ثمة قناعة راسخة بأن أقسام الموارد البشرية تلعب دوراً محورياً في صياغة الثقافة المؤسسية، فهي تمهد لأجواء تعاونية في العمل، وتحافظ على مجموعة متنوعة من أرفع المواهب مستوى.


بيد أن تأثير تطبيقات الموارد البشرية اليوم بات يتجاوز بصورة واضحة مسألة إدارة الأفراد، فوفقاً لدراسة حديثة صدرت عن مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب والاتحاد العالمي لجمعيات إدارة الأفراد، بعنوان: «كيفية التأسيس لأداء موارد بشرية متميز في التواصل وترتيب الأولويات والتأثير» ثمة علاقة متشابكة ومتينة تربط بين كفاءات الموارد البشرية والأداء الاقتصادي للأعمال.


يستكشف التقرير، وهو الثامن ضمن السلسلة السنوية التي تحمل عنوان: «تعزيز ميزة العنصر البشري»، الاتجاهات الناشئة ضمن قطاع الموارد البشرية. وفي سياق عملنا على نسخة العام الحالي قمنا بجمع الإجابات على الاستطلاع من نحو 3500 موظف تنفيذي ضمن عدد وافر من القطاعات في أكثر من 100 بلد، من بينها الإمارات العربية المتحدة. وفي مسار موازٍ، قمنا بإجراء مقابلات معمقة مع 64 من القادة في ميدان الموارد البشرية وغيره.







كما قمنا في سياق بحثنا أيضاً بمراجعة أداء الأسهم خلال عشر سنوات للشركات العامة على قائمة مجلة فورتشن: «أفضل الشركات للعمل لديها» لعام 2014، ومن ثم عمدنا إلى مقارنته مع مؤشر ستاندرد أند بورز 500، وماذا كانت النتيجة؟ لقد تفوق أداء الشركات المئة الأفضل، التي تميزت بأداء مثالي للموارد بشرية، بنسبة بلغت نحو 100 بالمئة على المؤشر.


وانسجاماً مع هذه النتائج قمنا بدراسة أسس الإدارة الممتازة للأفراد، حيث برزت لنا ثلاثة عناصر أساسية:
تمثل الأول والأهم بينها في تأدية قسم الموارد البشرية عالمي المستوى لخدماته انطلاقاً من كونه شريكاً حقيقياً في الأعمال، وهذا يعني أن قسماً كهذا يتمتع باستراتيجية فعّالة لإدارة الأفراد، تتكون من عمليات متعددة المراحل للتوظيف والتواصل، الأمر الذي يتناغم فطرياً مع أهداف الأعمال بمجملها. وعلاوةً على ذلك، تعمد أقسام الموارد البشرية الفعّالة إلى تطوير قدرات هامة مصممة لتوفير الدعم للشركة في تنفيذ العمليات. والأهم من ذلك، أن هذه الأقسام تتمتع بفهم عميق لأهداف الأعمال، الأمر الذي يمكّنها بدوره من استشراف الاحتياجات المستقبلية للتطوير والتدريب الإداريين.


أما الأمر الثاني فتجسد في أن الصلة بين إتقان العمل ضمن قطاع الموارد البشرية وإحراز النجاح في المضمار المالي تتعذر إقامتها إلا إذا تمكّن قادة الموارد البشرية من قياس أداء القوة العاملة. وهذا ما يستلزم إجراء وإعداد مؤشرات الأداء الرئيسية المتعلقة بالأفراد، والتي تتضمن البيانات اللازمة لصياغة حلول استراتيجية، واعتماد العمليات المؤتمتة المناسبة. وباختصار، تشكّل تحليلات الأفراد، التي تلقي الضوء على عمليات إدارة الأفراد، أداةً لا غنى عنها لمساعدة مهام الموارد البشرية في ترك أثرها في الأعمال.


والأمر الأخير هو أن أقسام الموارد البشرية المتميزة بنشاطها لا تنفك تركز على التحسين الذاتي، وبناءً على ذلك هي تحدد أبرز الأولويات الملحة لشركاتها، كما تحدد أهدافها المتعلقة بالاستثمارات ذات الصلة بإدارة الأفراد. ويجري تقدير الأولويات الملحة استناداً إلى الفجوة بين مستوى القدرات الراهنة والأهمية المستقبلية فيما يتعلق بموضوع محدد ضمن قطاع الموارد البشرية.


وتسليطاً للضوء على أبرز الأولويات الخاصة بالشركات في مناطق وقطاعات مختلفة، وفي سياق إعدادنا للتقرير، قمنا بالبحث في 27 موضوعاً من مواضيع الموارد البشرية.


فعلى سبيل المثال، صنفت القيادة باعتبارها الموضوع الأكثر إلحاحاً الذي يحتاج للتصرف بشأنه في الإمارات العربية المتحدة، وتبعها إدارة الأداء، واستراتيجية الموارد البشرية والأفراد. ومما يثير الاهتمام أن إدارة الأداء تحتل مرتبة أدنى بكثير، من حيث الإلحاح، في مختلف البلدان الأخرى، إذ لم تذكر فعلياً في أي بلد آخر بين المواضيع الثلاثة الأكثر إلحاحاً.


ويشير هذا إلى أن قادة الموارد البشرية في الإمارات العربية المتحدة يجب أن يركزوا جهودهم على تطوير مهارات القيادية ضمن الإدارة. وبالاستناد إلى نتائج التقرير، يجب عليهم بصورة أساسية إقامة الصلة بين المعنيين الداخليين، والتخطيط لأولويات واضحة لتطوير فعالية الموارد البشرية، إلى جانب اعتماد مؤشرات تحليل الأداء للموارد البشرية دعماً للأهداف الاستراتيجية لشركاتهم.


في نهاية المطاف، سيمدهم التصدي لهذه المهام بعون كبير لتطوير أداء شركاتهم المالي والعملي.