الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
وزارة التـعليـم العالـي والبحـث العلمـي
جامعة بشار
كلية العلوم الاقتصادية و التجارية و علوم التسيير

استمارة المشاركة في الملتقى الدولي الثالث بعنوان
منظمات الأعمال و المسؤولية الاجتماعية


اللقب : بن جيمة اللقب : بن جيمة
الاسم : مريم الاسم : نصيرة
الوظيفة : أستاذة مساعدة جامعة بشار الرتبة : ماجستير
الرتبة : ماجستير
العنوان الاليكتروني: merim_ben@yahoo.fr

المحور الأول
لغة المداخلة : اللغة العربية
عنوان المداخلة :

المسؤولية الاجتماعية و أخلاقيات الإدارة

يحتل مفهوم المسؤولية الاجتماعية لمنظمة الأعمال اهتماما كبيرا لدى معظم الكتاب و المفكرين، و لم يصل النقاش و التداول لمثل تلك الأفكار إلى موقف واحد مشترك. من هنا يرى المتتبع و المهتم بهذا الموضوع إجابات متجددة لوصف حقيقة العقد الاجتماعي بين منظمة الأعمال و المجتمع الذي تعيش و تحيا فيه. ولعل المسؤولية الاجتماعية بمفهومها الواسع تعتبر ذات أهمية بالغة بالنسبة للمجتمع، والتي جاءت بسبب النقد الكبير الذي وجه إلي المؤسسات ورجال الأعمال، حيث يسعي الكثير من رجال الأعمال إن لم نقل كلهم إلى السعي وراء جمع الأرباح دون المراعاة للكثير من المشاكل التي يعاني منها المجتمع.
و مع ترسيخ و انتشار مفهوم المسؤولية الاجتماعية، أصبح من الصعب على الشركات التغاضي عن دورها التنموي و إحساسها بالمسؤولية الاجتماعية داخل المجتمع. و أهمية هذه المشاركة الاجتماعية لا تكمن فقط في الشعور بالمسؤولية و إنما أصبح أمرا ضروريا لكسب تعاطف المجتمع و احترامه و بالتالي النجاح و الإقبال من الجماهير.

إزاء هذا كله تهدف هذه الورقة البحثية إلى التعريف لماهية المسؤولية الاجتماعية و العوائد المحققة من جراء تبنيها. ومن أجل الوقوف على ذلك تتناول المداخلة بتحليل العناصر التالية:
1- مفهوم المسؤولية الاجتماعية.
2 – أسباب الاهتمام بالمسئولية الاجتماعية
3 - أنماط المسؤولية الاجتماعية.
4 – عناصر المسؤولية الاجتماعية.
5 – الاستجابة الاجتماعية.
6 - مصادر القيم الأخلاقية في المنظمة.
7 – المبادئ الأخلاقية في العمل الاقتصادي.
8 – المسؤولية الاجتماعية و أخلاقيات الإدارة.

1 - مفهوم المسؤولية الاجتماعية لمنظمات الأعمال:
لم يكن مفهوم المسؤولية الاجتماعية في النصف الأول من القرن العشرين معروفا بشكل واضح، حيث تحاول المنشآت جاهدة تعظيم أرباحها وبشتى الوسائل، ولكن مع النقد المستمر الحاصل لمفهوم تعظيم الأرباح فقد ظهرت بوادر لأن تتبنى المنشآت دورا أكبر تجاه البيئة التي تعمل فيها.
و في هذا الإطار فقد عرف (Drucker, 1977) المسؤولية الاجتماعية بأنها: "التزام المؤسسة اتجاه المجتمع الذي تعمل فيه"، وقد شكل هذا التعريف حجر الزاوية للدراسات اللاحقة وفتح الباب واسعا لدراسة هذا الموضوع باتجاهات مختلفة .كما تم تعريفها من قبل مكتب العمل الدولي بأنها: " طريقة تنظر فيها المنشآت في تأثير عملياتها في المجتمع و تؤكد مبادئها وقيمها في أساليبها وعملياتها الداخلية وفي تفاعلها مع قطاعات أخرى". و عرف مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة المسؤولية الاجتماعية بأنها: " الالتزام المستمر من قبل مؤسسات الأعمال بالتصرف أخلاقيا والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والعمل على تحسين نوعية الظروف المعيشية للقوى العاملة وعائلاتهم، إضافة إلى اﻟﻤﺠتمع المحلي واﻟﻤﺠتمع ككل".[1]
كما عرف البنك الدولي مفهوم المسؤولية الاجتماعية لمنظمات الأعمال على أنها "التزام أصحاب النشاطات التجارية بالمساهمة في التنمية المستدامة من خلال العمل مع موظفيهم و عائلاتهم و المجتمع المحلي لتحسين مستوى معيشة الناس بأسلوب يخدم التجارة و يخدم التنمية في آن واحد". أما الغرفة التجارية العالمية فقد عرفت المسؤولية الاجتماعية على أنها "جميع المحاولات التي تساهم في تطوع الشركات لتحقيق تنمية بسبب اعتبارات أخلاقية و اجتماعية، و بالتالي فإن المسؤولية الاجتماعية تعتمد على المبادرات الحسنة من رجال الأعمال دون وجود إجراءات ملزمة قانونيا". و لذلك فإن المسؤولية الاجتماعية تتحقق من خلال الإقناع و التعليم.[2]
و يمكن أن نوضح ماذا نعني بالمسؤولية الاجتماعية و أبعادها من خلال ما يأتي:[3]
أ- بالعلاقة مع دعاة النظرية الاقتصادية التي ترى أن لشركات الأعمال مسؤولية واحدة هي تعظيم الربح، فإن المسؤولية الاجتماعية هي قيام شركات الأعمال بالبرامج و الأنشطة التي تؤدي إلى تحقيق أهداف اجتماعية تتكامل مع الأهداف الاقتصادية فيها.
ب – بالعلاقة مع المصلحة الذاتية لرجال و شركات الأعمال فإن المسؤولية الاجتماعية هي التزام رجال و شركات الأعمال بالمصلحة الذاتية المتنورة التي تهتم بمصالح الأطراف الأخرى من غير حملة الأسهم كمصالح العاملين، الموردين، الموزعين، المنافسين، الزبائن،..الخ.
ج – بالعلاقة مع سلوك شركات الأعمال فإن المسؤولية الاجتماعية هي مجموعة الالتزامات الطوعية (الاستجابة الاجتماعية) أو غير الطوعية (المفروضة بالقانون) التي تنسجم مع قواعد و متطلبات البيئة و الأطراف المؤثرة فيها.
د – و بالعلاقة مع أخلاقيات الإدارة فإن المسؤولية الاجتماعية هي الحد الأدنى الأخلاقي المطلوب الالتزام به لضمان امتثال شركات الأعمال للقانون و للمعايير و القيم الاجتماعية.
و خلاصة القول أن المسؤولية الاجتماعية للشركات تعني التصرف على نحو يتسم بالمسؤولية الاجتماعية و المسائلة. ليس فقط أما أصحاب الملكية و لكن أمام أصحاب المصلحة الأخرى بمن فيهم الموظفين و العملاء و الحكومة و الشركات و المجتمعات المحلية و الأجيال القادمة. و يعد مفهوم المسائلة مكونا رئيسيا من المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص، كما تعتبر التقارير الدورية للمسؤولية الاجتماعية للشركات أداة تسعى هذه الشركات عن طريقها لطمأنة أصحاب المصلحة بأنها تعنى باستمرار بما يشغلهم على نحو استباقي و إبداعي عبر كل ما تقوم به من عمليات.[4]
2 - أسباب الاهتمام بالمسئولية الاجتماعية:
تعود أسباب الاهتمام بالمسؤولية الاجتماعية إلي بعدين هما:[5]
أ- البعد الكلي: يمثل المتغيرات الكلية ونذكر منها ما يلي:
- الكوارث والفضائح الأخلاقية: أو ما يسميه البعض ثمن تجاهل التبعات والتي نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، ظاهرة الاحتباس الحراري، كارثة معمل كاريايد في بوبال بالهند الذي أودى بحياة أكثر من 6000 شخص، إضافة إلي فضائح الرشوة للشركات العالمية والمخالفات في حق الإنسانية.
- الضغوط الشعبية والحكومية والدولية: وتبرز من خلال التشريعات الداعية لحماية المستهلك والبيئة والعمل والأمن والدور الإيجابي للمنظمات في تحقيق حقوق الإنسان.
- التطور التكنولوجي: لقد ساهم التطور التكنولوجي أو الثورة التكنولوجية في مجالات تقنية عديدة وحركات التشغيل و توفير البيئة المناسبة للاهتمام بجودة المنتجات والعمليات وتنمية مهارات العاملين.
ب- البعد الجزئي: بمعني المتغيرات الخاصة بالمؤسسة في حد ذاتها ونذكر منها ما يلي:
- تغير هدف المؤسسة: إن هدف الربح لم يعد كافيا حتى تتمكن المؤسسة من الاستجابة لمطالب المجتمع والحفاظ على بقائها وبالتالي تحول هدفها إلى السعي لإشباع الحاجات الاجتماعية.
- تغير دور الإدارة: لم تعد الإدارة (إدارة المؤسسة) مسئولة عن تحقيق رغبات ومصالح فئة واحدة فقط وهم الملاك وحملة الأسهم، بل أصبحت مسئولة عن تحقيق التوازن المستمر بين مصالح العديد من الفئات ذوي العلاقة مثل العملاء والرأي العام والنقابات والممولين.

3 - أنماط المسؤولية الاجتماعية:
ويمكن أن نلاحظ أن وجهتي نظر متعارضتين شكلتا نمطين متناقضين في إدراك إدارة المنظمة للدور الاجتماعي الذي يجب أن تمارسه:[6]


أ - النمط الأول: المسؤولية الاقتصادية Economic Responsibility
إن جوهر هذا النمط هو أن منشآت الأعمال يجب أن تركز على هدف تعظيم الربح بغض النظر عن أي مساهمة اجتماعية، وأن المساهمات الاجتماعية ما هي إلا تحصيل حاصل أو نواتج ثانوية لتعظيم الربح. وأن أبرز أنصار هذا النمط هو الاقتصادي الأمريكي الحاصل على جائزة نوبل Milton Friedman حيث يشير إلى أن المدراء هم محترفون وليس مالكين للأعمال التي يديرونها لذلك فهم يمثلون مصالح المالكين وعلى هذا الأساس فإن مهمتهم هي إنجاز أعمالهم بأحسن طريقة ممكنة لتحقيق أعظم الأرباح للمالكين. وإذا ما قرروا إنفاق الأموال على الأهداف الاجتماعية فإنهم سوف يضعفون ديناميكية السوق وبالتالي سوف تنخفض الأرباح نتيجة هذا الصرف على الجوانب الاجتماعية وهذا يلحق خسارة بالمالكين، ولو تم رفع الأسعار للتعويض على ما ينفق على الجانب الاجتماعي فإن المستهلكين سيخسرون أيضا وإذا امتنعوا عن شراء هذه المنتجات فإن المبيعات ستنخفض وبالتالي تتدهور المنشأة.
ب - النمط الثاني: الاجتماعي Social
إن هذا النمط يقع على النقيض تماما من النمط الأول ويحاول أن يعرض المنشآت كوحدات اجتماعية بدرجة كبيرة، تضع المجتمع ومتطلباته نصب أعينها في جميع قراراتها. ولعل جماعات السلام الأخضر (Green Peace) أو الجماعات الأخرى التي تقدم نفسها كأحزاب اجتماعية صرفة تمثل هذا النمط وتحث المنشآت على تبنيه. و بالمقابل تجد المنظمات صعوبة في موازنة متطلبات أدائها الاقتصادي ومزيد من الالتزامات في هذا الاتجاه الاجتماعي سواء على الصعيد الداخلي أو على صعيد الأداء الخارجي.
ج - النمط الثالث : الاقتصادي-الاجتماعي Socio-economic
وهو النمط الأكثر توازنا حيث يرى أن الوقت قد تغير وأن إدارات المنشآت لا تمثل مصالح جهة واحده - المالكين - فقط وإنما هناك جهات عديدة أخرى مثل الحكومة والمجتمع ترتبط معها بالتزامات معينة. ومن أهم الأفكار التي تدعم هذا الاتجاه تلك القائلة بأن اتساع عمليات الخصخصة أدى إلى تطلع المجتمعات إلى منشآت الأعمال لكي تتحمل مسؤوليتها في تقديم ما كانت تضطلع به الحكومات تجاه المجتمعات والبيئة.
و إذا كان الأمر يمثل بالنسبة للعالم المتقدم حالة طبيعية وذلك لنضج المنشآت وإداراتها فإنه يمثل مشكلة كبيرة في دول العالم النامية. حيث تم عرض الموضوع بكون النموذج الأول يمثل منشآت القطاع الخاص التي لا هم له سوى مزيد من تحقيق الأرباح حتى لو كان على حساب مصلحة باقي الأطراف مما يثير إشكالية بينها. لذلك يمكن النظر إلى النموذج الثاني باعتباره يمثل ردة فعل من قبل الدولة وهي المسيطر الرئيسي في العالم الثالث، حيث قدمت منشآتها على أنها خلايا اجتماعية تهدف تقديم مزيد من الخدمات إلى المجتمع حتى لو كان ذلك على حساب أدائها الاقتصادي وتحملها خسائر بررت بكونها تمثل متطلبات اجتماعية حتى لو كانت تمثل ضعفا في الأداء أو أنها تخفي فسادا إداريا مستشريا.
وفي ضوء هذا النموذج يظهر أن هناك تقاربا في وجهات النظر ظهر من خلال النموذج الثالث )المتوازن (باعتباره ممثلا لحالة أكثر واقعية بشأن الأداء على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.

4 - عناصر المسؤولية الاجتماعية:
إن متابعة ما كتب حول المسؤولية الاجتماعية يشير إلى أن الباحثين قد حددوا عدد كبير من العناصر التي تشكل محتوى المسؤولية الاجتماعية، و لكنهم يتباينون في ترتيب أولويات هذه العناصر حيث ظهرت اختلافات في ذلك حسب بيئة الدراسة، و حسب زمنها و طبيعة الصناعة المبحوثة. و إجمالا يمكن اعتماد العناصر التالية كمؤشرات لمحتوى المسؤولية الاجتماعية:[7]
1 – المالكون:
- تحقيق أكبر ربح ممكن. - تعظيم قيمة السهم و المنشأة ككل.
- رسم صورة محترمة للمنشأة في بيئتها. - حماية أصول المنشأة.
- زيادة حجم المبيعات.
2 – العاملون:
- رواتب و أجور مجزية. - فرص تقدم و ترقية.
- تدريب و تطوير مستمر. - عدالة وظيفية.
- ظروف عمل مناسبة. - رعاية صحية.
- إجازات مدفوعة. - إسكان للعاملين و نقلهم.
3 – الزبائن:
- منتجات بنوعية جيدة. - أسعار مناسبة.
- جودة عالية و ميسورية الحصول عليها. - الإعلان الصادق.
- منتجات أمينة عند الاستعمال.
- إرشادات بشأن استخدام المنتج ثم التخلص منه أو من بقاياه بعد الاستعمال.
4 – المنافسون:
- منافسة عادلة و نزيهة.
- معلومات صادقة و أمينة.
- عدم سحب العاملين من الآخر بوسائل غير نزيهة.
5 – المجهزون:
- الاستمرارية في التجهيز. - أسعار عادلة و مقبولة.
- تطوير استخدامات المواد المجهزة. - المشاركة في التعامل.
- تسديد الالتزامات المالية و الصدق في التعامل.
6 – المجتمع:
- المساهمة في دعم البنى التحتية. - توظيف المعاقين.
- خلق فرص عمل جديدة. - دعم الأنشطة الاجتماعية.
- المساهمة في حالة الطوارئ و الكوارث. - احترام العادات و التقاليد السائدة.
- الصدق في التعامل و تزويده بالمعلومات الصحيحة.
7 – البيئة:
- الحد من تلوث الماء و الهواء و التربة. - تطوير الموارد و صيانتها.
- الاستخدام الأمثل و العادل للموارد و خصوصا غير المتجددة منها.
- التشجير و زيادة المساحات الخضراء.
8 – الحكومة:
- الالتزام بالتشريعات و القوانين و التوجهات الصادرة من الحكومة.
- احترام تكافؤ الفرص بالتوظيف.
- تسديد الالتزامات الضريبية و الرسوم الأخرى و عدم التهرب منها.
- المساهمة في الصرف على البحث و التطوير.
- المساهمة في حل المشكلات الاجتماعية مثل القضاء على البطالة.
- المساعدة في إعادة التأهيل و التدريب.
9 – جماعات الضغط الاجتماعي:
- التعامل الجيد مع جمعيات حماية المستهلك.
- احترام أنشطة جماعات حماية البيئة.
- احترام دور النقابات العالية و التعامل الجيد معها.
- التعامل الصادق مع الصحافة.

5 - الاستجابة الاجتماعية:
إن الكيفية التي تستجيب بها منظمة الأعمال حول المسؤولية الاجتماعية تعرف عادة بالاستجابة الاجتماعية للمؤسسة أو المشروع. و في الحقيقة تتفاوت هذه الاستجابة من منظمة إلى أخرى تبعا لعدد من العوامل، إلا أننا نستطيع أن نبوب تلك الاستجابة بين المنخفضة و العالية في أربعة مداخل أساسية، هي:[8]
1 – الإدارة الخانقة: لا ترفض مثل هذه الإدارة التزام منظمتها بالمسؤولية تجاه المجتمع و حسب و إنما تنهض بأعمال غير أخلاقية و يرفضها المجتمع. إنها تركز فقط على جمع و تحصيل العوائد مهما كان الثمن. و ما التداول و الترويج لسلع ممنوعة إلا و مثال سافر على عن ذلك النهج.
2 – الإدارة المكتفية: تجعل مثل هذه الإدارة منظمتها تلتزم بالحد الأدنى و الذي تفرضه القوانين و لا أكثر. إنها تنظر لمنظمة الأعمال بأن عليها تحقيق العوائد و الأرباح و ليس لها شأن بما سوى ذلك.
3 – الإدارة المعاونة: تحمل مثل هذه الإدارة منظمتها على الالتزام بما تطلبه القوانين و تزيد على ذلك عندما يطلب منها بعض تلك المساهمات.
4 – الإدارة الفاعلة: تقف مثل هذه الإدارة بمنظمتها على الطرف ذو الاستجابة الاجتماعية الايجابية العالية لكل متطلبات المسؤولية الاجتماعية، و تحمل كل الأطراف ذات العلاقة بالمنظمة على المساهمة من خلال منظمتها في خدمة و تنمية المجتمع. إنها تنظر إلى المنظمة بأنها مواطن صالح في مجتمعها.

6 - مصادر القيم الأخلاقية في المنظمة:
إن معايير التصرف الأخلاقي هي مجسدة ضمن المستخدمين و كذلك ضمن المنظمة نفسها. و مضاف إلى ذلك أصحاب المصالح الخارجيين يمكن أن يؤثروا في المعايير لما هو أخلاقي. و بذلك توجد مجموعة قوى تشكل الأخلاقيات الإدارية. و يحدد Daft مجموعة من العناصر التي تعمل على تشكيل الأخلاقيات الإدارية، و تتمثل في:[9]
1 – الأخلاق الشخصية: كل شخص يجلب مجموعة من المعتقدات الشخصية و القيم إلى العمل. فالقيم الشخصية و الاستنتاجات الأخلاقية تحول هذه القيم إلى سلوك في المناطق المهمة في صنع القرار في المنظمة. فالخلفية العائلية و القيم الروحية للمدراء توفر المبادئ التي من خلالها يقوم بتنفيذ العمل.
2 – ثقافة المنظمة: من الناذر ما يمكن أن تسهم ممارسات الأعمال الأخلاقية أو غير الأخلاقية بشكل كامل في الأخلاق الشخصية للفرد الواحد بسبب أن ممارسات الأعمال تعكس القيم، الاتجاهات، و نماذج السلوك لثقافة المنظمة. و للترويج عن السلوك الأخلاقي في أماكن العمل، على المنظمة أن تجعل من الأخلاق جزء مكمل لثقافة المنظمة. و تبدأ ثقافة المنظمة بصورة عامة بمؤسس أو قائد يوضح و ينجز أفكار و قيم معينة. حيث أن القائد أو مدير القمة يكون مسئول عن خلق و دعم الثقافة التي تؤكد على أهمية السلوك الأخلاقي و المسؤولية الاجتماعية في المنظمة.
3 – نظم المنظمة: و هي النظم الرسمية للمنظمة. و تتضمن البنية الأساسية للمنظمة مثل: هل أن القيم الأخلاقية مندمجة في السياسات و القوانين، هل قانون الأخلاق الضمنية متاح و موجه للعاملين.
4 – أصحاب المصالح الخارجيين: إن الأخلاقيات الإدارية تتأثر كذلك بعدد من أصحاب المصالح الخارجيين و هم مجموعات خارج المنظمة تؤثر في أدائها. و عند صنع القرار الأخلاقي تدرك المنظمة بأنها جزء من مجتمع كبير و تأخذ بعين الاعتبار أثر قراراتها و أعمالها على كل أصحاب المصالح. و أن أصحاب المصالح الأكثر أهمية هم الوكالات الحكومية، الزبائن مجاميع المصالح الخاصة الذين يكون لديهم اهتمام بالبيئة الطبيعية و قوى السوق العالمية.

7 – المبادئ الأخلاقية في العمل الاقتصادي:[10]
ليست الرأسمالية غير أخلاقية بالضرورة، و الفكرة النمطية أن الربح و الخصخصة و نظام السوق ينطوي بالضرورة على تجاوزات أخلاقية أو لا يأخذ الأخلاق بالاعتبار فكرة تحتاج إلى مراجعة إستراتيجية، صحيح أن ثمة ممارسات و حالات كثيرة للبحث عن الربح بأي ثمن، و لكنها ليست ملتصقة بالضرورة بالعمل الاقتصادي الحر.
و يمكن بمنظومة من العمل المجتمعي و التشريعات و تطوير الرأي العام أن تكون القواعد الأخلاقية استثمارا بحد ذاته يزيد الثقة بالمنتجات و السلع و الخدمات التي تقدمها الشركات.
و القوانين و التشريعات مهما كانت محكمة فإنها لا تحمي المجتمعات و الحقوق و لا توفر وحدها الأمن و الثقة، و لكنها حين تعمل في بيئة أخلاقية فإنها تحقق كفاءة عالية في التنمية و الإصلاح، و للأخلاق في كثير من الأحيان سلطات واقعية و فكرية تفوق السلطة المادية.
و قد تنشئ المصالح التي تنظم علاقات الإنتاج و الحماية أيضا منظومة أخلاقية من العمل و الانتماء و التكافل و الرعاية و التوازن بين الحقوق و الواجبات، فنحتاج لأجل النجاح و تحقيق مصالحنا القريبة و البعيدة المدى أن نعمل بتنظيم من سياقات قانونية و سياسية و أخلاقية أيضا دون أن تلغي واحدة من هذه السياقات الأخرى، فلكل منظومة مجالها الخاص بها، و لها معا تفاعلات ذاتية و تلقائية و منظمة يجب الالتفات إليها.
و قد لاحظ بيتر آيغن رئيس و مؤسس منظمة الشفافية العالمية بعد تجربة عمل طويلة في البنك الدولي أن مكافحة الفساد عبر العمل على إقامة و تشجيع منظومة من العمل الاقتصادي الذي ينظم نفسه على أساس من النزاهة و مكافحة الفساد دون تدخلات و مراقبة حكومية و دولية هو الأكثر نجاحا و فاعلية.
و تتأكد اليوم وجهة نظر مفادها أن المجتمع العالمي يحتاج إلى القطاع الخاص بعدما تأكد عجز الحكومات عن مواجهة الفساد، و لذلك فإن المؤسسات الاقتصادية الكبرى بخاصة تحتاج إلى برامج عمل نابعة من المسؤولية الاجتماعية.
و من المبادئ و الأفكار التي تقترحها المؤسسات العاملة في مكافحة الفساد، أن تضع كل مؤسسة اقتصادية في أنظمتها و مدوناتها التزاما بالحؤول دون الفساد المباشر أو غير المباشر، و إدخال برامج مناهضة للفساد و وضعها موضع التنفيذ، و هذا يعني أن الأخلاق ليست مسألة هامشية في الاقتصاد، بل هي مكون أساسي للأسواق و المنظمات و العلاقات التجارية و الاقتصادية.

8 - المسؤولية الاجتماعية و أخلاقيات الإدارة:[11]
لا شك في أن هناك علاقة قوية بين المسؤولية الاجتماعية و أخلاقيات الإدارة. و أن هذه العلاقة في أكثر الأحيان أدت إلى الربط و التداخل بين الاثنين حيث أن الحديث عن إحداهما يرتبط بشكل صريح أو ضمني بالحديث عن الأخرى. كما أن الأدبيات الحديثة في الإدارة تشتمل على فصل نمطي يحمل عنوانا مشتركا هو: المسؤولية الاجتماعية و أخلاقيات الإدارة. فكيف يمكن أن نحدد العلاقة بينهما؟ و هل هي علاقة تطابق (أي أن كل ما يدخل ضمن المسؤولية الاجتماعية للشركة هو من أخلاقيات الإدارة و بالعكس) أم هي علاقة تكامل أم غير ذلك؟
في البدء لابد من التأكيد على أن الأخلاقيات كانت نزوعا أسبق لدى الأفراد في المجتمع من مسؤوليتهم الاجتماعية و هي أيضا أسبق لدى الأفراد في الشركات من المسؤولية الاجتماعية. و لا شك في أن النزوع الأخلاقي كان قديما فوصية (لا تسرق) كانت في الماضي و ظلت حتى وقتنا الحاضر. في حين أن الكثير من المفاهيم و مواقف المسؤولية الاجتماعية ترتبط بالتطورات الحديثة في المجتمع كما هو الحال في الدعوة الاجتماعية-البيئية (لا تلوث البيئة) التي تمثل موقفا اجتماعيا و وعيا جديدا و مسؤولية اجتماعية جديدة.
و مع أن المسؤولية الاجتماعية تحمل جانبا أخلاقيا مما يعطيها بعدا أعمق من التسميات و امتدادا أبعد من ظهور المصطلح في التداول في الستينات، إلا أن ممارسة الشركات لمسؤوليتها الاجتماعية يحد من إمكانية جعل المسؤولية الاجتماعية قديمة قدم الأخلاقيات في عمل الأفراد. و من التحليل يمكن التوصل إلى استنتاج مهم و هو أن مفهوم المسؤولية الاجتماعية هو وليد المصلحة الذاتية المتنورة و ليس نتاجا مباشرا لرؤية أخلاقية-اجتماعية بالأصل. فهي وليدة النموذج الاقتصادي القائم على الكفاءة أي تعظيم الربح.
و سرعان ما ظهر في هذا النموذج أن البعد الواحد (الكفاءة فقط) بأبعاده السلبية على الأطراف الأخرى و على المجتمع سيكون أكثر تكلفة و تضحية للشركة من النموذج الاقتصادي-الاجتماعي الذي يقوم على الرؤية المتعددة الأبعاد و المتوازنة ما بين الاعتبارات الاقتصادية و الاعتبارات الاجتماعية. لهذا يمكن القول أن ظهور و تطور مفهوم المسؤولية الاجتماعية يكمن في النموذج الاقتصادي نفسه و بالمصلحة الذاتية الصرفة التي لم تعد قادرة بأشكالها القديمة على مجاراة التطور في المفاهيم و الممارسات الجديدة فتحولت إلى نمط المصلحة الذاتية المتنورة الأكثر توازنا.

الخـاتمـة
لقد نمت و تطورت المسؤولية الاجتماعية كنتيجة طبيعية لإخفاق الأعمال في الاستجابة لاحتياجات بيئتها الاجتماعية و لمصالح الأطراف الأخرى فيها. فهي نتاج المشكلات الكثيرة و الأزمات العديدة التي ارتبطت بحرية الأعمال و نظرتها الضيقة لمصلحتها الذاتية على حساب المجتمع الذي تعمل فيه. لهذا لم يكن ممكنا الاستمرار بحرية الأعمال خاصة بعد أن بدأت شركات الأعمال تواجه ظروفا جديدة و وعيا اجتماعيا و بيئيا و مفاهيم جديدة تقوم على المسؤولية الاجتماعية و أخلاقيات الأعمال من أجل مراعاة مصالح الأطراف الأخرى و مصلحة المجتمع ككل. و مع ترسيخ و انتشار مفهوم المسؤولية الاجتماعية، أصبح من الصعب على الشركات الكبيرة التغاضي عن دورها التنموي و إحساسها بالمسؤولية الاجتماعية داخل المجتمع. و أهمية هذه المشاركة الاجتماعية لا تكمن فقط في مجرد الشعور بالمسؤولية و إنما أصبحت أمرا ضروريا لكسب تعاطف المجتمع و احترامه و بالتالي ضمان النجاح و الإقبال من الجماهير.
إن المسؤولية الاجتماعية وجدت تطبيقها في المجال الاقتصادي و بلغة الوحدات الاقتصادية. و لا شك في أن الأخلاقيات هي أبعد عن الحسابات الاقتصادية لأنها تقترن بالنزوع الأخلاقي للإنسان سواء كان مديرا أو غير ذلك. و الواقع أن مثل هذه الأفكار تجعل الأخلاقيات من نوع الحالات المطلقة، أي أن الأخلاق أولا حتى لو تضاربت مع المصالح الأساسية التقليدية للشركة، في حين أن المسؤولية الاجتماعية هي نوع من الحالات النسبية أي بالمقارنة مع المصالح و الأطراف ذات العلاقة بالشركة. و من المؤكد أن الأخلاقيات في السلوك العام للأفراد في المجتمع تعمل على دعم المسؤولية الاجتماعية كما تمثل أساسا قويا للتطور نحو مفاهيم جديدة لأخلاقيات الإدارة التي تطورت فيما بعد.
المراجع:
[1] - السحيباني صالح. المسؤولية الاجتماعية و دورها في مشاركة القطاع الخاص في التنمية: حالة تطبيقية على المملكة العربية السعودية. المؤتمر الدولي حول القطاع الخاص في التنمية: تقييم و استشراف، 23-25 مارس 2009، بيروت، متاح على
https://www.Arab-api.org/conf_0309p28.pdf، (اطلع عليه بتاريخ 30 نوفمبر 2011)، ص 04.
2 - السكارنة بلال خلف. أخلاقيات العمل. الطبعة الأولى. عمان: دار المسيرة للنشر و التوزيع، 2009، ص 162.
3 - نجم عبود نجم. أخلاقيات الإدارة و مسؤولية الأعمال في شركات الأعمال. الطبعة الأولى. عمان: مؤسسة الوراق للنشر و التوزيع، 2006، ص 201.
4 - الأسرج حسين عبد المطلب. المسؤولية الاجتماعية للشركات: التحديات و الآفاق من أجل التنمية في الدول العربية، متاح على https://mpra.ub.uni-muenchen.de.pdf ( اطلع عليه بتاريخ 30 نوفمبر 2011)، ص 06.
5 - بن عيشي بشير، قوفي سعاد، عرقابي عادل. المسؤولية الاجتماعية و الأداء الاجتماعي للمؤسسات الاقتصادية في إطار التنمية المستدامة. الملتقى العلمي الدولي الأول حول أداء و فعالية المنظمة في ظل التنمية المستدامة، 10 – 11 نوفمبر 2009، جامعة محمد بوضياف بالمسيلة، كلية العلوم الاقتصادية و علوم التسيير و العلوم التجارية.
6 - الغالبي طاهر محسن منصور، العامري صالح مهدي محسن. المسؤولية الاجتماعية لمنظمات الأعمال و شفافية نظام المعلومات: دراسة تطبيقية لعينة من المصارف التجارية الأردنية. متاح على .../https://unpan1.un.org/intradoc/groups/public/documents ( اطلع عليه بتاريخ 30 نوفمبر 2011)، ص 216.
7 - السكارنة بلال خلف. مرجع سبق ذكره، ص 166-168.
8 - زيارة فريد فهمي. وظائف منظمات الأعمال مدخل معاصر.عمان: دار اليازوري العلمية للنشر و التوزيع، 2009، ص 273.
9 - الدوري زكريا مطلك، صالح أحمد علي. إدارة التمكين و اقتصاديات الثقة في منظمات أعمال الألفية الثالثة.عمان: دار اليازوري العلمية للنشر و التوزيع، 2009، ص257-ص259.
10 - السكارنة بلال خلف. مرجع سبق ذكره، ص 169.
11 - نجم عبود نجم. مرجع سبق ذكره، ص 216.


[1] : السحيباني صالح. المسؤولية الاجتماعية و دورها في مشاركة القطاع الخاص في التنمية: حالة تطبيقية على المملكة العربية السعودية. المؤتمر الدولي حول القطاع الخاص في التنمية: تقييم و استشراف، 23-25 مارس 2009، بيروت، متاح على https://www.Arab-api.org/conf_0309p28.pdf، (اطلع عليه بتاريخ 30 نوفمبر 2011)، ص 04.

[2] : السكارنة بلال خلف. أخلاقيات العمل. الطبعة الأولى. عمان: دار المسيرة للنشر و التوزيع، 2009، ص 162.

[3] : نجم عبود نجم. أخلاقيات الإدارة و مسؤولية الأعمال في شركات الأعمال. الطبعة الأولى. عمان: مؤسسة الوراق للنشر و التوزيع، 2006، ص 201.

[4] : الأسرج حسين عبد المطلب. المسؤولية الاجتماعية للشركات: التحديات و الآفاق من أجل التنمية في الدول العربية، متاح على https://mpra.ub.uni-muenchen.de.pdf ( اطلع عليه بتاريخ 30 نوفمبر 2011)، ص 06.


[5] : بن عيشي بشير، قوفي سعاد، عرقابي عادل. المسؤولية الاجتماعية و الأداء الاجتماعي للمؤسسات الاقتصادية في إطار التنمية المستدامة. الملتقى العلمي الدولي الأول حول أداء و فعالية المنظمة في ظل التنمية المستدامة، 10 – 11 نوفمبر 2009، جامعة محمد بوضياف بالمسيلة، كلية العلوم الاقتصادية و علوم التسيير و العلوم التجارية.

[6] : الغالبي طاهر محسن منصور، العامري صالح مهدي محسن. المسؤولية الاجتماعية لمنظمات الأعمال و شفافية نظام المعلومات: دراسة تطبيقية لعينة من المصارف التجارية الأردنية. متاح على
.../https://unpan1.un.org/intradoc/groups/public/documents ( اطلع عليه بتاريخ 30 نوفمبر 2011)، ص 216.

[7] : السكارنة بلال خلف. مرجع سبق ذكره، ص 166-168.

[8] : زيارة فريد فهمي. وظائف منظمات الأعمال مدخل معاصر.عمان: دار اليازوري العلمية للنشر و التوزيع، 2009، ص 273.

[9] : الدوري زكريا مطلك، صالح أحمد علي. إدارة التمكين و اقتصاديات الثقة في منظمات أعمال الألفية الثالثة.عمان: دار اليازوري العلمية للنشر و التوزيع، 2009، ص257-ص259.

[10] : السكارنة بلال خلف. مرجع سبق ذكره، ص 169.

[11] : نجم عبود نجم. مرجع سبق ذكره، ص 216.