و هي كل ما يحيط بالمنشاة من مؤسسات و كيانات تؤثر على عملها بشكل مباشر أو غير مباشر. و تنقسم البيئة الخارجية للإدارة إلى البيئة العامة General Environment و بيئة النشاط Task Environment.




أولا: البيئة العامة General Environment


تمثل البيئة العامة جميع العوامل و القوى الخارجية التي تؤثر في المنظمة. و التأثير قد يكون مباشر أو غير مباشر. و يمكن حصر البيئة العامة في خمس قوى متميزة و هي: 1) العوامل السياسية و القانونية، 2) النظام الاقتصادي، 3) البيئة العالمية، 4) البيئة التكنولوجية، 5) الثقافة الاجتماعية.


1- العوامل السياسية و القانونية


و هي القوى و العوامل المرتبطة بالنظام السياسي السائد في البلد، هل هو نظام ديمقراطي قائم على التعددية السياسية و حقوق الإنسان، أم نظام متسلط لا يوجد فيه حرية فكرية. كذلك مدى توفر الاستقرار السياسي يؤثر على العملية الإدارية بأكملها. فلو أخذنا الواقع الفلسطيني على سبيل المثال لوجدنا أن قمة أهداف الشركات الفلسطينية في ظل انتفاضة الأقصى هو البحث عن سبل البقاء و الصمود و ليس تعظيم الربحية كما هو الحال في الدول المستقرة. إن ثقافة الصمود و البقاء& Steadfastness Survivability هي المسيطرة على السلوك الإداري للشركات في فلسطين.
كذلك تتأثر إدارة الشركات حجم التدخل الحكومي في الاقتصاد و دور الحكومة في الاستثمار، و مدى وجود الشفافية في معاملة الحكومة للقطاع الخاص، و هل تعطى فرص متكافئة للقطاع الخاص أم لا. فهناك بعض الدول على سبيل المثال لا تسمح للمستثمر الأجنبي بالاستثمار إلا بالمشاركة مع مستثمر وطني. أما في فلسطين فالقانون الفلسطيني لتشجيع الاستثمار يساوي بين المستثمر الفلسطيني و الأجنبي في الفرص و الحوافز، و يمكن للمستثمر الأجنبي أن يستثمر و يمتلك المشروع بالكامل.

2- النظام الاقتصادي


النظام الاقتصادي السائد في البلد سواء أكان نظام يقوم على اقتصاد السوق و حرية التجارة، أم نظام يقيد الملكية و يفرض قيود على عمليات الاستيراد من الخارج. بالتأكيد أي من هذه السمات تؤثر على الشركات العاملة في البلد. كذلك الأداء الاقتصادي للدولة يؤثر على القرارات الإدارية للشركات. مدى وجود انكماش اقتصادي أم نمو، العجز في الميزان التجاري، معدلات التضخم أو الانكماش، الدخل القومي و غيرها من المؤشرات الاقتصادية كلها تؤثر على السلوك الإداري. على سبيل المثال، في فترات التضخم تضطر المنظمات إلى دفع نفقات أكبر لمدخلاتها، أما في مرحلة النمو الاقتصادي، فان معدل هذا النمو هو العامل المحدد لحجم الطلب على منتجات المنظمة. و تؤثر معدلات الفائدة في تحديد تكلفة الأموال للمنظمة، "كم تدفع في سبيل الحصول على الأموال اللازمة". كذلك تؤثر معدلات البطالة على مدى توفر العدد الكافي من الموظفين للشركة، فإذا كان معدل البطالة مرتفعا ، فمعنى ذلك أن المنشاة يكون لديها القدرة على إيجاد موظفين بصورة سهلة و أجور منخفضة، بخلاف لو كان معدل البطالة منخفضا، فهنا تكون المنظمة مجبرة على دفع أجورا أعلى لتشغيل العمالة المناسبة.


3- البيئة العالمية


كما ذكرنا سابقا لم تعد الشركات تعمل في بيئة مغلقة محمية من المنافسة القادمة عبر الحدود cross-boarders competition . على سبيل المثال، لم يعد مصنع العودة للبسكويت في غزة ينافس المنتج المحلي أو الإسرائيلي فقط، بل لا بد أن يأخذ في الاعتبار المنتجات المنافسة القادمة من مصر و تركيا و غيرها من الدول. إن القوى العالمية المتمثلة في التطور الهائل على صعيد الاتصالات و تكنولوجيا المعلومات و التجارة الإلكترونية و العولمة تؤثر على العديد من النواحي مثل الأسعار، و مستوى الجودة، أنماط الإنتاج و الاستهلاك. فلا بد للشركات أن تأخذ بعين الاعتبار المتغيرات العالمية، و على الإدارة أن تفكر عالميا و تتصرف وفقا لحاجة البيئة المحلية Think Local and Act Global . لقد استفادت شركة نستله من الأسواق المفتوحة و أدركت منذ زمن بعيد أن سويسرا البلد الذي تعمل فيه صغير و لا يمكن أن يكون سوقا كافية، و من ثم أصبحت من أوائل الشركات متعددة الجنسيات.


4- البيئة التكنولوجية


يعتبر المستوى التكنولوجي السائد و التطورات المتتالية على الصعيد التكنولوجي من العوامل المهمة و المؤثرة على السلوك الإداري للمنظمة. فالقوى التكنولوجية تؤثر في قرارات الإدارة الاستثمارية. إن معدل التغير التكنولوجي في مجال الكمبيوتر و استخداماته في عملية صنع القرارات و نظم المعلومات و نظم الإنتاج أحدث تغييرات جذرية في أماكن العمل. إن استخدام نظم الإنتاج الآلية مكن من إنتاج منتجات بكميات كبيرة و بتكاليف أقل و مستوى جودة مرتفع و بعدد قليل من الموظفين.


5- الثقافة الاجتماعية


لا تنشأ المنظمة و تنمو في فراغ بل هي كائن حي لا تنعزل عن المجتمع الذي توجد فيه، فالمنظمة تؤثر و تتأثر بمجتمعها. و العاملون فيها ما هم إلا جزء من هذا المجتمع يكونون معه قيمة و معاييره التي تحدد نمط سلوكهم في المنظمة. إن طبيعة ثقافة المجتمع تؤثر في سلوكيات المنظمة و إدارتها سواء أكانت بشكل إيجابي أم سلبي.
تتكون ثقافة المجتمع من القيم و المعايير السلوكية و العادات و المعتقدات الدينية و القيم المختلفة، مثل تقدير الحرية الفردية و احترام الوالدين و تقدير الكبير و غير ذلك. كل هذه القيم تنتقل إلى الفرد و ترسخ في ذهنه و تؤثر على سلوكه عن طريق العائلة و المدرسة و الأصدقاء و المسجد و وسائل الإعلام.
تختلف الثقافات من مجتمع إلى آخر و من وقت لآخر بل أنها في المجتمع الواحد تتفاوت بين المدينة و القرية و الأغنياء و الفقراء و المتدينون و العلمانيون مثلا.
الفرد لا يستطيع أن يكتشف طبيعة عاداته و هل هي مختلفة عن عادات الآخرين إلا من خلال الاحتكاك بالآخرين. عادة يسود الاعتقاد عند الكثيرين أن عاداتهم هي أفضل العادات و أن المجتمعات الأخرى لا بد أن تتشبه بهم. و لكن الصحيح هو، لا يستطيع أن يجزم أن ثقافته أفضل من ثقافات الآخرين. فهناك بالتأكيد تتميز كل ثقافة بقيم في بعض النواحي أفضل من غيرها. فعند العرب القيم الدينة، و عند الغرب عنصر الوقت و الدقة في المواعيد.
و لثقافة الفرد تأثير مؤكد على نمط الإدارة التي يتبناها في المنظمة. فالإدارة ما هي إلا نمط من أنماط السلوك الإنساني بما ينطوي علية من إشراف و توجيه و قيادة يختلف من شخص لآخر.
و بالرغم من اختلاف نظم و أساليب الإدارة من منظمة لأخرى و من مجتمع لآخر، إلا أن وظائف الإدارة متماثلة في قواعدها العامة و الاختلاف يكون في التطبيق فقط. سوف يتم التطرق إلى الثقافة و أثرها على الإدارة و ذلك بمزيد من التفصيل لاحقا.




ثانيا: بيئة النشاط Task Environment


تمثل بيئة النشاط أهمية خاصة للمنشاة، وهي جزء من بيئة الإدارة الخارجية. و تتكون من العناصر البيئية ذات التأثير على المنظمة. و تتكون بيئة العمل من العناصر التالية: 1) اتجاهات الصناعة التي تنتمي إليها المنشاة، 2) الوضع التنافسي في السوق، 3) العملاء، 4) النقابات، 5) الموردون، 6) الشركاء.


1- اتجاهات الصناعة التي تنتمي إليها الشركة


يقصد بذلك، الصناعة أو المجال المتخصص الذي تنتمي إليها الشركة مثل قطاع الصناعات الغذائية، الأدوية، القطاع السياحي و هكذا. الاتجاه العام للصناعة يتعلق، بحالة النمو و الازدهار أو الانكماش في حركة الصناعي الذي تنتمي إلية الصناعة ، معدلات نمو الطلب على مختلف السلع و الخدمات، أداء الشركات المختلفة، معدلات إنشاء شركات جديدة، متوسط أسعار الأسهم، الأرباح و الخسائر التي تحققها الشركات المختلفة، معدلات الفشل في السوق. إن التغيرات الحاصلة في حجم و حركة التعامل في السوق المحلى و من ثم التنبؤ بالاتجاهات المستقبلية لها و مدى ما تحمله من فرص و مخاطر للمنشاة يؤثر على قراراتها الإدارية.


2- الوضع التنافسي في السوق


و تشمل التعرف على المركز التنافسي للمنافسين العاملين في نفس الصناعة و في نفس السوق بهدف تحديدهم و التعرف على ممارستهم و أساليبهم. كل هذا يفيد الإدارة في التعرف على حصتها السوقية و مدى تأثير المنافسين على أداء الشركة.


أهم العوامل التي يشملها تحليل المنافسة ما يلي:


1- تحديد الحجم النسبي للمنافسين، و يشمل حجم المبيعات، الإنتاج، تنوع الإنتاج الإمكانات المالية و غيرها.
2- الشرائح السوقية الموجودة مثل تقسيم المجتمع إلى متعلمين و غير متعلمين، كبار و صغار.
3- الخطط و البرامج و الاستراتيجيات المطبقة من قبل المنافسين.
4- معرفة مصادر التفوق النسبي للمنافسين. فقد يكون التفوق في السعر، الجودة، خدمات ما بعد البيع.


3- العملاء


هم الأفراد أو الشركات أو الجماعات التي تشتري السلع أو الخدمات التي تنتجها المنظمة. و قد يكون العميل بالنسبة للمنظمة المستهلك النهائي، و هو الشخص الذي يستعمل السلعة أو الخدمة. و في بعض المنظمات يكون العميل هو الموزع أو الوكيل. أمثلة على ذلك، مطعم الوجبات السريعة ماكدونالد حيث يبيع مباشرة إلى المستهلك النهائي. أما شركة كوكاكولا فهي لا تبيع منتجاتها مباشرة إلى المستهلك النهائي بل من محلات السوبر ماركت أو المطاعم أو البقالات الصغيرة و غير ذلك.
و يمثل العملاء أحد القوى الرئيسة التي تؤثر على نجاح المنشأة أو فشلها. حيث لم تعد الشركات الحديثة تسعى إلى بيع ما يمكن إنتاجه، بل تنتج ما يمكن بيعة. فلا بد للشركة أن تعي حاجات المستهلك جيدا ثم تعمل على إشباعها.


4- النقابات


تمثل النقابات العمالية جزءا هاما من بيئة نشاط المنظمة. و تمثل النقابة تنظيم عمالي مهمته الأساسية الدفاع عن حقوق العاملين المتمثلة في الأجور، المعاملة اللائقة من قبل الإدارة، الحماية من الطرد الغير عادل و غير ذلك. فلو عرفنا أن الأجور تمثل أكثر من 60% من التكلفة الكلية للمنشاة، فمعنى ذلك أن قوة النقابة في المساومة مع المنظمة لا يمكن تجاهلها. و تحاول المنظمات جاهدة إغراء العاملين و إقناعهم بشتى الطرق بعدم تنظيم نقابات و ذلك من أجل إعطاءها مرونة أكبر في تعاملها مع العاملين فيها.


5- الموردون


يمثل الموردون المنظمات و الأفراد الذين يزودون المنظمة باحتياجاتها من المدخلات. على سبيل المثال، قد يحصل مطعم شعفوط في غزة على الخبز من شركة الأمل للمخابز، و قد تحصل شركة النصر للمقاولات على البويات من شركة أبو زيد للتجارة و المقاولات. ان أسعار التوريدات، و مدى التزام المورد، و جداول التسليم، و شروط الدفع، و مستوى الجودة، كل ذلك يعد من الاعتبارات الهامة التي تؤخذ في الحسبان في إدارة المنشاة.


6- الشركاء و التحالفات


تلجأ العديد من الشركات إلى التحالف مع شركات أخرى منافسة، و هذا يعود إلى عوامل عدة و منها: 1) التحالف يؤدي إلى تكوين شركات ذات ثقل كبير في السوق يعزز و يقوي قدرتها التنافسية، 2) تقليل حدة المنافسة بينهما و اقتسام كلا من المخاطر و الأرباح. أمثلة على ذلك، تملك شركة IBM أكثر من أربعين مشروعا مشتركا مع شركات أخرى، تعاون شركة شيفرولية الأمريكية مع شركة تويوتا اليابانية في مشروع مشترك لإنتاج السيارة شيفرولية لوميناس، و السيارة تويوتا كامريس. إن وجود شركاء للمنظمة يحتم على إدارتها أخذ ذلك بعين الاعتبار عند تحديد أهدافها و رسم خططها.
كاتب المقال: د. محمد بن علي شيبان العامري .