجب إنجازها” من أن يكون لها مكان في رزنامتك لضمان تنفيذها. أما الأعمال التي “يحسُن فعلها” فيفضل أن تكون في لائحة منفصلة لتقوم بأدائها كلما سنحت الفرصة أو تكلف أحداً غيرك لقضائها. ويعد هذا أمراً أساسياً جداً لأولئكالذين لا يعملون بدوام كامل، حيث يغلب عليهم تصور أنهم قادرون على حشر كل ما يودون فعله ضمن جدول أعمالهم، وما يلبث أحدهم إلا ويجد نفسهوقد صار أكثر توتراً من الذين يعملون ما يزيد على الـ 40 ساعة في الأسبوع.


خفف من تزاحم رزنامتك. يختلف الزمن المثالي المطلوب قضاؤه في الاجتماعات من منصب إلى آخر. لكن كقاعدة عامة، فإن أربع ساعات أو أقل من الاجتماعات خلال اليوم تُعد معياراً مناسباً لضمان اكتسابك أفضل خبرة من الوقت. بوسعك أيضاً تخصيصأيام محددة لعقد الاجتماعات لتريح نفسك من عنائها يوماً أو أكثر خلال الأسبوع. وفي خارج العمل، فإن حياتك ستكون أكثر هدوءاً إذا كان لديك مساء يوم عمل واحد على الأقل خالياً من المواعيد، وكذلك نصف يوم على الأقل للاسترخاء خلال عطلة نهاية الأسبوع. ضمن هذه الفسحات الزمنية قم بتخصيص وقت لتحقيق تقدم في المشاريع والأنشطة ذات الأهمية الخاصة بالنسبة لك. هذه الفسحات لا تعني أنك لا تنوي القيام بشيء خلالها وإنما تهدف إلى تمكينك من التركيز على عمل يهمك بحيث لا تشعر أنك مدفوع دفعاً لإنجازه على عجل والانتقال إلى العمل الذي يليه خلال 30 دقيقة. ولضمان تحصيل قيمة أعلى في ذلك الوقت، احرص على إغلاق بريدك الإلكتروني وإسكات هاتفك (أو التنبيهات العشوائية على الأقل) لتكون في غاية الانفتاح على النشاط الذي تؤديه في تلك اللحظات.


اعتذر عن أداء الأنشطة وقبول المهام التي لا تخدم هدفك. بمجرد تخصيصك لتلك الفسحات، التزم بها. كثير من الناس يشعر نفسه ملزماً بقبول مهام ومشاريع جديدة لمجرد وجود بعض الفسحة في رزنامته. تذكر أنك ما قمت بحجز هذا الوقت إلا بهدف التركيز على أولوياتك الخاصة. وبالتالي فلا داعي إلى الشعور بالحرج من الاعتذار حين يطلب إليك أحدهم أداء عمل يشغل حيزاً من ذلك الوقت ولا يصب في مصلحة أهدافك. ولن تكون كاذباً حين تدعي أنك منشغل أو لديك ارتباط حين تكون قد خصصت وقتاً تخلو فيه بنفسك.


تمتع باستشعار نكهة كل يوم. قد لا يكون معنى السعادة الحقيقي مرتبطاً بالزج بمهمة إضافية في جدول أعمالك، وقد يكون معناها في واقع الأمر معتمداً تماماً على التوقف عن الاستمتاع بما هو موجود بين يديك. فأنا أستيقظ كل يوم قبل ساعتين من موعد تواجدي في مكتبي لأتمكن من التلذذ بجمال الصباح. كما أولي عناية خاصة بأن أكون ممتنة لما أملكه من طعام وأن أحتضن بناظريّ الخضرة التي تطل من نافذتي فأتفكر وأصلي وأدوّن خواطري. هاتان الساعتان تشكلان مورداً أساسياً لسعادتي لأنني قد دوزنتُ نفسي لملاحظة وتقدير كل شيء جميل يمر فيهما. فالعلم يشير إلى أن التركيز على تلك الإلماعات الإيجابية وإظهار التقدير لها يقود إلى زيادة في سعادة المرء في غضون أيام. لا يختلف عن ذلك تخفيف التوتر الذي ستستشعره عند قضاء دقائق معدودة للتلذذ بأمر قد اعتدت على إنجازه بعجلة.


خلال موسم العطلات هذا، وفي رأس السنة بالتحديد، لا تكتفِ بترتيب أولويات أعمالك واسمح لنفسك بترتيب أولويات الخبرات التي ترغب بتحصيلها من وقتك.