مع تكرار مشكلة نقص الدولار كل عدة سنوات، يتجاهل المسؤولون الحل الجذري من خلال زيادة الموارد الدولارية، لزيادة المعروض الدولاري، بينما يكثفون حملاتهم على شركات الصرافة ويغلقون بعضها، واتهامها بالتسبب بالمشكلة.


ورغم تغيير محافظ البنك المركزي، وإحياء اللجنة التنسيقية بين الحكومة والمركزي، فإن أسلوب حل المشكلة لم يتغير، من خلال التركيز على جانب الطلب على الدولار، بالسعي لتقليله من خلال الإجراءات الإدارية لتشديد الاستيراد.


أما الحل من خلال زيادة الموارد الدولارية سواء بزيادة الصادرات، أو الاستثمارات الأجنبية المباشرة، أو تحويلات المصريين العاملين بالخارج، فهذا في تصورهم يحتاج إلى وقت، وهم يحتاجون حلًا سريعًا، رغم أنه دائمًا حل مؤقت المفعول.


ومن هنا لجأت الجهات الرسمية المصرية مؤخرًا، إلى اتخاذ العديد من الإجراءات لجعل الاستيراد أكثر صعوبة، حتى يقل الطلب على الدولار، ومن هنا كان قرار عمل حد أقصى للودائع الدولارية 50 ألف دولار شهريًا، وبالتالي فإن من يريد استيراد صفقة بربع مليون دولار، عليه الانتظار خمسة أشهر حتى يستطيع إتمام الصفقة، وبالتالي تقل معدلات صفقاته الاستيرادية خلال العام.


وبعد أن كان بإمكان المستورد تغطية نسبة 50% فقط من قيمة الصفقة، أصبح عليه تغطيتها بالكامل من موارده الخاصة، وأعلنها محافظ البنك المركزي صراحة، أنه يستهدف خفض الواردات السلعية بنسبة 25% خلال العام الحالي.


لكن التوزيع النسبي لمكونات الواردات السلعية المصرية بالعام المالي الأخير 2014/2015، يُشير إلى كون معظمها سلعًا ضرورية يصعب الاستغناء عنها، لعدم وجود بديل محلي لها، أو لأن بديلها المحلي لا يكفى لتغطية الاستهلاك المحلي منها.


فنسبة 17% منها بترول خام ومنتجات بترولية، وستزيد النسبة بعد البدء في استيراد الغاز الطبيعي منذ أبريل الماضي وحتى سنوات مقبلة، و14% مواد خام للصناعة، و27% سلع وسيطة تدخل في صناعة منتجات أخرى، و17% سلع استثمارية تمثل آلات ومعدات للمصانع ووسائل نقل.


وتبقى نسبة 24% للسلع الاستهلاكية، إلا أن عدم كفاية إنتاج السوق من كثير منها يحتم استيرادها، فهناك سلع استهلاكية معمرة مثل شاشات الكمبيوتر، ليس لها بديل محلي يكفي الاستهلاك منها، والأمر نفسه لسيارات الركوب وغيرها.


وتزداد الصعوبة مع السلع الاستهلاكية غير المعمرة، حيث العديد من الأغذية التى لا يكفي إنتاجها المحلي، فالعدس يتم إنتاج نسبة 2% فقط من حجم استهلاكه محليًا، والحيوانات الحية بها نقص، والسكر لا يكفي إنتاجه المحلي، وهكذا.


وإلى جانب الواردات السلعية، هناك طلب على الدولار لتغطية أقساط وفوائد الدين الخارجي المتصاعد، ولتمويل سياحة المصريين خارج بلادهم، خاصة رحلات العمرة والحج، ونفقات نقل البضائع، في ضوء محدودية حجم الأسطول البحري المصري.


ودفع قيمة العائد على استثمارات وودائع الأجانب في مصر، والنفقات الحكومية على البعثات الدبلوماسية والتعليمية وسفريات المسؤولين الحكوميين، ونفقات الخدمات المالية والتأمينية وغيرها من الخدمات.


وكل ما سبق يدخل فى إطار نوع واحد من أنواع الطلب على الدولار يُسمى الطلب المعتاد، وذلك من بين ثلاثة أنواع للطلب عليه، والنوع الثاني هو الطلب للاحتياط والمضاربة، وهو طلب يتزايد وقت الأزمات، حيث يسعى البعض للاستفادة من زيادة سعر صرف العملات الأجنبية بشرائها، ولا يعرضون ما لديهم من عملات للبيع أملًا في زيادة سعرها مستقبلا.


أما النوع الثالث فهو أخطرها، وهو الخاص بتمويل الأنشطة غير المشروعة مثل تجارة المخدرات والسلاح وتهريب السلع المختلفة، ونظرًا للمكاسب الكبيرة التي تحققها تلك الأنشطة، فإن المتعاملين بها لديهم استعداد لشراء الدولار بأعلى سعر متاح.


ويشير الواقع المصرفي المصري، إلى تحول صافي الأصول الأجنبية بالبنك المركزي إلى الاتجاه السلبي منذ شهر سبتمبر الماضي، في ضوء زيادة التزاماته بالعملات الأجنبية عن أصوله بها، ولحقت به باقي البنوك منذ شهر نوفمبر الماضي.


ورغم لجوء الحكومة إلى التوسع في الاقتراض من الخارج، إلا أن الفجوة التمويلية تحتاج إلى 30 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة، بينما قال البنك الدولي إنها تصل إلى 12 مليار سنويا ، خلال السنوات نفسها.


في الوقت نفسه الذي تراجعت فيه حصيلة غالب الموارد الدولارية، من صادرات سلعية وبترولية وتحويلات للعمالة بالخارج، ومعونات أجنبية وسياحة وإيرادات لقناة السويس، وعدم اتخاذ إجراءات فعالة لزيادة حصيلة تلك الموارد، وهو ما يشير إلى توقع استمرار مشكلة نقص الدولار بالسوق المصرية بالعام الحالي وما بعده